سألها بلطف :
" ثم؟"
قالت:
" ثم انك نسيت ما اخبرتك به عن تيرى"
والحقيقه انها كانت قد اقسمت الا تثق بعد تيرى بمثل تلك السرعه,ولكن يبدو وأنها عادت وتصرفت بمثل ذلك مع برايان.
قال بول:
" تيرى؟ اه, نعم... انه الرجل الذى حطم قلبك"
وتغيرت ملامحه فجأه وهو يقول:
" امازلت تفتقدينه؟"
فرددت كلمته:
" افتقده؟"
وفكرت فى ان هذه المناسبه البهيجه قد استحالت الى العكس اذ كان عليها ان تستجيب الى كل تقلبات مزاج بول االتى تلوح على وجهه. كيف تجيب عن هذا السؤال؟ وفجأه, ادركت انه لن ينفعها سوى قول الحقيقه كامله.
قالت:
" كلا. اننى لا افتقده.. واذا شئت الحقيقه, لا اظنه قد حطم قلبى, ربما هو قد خيب ظنى. وخاننى, وحطم ثقتى ولكن ليس قلبى, ولا اظننى احببته حقيقه قط, كل ما فى الامر اننى كنت اسر بالخروج معه, لقد اعتدنا الخروج كثيرا. وكان يسرنى ان ارتدى ثيابا جميله واذهب الى امكنه بهيجه"
وضعف صوتها وهى تنظر فى الوجه المقابل لها, كيف استطاع ان يستدرجها فى الحديث الى هذا الحد لتدلى اليه بما لم تعترف به لنفسها من قبل, وذلك بعد اسئله قليله؟
كيف استطاع ان يجعل مشاعرها ترتسم على وجهها ليراها كما هى؟ ثم ما الذى وضع ابتسامه الانتصار تلك فى عينيه وهو يسترخى على كرسيه؟ ما الذى كان يفكر فيه؟
وراجعت, بقلق, كل نا تفوهت به, لترى ان كان ثمه شرك فى اسئله بول, شرك قد تكون شقطت فيه دون تفكير.
لكنها رأـ ان ذلك كان بعد فوات الاوان اذ انها ادركت, بعد ان تذكرت كلماتها, انه فسر تلك الكلمات, وكيف شرح شعوؤها ببراءه, نحو تيرى وربطه بالحياه الاجتماعيه, كيف يحول هذا المستمع الساخر, هذا الى اعتبارها فتاه عابثه تبقى فقط مع الرجل لما يمكنه ان يقدم لها من متع رفاه, كما يظنها بالنسبه الى عمته, وساورها شعور مفرع انها قد وقعت بالتجربه, وحوكمت ثم صدر عليها الحكم بالادانه بانها فتاه متحجره القلب تسعى وراء المال مما يؤكد رأيه بأنها تريد ان تسلب من اموال عمته قدر استطاعتها. وانها تبقى معها فقط لكى تملأ جيوبها, لتعود بعد ذلك, الى حياه المدينه واضوائها. وتأكدت شكوكها هذه حين قال لها:
" اذا, فانت تفتقدين المدينه الكبيره"
اجابت بحده:
" انك تريدنى ان اقول نعم. اليس كذلك؟"
ونضح صوتها بالمراره لشكوكه الظالمه هذه مما نسيت معه ما سبق وصممت عليه من توخى التهذيب معه, كيف كان لها ان تظن الجاذبيه فى مثل هاتين العينين الباردتيتن والملامح القاسيه؟ كانت تتذكر, بهذا, شعورها عندما دعاها الى العشاء, ولكن, نظره منها, بعد لحظه, الى هذه الملامح القويه, علمت معها انه, مع سخريته وانعدام مشاعره, مازال تأثيره عليها اقوى من تأثير اى رجل قابلته من قبل, وشكل ميلها الغريزى له مع شعورها بظلمه لها. مزيجا من المشاعر المتفجره اخذت تجاهد فى سبيل كبحها.
قال لها:
" اريد منك ان تخبرينى الحقيقه"
اجابت:
" وهل تصدقنى لو فعلت ذلك؟ انك حتى الان, لم تصدق شيئا مما قلته لك"
لم تصدق ما رأته عيناها عندما رأت بول, وقد تغيرت تعابير وجهه فجأه ليحل مكانها ما يشبه الخجل للبراءه والقوه اللتين تجليا فى جوابها هذا.
وقال:
" اه, نعم, رما كنت تسرعت قليلا فى الحكم عليك"
قالت غير مصدقه:
" ما هذا؟ انه ليس اعتذارا بالطبع؟"
ارتسمت على جانب فمه ابتسامه جافه وهو يقول:
" ثمه اشياءلم اكن اعرفها من قبل. لم اكن اعرف, مثلا, ان الهرر التى فى منزلكم تخص عمتى"
عندما تردد فى اكمال حديثه, عضت هى على لسانها تمنعه من التسعر فى الانتقاد, ذلك انه, اذا لم يكن محرجا فعلا, فهل تراه يجد متعه فى التنازل امامها بهذا الشكل لكى يفسح لها فى مجال الشماته به؟
ورفعت, متعمده, كأس الماء الى شفتيها, ثم انتظرت ان يتابع حديث. وقال هو:
" دفاعا عن نفسى, اقول انها لم تتذكر امر الهرره تلك قبل الامس, فقد كانت ذاكرتها منهكه, تترواح بين الحضور والغياب على الدوام, ولكنها, فى الاسبوع الاخير, عادت تقريبا الى طبيعتها, مما جعلها تتذكر الامر بوضوح, ومما تذكرته كانت هررها المدللة تلك"
وفكرت تشارلى بشئ من التهكم, فى انها تدين بخروجها معه هذه اليله, الى وجود تلك الهرره عندهم, كانت متأكده من ان ما كان ليدعوها للخروج معه ما لم يكن غير شيئا من رأيه فيها.
وقالت:
" ان اسماء تلك الهرره هى"هاربو"و"غروشو"و"تشيكو". لقد اطلقت عليها الانسه ايملى تلك الاسماء تيمنا باسماء الاخره ماركس"
قال:
" وانت مازلت ترعين تلك الهررخ منذ اشهر حتى انك وضعتها فى منزلك؟"
اجابت:
" اننى احب الخيوانات"
شعرت بالارتباك وهى تسمع لهجته تتضمن الاعجاب بها اذ اصبحت معاملته لها اكثر رقه ولم يعد يسبب لها القلق والغيط لاقواله كما اعتاد من قبل, واذكرها الانزعاج وهى تلمس مدى تأثير نظراته عليها عندما تكون بهذا الفء,لتصبح عيناه فى منتهى الرقه والعمق وكأنهما بحيرتان تغوص هى فى مياهها الهاذئه.
قالت:
" ما كنت لاستطيع ترك الهرره تلك وحدها فى المنزل النهى والا.."
فقال:
" كذلك بالنسبه لاحكامها. ان ثلاث هرهه بالغه فى حاجه الى كميه كبرى من الطعام كل اسبوع"
فقالت تشارلى بشئ من النفور:
" هذا صحيح"
وعاد اليها الارتباك حين ادركت ان وجهها عاد الى التضرج اكثر من قبل. اذ وجدت ان من المستحيل عليها الادعاء بانها لا تفهم ما يعنى بذلك. انها لا تستطيع مواجهه نظراته تلك التى اخرجتها من توازنها وجعلتها تتلعثم وهى تقول:
" ولكنى... اننى..."
قال:
" لا بد انها تكلفك كثيرا"
فقالت:
" ليس الى هذا الحد... اننى مسروره بذلكو ان كل واحد غيرى يفعل ما افعله"
تمنت لو يحول نظراته بعيدا عنها. ذلك ان نظراته المتفحصه تحرق اعصابها. ان تغيره الفجائى هذا, بعدما كانت قد اقتنعت بادانته التامه بها. هذا التغير كان اكثر مما يمكنها احتماله.