كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
رجل المستحيل
السلام عليكم
الفصل الثامن : الأسير
" أظننا سنتوَّقف هنا ..."...
ارتفع حاجبا (قدرى) فى دهشة، عندما نطقت (منى) هذه العبارة فى صرامة، وهى تجلس إلى جواره، فى المقعد الخلفى للسيارة، التى أقلَّتها من المطار، وأدهشة أكثر، أن أجابها السائق، فى صرامة مماثلة :
- لست اظن هذا .
وفى اللحظة التالية، بلغت دهشة (قدرى) ذروتها، عندما اندفعت (منى) إلى الامام فجأة، واحاطت عنق السائق بذراعها اليسرى، وهى تقول فى لهجة آمرة :
- بل سنفعل .
جاء رد فعل السائق ليحوًَّل دهشته إلى ذهول، عندما مال بالسيارة إلى جانب الطريق، وسحب من حزامه مسدساً، حاول أن يلف معه ذراعه؛ ليصوًَّب إلى رأس (منى)، التى أمسكت معصمه بيمناها فى قوة، وهى تقول :
- هذا ما توقعَّته .
ثم دفعت رأسها إلى الامام فى قوة، لتضرب السائق فى مؤخرة عنقه، فى نفس اللحظة التى لوت فيها معصمه فى قوة، أجبرته على إفلات مسدسه، الذى سقط بين قدمى (قدرى)، وهذا الاخير يهتف :
- ماذا يحدث ؟!
ولم تجبه (منى)، وهى تفلت معصم السائق، ثم تلكمه فى مؤخرة عنقه بكل قوته مرة ...
وثانية ...
وثالثة ...
وعلى الرغم من أن السائق يفوقها قوة بكثير، فقد دار رأسه مع ضرباتها القوية، وحاول بأصابع مرتجفة، التقاط جهاز اتصال مجاور، إلا أن اللكمة الرابعة جعلت رأسه يندفع إلى الامام، ويرتطم بإطار السيارة، التى توقًَّفت بصرير مزعج، على جانب الطريق ...
وفى سرعة، انحنت (منى) تلتقط مسدس السائق، وهى تهتف :
- هيا بنا .
فتحت باب السيارة، وقفزت منه إلى الشارع، وهى تخفى المسدس فى طيات ثيابها، وهتف (قدرى)، وهو يغادر السيارة فى صعوبة :
- ماذا حدث ؟!
أجابته، وهى تجذبه بعيداً عن السيارة :
- إنه ليس سائقنا .
هتف لاهثاً، وهو يحاول مواكبة سرعتها :
- وكيف علمت ؟!
أجابته، وهى تنحرف معه، من شارع إلى آخر :
- لقد تردًَّد عندما سالته، عما إذا كانوا قد عثروا على (أدهم) أم لا، وكان من الواضح أنه يجهل عما أتحًَّدث.
هتف، ولهاثه يتزايد، مع ارتجاج جسده الضخم، من سرعة سيرها :
- وماذا فى هذا ؟!... إنه مجَّرد سائق !!
قالت، وهى تشير إلى واحدة من سيارات الأجرة الصفراء :
- كان ينبغى أن يقول : إنه لا يعلم، ولكن محاولته الإجابة كشفت أمره.
توقًَّفت يلهث فى شدة، عندما توقفًَّت أمامها سيارة الأجرة، وسمعها تقول للسائق :
- (بورت أوثورتى).
سألها، وهو يدخل السيارة خلفها :
- ما هذا ؟!
أجابته فى حزم:
- نقطة تجمع المواصلات فى (مانهاتن) ... لن يتوقعوا أن نستقل حافلة عادية.
ارتفع حاجباه مرة أخرى فى دهشة، ولكنه لاذ بالصمت، حتى وصلوا إلى المكان، وهناك سألها :
- من هؤلاء، الذين تقصدينهم ؟!... وإلى أين سنذهب ؟!
أجابته، وهما يتجهان إلى موقف الحافلات :
- ألم تفهم بعد ؟!... هناك من راقب تحركاتنا، وأبلغ رجال البارون أننا استقلينا الطائرة إلى هنا، فأرسل من ينتظرنا .
غمغم فى توتر:
- يا إلهى !
أجابته فى حزم :
- سنفعل مالا يتوقعونه، كما علمنى (أدهم) ... سنستقل الحافلة إلى مدينة (سيكوكاس)، فى نيوجيرسى ... لدينا منزل آمن هناك، وهى تبعد خمس عشرة دقيقة فحسب عن (نيويورك).
لهث من الانفعال هذه المرة، وهو يقول :
- هذا يعنى أن موقفنا شديد الحساسية .
قالت فى حزم :
- ويعنى أيضاً أن معركتهم مع (أدهم) لم تحسم بعد، وإلا ما حاولوا استخدامنا للسيطرة عليه .
غمغم، مع وصول الحافلة :
- ويعنى أيضاً أننا فى خطر ... خطر كبير ...
وكان على حق فى قوله ...
تماماً ...
* * *
ارتجاجات السيارة القوية، جعلت (أدهم) يستعيد وعيه فى بطء ...
لم يدر كم ظل تحت تأثير المخدًَّر القوى، ولكن حرارة الطقس من حوله، وسخونة تلك القيود الحديدية، التى تربطه إلى مقعد معدنى ثقيل، مثبت فى أرضية صندوق السيارة، الذى يرقد فيه، جعلاه يدرك أنه حتماً لم يعد فى (نيويورك)....
وتلك الوسيلة، التى ترتج بها السيارة، توحى بأنها تسير على أرض غير ممهًَّدة ...
ومع صفاء ذهنه تدريجياً، أدرك أنه قد تم نقله، بوسيلة ما، إلى صحراء (المكسيك) ...
وربما يتجهون به الآن نحو مزرعته ...
نعم ...
هذا هو التفسير الأكثر منطقية ...
فتح عينيه قليلاً، ورأى الرجلين القويين، اللذين يجلسان إلى يمينه ويساره، وبيد كل منهما مدفعاً آلياً قوياً، بقاذفة لهب صغيرة، فعاد يغلق عينيه، متظاهراً بأنه لم يستعد وعيه بعد، فسمع أحدهما يقول بالأسبانية :
- هل رأيت ؟!... لقد استعاد وعيه ؟!
دفعه الآخر بقدمه مرتين، فلم يصدر (أدهم) أى رد فعل، مما جعله يغمغم فى صرامة، باللغة نفسها:
- ليس بعد .
قال الأوًَّل فى عصبية :
- لقد فتح عينيه وأغلقهما .
زمجرالثانى، قائلاً :
- رأيت مصابين بالغيبوبة المرضية يفعلون هذا، ويواصلون غيبوبتهم ... اهدأ يا رجل ... سنصل عما قريب، وتنتهى مهمتنا .
صمت الأوَّل لحظات، ثم لم يلبث أن قال فى عصبية :
- مادام بالخطورة التى يتحدثون عنها، فلماذا لا نقتله وننهى الامر ؟!
أجابه الثانى فى قسوة :
- البارون أمر بأن يبقى حياً، حتى يصل إلى هنا .
غمغم الأوَّل :
- لست ادرى لماذا ...
قاطعه الثانى فى شراسة، قبل أن يتم عبارته :
- إننا لا نتقاضى ذلك الأجر المجزى، حتى ندرى أو لا ندرى يا رجل ...إننا ننفذ الأوامر فحسب .
بدا الأوَّل متبرماً، وهو يقول :
- فليكن ... ربما يكون وقوعه فى قبضة سنيور (ألنزو) مأساوياً، أكثر من الموت نفسه .
خزَّن (أدهم) كل تلك المعلومات فى ذهنه، وظل متظاهراً بالغياب عن الوعى، حتى توقفت السيارة أخيراً، وسمع صوتاً أنوثياً، يقول بلهجة آمرة :
- لماذا تأخرتما ؟!
أجابها الثانى متوتراً:
- لقد جئنا به، فور هبوط الطائرة يا سنيورا.
أجابتهما فى صرامة :
- حسن .... سنتولى أمره من هنا .
فتح أحدهم الباب الخلفى لصندوق السيارة، إثر عبارتها، وشعر (ادهم) بأياد قوية، تحيط معصميه بأغلال فولاذية أخرى، ربطوها فى أرضية السيارة، قبل ان يحلوا أغلاله الاولى، ثم سحبوا الأرضية كلها خارج السيارة، فضربت أشعة الشمس القوية وجهه، مما جعله يغلق عينيه فى قوة، كرد فعل غريزى، فقالت صاحبة الصوت الانثوى، فى لهجة تجمع بين الصرامة والسخرية :
- لا داع لمزيد من التظاهر يا سنيور (ادهم)، فكمية المخدر، التى دخلت جسدك القوى، لا تكفى لتخديره كل هذه الفترة.
فتح (أدهم) عينيه فى بطء، مع ضوء الشمس القوى، ووقع بصره على حسناء ممشوقة القوام، خمرية البشرة، ذات عينين واسعتين سوداويين، وشعر ناعم طويل شديد السواد، تبتسم فى ظفر، قائلة :
- مرحبا بك فى مزرعتك سابقاً .
قال فى هدوء:
- وحالياً .
ابتسمت فى سخرية، وهى تقول :
- أمازلت تحلم ؟!
كانت محاطة بعدد من الرجال الأقوياء المسلحين، وكل منهم يرتدى ذلك الزى العسكرى الاحمر المستفز، ويحمل مدفعاً من الطراز نفسه، الذى حمله حارساه طوال الطريق، وعبر عبارتها مباشرة، حمل أربعة منهم أرضية السيارة، واتجهوا بها إلى داخل مبنى المزرعة، وهى تسير إلى جواره، قائلة :
- يدهشنى ان البارون يتعامل معك، بأسلوب يخالف كل ما اعتدناه منه؛ فلقد أعد لك جناحاً فاخراً، داخل المزرعة، ولم يأمر بسجنك مع الآخرين، فى أسطبل الخيل .
قال فى سخرية :
- يالها من مشاعر رقيقة !
هزًَّت كتفيها، قائلة :
- هذا لا يروق لى فى الواقع، ولكن لا أحد يجرؤ على مخالفة أوامره.
سألها، وهم يصعدون بمحفته المعدنية إلى الطابق الثانى :
- ولماذا هذه الرقة فى رأيك ؟!
ابتسمت فى سخرية، وقالت :
- لا احد يجيب الأسئلة هنا، سوى البارون نفسه .
وصل الركب إلى حجرة (أدهم) القديمة فى المزرعة، ولاحظ على الفور أن نوافذها الثلاث قد أغلقت بقضبان من الصلب القوى، فى حين توزًَّع أكثر من عشرة رجال فى كل أركانها، يصوبوًَّن إليه مدافعهم الآلية، وهى تكمل :
- ستروق لك الإقامة هنا يا سنيور (أدهم)؛ لو أنك لم تقم بأية محاولة حمقاء للفرار، وستجد ثيابك كلها فى دولابك، لم يعبث بها أحد، كما ستتناول ثلاث وجبات ساخنة يومياً، مع ملاحظة أن النوافذ كلها موصولة بتيار كهربى قوى، يكفى لقتل فيل فى لحظات، والباب موصول بجهاز تفجير خاص، بحيث ينسف الحجرة كلها، إذا ما حاولت اقتحامه بالقوة، بالإضافة إلى أننا قد زوًَّدنا المكان، بما فيه حمامك الخاص، بعدد كبير من الكاميرات الخفية، التى ستنقل لطاقم الحراسة كل همسة منك هنا .
غمغم (أدهم) فى سخرية :
- هو سجن خمسة نجوم إذن .
مطَّت شفتيها، قائلة :
- كم أمقت هذا !
ثم أشارت إلى الرجال، فحل بعضهم أغلاله، فى حين صوًَّب إليه الآخرون أسلحتهم من بعيد فى تحفًَّز، وهى تقول :
- ستصلك وجبتك الاولى خلال ساعة واحدة، بعد أن تغتسل وتستعد .
هزَّ كتفيه، وهو يدعك معصميه، قائلاً :
- لا يروق لى أن أغتسل، فى مشهد سينمائى، يراقبه طاقم أمنكم .
غمغمت:
- سرعان ما تعتاد هذا .
ثم أشارت إليه، مستطردة فى صرامة:
- والآن ستقف فى هذا الركن البعيد، حتى نغادر الحجرة.
اتجه نحو الركن فى هدوء، وهو يقول :
- هناك سؤال واحد، لست أظن البارون يعترض على إجابته.
سألته فى حذر :
- وما هو ؟!
أجاب، وهو يقف فى ذلك الركن :
- ما اسمك ؟!
ابتسمت وهى تراقب انسحاب الرجال فى حذر، وأجابت :
- (كاترين).
رفع حاجبيه وخفضهما، وهو يقول :
- اسم جميل كصاحبته، ولكننى لست أدرى فى الواقع لماذا لا ترتدين زياً أحمر كالباقين، أظنه سيناسبك أكثر منهم .
تراجعت تغلق الباب، وهى تغمغم :
- لست فى حل، من اجابة هذا .
سمع صوت رتاج قوى يغلق خلفها، ودارت عيناه فى المكان، يبحث عن تلك الكاميرات الخفية فيه ...
كانت هناك أكثر من عشر كاميرات، مزروعة فى أرجاء المكان، فى حرفية كبيرة، ولكن عينيه الخبيرتين حدًَّدت مواقعها، وأدرك أنها تغطى كل شبر من الحجرة تقريباً، فاتجه نحو احد النوافذ، وفحصها بنظره، ولكن نقطة اتصالها بالتيار الكهربى لم تبد له واضحة، فعاد إلى فراشه، واستلقى عليه فى استرخاء، وأغلق عينيه فى هدوء ...
" مدهش هذا المصرى !!..."...
نطقتها (كاترين) فى خفوت، وهى تراقب الشاشات، فى حجرة الأمن، قبل أن تتابع:
- وجهه لا يحمل ذرة من الخوف أو القلق، وكانه يقضى إجازته فى منتجع فاخر بالفعل .
غمغم (ألنزو) فى شراسة:
- لو ان الأمر بيدى، لعذبته حتى اسحق غروره هذا .
أجابته فى صرامة:
- سيسحقك البارون، لو مسست شعرة منه.
قال فى حدة :
- ولماذا ؟!... أليس المفترض أنه عدو ؟!
صاحت به فى خشونة:
- ليس هذا من شأنك .
كظم غيظه فى صعوبة، ولكنه عجز عن منعه من الانتقال إلى صوته، وهو يقول :
- ومتى يصل البارون ؟!
صمتت لحظة، قبل ان تجيب فى شراسة صارمة :
- عندما يقرًَّر هو هذا .
فى نفس اللحظة التى نطقتها، كان البارون يواجه سائق السيارة فى غضب، قائلاً :
- إذن فقد أفلتوا منك!.... كيف هذا أيها المعتوه ؟!... فتاة ضئيلة الحجم، ودب بدين، يفلتان من محترف مسلًَّح؟!... كيف ؟!
أجابه السائق فى توتر:
- الفتاة ضئيلة، ولكنها قوية، وتتحرًَّك بسرعة مدهشة، ثم أنها باغتتنى بالهجوم، دون أن أتوًَّقع هذا .
بدا شديد الغضب، وهو يقول :
- أأنا محاط بالحمقى أم ماذا؟!... للمرة الثانية نفقد عنصر المفاجأة؛ بسبب غلطة سخيفة من أحدكم... ألم تعلم أيها الغبى أن هذين الإثنين كانا وثيقة التأمين، التى ستجبر (أدهم) على توقيع عقد البيع.
بدا الرجل شديد التوتر والخوف، وهو يقول :
- سيًَّدى البارون ... إننى ...
قاطعه البارون بإشارة صارمة من يده، صائحاً :
- اصمت .
اطبق الرجل شفتيه فى خوف، فى حين التفت البارون إلى (توبلكس)، الذى لم يستعد تماسكه بعد، وقال بلهجة آمرة:
- وزًَّع صورهما، ونشرة بأوصافهما، على كل رجل لدينا، فى كل الولايات، وأخبر الجميع أننى سأمنح مليون دولار نقداً، لمن يأتى بهما على قيد الحياة ... أريدهما بأى ثمن ... هل تفهم يا هذا ؟!... بأى ثمن .
غمغم (توبلكس) مرتجفاً:
- سأنفذ أوامرك فوراً يا سيًَّدى البارون .
رمقه البارون بنظرة وحشية، ثم قال :
- مر الرجال بإعداد طائرتى الخاصة؛ فأنا شديد الشغف؛ لمقابلة السيد (أدهم)، بعد أن صار فى قبضتى، فالمفاجأة التى أعددتها له، ستفوق كل تصوًَّراته ... ألف مرة .
ولم يفهم (توبلكس) ما تعنيه تلك المفاجأة ...
او حتى طبيعتها ...
لم يفهم أبداً ...
* * *
من كل زاوية ممكنة، درس (أدهم) موقفه، وهو راقد على فراشه، مغلق العينين، يعلم أن رجال البارون يتابعون كل حركة يقوم بها فى تحفًَّز ...
فلو صح حديث (كاترين)، فلا توجد بالفعل وسيلة واحدة للفرار، من هذا الأسر ..
ولكن عقله لم يقبل أبداً، طوال حياته، كلمة (مستحيل) هذه ...
فالذين صنعوا هذا هم مجرًَّد بشر ...
والبشر لا يضعون نظاماً محكماً أبداً ...
هناك دوماُ ثغرة ما ...
ثغرة ربما لم ينتبهوا إليها ...
أو لم يضعوها فى حسبانهم ...
ومهمته هى أن يبحث عن تلك الثغرة ...
وعن كيفية الإفادة منها ...
ولكن أين هى ؟!...
وكيف يمكن استغلالها ؟!...
كيف ؟!...
" سنيور (أدهم) .... قف فى ذلك الركن .."...
آتاه صوت (كاترين) صارماً، عبر مكًَّبر صوتى، ففتح عينيه، وقال فى سخرية :
- وماذا لو لم أفعل ؟!
آتاه صوتها يقول فى صرامة أكثر :
- لن تتناول وجبتك .
هزًَّ كتفيه، وهو مازال مستلقياً على فراشه، وغمغم :
- أظننى قد فقدت شهيتى .
لم يكد ينطقها، حتى سرى فى جسده تيار كهربى مفاجئ، جعله يقفز من الفراش مضطراً، وسمعها تقول :
- سيحدث هذا، كلما رفضت تنفيذ الأوامر .
وقف إلى جوار الفراش لحظة فى صمت، يراقبه فى اهتمام، ثم لم يلبث أن غمغم:
- فليكن .
تحًَّرك إلى ذلك الركن البعيد من الحجرة، وسمع بعدها صوت رتاج الباب يفتح، ثم اندفع حرًَّاسه العشرة، يصوبون إليه أسلحتهم فى تحفًَّز، ودخلت بعدهم (كاترين)، وهى تقول فى ظفر :
- هذا أفضل .
تبعها رجل يدفع أمامه عربة حمراء اللون، تفوح من الأطباق فوقها رائحة شهية، ورص أطباق الطعام على مائدة بالقرب من الفراش، و(كاترين) تقول :
- لن تتناول العشاء فى حجرتك الليلة .
غمغم فى سخرية:
- أهذا عقاب آخر ؟!
أجابته فى ضيق :
- كنت اتمنى هذا، ولكن البارون سيصل خلال ساعة من الآن، ولقد أمر بأن تتناول العشاء على مائدته .
قال فى حزم :
- تقصدين مائدتى .
تجاهلت تعليقه، وهى تقول :
- احرص على أن ترتدى حلة نظيفة، مع رباط عنق أنيق؛ فالبارون لا يتنازل عن الرسميات، فى مثل هذه الأمور.
ابتسم فى سخرية، وهو يقول:
- لا شك فى أن بارونكم هذا مصاب بازدواج عجيب فى الشخصية، فهو يتعامل مع بعض أسراه كالنبلاء، ومع باقى البشر كزعيم عصابة من الدرجة الثالثة.
مرة أخرى، تجاهلت تعليقه، وقالت فى صرامة :
- العشاء يتم تقديمه فى التاسعة والنصف .
قالتها، وأشارت إلى الرجال، فانسحبوا بالتكنيك نفسه، فى حين اعتدل هو، وسألها فى صرامة:
- ماذا يتناول الباقون فى الأسطبل ؟!
أجابته، وهى تستعد للانصراف:
- ليس هذا من شانك .
أجابها فى صرامة أكثر :
- لن يمكننى أن أتذوق لقمة واحدة من هذا، لو أنهم لا يتناولون الجيد من الطعام .
توقفت، واكتست ملامحها الجميلة بغضب صارم، وهى تقول:
- لو أن هذا يؤرقك إلى هذا الحد، سآمر (ألنزو) بأن يحرص على ألا يحتاج أحد منهم إلى الطعام قط .
أدرك ما تعنيه كلماتها، فغمغم فى مقت:
- هذا هو ازدواج الشخصية، الذى اتحدث عنه .
رمقته بنظرة عجيبة، قائلة:
- تناول طعامك يا سنيور (أدهم) .
ثم أغلقت الباب خلفها، وسمع صوت الرتاج الثقيل يغلق ...
ولثوان، بقى (أدهم) واقفاً، يتطلًَّع إلى الباب المغلق، ثم نقل بصره إلى الطعام، الذى تتصاعد منه رائحة شهية للغاية ...
لم يكن قد تناول أى طعام، منذ ليلة أمس، وعلى الرغم من هذا، فقد تجاهل الطعام تماماً، وعاد يرقد على فراشه، ويغلق عينيه ...
وفى أعماقه، ودون أن تحمل ملامحه أى تغيير، ارتسمت ابتسامة كبيرة ...
لقد عثر على نقطة الضعف فى زنزانته المحكمة...
وعليه أن يحسن استغلالها ...
إلى أقصى حد .
* * *
|