كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
رجل المستحيل
السلام عليكم
الفصل السابع : كيف ؟
- كيـف ؟!
التقط (قدرى) نفساً عميقاً، من هواء (نيويورك) البارد، وهو يقول فى حماس :
- أخيراً وصلنا إلى أرض يمكن السير عليها ... لقد كدت أنسى المشى، من طول جلوسنا .
غمغمت (منى) فى توتر :
- أنت فعلت بنفسك هذا، من تناولك ست وجبات طعام خلال الرحلة.
قال مستنكراً:
- وهل تعدين تلك العينات، التى قدموها لنا وجبات ؟!
أجابته، وهى تتلًَّفت حولها؛ بحثاً عن السيارة، التى يفترض وجودها فى انتظارهما :
- لقد أشبعتنى على الأقل .
هتف مستنكراً :
- لا تقارنى احتياجاتك باحتياجاتى يا عزيزتى ... انظرى إلى قوامك وقوامى .
حاولت ان تبتسم، وهى تقول :
- بالنسبة لك، يصعب استخدام مصطلح (قوام) هذا .
مطًَّ شفتيه لحظة، ثم عاد يتساءل فى لهفة :
- أين تلك السيارة ؟!
قالت فى توتر :
- كان المفترض أن تنتظرنا هنا .
عادت تتلًَّفت حولها، قبل أن تتوًَّقف أمامها سيارة كبيرة، اطل سائقها من نافذتها، متسائلاً :
- الأستاذة (منى)، والسيًَّد (قدرى) ؟!
حمل (قدرى) حقيبته، وهو يتجه إليه، قائلاً :
- أصبت الهدف يا رجل ... لماذا تأخرت ؟!
هبط السائق ليفتح حقيبة السيارة الخلفية، ويعاون )منى( على نقل حقيبتها إليها، وهو يجيب :
- إنه يوم الاحد ... أكثر أيام الأسبوع زحاماً، على الطرق السريعة .
سالته (منى)، وهى تدلف إلى السيارة :
- هل توصلتم إلى مكانه ؟!
تردًَّد السائق لحظة، ثم اجاب :
- ليس بعد ... ولكننا نواصل المحاولة .
انعقد حاجبا (منى)، دون ان تحاول التعليق، فى حين ساله (قدرى) فى اهتمام:
- قل لى يا رجل .. هل سنمر بأية مطاعم كبيرة فى طريقنا .
ابتسم السائق ابتسامة هادئة، وهو يجيب :
- بالتأكيد .
وانطلق بسيارته ...
* * *
أثبت رجال البارون، دون أدنى شك، أنهم يمتلكون جهازاً أمنياً قوياً، فلم يكد (أدهم) يثب نحوه، وهو فى شخصية (توبلكس)، حتى استوعبوا الموقف كله فى لحظة واحدة، واندفعوا بأسلحتهم، داخل مكتب البارون الشخصى، فى نفس اللحظة التى أحاط فيها (أدهم) عنق هذا الأخير بذراعه اليسرى، ووضع فتًَّاحة الخطابات الحادة على عنقه بيمناه ...
والعجيب أن أياً منهما، البارون أو (أدهم)، لم يبال باقتحام الرجال الحجرة، إذ تملك الذهول من البارون، وهو يهتف :
- مستحيل !... ولكن كيف ؟!... لقد فحصت وجهك بنفسى فى منزل (توبلكس) ...
أجابه (أدهم) فى سخرية :
- خطأ ... لقد فحصت وجه محاميك السخيف، الذى أضفت إليه قناعاً مطاطياً رفيعاً، يسهل كشفه .
هتف أحد رجال الأمن، يقاطع الحديث فى شراسة :
- استسلم يا رجل، وإلا ...
لم يجد ضرورة لإتمام عبارته، فشدًَّد (أدهم) ضغط ذراعه، على عنق البارون، حتى احتقن وجه هذا الأخير، و (أدهم) يقول :
- يبدو أن رجالك لم يدرسوا أبسط قواعد فن التفاوض؛ وهو ألا تستخدم لغة التهديد، مع خصم يسيطر على زعيمك .
قال البارون بصوت مختنق :
- دعك منهم، وأخبرنى كيف ؟!.. كيف فعلتها، ورجالى يراقبون المكان طوال الوقت ؟!... كيف ومتى استبدلت هويتك مع (توبلكس) ؟!... لقد فتش الرجال المنزل أكثر من مرة !!
هتف قائد الأمن، مرة أخرى فى حدة :
- أمنحك دقيقة واحدة لتستسلم .
رفع (أدهم) عينيه إليه، وقال فى سخرية:
- وعنق بارونك يحتاج إلى عشر ثوان فحسب، ليتحوًَّل إلى عظام مهشمة .
ارتبك الرجل، ولم يدر ماذا ينبغى أن يفعل، وإن ظلًَّ يصوًَّب مسدسه فى عصبية إلى (أدهم)، فى حين قال البارون فى صعوبة :
- سيًَّد (أدهم) ... إننى أختنق بالفعل .
هزًَّ (أدهم) كتفيه فى لا مبالاة، وقال فى حزم :
- وستختنق أكثر، لو أصروا على البقاء هنا .
هتف البارون برجاله، وقد اختنق صوته فى شدة :
- هل سمعتم أيها الأغبياء... هيا ... ماذا تنتظرون ...انصرفوا من هنا .
تردًَّد الرجال لحظات، فصرخ، وهو يكاد يفقد الوعى، مع ضغط ذراع (أدهم) الفولاذية على عنقه :
- قلت : انصرفوا .
لم يكن أمام الرجال، مع دقة الموقف، سوى ان يغادروا المكان، ويهرعون إلى شاشات المراقبة؛ لمتابعة الموقف ...
وفور انصرافهم، خفف (أدهم) من ضغط ذراعه، على عنق البارون، الذى استعاد قدرته على التقاط أنفاسه فى ارتياح، فقال فى شئ من الصرامة :
- سيًَّد (أدهم) ... أليس من الأفضل أن نتعامل كرجلين محترمين .
اجابه (أدهم)، فى صرامة اكثر :
- الرجال المحترمون، لا يرسلون جيشاً؛ لقتل من يتفاوضون معهم .
أجابه فى خشونة :
- أنت بدأت هذا، عندما هاجمت محامىًَّ الخاص فى منزله .
قال (أدهم) فى سخرية :
- حقا؟!... أهكذا يرى عقلك المريض الأمور ؟!
احتقن وجه البارون، وهو يقول فى حدة :
- عقلى ليس مريضاً أيها المصرى ... العالم كله- تقريباً- اعترف بعبقرية هذا العقل، الذى تصفه بالمرض .
قال (أدهم) بنفس السخرية :
- ربما لم ير العالم منك ما رأيته أنا .
كظم البارون غيظه فى صعوبة، وهو يقول :
- اسمع يا سيًَّد (ادهم) ... موضعك لا يسمح لى برؤيتك، وانا لا أشعر بالارتياح، عندما أناقش شخصاً، لا يمكننى رؤيته ... ألا يمكنك أن تقف امامى ؟!
ضغط (أدهم) على عنقه أكثر، بفتًَّاحة الخطابات الحادة، وهو يقول :
- ولكن هذا الموضع يشعرنى بارتياح أكبر .
أشار البارون إلى درج جانبى فى مكتبه، وهو يقول فى عصبية :
- افتح هذا الدرج، وستجد مسدساً محشواً، احتفظ به للطوارئ... خذه، وتأكًَّد من صلاحيته للعمل، ثم اجلس أمامى، وصوًَّبه نحو رأسى، وأنا اعلم من ملفك أنك لا تخطئ إصابة هدفك أبداً .
فتح (أدهم) درج المكتب، والتقط منه مسدساً من الذهب الخالص، له مقبض أحمر اللون على نحو مزعج، واستخدم يديه فى براعة، ليتأكًَّد من أن خزانته محشوة بالرصاصات، ثم غمغم :
- يبدو لى عرضاً جيداً .
أفلت عنق البارون، ودار ليجلس على مقعد أمام مكتبه مباشرة، وهو يصوًَّب إليه مسدسه، فتحسًَّس البارون عنقه، وهو يقول :
- هذا أفضل بالتأكيد .
ثم مال نحو (أدهم)، قائلاً :
- ترى كيف تخطًَّط للخروج من هنا، وأنت تعلم أن أطقم الحراسة، فى المبنى كله، شديدة التحفًَّز بشأنك، وانهم يراقبوننا الآن، عبر شاشات الامن، المنتشرة فى الحجرة ؟!
ابتسم (أدهم)، قائلاً :
- لا تقلق نفسك بهذا الشأن .
ضم البارون شفتيه فى غيظ، ولكنه واصل بذل الجهد؛ للحفاظ على أعصابه، وهو يقول :
- فليكن ... سنطرح هذا السؤال جانباً، ولكن سيبقى سؤال، لن احتمل عدم الاجابة عنه طويلاً .
سأله (أدهم) فى لا مبالاة :
- وهو ؟!
مال نحوه بشدة، وحمل صوته كل انفعالاته، وهو يسأله:
- كيف فعلتها ؟!... كيف أمكنك أن تختفى فى منزل (توبلكس)، وتنتحل هيئتة، على الرغم من كل ما فعله فريقى هناك ؟!..
صمت (أدهم) لحظة، ثم قال، فى شئ من السخرية:
- من اهم الامور فى عالمنا، ألا تكشف أسلوبك أبداً للعدو .
هتف البارون محنقاً:
- سَّيًد (أدهم) .... لن يمكننى الاحتمال .
صمت (أدهم) لحظة أخرى، ثم قال فى هدوء :
- لقد كان امراً بسيطاً ... أبسط مما تتصوًَّر بكثير .
قالها، وذاكرته تعود إلى تلك الفترة القريبة ...
القريبة جداً ...
* * *
ارتفع صوت سيارات رجال البارون، وهى تتوقف حول منزل (توبلكس)، وهتف هذا الاخير فى تشف :
- أرأيت .
عاجله (أدهم) بلكمة قوية فى فكه، وهو يقول :
- ليس بعد .
اتسعت عينا المحامى مع اللكمة، ودار رأسه فى عنف، ثم سقط فاقد الوعى، على مقعده الوثير.
وفى سرعة مدهشة، تحًَّرك (أدهم) ...
كان كعادته، قد استعد لكل الاحتمالات مسبقاً، فأخرج من جيبه قناعاً بسيطاً شفافاً، الصقه على وجه (توبلكس)، متجاهلاً وقع الأقدام، التى تقترب منه فى سرعة، وبعدها اتجه نحو المدفأة، وعبر فتحتها الكبيرة، ثم راح يتسلقها من الداخل، مستخدماً ضغط ذراعيه وساقيه ...
لم يكن صعود المدفأة من الداخل يسيراً، إلا أنه بذل جهداً جباراً، وهو يواصل تسلقها، حتى بلغ سطح المنزل ...
ولأنه استعد لمثل هذا الامر، كان يرتدى حلة سوداء، مع قميص من اللون نفسه، عندما ذهب ليفاجئ المحامى فى منزله ...
ومع زيه، الذى أخفاه وسط الظلام، غادر المدفأة فى خفة، ثم رقد على سطح المنزل المائل، وألصق جسده به بقوة ...
وعبر المدفأة، استمع إلى ما يحدث داخل المنزل ...
وفى صبر، انتظر ...
وانتظر ...
وانتظر ...
وبعد ساعات من تفتيش متصل، نقلت إليه الدفأة حديث الرجال مع البارون، وصوت (توبلكس)، وهو يطلب منهم استبدال ثيابه، قبل أن يرافقهم إليه ...
وبمنتهى الحذر، زحف (أدهم) على السقف المائل، حتى بلغ نافذة العلية، وهى جزء يعلو المنازل الامريكية، ويستخدم لتخزين الأشياء الزائدة، وعالج رتاجة فى مهارة، حتى استجاب له وانفتح، وهنا، انزلق داخل العلية، دون أن يلمحه جيش الرجال، الذى يحيط بالمنزل....
كان من السهل بعدها هذا، أن يفاجئ (توبلكس)، وهو يستبدل ثيابه، ويفقده الوعى، ثم يستخدم قناعاً لوجهه، أعدًَّه منذ أوًَّل لقاء بينهما فى (القاهرة)، وارتدى بعض ثيابه، ثم هبط فى هدوء؛ ليستقل السيارة، مع قائد الفريق ...
وهكذا، ودون خطط معقًَّدة، وصل إلى مكتب البارون، والتقى به شخصياً ...
* * *
" سيًَّد (أدهم) ... مازلت فى انتظار الجواب "..
نطقها البارون فى حنق واضح، فابتسم (أدهم) فى سخرية، وقال :
- أخبرتك مسبقاً أيها البارون... من الخطأ، كل الخطأ، ان تكشف أوراقك لعدوًَّك .
رفع البارون سبًَّابته، وهو يقول فى صرامة :
- إلا لو كنت مضطراً .
هزًَّ (أدهم) كتفيه، وهو يقول :
- ليس بالضرورة...
ثم رفع سبًَّابته بدوره، مستدركاً :
- إلا إذا أجبتنى عن سؤال بالمقابل .
سأله البارون فى حذر :
- أى سؤال ؟!
مال (ادهم) نحوه، وهو يقول فى حزم :
- لماذا مزرعتى بالتحديد؟!... ولماذا اللون الاحمر ؟!
صمت البارون لحظة بوجه جامد، ثم قال فى صرامة :
- قلنا سؤالاً وليس سؤالين يا سيًَّد (أدهم).
اعتدل (أدهم)، وهو يقول بابتسامة شبه ساخرة :
- فلنتنازل إذا عن السؤال الثانى؛ إذ سيكون جوابه، إما أنك تستخدم هذا اللقب؛ تيمناً بجدك الاكبر، الذى حمله فى الحرب العالمية الاولى، أو ...
صمت لحظة، ثم عاد يميل نحوه، مضيفاً :
- أو لأنك تخطط لإنشاء حزب نازى جديد .
رمقه البارون بنظرة جامدة، توحى بأن (أدهم) قد أصاب أحد الهدفين، فتابع (أدهم)، وهو يعتدل مرة اخرى :
- وهنا يمكن ان يجيب السؤال الأوًَّل، فمزرعتى تمتاز باتساع رقعتها، وبعدها عن خطوط الطيران الرسمية، وبأن الجبال تحيط بها من كل جانب، مما يجعلها موضعاً مثالياً لــ ...
بتر عبارته دفعة واحدة، وتطلًَّع إلى عينى البارون مباشرة؛ ليدرس رد فعله، وهو يضيف :
- لنواة دولتك النازية الجديدة *
اضطربت عينا البارون لحظة، قبل أن يستعيد سيطرته على ملامحه فى سرعة ...
ولكن تلك اللحظة لم تغب عن عينى (أدهم) ...
لقد أصاب هدفه بالفعل ...
وبمنتهى الدقة ...
وعلى شفتيه، ارتسمت ابتسامة ظافرة، وهو يقول :
- أظن أنك الآن، مضطر للاعتراف، بأننى قد ربحت الجولتين، الثالثة والرابعة أيها البارون
بدا البارون شديد القسوة والصرامة، وهو يقول :
- ليس بعد .
ومع أخر كلماته، اقتحم جيش من رجال الامن الحجرة ...
وبمنتهى العنف ...
وفى أقل من الثانية، كانوا جميعهم يصوًَّبون أسلحتهم إلى رأس (أدهم) ...
وشعر البارون بدهشة حقيقية، عندما ظل (أدهم) محتفظاً بثباته، وهو يقول :
- ترى هل يعلم شياطينك أنهم، حتى ولو أطلقوا رصاصاتهم نحوى، فستكون لدى ثانية على الأقل؛ لأنسف رأسك برصاص مسدسى .
أجابه البارون فى قسوة:
- ما سيطلقونه عليك ليس رصاصات أيها المصرى، بل أسهم مخدًَّرة سريعة المفعول، ولقد أدركوا ما ينبغى عليهم فعله، فور أن رأوك تحمل مسدسى، وتصوًَّبه إلى .
ومال إلى الامام، مضيفاً فى تشف :
- فكل أسلحتنا إليكترونية يا رجل، وأى سلاح لا ينطلق، إلا إذا تعًَّرف بصمة صاحبه .
ضغط (ادهم) زناد المسدس بالفعل ...
ولكن البارون كان على حق ...
فالزناد لم يستجب ...
أبداً ...
وفى نفس اللحظة، اطلق الرجال أسهمهم المخدًَّرة ...
وشعر (أدهم) بوخزات مؤلمة، فى كل مكان فى جسده تقريباً .
وبينما دار رأسه فى شدة، لمح البارون ينهض من خلف مكتبه، قائلاً فى صرامة وحشية :
- كان ينبغى أن تدرك أن البارون يربح معاركه دوماً أيها المصرى .
وبعدها، غامت عينا (أدهم)، وفقد عقله الإحساس بما حوله ...
وسقط ...
فى قلب عرين العدو .
* * *
|