كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
رجل المستحيل
السلام عليكم
الفصل الثالث : نيويورك
" هذا ليس منطقياً !..."
نطقت (منى) بالعبارة فى توتر، وهى تراقب (أدهم)، أثناء إعداده حقيبته، ثم استطردت فى عصبية:
- كلانا يعلم أنهم أرادوا استفزازك؛ لتذهب إليهم .
أجابها، دون أن يلتفت إليها:
- ليس لدى أدنى شك فى هذا .
هتفت محنقة :
- لماذا إذن ؟!
اعتدل، والتفت إليها، قائلاً فى حزم:
- لكى أعرف.
هتفت :
- تعلم ماذا ؟!
أمسك يدها فى رفق، وقادها إلى أريكة جانبية، جلسا عليها معاً، وهو يقول فى هدوء:
- تلك الجهة، أياً كانت، تمتلك معلومات عنا، يفترض أن تكون سرية، وجهة كهذه، تستحق أن يسعى المرء؛ لكشف حقيقة هويتها ...أنا أعلم جيداً أنهم يترقبون وصولى إلى هناك، ولكن هذا ليس نقطة لصالحهم، مادمت أعلم هذا، بل على العكس، سأحاول استغلال هذا ؛ للتوصل إليهم، من خلال لعبتهم نفسها .
غمغمت فى توتر:
- لن يكون هذا سهلاً .
ابتسم، قائلاً :
- ومتى كان عملنا سهلاً ؟!
صمتت لحظات، وهى تتطلًَّع إلى عينيه مباشرة، قبل ان تقول فى حزم :
- فليكن ... سأنضم إليك، فى رحلتك هذه .
هزًَّ رأسه نفياً فى بطء، وهو يجيب، فى حزم اكبر :
- كًَّلا ... سأفقد بهذا خط الدفاع الثانى، إذا ما تأزمت الأمور .
هتفت معترضة :
- ولكن ...
مس شفتيها بانامله فى رفق، وهو يقاطعها فى حزم:
- لا يوجد لكن ... هذا أمر أيتها المقدًَّم .
شعورها بلمس أنامله على شفتيها ألجمت لسانها، وجعلت قلبها يخفق فى عنف، وهمًَّت بقول شئ ما، لولا ان دخل (قدرى) إلى الحجرة، فى اللحظة ذاتها، وهو يقول :
- ألا تتناول الطعام هنا أبداً ؟!... برًَّادك خال تقريباً .
التفت إليه (أدهم) مبتسماً :
- هناك اكثر من عشرة مطاعم للوجبات الجاهزة حولنا ... يمكنك ان تطلب ما تشاء .
قلب (قدرى) شفتيه، وهو يقول :
- تلك الوجبات السريعة لا تناسبنى .
ثم ناول (أدهم) حقيبة صغيرة، وهو يستطرد:
- المهم أننى قد انهيت كل ما طلبته .
نقلت (منى) بصرها بينهما، وهى تقول فى لهفة :
- هل ستسافر متنكراً ؟!
نهض (أدهم) يدس الحقيبة الصغيرة فى حقيبته، وهو يقول :
- كيف سيرصدوننى عندما أصل إذن ؟!
وتضاعف توتر (منى) :
ألف مرة ...
* * *
لم يكد (ميل توبلكس) يصل إلى مطار (نيويورك)، حتى اتجه مباشرة إلى سيارة شديدة الفخامة ، تنتظره أمام المطار مباشرة، على الرغم من ان القوانين الامريكية تمنع هذا ، ولم يكد يستقر داخلها، حتى انطلقت على الفور، وسائقها يقول فى صوت خشن، بدا وكأنه صوته التقليدى :
- البارون سيجرى اتصاله بك فوراً .
قالها، وضغط زراً فى تابلوه السيارة، فارتفع حاجز عازل للصوت، يفصله عن (توبلكس)، الذى ضغط بدوره زراً أمامه، فاضيئت شاشة صغيرة فى مواجهته، ظهر عليها وجه البارون، وهو يقول فى صرامة:
- أخبرنى آخر ما لديك .
تنحنح (توبلكس) ، قبل أن يقول :
- لم يستجد أى جديد، حتى صعودى إلى الطائرة، ولكن العيون التى تركتها خلفى، اخبرتنى أن الثلاثة قد التقوا، فى منزل (أدهم) هذا، كما أن أحد متسللى الكمبيوتر، الذين يعملون لحسابنا، أكًَّد أنه قد حجز تذكرة بالدرجة الاولى، فى طائرة الثامنة صباحاً، أى انه من المفترض أنه قد استقلها الآن، وسيكون فى طريقه إلى هنا .
سأله البارون بنفس الصرامة :
- وحده ؟!
أومأ (توبلكس) برأسه إيجاباً ، قبل أن يغمغم :
- نعم ... وحده ... حسب ما لدى من معلومات .
صمت البارون طويلاً هذه المرة، وبدت على ملامحه علامات التفكير العميق، فلاذ (توبلكس) بالصمت بدوره، دون أن يجرؤ على مقاطعته بحرف واحد، حتى اعتدل البارون فجاة، وبدا جزلاً ، وهو يقول:
- لقد أدركت ما يستهدفه هذا الثعلب المصرى ... ملفه يقول : إنه من الذكاء، بحيث سيدرك على الفور أننا نحاول جذبه إلى هنا، باستفزازه على النحو الذى فعلته، وسيدرك أكثر أننا سنكون فى انتظار وصوله هنا .
غمغم (توبلكس) فى حذر :
- هذا أمر طبيعى .
تراجع البارون فى مقعده، وهو يقول فى ثقة :
- ولهذا لن نفعله .
انعقد حاجبا (توبلكس) ، فى تساؤل حائر، فأكمل البارون بنفس الجزل :
- سنتركه يصل فى سلام، ولن نضع احداً لرصده أو تعقًَّبه، مادمنا سنعرف أين سيقيم .
بدا (توبلكس) شديد التوتر، وهو يقول :
- وماذا لو استقر فى أحد البيوت الآمنة، التابعة لجهاز مخابراته؟!...عندئذ قد نفقد أثره تماماً .
أجابه البارون فى حزم :
- لن نفقد أثره أبداً؛ لأنه هو سيسعى للبحث عنا، وهذا هو السبب الذى اتى به إلى هنا، وسيربكه حتماً ألا نحاول رصده أو تعقًَّبه، بعدما أدرك كم المعلومات السرية، التى لدينا ...
ثم اتسعت ابتسامته، وهو يضيف :
- اطمئن يا (ميل) ... البارون يفوز دوماً فى النهاية ... اطمئن .
قاله، وأطلق ضحكة ظافرة واثقة، وصورته على الشاشة تتلاشى ...
وتتلاشى ...
وتتلاشى ...
* * *
تلبدًَّت سماء (نيويورك) بالسحب، فى ذلك اليوم، وبدت على وشك أن تمطر، عندما غادر (أدهم) مبنى المطار، وهو يحمل حقيبته الواحدة الصغيرة، التى لا تفارق يده أبداً ...
كان بالفعل يتوقًَّع شيئاً من الرصد أو المراقبة، إلا أنه تحرًَّك على نحو طبيعى، واستقل أوًَّل سيارة أجرة امامه؛ لينطلق بها نحو فندق (امبريال)، فى قلب (مانهاتن)
كان قد اختار فندقاً معروفاً، قريباً من (سنترال بارك)، المتنزًَّه الاكبر فى المدينة، والذى يتوسًَّط شوارعها تقريباً، وتعمًَّد ان يخبر السائق عن وجهته بصوت مرتفع، قبل أن يستقل السيارة، وعلى الرغم من هذا، فكل خبراته أنبأته بأنه لا يوجد من يرصده أو يتعقًَّبه ..
ولقد أدهشه هذا فى الواقع ...
ثم دفعه إلى تفكير عميق ...
كانت أبرز صفاته هى أنه لا يتوقف قط عند نقطة بعينها، وإنما يعيد دوماً منهجة العملية كلها، وفقاً لأية تطوًَّرات مفاجئة ...
ولم تكن هذه مهمة رسمية بالفعل ...
ولكن هذا لم يكن ليصنع فارقاً ...
فالأسلوب هو الأسلوب ...
والرجل هو الرجل ..
وعندما وصلت السيارة إلى الفندق، كان قد حللًَّ ما حدث، واستخلص منه بعض النتائج الاساسية...
لقد توقًَّعوا ما سيفعله، واستنتجوا خطته، فى استغلال من سيتعقًَّبه، للوصول إليهم ...
ولهذا لم يرسلوا خلفه احداً ...
استقر فى حجرته، المطلة على المتنزًَّه، وهو يواصل التفكير فى الامر ..
إنها لعبة صبر إذن ...
من سيبدأ الخطوة الاولى ؟!...
وكيف ؟!..
هكذا ستدور اللعبة ....
لعبة البارون ...
الأحمر ...
* * *
" لم يحاول شيئاً، حتى هذه اللحظة ..."..
نطق (توبلكس) العبارة فى توترشديد، وهو يتطلًَّع إلى شاشة كبيرة فى مكتبه الفاخر، فى الجادة الخامسة، أرقى مناطق (مانهاتن)، حيث ملأها وجه البارون، الذى حافظ على ابتسامته الواثقة، وهو يقول :
- إنه ثعلب مصرى بحق ... لقد فهم اللعبة، وقررًَّ أن يعبث بنا، كما نعبث به .
مغمغ (توبلكس) فى حذر :
- يمكننا ان نعمد إلى استفزازه، حتى يخرج عن صمته .
أجابه البارون بكل الصرامة:
- كًَّلا .
ثم صمت لحطات، قبل أن يسأله:
- إنه لا يبقى طوال الوقت فى فندقه ... أليس كذلك ؟!
أجابه (توبلكس) فى سرعة :
- كًَّلا ... لقد زار مؤسسته يوماً واحداً، راجع خلاله كل ما يتعلًَّق بالعمل، وعقد اجتماعاً مع المديرين التنفيذيين، ثم يقضى ما تبقى من الوقت فى جولات سياحية فى المدينة، كأى سائح عادى، و ...
قاطعه البارون ، متسائلاً:
- ماذا زار بالضبط ؟!
اجابه (توبلكس) بنفس السرعة:
- تجوًَّل فى (سنترال بارك)، وزار بناية (امباير ستايت)، ثم ...
قاطعه البارون بصيحة غاضبة هادرة :
- غبى .
ارتفع حاجبا (توبلكس) فى شدة، وهو يكررًَّ الكلمة فى دهشة مستنكرة خائفة :
- غبى ؟!
صاح فيه البارون، فى غضب هادر :
- نعم ... غبى ... التفاصيل التى ذكرتها، تعنى أنك قد تجاهلت أوامرى الصريحة، وأرسلت من يراقبه ويتتبعه .
ارتبك (توبلكس) بشدة، وكاد يسقط فاقد الوعى، وهو يتمتم بصوت مرتجف :
- لقد خشيت ان ...
عاد البارون يقاطعه، بصرخة أشد غضباً :
- غبى... غبى ... غبى ... ألا تدرك ما فعلته؟!...لقد قلبت الكفة لصالحه، وبدلاً من ان نمسك نحن بزمام الأمور، صار بإمكانه أن يمسك هو بها .
اندفع (توبلكس) يقول مرتجفاً، محاولاً تبرئة نفسه :
- لقد أرسلت رجلين محترفين، كانا يعملان سابقاً، فى المخابرات الأمريكية، وتلقيا تدريبات مكثفة، حول سبل المراقبة و التتبًَّع، و ...
قاطعه البارون مرة أخرى، فى غضب هادر :
- وهل تصوًَّرت أن خصمنا فتى كشًَّافة ؟!... إذا كانا من المحترفين، فهو ملك المحترفين، كما يقول ملفه، وتاريخه لا يحوى هزيمة رجال مخابرات فحسب، ولكن نظم مخابرات باكملها، وتنظيمات إجرامية او تجسسًَّية، عجزت عن هزيمتها دول كبرى ...
ارتبك (توبلكس) بشدة، وهو يغمغم :
- ولكنه مجرًَّد رجل واحد ...
صرخ البارون:
- ليس رجلاً عادياً ... اتدرك بم يلقبونه، فى عالم المخابرات ؟!... رجل المستحيل ... هذا لأنه وحده، قادر على فعل ما تعتبره أنظمة كاملة فى عداد المستحيل .
حاول (توبلكس) بائساً الدفاع عن نفسه، وهو يغمغم :
- ولكن ...
انتفض جسده فى عنف ورعب، عندما أتت مقاطعته من خلفه هذه المرة، بصوت يقول فى هدوء :
- إنه على حق .
استدار بكل رعب الدنيا، يحدًَّق فى الرجل الذى وقف هادئاً مسترخياً، مستنداً إلى إطار باب الحجرة، وعيناه معلًَّقتان بالشاشة الكبيرة، وهو يكمل فى اهتمام :
- إذن فهذا هو البارون الأحمر .
وانعقد حاجبا البارون فى شدة على الشاشة ...
فلقد كان هذا الرجل هو (أدهم) ...
(ادهم صبرى) ...
شخصياً .
* * *
|