كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
رجل المستحيل
السلام عليكم
2- اللغز ...
2- اللغز ...
التقى حاجبا (أدهم صبرى) فى شدة، على نحو استدعى انتباه (منى توفيق) و(قدرى) معاً، وهما يستقلان سيارته، ولاحظ كلاهما أنه يمسك بيده مظروفاً أحمر اللون، على نحو عجيب، ويطالع خطاباً، حمل فى زاويته علامة كبيرة حمراء، جعلت (منى) تغمغم فى عصبية، دون أن تحاول إخفاء غيرتها :
- أخطاب غرامى هذا ؟!
هزًَّ (أدهم) رأسه فى صمت، وواصل مطالعة الخطاب لحظات، فأطلق (قدرى) ضحكة عابثة، اهتًَّز لها كرشه الضخم، وهو يغمز بعينه، قائلاً :
- لو أنه كذلك، لما جرؤ على قراءته فى حضورك يا عزيزتى .
لم يشعرها جواب (قدرى) بأى قدر من الارتياح، وإنما ظلًَّت تتطلع إلى (أدهم)، فى مزيج من القلق والفضول والغيرة، حتى أدار هذا الأخير عينيه إليها، وقال وهو يطوى الخطاب، ويعيده إلى ذلك المظروف الأحمر العجيب :
- إنه عرض من مستثمر أمريكى ؛ لشراء مزرعة (أميجو صاندو) فى (المكسيك)
غمغمت (منى) :
- وماذا يقلقك فى هذا ؟!...لقد كنت تفكًَّر في بيعها، منذ زمن طويل .
أجابها فى حزم :
- هذا صحيح ... لقد عرضتها للبيع، عبر مؤسستى فى الولايات المتحدة الأمريكية، والتى تحمل اسمى هناك (أميجو صاندو).
بدت عليها حيرة متوترة، وهى تسأله :
- أهذا المستثمر إمرأة ؟!
هزًَّ رأسه نفياً ، وهو يجيب :
- إنه لم يعلن اسمه... فقط شعار أحمر اللون، يحمل حرفى آر و بى بالانجليزية .
سأله (قدرى) هذه المرة :
- أهاذ ا ما يقلقك ؟!
أجابه (أدهم) فى ضيق واضح :
- بل ما يقلقنى حقاً هو أنه لم يرسل الخطاب إلى مؤسسة (صاندو)، بل أرسله إلى هنا... إلىًَّ أنا مباشرة .
تحوًَّل قلق وغيرة (منى) إلى دهشة كبيرة، وهى تقول :
- ولكن هذا يعنى أن ...
قاطعها (أدهم) بنفس الضيق:
- أنه يعلم أن مؤسسة (صاندو) تخصنى فعلياً ... وليس هذا فحسب، ولكنه أراد أن يخبرنى بعلمه هذا أيضاً .
انتقل القلق إلى (قدرى) ، وهو يقول :
- وما الذى يستهدفه من هذا ؟!
صمت (أدهم) بضع لحظات، ارتسمت على وجهه خلالها علامات التفكير العميق، قبل أن يغمغم :
- لست أدرى بعد .
مرًَّت عليهم لحظات من صمت، قبل أن يقطعه (قدرى) ، قائلاً فى مرح :
- وهل سيمنع هذا دعوتك لنا على عشاء فاخر ؟!
ثم مال نحو (أدهم) ، مردفاً وهو يغمز بعينه :
- ودسم .
حاولت (منى) أن تبتسم لدعابته، ولكن قلقها وتوترها منعاها من هذا، فى حين أدار (أدهم) محرًَّك سيارته، وهو يقول :
- كًَّلا بالطبع .
كان قد اختار مكاناً شديد التمًَّيز، يعلو احد الفنادق الكبرى المعروفة، ويطل من خلال مطعم دوًَّار على القاهرة كلها، ويدور حول محوره فى بطء، خلال ساعتين من الزمن، بحيث يشاهد الجالس العاصمة كلها، والتى تتألق بأضواء ساحرة فى الليل ...
ولقد كان الطعام شهياً بالفعل، حتى أن (قدرى) انهمك فيه بكل حواسه، فى حين لم تتناول (منى) منه إلا أقل القليل، وذهنها منشغل بأمر ذلك الخطاب، فى حين بدا (أدهم) وكأنه قد نسيه تماماً، حتى انتهى الطعام، وبدأ (قدرى) وحده فى التهام طبقاً كبيراً من الحلوى، وهو يقول فى استمتاع :
- اختيار رائع يا صديقى... فى المرة القادمة ستكون الدعوة على نفقتى.
ابتسم (أدهم) وهو يقول فى هدوء:
- أنت على الرحب والسعة دوماً يا صديقى .
مع نهاية عبارته، مالت (منى) نحوه؛ لتلقى عليه سؤالاً، لولا أن برز رجل غربى الملامح فجأة، يرتدى حلة فاخرة، يبلغ ثمنها عدة آلاف من الجنيهات، ووقف إلى جوار (أدهم)، قائلاً:
- هل اتشرف بالوقوف امام السيد (أدهم صبرى) شخصياً ؟!
رفعت (منى )عينيها إليه فى قلق، فى حين استدار إليه (أدهم) فى بطء، متسائلاً فى هدوء :
- هل سبق ان تعارفنا ؟!
ابتسم الرجل ابتسامة زلفة، وهو يجيب:
- سؤال لبق يا سيًَّد (أدهم)؛ فأنت من الذكاء، بحيث تعلم جيداً أنه لم يسبق لنا أن التقينا .
ثم أخرج من جيبه بطاقة، وضعها أمام (أدهم)، مستطرداً :
- ولكن من دواعى فخرى أن نتعارف .
تعلًَّقت الأعين بتلك البطاقة، خاصة وأنها كانت حمراء اللون، تماماً مثل ذلك المظروف، وعادوا جميعاً يتطلعون إلى الرجل، الذى شد قامته، وهو يكمل فى اعتداد:
- أنا (ميل توبلكس)... محامى امريكى، أعمل لحساب مؤسسة كبرى، تريد عقد صفقة ممتازة معك يا سيًَّد (أدهم).
تطلًَّع إليه (أدهم) لحظات، دون أية انفعالات، ووجهه الجامد لا يشف عما يعتمل فى نفسه، قبل أن يسأله فجأة:
- لماذا اللون الأحمر ؟!
كان من الواضح أن السؤال لم يفاجئ المحامى، الذى ابتسم فى هدوء، متسائلاً:
- ألن تدعونى إلى الجلوس أوًَّلاً ؟!
أجابه (أدهم) فى حزم صارم:
- كًَّلا ... هذه السهرة تضم الأصدقاء فحسب، ولست أظنك تندرج تحت هذه الفئة
.لم يبد الضيق على المحامى، وإنما حافظ على ابتسامته، وهو يقول:
- من يدرى ... ربما صرت كذلك فيما بعد .
قال (أدهم) بنفس الصرامة:
- لست اعتقد هذا .
أومأ المحامى برأسه متفهًَّماً، دون ان يفقد ابتسامته، وهو يقول:
- إنها صفقة تساوى مائة مليون دولار على الأقل، ولكنك دوماً تفضًَّل الصداقة، على أى شئ يا سيًَّد (أدهم).
أشاح (أدهم) بوجهه عنه، وكأنه ينهى المحادثة، قائلاً فى حزم:
- هذا صحيح.
قال المحامى، فى برود عجيب:
- كنت اتعشًَّم التشًَّرف بالجلوس مع أعز صديقيك... الآنسة(منى توفيق)، من اوًَّل دفعة لفتيات المخابرات فى (مصر)، والعبقرى (قدرى)، صاحب الأصابع الذهبية، والقادر على إعادة صنع أى شئ وكل شئ.
التفت إليه الثلاثة بنظرة دهشة، أضاف إليها (أدهم) شئ من القسوة، وهو يسأله:
- ما الذى تحاول الوصول إليه يا رجل؟!...ومن أين أتيت بما تقول؟!
اتسعت ابتسامة المحامى، وحملت شيئاً من الظفر، وهو يقول:
- أخشى أنك مضطر لاستضافتى على مائدتك، لو أنك ترغب فى معرفة الجواب يا سيد (أدهم).
رمقه (أدهم) بنظرة صارمة لحظة، ثم هبّ من مقعده، وواجهه مباشرة، وهو يقول بكل الصرامة:
- وماذا عن لكمة مباشرة، فى أنفك الاحمر هذا ؟!..
لم يبد ان عبارته قد أثرت كثيراً فى المحامى، الذى ظل ثابتاً، وهو يقول:
- معلوماتنا انك، وعلى الرغم من مواهبك المتعددًَّة، وقدراتك الفذة، رجل مهذًَّب يا سيًَّد (أدهم)، و(جنتلمان) حقيقى، ومثلك لن يلكم رجلاً مثلى، فى مكان كهذا، خاصة وانك تجلس مع أعز صديقين لك .
شعرت (منى) بتوتر شديد، خاصة وأن (أدهم) قد ضمًَّ قبضته بالفعل، وبدا وكأنه سيلكم الرجل بالفعل، فأسرعت تقول:
- لن يضيرنا هذا يا (أدهم) ... دعه يجلس؛ فالفضول سيقتلنا، لو انه انصرف، قبل ان نعرف ما خلفه.
ظلًَّت قبضة (أدهم) مضمومة لحظات، ثم لم يلبث ان أرخاها، وهو يقول بنفس الصرامة:
- فليكن ...اجلس.
بدا ارتياح ظافر على وجه المحامى، وهو يجذب مقعداً، ويجلس إلى جوار (قدرى)، الذى أبعد مقعده عنه قليلاً، و(أدهم) يسأل فى صرامة:
- مازال سؤالى بلا جواب ... لماذا اللون الاحمر، وماذا يعنيه؟!
هزًَّ المحامى كتفيه، وقال:
- هذا أمر يمكنك ان تجد جوابه على شبكة الانترنت يا سيًَّد (أدهم) ؛فالمؤسسة التى أعمل لحسابها، تمتلك موقعاً ضخماً عليها.
سأله (قدرى) فى فضول، وهو يخرج هاتفه الحديث :
- وما اسم تلك المؤسسة بالضبط ؟!
أدرك المحامى على الفور أنه سيبحث عن الاسم، عبر شبكة الانترنت، من خلال هاتفه، فأجاب فى هدوء:
- البارون الأحمر.
انعقد حاجبا (أدهم) فى شدة، وهو يقول:
- أيعنى هذا أنها مؤسسة المانية الجنسية ؟!
ابتسم المحامى، دون أن يجيب، فى حين تساءل (قدرى)، وهو يواصل بحثه:
- ولماذا المانية بالتحديد ؟!
أجابته (منى)، وهى تتطلًَّع إلى المحامى فى حذر وشك :
- البارون الأحمر لقب أحد أساطير الطيران، فى الحرب العالمية الأولى، وهو (مانفريد فون ريتشوفن)، ولقد أطلقوا عليه هذا الاسم، نسبة إلى الطائرة التى يقودها، والتى كانت ذات لون أحمر مميًَّز، ولقد أسقط ما يقرب من ثمانين طائرة، خلال زمن الحرب، وكان من النبل، حتى أنه أنقذ يوماً أحد الطيارين المعادين، عندما سقطت به طائرته، مما جعل منه رمزاً لأسطورة الطيران فى زمنه.
اتسعت ابتسامة المحامى، وهو يقول:
- ثقافة واسعة لم تدهشنى يا آنستى.
بدت لهجة (أدهم) شديدة الصرامة، وهو يقول:
- مازلت لم تجب سؤالى بعد .
حمل صوت المحامى شيئاً من الصرامة هذه المرة، وهو يقول:
- من المؤسف أننى لست مخوًَّلاً لإجابة هذا السؤال يا سيًَّد (أدهم).
ضرب (أدهم) سطح المائدة براحته، قائلاً فى صرامة:
- هذا ينهى المحادثة .
الامريكى، فى تحد متبادل، قبل أن ينهض هذا الاخير بحركة حادة، قائلاً :
- فليكن يا سيًَّد (أدهم) … موكلى أراد إنهاء الصفقة على نحو متحضًَّر، ومادمت ترفض هذا، فعلىًَّ أن أبلغه فوراً؛ لأن لديه ترتيبات أخرى .
قالها، وهمًَّ بالانصراف، ولكن (أدهم) أمسك معصمه فى قوة، وهو يقول :
- لو أن هذا تهديد يا رجل، فإن …
قاطعه المحامى فى صرامة، وهو يحاول عبثاً جذب معصمه، من قبضته الفولاذية:
- موكلى ينتظر اتصالى يا سيًَّد (أدهم) .
ظلًَّ (أدهم) ممسكاً بمعصم المحامى، ثم لم يلبث أن أفلته، وهو يقول فى صرامة قاسية :
- لا تنسى أن تخبره أننى سألتقى به قريباً، ولست أظن هذا سيروق له عندئذ .
جذب المحامى يده، وهو يقول فى توتر :
- سأخبره.
قالها، وانصرف فى خطوات سريعة، فغمغمت (منى) فى توتر :
- من أين حصل على كل هذه المعلومات ؟!
وغمغم (قدرى) :
- هذا الرجل يشعرنى بالخوف .
قال (أدهم) فى حزم :
- ويشعرنى انا بالغضب .
فى نفس اللحظة التى نطقها، كان المحامى الامريكى يغادر ذلك المطعم الفاخر، وهو يجرى اتصاله بموكله، قائلاً فى غضب واضح :
- الأسلوب الأوًَّل لم يؤت ثماره، كما توقًَّعت تماماً يا سيًَّدى البارون، واظن انه من الضرورى أن ننتقل إلى المرحلة التالية.
أتاه صوت هادئ واثق، يقول عبر الهاتف :
- خطأ يا (توبلكس) .. لقد كنت اعلم مسبقاً أن رجلاً مثله لن يقبل بهذا الأسلوب، ولكن المعلومات التى فاجأته بها، ستثير فضوله وقلقه، وستدفعه دفعاً إلينا، وعندئذ … سينقلنا هو إلى المرحلة التالية .
قالها وأطلق ضحكة قوية ساخرة …
ضحكة جمعت بين الثقة، والاستمتاع ، و …
والوحشية …
بلا حدود .
* * *
|