كاتب الموضوع :
ساعه بلا عقارب
المنتدى :
ركن شهر رمضان المبارك
تقبل الله صيامكم وقيامكم
( تفسير ابن كثير )
{16} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى
قَوْله تَعَالَى " إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى " قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيث الْإِسْرَاء أَنَّهُ غَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَة مِثْل الْغِرْبَان وَغَشِيَهَا نُور الرَّبّ وَغَشِيَهَا أَلْوَان مَا أَدْرِي مَا هِيَ ؟ وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا مَالِك بْن مِغْوَل حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن عَدِيّ عَنْ طَلْحَة عَنْ مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه هُوَ اِبْن مَسْعُود قَالَ لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُنْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَج بِهِ مِنْ الْأَرْض فَيُقْبَض مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَهْبِط بِهِ مِنْ فَوْقهَا فَيُقْبَض مِنْهَا" إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى " قَالَ فِرَاش مِنْ ذَهَبٍ قَالَ وَأُعْطِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا : أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَأُعْطِيَ خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة وَغُفِرَ لِمَنْ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا مِنْ أُمَّته الْمُقْحِمَات. اِنْفَرَدَ بِهِ مُسْلِم وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَوْ غَيْره - شَكَّ أَبُو جَعْفَر - قَالَ : لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْتَهَى إِلَى السِّدْرَة فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ السِّدْرَة فَغَشِيَهَا نُور الْخَلَّاق وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَة مِثْل الْغِرْبَان حِين يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَر وَقَالَ فَكَلَّمَهُ عِنْد ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ سَلْ . وَقَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد " إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى " قَالَ كَانَ أَغْصَان السِّدْرَة لُؤْلُؤًا وَيَاقُوتًا وَزَبَرْجَدًا فَرَآهَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَى رَبّه بِقَلْبِهِ وَقَالَ اِبْن زَيْد قِيلَ يَا رَسُول اللَّه أَيَّ شَيْء رَأَيْت يَغْشَى تِلْكَ السِّدْرَة ؟ قَالَ " رَأَيْت يَغْشَاهَا فِرَاش مِنْ ذَهَبٍ وَرَأَيْت عَلَى كُلّ وَرَقَة مِنْ وَرَقهَا مَلَكًا قَائِمًا يُسَبِّح اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .
تفسير القرطبي
{16} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَابْن مَسْعُود وَأَصْحَابه : فَرَاش مِنْ ذَهَب . وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن مَسْعُود قَوْله . وَقَالَ الْحَسَن : غَشِيَهَا نُور رَبّ الْعَالَمِينَ فَاسْتَنَارَتْ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَسُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غَشِيَهَا ؟ قَالَ : ( فَرَاش مِنْ ذَهَب ) . وَفِي خَبَر آخَر ( غَشِيَهَا نُور مِنْ اللَّه حَتَّى مَا يَسْتَطِيع أَحَد أَنْ يَنْظُر إِلَيْهَا ) . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : غَشِيَهَا نُور الرَّبّ وَالْمَلَائِكَة تَقَع عَلَيْهَا كَمَا يَقَع الْغِرْبَان عَلَى الشَّجَرَة . وَعَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( رَأَيْت السِّدْرَة يَغْشَاهَا فَرَاش مِنْ ذَهَب وَرَأَيْت عَلَى كُلّ وَرَقَة مَلَكًا قَائِمًا يُسَبِّح اللَّه تَعَالَى وَذَلِكَ قَوْله : " إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى " ) ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَالثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ أَنَس بْن مَالِك : " إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى " قَالَ جَرَاد مِنْ ذَهَب وَقَدْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا . وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّهُ رَفْرَف أَخْضَر . وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام : ( يَغْشَاهَا رَفْرَف مِنْ طَيْر خُضْر ) . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : يَغْشَاهَا رَبّ الْعِزَّة ; أَيْ أَمْرُهُ كَمَا فِي صَحِيح مُسْلِم مَرْفُوعًا : ( فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْر اللَّه مَا غَشِيَ ) . وَقِيلَ : هُوَ تَعْظِيم الْأَمْر ; كَأَنَّهُ قَالَ : إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا أَعْلَمَ اللَّه بِهِ مِنْ دَلَائِل مَلَكُوته . وَهَكَذَا قَوْله تَعَالَى : " فَأَوْحَى إِلَى عَبْده مَا أَوْحَى " " وَالْمُؤْتَفِكَة أَهْوَى . فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى " [ النَّجْم : 53 ] وَمِثْله : " الْحَاقَّة مَا الْحَاقَّة " [ الْحَاقَّة : 1 ] . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي مَعَانِي الْقُرْآن لَهُ : فَإِنْ قِيلَ لِمَ اُخْتِيرَتْ السِّدْرَة لِهَذَا الْأَمْر دُون غَيْرهَا مِنْ الشَّجَر ؟ قِيلَ : لِأَنَّ السِّدْرَة تَخْتَصّ بِثَلَاثَةِ أَوْصَاف : ظِلّ مَدِيد , وَطَعْم لَذِيذ , وَرَائِحَة ذَكِيَّة ; فَشَابَهَتْ الْإِيمَان الَّذِي يَجْمَع قَوْلًا وَعَمَلًا وَنِيَّة ; فَظِلّهَا مِنْ الْإِيمَان بِمَنْزِلَةِ الْعَمَل لِتَجَاوُزِهِ , وَطَعْمهَا بِمَنْزِلَةِ النِّيَّة لِكُمُونِهِ , وَرَائِحَتهَا بِمَنْزِلَةِ الْقَوْل لِظُهُورِهِ . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه قَالَ : حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي سُلَيْمَان عَنْ سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَبَشِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَطَعَ سِدْرَة صَوَّبَ اللَّه رَأْسه فِي النَّار ) وَسُئِلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ : هَذَا الْحَدِيث مُخْتَصَر يَعْنِي مَنْ قَطَعَ سِدْرَة فِي فَلَاة يَسْتَظِلّ بِهَا اِبْن السَّبِيل وَالْبَهَائِم عَبَثًا وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقّ يَكُون لَهُ فِيهَا صَوَّبَ اللَّه رَأْسه فِي النَّار .
تفسير ابن كثير
{48} وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى
أَيْ مَلَّكَ عِبَادَهُ الْمَال وَجَعَلَهُ لَهُمْ قِنْيَةً مُقِيمًا عِنْدهمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى بَيْعه فَهَذَا تَمَام النِّعْمَة عَلَيْهِمْ وَعَلَى هَذَا يَدُور كَلَام كَثِير مِنْ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمْ أَبُو صَالِح وَابْن جَرِير وَغَيْرهمَا وَعَنْ مُجَاهِد " أَغْنَى " مَوَّلَ " وَأَقْنَى " أَخْدَمَ وَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد أَيْضًا " أَغْنَى" أَعْطَى " وَأَقْنَى " رَضِيَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَغْنَى نَفْسه وَأَفْقَرَ الْخَلَائِق إِلَيْهِ قَالَهُ الْحَضْرَمِيّ بْن لَاحِق وَقِيلَ أَغْنَى مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقه وَأَقْنَى أَيْ أَفْقَرَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ قَالَ اِبْن زَيْد حَكَاهُمَا اِبْن جَرِير وَهُمَا بَعِيدَانِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظ .
تفسير القرطبي
{48} وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى
قَالَ اِبْن زَيْد : أَغْنَى مَنْ شَاءَ وَأَفْقَرَ مَنْ شَاءَ ; ثُمَّ قَرَأَ " يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده وَيَقْدِر لَهُ " [ سَبَأ : 39 ] وَقَرَأَ " يَقْبِض وَيَبْسُط " [ الْبَقَرَة : 245 ] وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . وَعَنْ اِبْن زَيْد أَيْضًا وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالْحَسَن : " أَغْنَى " مَوَّلَ " وَأَقْنَى " أَخْدَمَ . وَقِيلَ : " أَقْنَى " جَعَلَ لَكُمْ قِنْيَة تَقْتَنُونَهَا , وَهُوَ مَعْنَى أَخْدَمَ أَيْضًا . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَرْضَى بِمَا أَعْطَى أَيْ أَغْنَاهُ ثُمَّ رَضَّاهُ بِمَا أَعْطَاهُ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : قَنِيَ الرَّجُل يَقْنَى قِنًى ; مِثْل غَنِيَ يَغْنَى غِنًى , وَأَقْنَاهُ اللَّه أَيْ أَعْطَاهُ اللَّه مَا يُقْتَنَى مِنْ الْقِنْيَة وَالنَّشَب . وَأَقْنَاهُ اللَّه أَيْضًا أَيْ رَضَّاهُ . وَالْقِنَى الرِّضَا , عَنْ أَبِي زَيْد ; قَالَ وَتَقُول الْعَرَب : مَنْ أُعْطِيَ مِائَة مِنْ الْمَعْز فَقَدْ أُعْطِيَ الْقِنَى , وَمَنْ أُعْطِيَ مِائَة مِنْ الضَّأْن فَقَدْ أُعْطِيَ الْغِنَى , وَمَنْ أُعْطِيَ مِائَة مِنْ الْإِبِل فَقَدْ أُعْطِيَ الْمُنَى . وَيُقَال : أَغْنَاهُ اللَّه وَأَقْنَاهُ أَيْ أَعْطَاهُ مَا يَسْكُن إِلَيْهِ . وَقِيلَ : " أَغْنَى وَأَقْنَى " أَيْ أَغْنَى نَفْسه وَأَفْقَرَ خَلْقه إِلَيْهِ ; قَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ . وَقَالَ سُفْيَان : أَغْنَى بِالْقَنَاعَةِ وَأَقْنَى بِالرِّضَا . وَقَالَ الْأَخْفَش : أَقْنَى أَفْقَرَ . قَالَ اِبْن كَيْسَان : أَوْلَدَ . وَهَذَا رَاجِع لِمَا تَقَدَّمَ .
|