كاتب الموضوع :
hero788
المنتدى :
الادباء والكتاب العرب
حسنا00لمن لايمكنه العودة للمقال السابق!!!!
«إذا لم تنفق أبدا أموالك بقى لك دائما قدر من المال إذا ظللت باردا لا تحترق فلن تتحول أبدا لرماد، وإذا ظللت تزحف على الأرض فإنك لن تتحطم أبدا. لماذا إذن؟ لماذا؟ لماذا تحسب أنك تستطيع أن تطير.. أن تطير».
هذا مدخل غنائى من مسرحية «نحن وأمريكا» ترجمها الطائر المحلق فاروق عبدالقادر عن نص بيتر بروك المسرحى الإنجليزى المعاصر.
وفاروق عبدالقادر قد أنفق كل ماله، ولم يكن باردا.. كان الاحتراق الدائم وآخر ما حصل عليه من جائزة العويس مبلغ خمسين ألف دولار أنفقها جميعها خلال أشهر قليلة ساعد بها الأصدقاء وأسعد كل من كان بجواره، ثم عاد حرا طليقا يأكل من جهد قلمه.
هو لم يعرف الزحف، بل عرف الصدمات المتوالية طوال مساره المهنى، فكم مرة خرج فيها من كبريات المؤسسات الصحفية والثقافية والإعلامية ليطلق ساقيه متجولا فى شوارع المدينة. ولذلك فقد طار الطائر المغرد بأغنية الاختلاف، ركب قلمه السحرى الشريف وطار للسماء عند ربه، بعد أن قال لنا: كيفما تكونون يكون إبداعكم.
فقط كانت بضعة أشهر عام 1993 عاشها مرفها مع جائزة العويس، أما قبلها وبعدها فقد انتظم فى إيقاع المثقفين اليومى بوسط القاهرة.
وكانت الكويت قد كرمته قبلها بجائزة الكويت للتقدم العلمى، أما إمكانية العمل المستقر المنتظم فلم تتحقق له طوال حياته، فمنذ تخرجه فى كلية الآداب جامعة عين شمس عام 1958 لم يتمكن فى العام التالى برغم اجتيازه الاختبار أن يلتحق باحثا بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بسبب نشاطه السياسى القصير عندما كان طالبا بالجامعة.
وهو الأمر الذى ظل يلاحقه طوال عمره، برغم اتساع أفق كتاباته وترجماته ورؤيته للأدب والفن عن حدود النقد الماركسى بكثير، بل إن مبدعه الأثير الذى يراه عبدالقادر أهم مسرحى معاصر فى القرن العشرين هو بيتر بروك المؤمن بالتفاعل بين الثقافات، والمنحاز للتعددية الثقافية وللتنوع السياسى.
وقد قدم فاروق عبدالقادر بروك فى اللغة العربية عبر ترجمة أهم كتبه، ومسرحيته الشهيرة «نحن والولايات المتحدة» التى دارت عن حرب فيتنام، وصدرت عن كتاب الهلال بالقاهرة فى 1971 بل إن اهتمامه بالتجريب المسرحى الحر كان واضحا قبل اهتمام وزارة الثقافة بمشروعها التجريبى المعاصر الذى بدأ عام 1989 فقد صدر كتابه المهم «نافذة على مسرح الغرب المعاصر» «دراسات وتجارب» عن دار الفكر للدراسات والنشر عام 1987 وفيه قدم دراسات عن مسرح الشارع، وتعرض لأهم المجربين فى القرن العشرين.
ويعد هذا الكتاب هو وكتابا بيتر بروك: النقطة المتحولة أربعون عاما فى خدمة المسرح، والمساحة الفارغة: هل المسرح ضرورى فى عالمنا، من المراجع الأساسية لدارسى المسرح فى مصر والوطن العربى، على المستويين الأكاديمى والعام.
ولعل حرمان فاروق عبدالقادر من العمل الأكاديمى مبكرا كان سببا فى اشتعال الهاجس البحثى العلمى لديه قراءة وترجمة عن الإنجليزية التى أجادها ووسع بها رؤيته النقدية الجادة. وقد خلف لنا آثارا أكاديمية واضحة، وبالأخص فى مجال الترجمة فقد ترك ترجمات لتشيكوف وتينسى وليامز وآداموف كنصوص من علامات المسرح المعاصر، كما ترجم نصوصا من الهامش التجريبى مثل مسرحية «الملك» 1968 التى تعد من أوائل نصوص مسرح الشارع التى عرفتها العربية.
ولعل متابعاته النقدية التطبيقية ذات الطابع الواضح إلى حد الحدة فى رؤيته للأمور، التى ألصقت به صفة الناقد التصادمى، فقد خلقت حول عمله النقدى حالة من الإثارة أخفت قليلا عمق أثره النقدى وجهده الثقافى كمترجم يقوم بالاختيار والانتقاء ليوجه مسار المسرح المصرى والعربى ويصله بما يدور فى المشهد المسرحى العالمى.
وإن كانت كتاباته التطبيقية على عروض المسرح المصرى ستظل وثيقة نقدية وتاريخية ترصد وتحلل عمل العديد من الأجيال بداية من المشهد الستينى وحتى جيل التسعينيات من الفرق الحرة والمستقلة، تابع خلالها نجوم المسرح المصرى من نبيل الألفى وكرم مطاوع حتى حسن الوزير وعزة الحسينى، كتب عن عروض المسرح القومى وأيضا عن عروض الأقاليم تحت عنوان «أضواء المسرح خارج القاهرة»، ومنح المقربين من الموهوبين وقته وأعصابه وأبوته المشتعلة بالمحبة وعصبية المؤمنين بأدوارهم.
فلاشك أن فاروق عبدالقادر مارس النقد المسرحى كرسالة، وبشكل منتظم فى مجلة المسرح ثم المسرح والسينما وروزاليوسف ومجلة الطليعة التى كان مسئولا عن ملحق الأدب والفن فيها منذ 1972 وحتى إغلاق المجلة فى مارس 1977 ومن وقتها وهو لم ينضم بشكل ثابت مع أية كيانات ثقافية، حتى فارقنا فى 3 يونيو 2010 عن عمر يناهز السبعين بعامين، فهو المولود فى 1938 الذى بدأ مشواره الثقافى فى سن العشرين منحازا للقراءة والكتابة كاختيار مهنى، ولكنه انصرف لاهتمامات أخرى كان مهتما بها بشكل مبكر مثل علم النفس الاجتماعى، والقصة والرواية خاصة مع ما أسماه انهيارا للمسرح المصرى مع منتصف السبعينيات، ويسجل شهادته فى كتابه «ازدهار وسقوط المسرح المصرى» فيقول:
«حين كان المسرحيون كتابا وفنيين جادين فى طرح قضاياهم، والتماس الوسائل التعبيرية القادرة على نقلها، فى التقليد أو التجريب كان النقد جادا ومسئولا، أما حين أصبح المسرحيون مشاركين - عن تواطؤ أو غفلة - فى تزييف وعى مشاهديهم، فلن يكون النقد الذى يكتب عن أعمالهم - اتفق أو اختلف - سوى جزء من عملية التزييف ذاتها».
أما عمله على القصة والرواية فقد شمل يحيى حقى ويوسف إدريس ونجيب محفوظ والغيطانى ومحمد البساطى وعبدالرحمن منيف، والطيب صالح وإبراهيم أصلان ومحمد شكرى، وغيرهم.
ومن أبرز كتبه ذات الدراسات المتنوعة «شرفات ونوافذ»، 2006 وكم كان يعتنى فى إهداء كتبه للأصدقاء الراحلين ميخائيل رومان «أكتوبر 1973»، صلاح عبدالصبور «أغسطس» 1981»، محمود دياب «نوفمبر 1983»، كان دائم البحث عن ذلك اليقين المراوغ وهو عنوان كتابه الصادر عن دار الهلال فى وداعه ليوسف إدريس، حيث قرأ إبداعه فى ضوء اهتمامه بدراسة قيادة جماعة الأقلية التى ترجم فيها كتابا كان له الأثر الواضح فى فهم عوالم إدريس الخاصة، حيث يرى أن الجماعة فى حركتها دائما ما تتجاوز حركة الأفراد، تشملها وتحتويها.
وهو يعمق تحليله النقدى للإبداع المسرحى والسردى بمقاربة دائمة مع الواقع الذى كان فى سنواته الأخيرة متشائماً فى رؤيته له، حيث يرى فى كتابه من أوراق نهاية القرن الصادر فى 2002 أن «الواقع على مستوى الوطن والأمة والعالم كله واقع مناف للإبداع، تعمل شروطه جميعا على إفقار وعى الإنسان وحصار طاقاته الخلاقة».
أما كتابه المهم المترجم عام 2003 بعنوان «البشرية تفقد ذاكرتها» والصادر عن دار العروبة للدراسات والأبحاث لمؤلفه إيمانويل فليكوفسكى فهو ما يعبر عن اهتماماته الثقافية الإنسانية التى تضاف لاهتمامه الوطنى والقومى فهو كتاب نادر يناقش مسألة إيقاظ العقل البشرى الواعى إزاء الميراث المنسى للعصور، والخبرات الصادمة التى دفنها بنو الإنسان فى غياهب النسيان، وذلك من أجل يقظة إنسانية تعالج عالمنا المعاصر من فقدان الذاكرة الثقافية. سيبقى المثقف العام والناقد الكبير الاختصاصى فاروق عبدالقادر علامة مضيئة على رجال أدوا أدوارهم بأمانة، أصحاب الأهداف النبيلة، سيبقى رحمه الله بالتأكيد فى قلب الذاكرة الثقافية المصرية والعربية.؟
|