كتب لها بعاطفة ولكن كالعادة دون رابط, أول شيء ذكر لها عن حالته ومرت عليها مرور الكرام, ثم ركز ثانية علي انتقاد ضعفها وانتقاد مدرسة القرية وهذا ما أوصله الي صلب الموضوع, وفي جملتين قصيرتين عرض لمستقبل الطفلين ووضعهما مع عمتهما تحت رعاية برايان تورنبول....والإمضاء أخاها المحب, وهذا كل شيء.
تركت الرسالة تقع من يدها, ووضعت رأسها بين يديها, ماذا ستفعل؟ والي من تلجأ للنصيحة اذا لم يكن لشيء آخر؟
لابد أن محاميها سيؤكد ما قاله برايان, والسيدة بدفورد ستستمع اليها بحماس ولكن لن تستطيع فعل شيء, آرثر....انه فاتن وأهل للثقة عندما يكون لديه وقت ولكن نصيحته لن يكون لها طبيعة مؤثرة, وأخيرا أخذت أحزانها معها للفراش ونتيجة لها بالكاد استطاعت أن تنام.
لما تبقي من الأسبوع بقيت مشغولة تحضر حسابات المزرعة ل البريغادير بدفورد, وعندما لم تكن تطبع له البيانات كانت تتجول في المزرعة تجمع أرقام التكاليف وتقديرات الإنتاج من مدير المزرعة ومساعديه, لذا لم تتح لها الفرصة لأن تقص ما حدث لأحد.
ولكن مهما استطاع عملها أن يمتص تفكيرها خلال ساعات النهار, فهي لم تستطع أن تسيطر علي هذه الأفكار وهي ترتاح, فأمضت ساعات لا عد لها مستيقظة تشعر بالبرد , تدير في رأسها العديد من الخيارات....
بامكانها اللجوء للقضاء, بامكانها الهرب مع الأولاد, ولكن القضاء مكلف وغير مؤكد نتيجته, واذا هربت فلابد أن أحدا سيجدها, أنها عاجزة عن فعل أي شيء وهي تعرف هذا, وحاولت أن تفكر بمنطق.... ربما سيكون الأولاد أحسن حالا في مدرسة داخلية مع أتراب من عمرهما, ولكنها تعرف كم انزعجا من غياب والدهما المطول وموت أمهما, ولن يصدقا هذا....هذا المنزل الريفي وعمتهما جوانا يمثلان الأمان الوحيد الذي يعرفانه, وسيكون من الظلم إبعادهما.
شحب لون جوانا بشكل ظاهر وما أن حل مساء الجمعة حتي أصبحت عيناها حفرتين سوداوين في وجهها.
قالت لها ايزابيل بدفورد وقد ظهر عليها القلق" جوانا؟ عزيزتي, ما بك؟"
"ماذا؟ آه...مرحبا, أنا آسفة لقد كان تفكير ي بعيدا"
"لقد كان في القطب الشمالي, هل أثرت فيك مصائب جاك المالية, أهذا هو السبب؟"
"لا بالطبع..."
"هذا جيد, لا يجب عليك أن تتأثري بها, فنحن لو اضطررنا لبيع المزرعة فالحياة ستستمر, ورغم أن جاك لا يشعر بالأمر, ولكنه سيكون سعيدا في العيش بمنزل ريفي بسيط ليزرع خضاره بنفسه....فان المزارع تعتمد علي الآلات كثيرا هذه الأيام, وكل سعادة المزارع ذهبت مع هذه الآلات, لذا لا لزوم لانزعاجك"
ونظرت لها جوانا معجبة, وهي تعلم جيدا أن خسارة المزرعة ستكون مأساة كبيرة لها وقالت" أنا لست منزعجة"
"فلماذا التجهم اذن؟ هذا ليس من عادتك, عندما دخلت عليك الآن وجدت أن وجهك ما كان يسميه جدي...بوجه يرعب الأشباح, هل أنت تعبة؟ أم أن السبب طقس الخريف؟"
"كلاهما"
"ما أنت بحاجة اليه هو بعض الهواء النقي, فأنت لا تتنزهين بما فيه الكفاية"
"الطقس لا يناسب"
"لا تتحججي, الهواء يبقي هواء حتي ولو كان باردا قليلا ورطبا في مثل هذا الوقت من السنة, ألم تعودي تركبي الخيل في هذه الأيام؟"
وتنهدت جوانا, فعلي الرغم من أنها ليست فارسة ماهرة الا أنها كانت تتمتع بركوب الخيل, وقبل أن يصل الأولاد للسكن معها كانت دائما تستأجر جواد من القرية وتخرج في نزهة الي التلال, فيكي دوبلن, صديقة طفولتها ومديرة مدرسة الفروسية الآن, كانت تخرج معها أحيانا برفقة زوجها وينضم اليهم آرثر بدفورد, ولقد توقف كل هذا بسبب الأولاد, سألت ايزابيل بإصرار" هل توقفت عن ركوب الخيل؟"
"أوه...في الواقع لا وقت لدي, علي كل ان الاسطبلات مشغولة جدا هذه الأيام وأشك أن في استطاعة فيكي أن تؤجرني جوادا لأكثر من ساعة, ولا أحب أن تكوني نزهاتي قصيرة فعندما أركب الخيل أريد أن أبتعد"
"لا يهمني ما تقولينه, كل ما أعرفه أن عليك الخروج ولو لبضع ساعات , سأقول ل أرثر ليهتم بهذا"
فقالت جوانا بحزم" لا , شكرا لك"
"ولكن اذا كان شخصا آخر سيكون الأمر مختلفا, ألا تفهمين؟ اذا كان آرثر ينتظرك ستضطرين للذهاب"
"أجل وقد يكون هذا أمر غير مناسب أو لم يبدر الي ذهنك أنه قد يكون مشغولا بأشياء أخري؟ حتي أنه قد لا يرغب في الخروج معي"
"هراء, سيفيده الخروج أيضا, فقد بدا لي متوترا آخر مرة, ربما بسبب الطاهي الجديد, هل شاهدته؟"
"لا, بل شاهدت الساقية , قال آرثر انهما عملا معا, انها جميلة, هلي هي زوجت الطاهي؟"
"يا للسماء ...لا ,انها ليست ساقية حقا,انها ممثلة, آرثر أخبرني, وهي شقيقة الطاهي وهو يقول أنها أنهت عقدها الصيفي ولم تحصل علي عمل جديد لذا أتت لأخيها ليعيلها, ووظفها آرثر كساقية, ذلك الشاب له قلب من ذهب, لا قلب له ليرفض طلب أحد."
"انه بحاجة الي ساقية , وهي جميلة...بل أكثر من جميلة"
"هراء, انها تبدو كدمية خرافية مزخرفة علي شجرة الميلاد, من مثلها لا شيء حقيقي فيه."
"أنت حقا لا تحبينها, أليس كذلك؟"
"لست أهتم, ولكنني أعلم أن آرثر غبي, لقد ذهبنا لنتعشي هناك ليلة أمس, لهذا يبدو جاك منزعجا فهو ليس متعودا علي طعام المطاعم"
"ولماذا وافق المسكين علي الذهاب؟"
"لأنني قلت أن آرثر سيغضب اذا لم نفعل, ولكن الحقيقة أنني أردت رؤيتها فجواسيسي قالوا أن هناك امرأة رائعة الجمال هناك, وآرثر مفتون بها ولكنه دائما يقع في حبال المرأة الغير مناسبة"
"كوني صادقة, من هي في نظرك المناسبة له؟"