-إنها تذكار من منطقة الكامارغ, لك, يا آنسة. آمل أن تليق بك.
أجابته متلعثمة:
-آه, شكراً.
ثم رأته يمتطي حصانه بخفة وعناية, ابعدت يديها عن القربوس, ثم خلعت نظارتيها و اعتمرت القبعة التي لا شك أنه اشتراها من مدينة آلرز يوم أمس.
قرب جيرفيه حصانه من "أرسطو" و أنحنى ليري الفتاة كيف تمسك الزمام, قائلاً:
-هل أنتِ مستعدة, أنسة بيشوب؟
هزت رأسها موافقة, ثم قالت بعفوية:
-أرجوك, أدعني جوسلين. فنحن أقرباء...
رمقها بنظرة ساخرة, غريبة, و أجاب قائلاً:
-حسناً, كما تريدين.
ثم ربت على ظهر أرسطو و بدأ الحصانان سيرهما. و بسرعة, تعودت الفتاة مشية الحصان و تدريجياً, بدأت تشعر بالاسترخاء والاستمتاع بالنزهة.
منتديات ليلاس
الحصانان يتقدمان جنباً إلى جنب, و جيرفيه لا يراقب الفتاة كثيراً. بل يصفر و يتأمل المنظر القاحل, بصمت و استرخاء. بعد ربع ساعة. ابتعدا عن الطريق باتجاه مساحة واسعة من الأراضي المغطاة بالنباتات البرية من فصيلة السرمقيات. "قيصر" يتقدم و "أرسطو" يتبعه. ولمدة لحظات قليلة, بدأت الفتاة تفقد توازنها فوق هذه الأرض الوعرة, لكنها تمكنت من البقاء على ظهر الحصان, ضاغطة الركبتين و متمسكة بشدة بالقربوس. وعلى مقربة مستنقع صغير خفف أرسطو سرعته بنفسه, وبينما كان يجتاز ستاراً من القصب ليدخل الماء, رأت جوسلين الرجل ينظر إليها بمرح و سخرية, فسألته:
-هل كنت تتوقع أن تراني واقعة عن ظهر الحصان, يا سيد سانتون؟
-ولماذا لا تنادينني جيرفيه ببساطة؟
-كما تريد.
-ليس باستطاعتك أن تقعي عن ظهر أرسطو. فأي ولد يستطيع أن يركبه من دون مشكلة.
-أظنك بدأت تركب الخيل مباشرة بعد أن تعلمت المشي, أليس كذلك؟
-حتى قبل ذلك. ولما كنت في السابعة من العمر, سمح لي والدي بمرافقة الحراس في أخذ الثيران المختارة إلى السور حيث تجري المبارزات. اليوم, تؤخذ الثيران بواسطة الشاحنات, إلا إذا كانت حلبة مبارزة غير بعيدة عن المرتع.
وبعد صمت قصير, أضاف يقول:
-في كل حال, لم تحصل مبارزات منذ وقت طويل.
-لماذا؟
نظر إليها مقطب الحاجبين و قال:
-بسبب الحرب.
احمر وجهها وقالت:
-نعم, طبعاً... أنا حمقاء, المعذرة.
لانت نظرته وقال:
-لا ضرورة للمعذرة. حينذاك لم تكوني قد ولدت بعد. إنه التاريخ بالنسبة إليك.
سألته بخجل:
-هل عانيتم الكثير في أيام الحرب, في هذه المنطقة؟
-القطعان أبيدت. ولما تحررت البلاد, لم يبق تقريباً أي حيوان على قيد الحياة. كلها ماتت, بسبب المرض, أو خزنت لتغذية الألمان. حتى الثور لا يمكنه العيش إلا إذا أعتني به.
ولما داس الحصان الأرض اليابسة من جديد, لمحت جوسلين على بعد 50 متر تقريباً عدة حراس يجمعون قطيعاً تفرق. فتذكرت شيئا ما و سألت جيرفيه:
-حدثتني كاميليا عن ثور يدعى " الوحش" , لماذا هذا الثور مشهور جداً؟
-عليك أن تطرحي هذا السؤال إلى مارسيل روجيه! عندما كان حارساً صغيراً ربح ألف فرانك, فقط لأنه تمكن من لمس جبين هذا الثور.
وبعد سير عشر دقائق, لمحا حصانا يتقدم من بعيد باتجاههما, فقال جيرفيه بلهجة متهكمة:
-سيلين!
كانت سيلين تمتطي فرساً وهي ممددة على عنقه, شعرها يطير مع الريح. وصلت مسرعة, وفي اللحظة الأخيرة, أمالت الحصان وقامت بدائرة واسعة لتصطف قرب جيرفيه, بعد أن خففت سرعتها بشدة, حتى انتصب الحصان, يا له من مشهد رائع خاصة أن الحصان من دون سرج. انقطعت أنفاس جوسلين خوفاً و اعجاباً عندما رأت الحيوان يحرك حافريه في الفراغ, قبل أن يرجع إلى ساقيه, هازاً عرفه الأبيض.