خطيبة الطبيب امرأة نحيلة و سمراء, في الأربعين من عمرها, ارملة و أم لصبي في الثالثة عشرة من عمره. تسكن القرية منذ سنة, و نعرف جوسلين بأن والدها وقع في حبها منذ وقع عليها نظره.
وتتذكر الفتاة والدتها بغموض ولا تفهم لماذا توقع معظم اصدقائها أن تغضب على أبيها لأنه سيتزوج مرة ثانية. وهو رجل جذاب ولطيف للغاية, في الثامنة و الأربعين من العمر. وكيف باستطاعتها أن تشعر بالغيرة تجاه إليزابيث, تلك المرأة الناعمة التي تتمتع بحس مرهف وروح النكتة و الفكاهة. بالعكس كانت فرحة جداً لهذا الاتحاد.
جلستا في الصالون حول القهوة, فقالت إليزابيث:
-وصلتني بطاقة من محلات سميث, يعلن فيها المدير أن ثوب العرس أصبح جاهزاً. وما زلت بحاجة إلى مساعدتك لاختيار القبعة المناسبة.
-يسرني أن أرافقك إلى المدينة. أنا أيضا بحاجة لبعض المشتريات.
بعد حديث عادي ومقتضب, قالت جوسلين:
-وصلتني صباح اليوم رسالة من ابنة عمي كاميليا, تلك التي تزوجت من شاب فرنسي التقت به في باريس حيث كانت تعمل كعارضة ازياء. لقد سبق و حدثتك عنها, هل تتذكرين... والدها أخ والدي البكر. إنه طبيب أيضا و يعيش في بلاد الشرق و ما التقيت به مرة. إنه يدير مستشفى ريفياً في اقاصي غينيا الجديدة.
-نعم, أخبرتني ذلك عندما تزوجت ابنة عمك بغتة. والداها منفصلان, أليس كذلك؟
-نعم. يقول والدي أنه ما كان مفروضا أن يتزوجا من الأساس, لأنهما لا يناسبان بعضهما البعض على الاطلاق. عمي ديفيد يحب عمله كثيراً و زوجته جانيت رائعة الجمال وتحب الحياة و المجتمع. استطاعت البقاء معه أربع سنوات, لكنها لم تحتمل طويلا, فهربت مع رجل آخر. لا يمكن لومها لو أنها ما تخلت عن ابنتها, كاميليا.
-و أخبرتني أيضا أن كاميليا درست في استراليا, أليس كذلك؟
-نعم. كانت في مدرسة داخلية في بريسيان و تأتي إلى غينيا الجديدة في العطل. و لما اصبحت في السابعة عشرة من عمرها, اقنعت والدها كي يسمح لها أن تأتي إلى انكلترا للتعرف على عائلتها. عاشت سنتين في لندن عند جدتي و أصبحت عارضة أزياء. نجحت في هذه المهنة و اشترت شقة فخمة و سيارة جديدة.
-ثم تخلت عن كل شيء لتتزوج من هذا الشاب الفرنسي.
-نعم. تعرفت إليه لأسابيع قليلة قبل أن تتزوجه. لو أعلمتنا بالأمر مسبقاً, لحاول والدي زيارتها و اقناعها بالتخلي عنه أو التحلي بالصبر. لكن, للأسف, عرفنا بأمر زواجها عندما أرسلت لنا بطاقة بريدية من مدينة كان الفرنسية, حيث كانت تقضي شهر العسل. يتهيأ لي الآن, أن التاريخ يتكرر. سأقرأ عليك رسالتها و بإمكانك الحكم بنفسك.
قرأت عليها جوسلين الرسالة بصوت عال, دون أن تقرأ الفقرة العائدة إلى زواج عمها. بعد قليل, قالت إليزابيث:
-إنها تصرخ من القلب, أليس كذلك؟ أين يسكن العروسان, في فرنسا؟
-في البداية سكنا قرب مرسيليا. لكن عندما حملت كاميليا, استقرا في بلدة زوجها, وهي مزرعة كبيرة تخص شقيقه. هل تعتقدين أنها حقاً يائسة و منهارة, بسبب وضعها الصحي, أم أنه وضع خطر حقاً؟
-انتظار مولود جديد, وضع دقيق نفسياً, بخاصة في الأشهر الثلاثة الأخيرة. ويبدو أكثر صعوبة إذا كانت المرأة الحامل تعيش في الغربة, بعيدة عن كل ما اعتادت إليه. بنظري, عارضة أزياء في عائلة مزارعين قرويين, كمزيج الماء و الزيت من الصعب تحقيقه... لماذا لا تذهبين بنفسك للتحقق من صحة ما يجري هناك؟
اندهشت جوسلين و قالت باستغراب:
-أنا, أذهب إلى فرنسا.
ابتسمت إليزابيث و قالت:
-ولم لا. أنا معجبة بك كثيراً, خاصة لطريقتك في إدارة هذا المنزل, و لاهتمامك البالغ بوالدك. ستصبحين في المستقبل زوجة مثالية, لكنك ما تزالين في التاسعة عشرة من العمر, يا جوسلين. بالنسبة إلى بنات جيلك, أنت تعيشين حياة ثابتة, و يجب عليك رؤية العالم قليلاً, قبل أن يأتي النصيب ليخطف حريتك و شبابك المراهق.
بعد ساعتين, وكان الطبيب بيشوب, يقول الكلام نفسه:
-ستكون مغامرة بالنسبة لك. لا شك بأن كاميليا تؤزم الوضع و لكن لا بد أنها تجد صعوبة في التكيف بسهولة و بالسرعة المطلوبة. هذا ما كنت أخشاه: فخليط الجنسيات يجعل الزواج معقداً دائماً.
-لا أعتقد أن المشكلة تقع بين الزوجين, بل مع عائلة الزوج. العمة العجوز تبدو انسانة صعبة ولا تحتفل.
-انه لخطأ كبير أن يعيش الزوجان تحت سقف واحد مع العائلة. . . اتساءل لماذا يجب على كاميليا أن تبقى طريحة الفراش, انها لا تشكو من فقر دم, على ما أظن. مهما يكن الأمر, إذا وافقت على قضاء اسبوعين معها, سترين الأمور على ضوء, و ربما باستطاعتك تسويتها, قدر المستطاع.
-لكن مصاريف الرحلة ستكلف غالياً, أليس كذلك؟
-لا أعتقد. إذا كنت ذاهبة مع إليزابيث إلى السوق, استعلمي بوضوح عن ثمن البطاقة في الطائرة, ذهاباً و إياباً.
في المساء اعلنت الفتاة لوالدها بأن بطاقة السفر ستكلفها حوالي الأربعين جنيهاً استرالياً, ثم أضافت تقول:
-لكني لا أتوقع من عائلة العريس أن تعيني مجاناً. ومن المفروض أن اشترك على الأقل في مصروف الطعام. و إذا بقيت هناك ثلاثة أسابيع مثلاً, سأحتاج إلى مبلغ مماثل, أي في المجموع, حوالي ثمانين جنيهاً استرلينياً.
ناولها الطبيب شيكاً وقال مبتسماً:
-كنت سأشتري لك مجوهره, هدية الزواج, لكنني اعتقد بأن رحلتك إلى فرنسا ستكون فكرة أفضل.
-لكن, أبي! ليس هذا عرسي أنا.
0ابن العروس سينال دراجة نارية كهدية عرسنا, ولا أرى لماذا تحرم ابنة العريس من هدية لمثل هذه المناسبة.
-لكنني وفرت 15 جنيها من مصاريف المنزل لهذا الشهر.
-صحيح! في هذه الحال, سوف أخفض الميزانية من الآن فصاعداً! حسناً, احتفظي بها و اشتري بعض الملابس الأنيقة, قبل سفرك.
-كزرعة آل سانتوت لا تقع في الكوت دازور, إنما في غرب مارسيليا, على ما أظن. ولمثل هذا المكان لست بحاجة إلى ملابس أنيقة.
منتديات ليلاس
في سريرها, تلك الليلة, توصلت جوسلين مع نفسها إلى نتيجة منطقية. هذه الرحلة, لن تخدم معنويات و نفسية كاميليا فحسب, بل ستسمح لإليزابيث أن تتمرن على إدارة المنزل و التصرف به كما تشاء, كما سيساعد الفتاة على أن تنظر إلى مستقبلها بطريقة واضحة.
خلال شهر العسل في جزر فيشي, اهتمت جوسلين بروبرت, ابن زوجة أبيها: توصله إلى المدرسة كل صباح, لم تذهب إلى السوق في المدينة. و اشترت فستاناً واحداً و سروالين و قميصين متناسقين وحذاء مريحاً, استعداداً للرحلة المقررة إلى فرنسا.
وكان طوم الطبيب المساعد يناوب مكان والدها كل مساء ولم يستطيعا الخروج معاً مرة واحدة. لكنه جاء إلى المنزل, انما وجود روبرت منعهما من أي جلسة وحدهما.
ويوم موعد عودة العروسين, امضى روبرت الصباح بكاملة في تنظيف و تلميع سيارة الطبيب بيشوب, بينما انهمكت جوسلين في المطبخ تعد الطعام و تضعه في الفرن قبل ذهابها إلى محطة القطارات.
في الرابعة و النصف بعد الظهر كانت جوسلين و روبرت في المحطة ينتظران وصول القطار. أخيراً هتف الصبي عندما توقف القطار ونزل ركابه:
-ها هما!
أضافت جوسلين وهي تلوح بيدها:
-آه, انظر كم لوحت الشمس بشرتهما! لا شك أنهما امضيا وقتاً ممتعاً.
ثم قالت لنفسها: " يبدو أبي عشر سنوات أصغر من عمره".
اقترب العروسان. فقبلت إليزابيث ابنها أولاً, ثم جوسلين, وقالت:
-عزيزاي الحبيبان, كم أنا فرحة لرؤيتكما! كنا في الجنة, لكننا اشتقنا إليكما كثيراً. في السنة المقبلة سنذهب معاً. هل تم كل شيء على ما يرام؟
ابتسمت جوسلين وقالت:
-نعم. اكتشفت معنى الفرح في أن يكون لي أخ. لكنني لا أعرف إذا كان روبرت قد فرح مثلي, بأن تكون له أخت كبرى.
قال الصبي:
-جوسلين فتاة لذيذة و ممتازة, لكنها ليست مثلك, يا أمي, فهي لا ترغمني على غسل يدي و وجهي باستمرار.
أجابت إليزابيث ضاحكة:
-هذا يعني انك لم تنظف اذنيك ابدأ منذ رحيلنا. آه, كم أنا مسرورة للعودة إلى المنزل, وأنت يا جون هل تشعر بالشيء نفسه؟
هز الطبيب برأسه موافقاً. ولم وصل الجميع أمام ساحة المحطة, لاحظ الطبيب لمعان سيارته وقال مندهشاً:
-من لمع السيارة. لم يسبق أن رأيتها براقة هكذا.
أجاب روبرت بفخر:
-أنا, يا سيدي, قالت لي جوسلين انك لا تمانع إذا اعتنيت بها.
-هذا لطف كبير منك, يا روبرت. انه عمل جيد بالفعل... افضل بكثير مما يفعلونه في محطات الوقود أو الكراجات الخاصة. إذا رغبت في تنظيفها من وقت إلى آخر, سأعلمك قيادتها على مدرج الطيران القديم.
بفرح كبير هتفت جوسلين لنفسها: " آه, برافو, يا أبي... روبرت يرغب ذلك كثيراً..."