فأجابت سارة وهي تحاول أن تبقي صوتها خاليا من التعبير عن حقيقة شعورها :
" بل هي بارعة الجمال ..... فهل بينها وبين ستيف ....... أعني هل تعتقدين أن ستيف سيتزوجها؟".
" من يدري ؟ فله صديقات كثيرات في مثل جمالها , ولكن أيا منهن لم تحتفظ بأهتمامه طويلا كما أحتفظت هي , فهي باردة المزاج وغير متصنّعة , ولا أحد يستطيع أن يتأكد بماذا تفكر".
" لا شك أنك معجبة بها........".
" بكل تأكيد , ولكنني من جهة أخرى لا أدري أذا كنت أرغب في أن تكون زوجة أخي, نعم , غرورها , فحين تكون في جماعة لا أحد سواها يحظى بالأنتباه , فهي من الناس الذين ما أن يدخلوا مجلسا حتى يصبحوا محور الأهتمام ".
وبعد أن فرغت سارة من ترتيب السرير الأضافي وأبتعدت عنه قليلا لتتأمله , قالت لها جيل :
" أنه واطىء بعض الشيء فهل أنت متأكدة أن ذلك لا يشكل خطرا؟".
" أنا متأكدة جدا , وعلى كل حال , لك أن تأخذي سريري وأنا آخذ هذا السرير".
" أحقا ما تقولين؟ أنا بصراحة أفضّل أن أنام بقرب النافذة ".
قالت جيل ذلك ونهضت تمتحن رفاص السرير , ثم عبرت أرض الغرفة الى حيث طاولة الزينة فرفعت عنها صورة موضوعة في أطار وقالت لسارة :
" هل هذا والدك؟".
" نعم".
" أنت تشبهينه كثيرا".
" هكذا يقال لي....... والآن هل نذهب ونجلب أمتعتك من السيارة؟ فعليك أن تخرجي ثيابك من الحقائب".
قالت جيل وهي تنظر من النافذة الى المنحدر:
" لدينا متسع من الوقت..... قولي لي: كيف تقضين وقتك هنا ؟ لا شك أن اللهو محرّم بعض الشيء!".
" لم نكن نشكو من ذلك قبل مجيء أخيك , ومهما يكن , فلا بد أن يجد ستيف متسعا من الوقت لمرافقتك هنا وهناك , بعد أن ينصرف دون وديانا".
فأجابت جيل على الفور:
" لمرافقتنا نحن الأثنتين , لا مرافقتي أنا وحدي , ودون جلب معه جهازه السينمائي ........." وتوقفت عن الكلام قليلا ثم تابعت قائلة:
" دون أيضا شخصية غير عادية ... فهو في الظاهر يبدي عدم الأكتراث , ولكنه في الباطن......".
وهنا غيّرت الموضوع وقالت:
" تزوّج مرة وزوجته ذهبت مع رجل آخر".
" هل كانت ديانا تقيم معهما آنئذ؟".
" أظن ذلك , ولكنني لست متأكدة , فهما مثل ستيف ومثلي لا أهل لهما , ولكن ديانا تقدر أن تكتفي بذاتها , ولا تقلق أذا هي أضطرت الى العيش وحدها لسبب من الأسباب".
وماذا عن جيل ؟ وخيّل الى سارة أن جيل , بخلاف ديانا , لا تستطيعالعيش وحدها , وأن ديانا لا تريد أن ترى أي أمرأة أخرى تستحوذ على أهتمام الرجل الذي تريده هي لنفسها , فأذا تزوجت ديانا من ستيف فغير مستبعد أن تجد جيل نفسها وحيدة معزولة . وهذا ما جعل سارة تشعر بالحرص على أن يتم هذا الزواج.
وجاء نوروغي بأمتعة جيل بعد ذلك ببضع دقائق , فتركتها سارة لترتبها وتضعها في الخزانة وسارت الى غرفة الجلوس لتجد دون ميلسون وحده , لأن ستيف أخذ ديانا في جولة قصيرة حول المركز.
قالت له سارة ببراءة:
" ألم تشأ أن ترافقهما؟".
" أما سمعت القول المأثور : أثنان يؤلفان جماعة ؟ لو هممت بالنهوض لمرافقتهما لقطعت ديانا ساقيّ تحتي , هل تدبرتما أمركما , أنت وجيل؟".
" بعض الشيء , وهي الآن ترتب ثيابها , هل تريد كأسا أخرى يا سيد ميلسون؟".
" أسمي دون , ألا يعجبك هذا الأسم؟".
" لك ما تريد , هل تريد كأسا أخرى يا دون؟".
" أفضّل عليه صحبتك!".
وربّت على المقعد بجانبه , وأكمل كلامه قائلا:
" تعالي أخبريني عنك".
" ظننت أنني فعلت ذلك من قبل".
" نعم , ولكن يهمني أن أعرف عن تلك الفتاة التي كانت تلجأ مسرعة الى البيت ورجل يحاول الحاق بها ! هل كان ستيف يتصرف نحوك تصرفا لا يجوز أن يصدر منه؟".
فسارعت سارة الى القول:
" كلا , كنت نتحادث , هذا كل شيء...... وهو يعتقد أنني لا أزال طفلة....".
" هذا قصر نظر منه , فأنت تتحلين بالرصانة والتعقل أكث من أي فتاة في مثل سنك عرفتها في حياتي , والحياة التي قضيتها منذ بضع سنوات في هذه الأصقاع جعلتك أكثر رغبة في الأستقلال الذاتي , ولعل هذا ما يعترض عليه ستيف , فهو يعتقد أن على المرأة أن تطيع الرجل حين يكون ذلك في صالحها".
فقالت له سارة بعد هنيهة صمت:
" أينطبق ذلك على أختك ديانا أيضا؟".
" بكل تأكيد , ولكن ديانا ماهرة في التلاعب بغرور الرجل , وهي تقبل من ستيف ما لا تقبله من رجل آخر".
فقالت سارة بحذر :
"هل هذا يعني أنها تعشقه؟".
ضحك دون وقال:
" لا أعرف الآن شيئا عن ذلك ,ديانا جاوزت عادة البوح بشعورها لي منذ أمد طويل.... هذا أذا كانت تفعل ذلك من قبل , وكل ما أستطيع أن أقوله أنها تميل اليه وتعجب به الى حد قيامها بهذه الرحلة التي لا تتوافق مع طبيعتها , فهي تفضّل حياة المدن على حياة الريف , ولكنها أذا أرادت الزواج من ستيف فهي قادرة على تغيير أسلوب حياتها للحصول على ما تريد ..... والآن يكفي التحدث عن الآخرين,ولنتحدث عنا نحن!".
" عنا نحن؟".
" نعم , أنت وأنا ....... وكليّ رجاء أن نصبح صديقين!".
وأحست سارة بقلبها يزداد خفقانا , كان دون ميلسون ولا شك شابا جذابا جدا , وبخلاف ستيف لا ينظر اليها نظرته الى طفلة , ومن غير أن تجد حاجة الى التفكير , قالت له ردا على كلامه:
" كل ذلك يتوقف على ما تتطلبه صداقتنا!".
فأتسعت الأبتسامة على شفتيه وقال:
" لا تتطلب أكثر مما أنت تريدين , أنا رجل أقنع بالسير الى حيث يقودني الآخرون , وكبداية هل تخبرينني أين أصوّر أفضل اللقطات بآلة التصوير التي معي؟".
وكان الآخرون بدأوا يعودون الى المنزل , فتناهت الى سارة ضحكات ديانا وهي تصعد درجات السلم , ونظرت الى دون مبتسمة وقالت:
" يسرّني أن أحاول مساعدتك في ما طلبته".
منتديات ليلاس
ودخل النهار في الليل خلسة فلم ينتبه اليه أحد , وعاد تيمو من اللودج بحقائب دون ميلسون , ودخلت ديانا الى غرفتها لتبدل ثياب السفر , وحين عادت الى غرفة الجلوس قبل موعد تناول طعام العشاء كانت ترتدي ثوبا من الكتان البسيط الفاخر , ذي اللون الأخضر المتألق الذي ينسجم أنسجاما رائع مع شعرها , وسرّ سارة بغتة أن جيل لم تبدل ألا قميصها , ولأول مرة بدأت ترى أنه من المستحسن للمرأة أن تظهر أنوثتها من حين الى آخر , هذا مع علمها بأنها لن تستطيع أن تطمح الى مجاراة ديانا ولو قليلا في جاذبيتها التي تسترعي الأنتباه..
وأفتقدت سارة غياب كيماني عن الشرفة تلك الليلة بعد تناول طعام العشاء , فهو لا بد أن يكون الآن سالما في أحد المستشفيات , وساقه مضمّدة ومستريحة , ومن مقعدها المعتاد قرب حاجز الشرفة أخذت تسترق النظر الى ديانا وهي تتحدث الى الرجال , فتعجب بحسن سلوكها وتصرفها , ثم نهضت فجأة وهي تقول:
" لم أتفقد كيكي والغزال الصغير بعد".
فسمعت دون يخاطبها بقوله:
" أنا ذاهب معك , أشعر بحاجة الى التمشي قليلا قبل النوم ".
وأنتظر دون الى أن أبتعدا عن الشرفة مسافة بعيدة عن مرمى السمع فقال:
" أهكذا تتصرفين هنا كل وقتك في الجلوس والكلام؟".
فأجابته بعد قليل من الصمت:
" نعم , معظمه على الأقل".
ثم نظرت اليه في ضوء القمر وسألته قائلة:
" هل أنت ضجر؟".
" كلا , ولكنني أتعجب كيف لا تشعرين أنت بالضجر , وأود أن تعلمي أن جيل لن تقدر أن تتكيف مع الحياة هنا".
" وماذا تقصد من وراء كلامك هذا؟".
" كل ما أقصده هو أنها معتادة على العيش عيشة مليئة بشيء أو بآخر , فهي بالغة الحيوية ...... أكثر مما يدرك ستيف , على ما أظن ".
" ولكنها بدت لي بعد ظهر اليوم أنها سعيدة بالمجيء الى هنا ".
" وجودها هنا الى حين خبرة جديدة بالنسبة اليها ...... ثم أنها ترحب بأية فرصة تتيح لها الأجتماع بستيف , كم من الوقت يتوقّع ستيف أنها ستقيم هنا؟".
" لا أعرف تماما , ربما ألى أن يعود والدي ... أي بعد نحو شهر ".
" أذن عليه أن يبذل جهدا في غضون هذا الشهر".
" أنا لا أن في أستطاعته أن يفعل ذلك , فبعد نهار مضن من العمل المتعب في البراري لا يريد الرجال هنا ذلك أكثر من الجلوس رافعيّ الأرجل , وبجانبهم كأس مليئة , وتوقفت قليلا ثم سألته قائلة:
" هل ستيف هنا يختلف عما هو في مكان آخر؟".
فأجابها بنبرة تأملية:
" أعتقد أنه لا يعرض حضور سهرات اللهو المنظمة ....... وقد تعيد ديانا النظر في علاقتها به بعد هذه الرحلة , فأنا لا أستطيع أن أتصورها ترفع رجليها ليلة بعد ليلة , ولو كرمى لعيني ستيف يورك! ".
( ولا أنا ) قالت سارة في نفسها , ولكن ستيف لم يكن ينوي أن يستمر طويلا في مثل هذا النوع من العمل , كما قالت لها أخته جيل , وبدا لها أن دون لم يكن يعلم ذلك , ولكن ماذا عن ديانا؟ فهي أذا علمت بنية ستيف هذه , لتحمّلت بضعة أيام من الضجر هنا للتأكد أنه لم ينس.
وأنتظر دون خارج الزريبة , فيما أخذت سارة تعدّ الغزال للنوم , وحين خرجت كان دون يدخّن سيكارته ويصغي الى أصوات الليل , فقال لها:
" سمعت مرة أسطوانة سجلت هذه الأصوات , فلم أصدّق الى الآن أن كلها حقيقة , هل تتكرر هذه الأصوات ذاتها دائما؟".
فأبتسمت سارة وأجابت:
" كلا , فهي أحيانا ترتفع , فالقرود صامتة الليلة , ولولا ذلك لعلا ضجيج يصمّ الآذان".
" فلنأمل أذن أن لا يزعجها أحد في صمتها".