اخرج دافيد باركلي سيارته الجيب من الموقف تحت الارض الى زحمة بعد الظهر. قاد دافيد السيارة وبدا يتساءل ما اذا كان عليه زيارة جدته في قرية سي غروف, لا يهم اذا كان الثلج يتساقط فهي بحاجة اليه, وهو سيذهب لزيارتها لانها لطالما كانت بجانبه عندما كان بحاجة الى شخص ما. ابيغايل باركلي اعتنى به منذ كان في سن الثامنة, فطلاق والديه تسبب بابتعاد ابنهما عنهما, وبعد ذلك بوقت قصير توفيا, جدته كانت دائما تقول انهما ماتا من الحزن, لكن دافيد كان يعلم افضل من ذلك فهما من تسبب بموت بعضهما.
اهتمت جدته به بكل محبة, فهي ضمّدت وقبّلت الجروح, وكانت تخبز كعكة بالشوكولا افضل من السيدة فيلدز, وساعدت في بناء بيت في الشجرة لعائلة روبنسون السويدية, وحاكت ثياب الكشافة خاصته, وشجعته بقوة في مبارياته في الدوري للصغار.
واذا كان سائقا ماهرا فالفضل لجدته, فقد علمته قيادة السيارة في مطلع شبابه فيما كانت هي في عمر الخامسة والستين.
اضاء دافيد الضوء الكاشف العالي لاضاءة طريقه من الثلج المتساقط بغزارة, جدته شجعته على دراسة الحقوق وبقيت تسهر معه كل ليلة لتساعده على المذاكرة وكانت فخورة به عند نجاحه. جدته كانت قوية كالصخرة ولم تشعر بالضعف حتى مات بارت, لقد كان جده بارتراند باركلي حب حياتها وعندما رحل مات قسم منها ايضا.
منتديات ليلاس
ادار دافيد زر الراديو ليسمع نشرة الطقس فلم يعد المستشفى بعيدا, لقد كان قلقا عليها على اصرارها العيش في ذلك المنزل الكبير لوحدها فقلبها كان يسبب لها مشاكل صحية, والان بعمر الثمانين صحتها لم تعد كما كانت, على الاقل لديها روز, فروز شسترتون كانت ممرضة وكذلك سائقها ومرافقها وحارسها الشخصي.
وكان هناك ايضا الدكتور هومر بانوالث, في السبعين من عمره ولا تزال الدراجة الهوائية هي وسيلة النقل عنده, لم يكن دافيد متاكدا اي نوع من الاطباء هو ولكن يعتقد ان الدكتور منجذب الى جدته, فهومر كان جذابا بشعره الرمادي, فقد كان يشبه الممثل كلارك غيبل بمظهره وتصرفاته ايضا.
كان الثلج يغطي موقف المستشفى بطبقة رقيقة واشارة الزوار تلمع بالضوء.
تناول دافيد باقة الورد وتوجه صوب غرفة جدته التي كانت تعج بالزهور والناس ايضا, فروز وهومر كانا جالسين بجانب سريرها يشاهدان التلفاز. الان سيكون هناك من يساعد جدته في التدخل بحياته الخاصة, فالثلاثة معا سيكونون خير حلفاء بالتخطيط له.
"دافيد باركلي! كيف امكنك الوصول الى هنا بهذا الطقس؟" صرخت روز وهي تنهض عن الكرسي.
"مرحبا روز, انت جميلة كالعادة." قال ذلك وهو يقبل خدها الاحمر ويخلع سترته.
"حبيبي دافيد ادخل." سمع صوت جدته من بين غابة الزهور المحاطة بها.
"جيد ان اراك هنا يا دكتور بانوالث." قال دافيد ذلك وهو يصافحه.
"اهلا دافيد لقد كنا نراقب نشرة الطقس." ثم اخفض صوت التلفاز.
"اجلس بقربي دافيد, تبدو بصحة جيدة." ربتت جدته على طرف السرير, فهي لا تتذمر الا من كونه اعزب, ولكنها لا تزال تتامل.
"كيف حالك جدتي؟" عانقها ثم جلس على حافة السرير بقربها.
"بحال جيدة." اضافت وهي تراقبه بتمعن: "تبدو لي هزيلا, هل تتناول الطعام بانتظام؟"
"لا تخافي جدتي انني اتناول ثلاث وجبات يوميا."
"وهل تمارس الرياضة كفاي؟"
"تقريبا كل يوم."
"حسنا لا تجهد نفسك."
قال الدكتور هومر: "هو يبدو لي بصحة جيدة, كيف عملك دافيد هل من قضايا كبيرة؟" وربت على كتفه.
"كالعادة هومر, نفقة طلاق حضانة."
"هذا تعيس, لم كل هؤلاء الناس يريدون الهروب من الزواج ولماذا؟ الزواج والعائلة من اجمل الاشياء التي تحصل للانسان." قالت الجدة ذلك وهي تنظر الى حفيدها.
"حسنا جدتي لا اعتقد ذلك, والدي كانا الامثولة على ذلك." قال دافيد ذلك وهو يتذكر مشاكل والديه.
"لقد كانا انانيين ولو انهما ما زالا علىى قيد الحياة, اعتقد انهما كانا غيرا نظرتهما, زواجي من بارتراند باركلي كان اجمل شيء في حياتي ولو لم يمت لما كنت هنا."
امسك دافيد بيديها وقال: "اعرف جدتي, انا سعيد لاجلك, لكن الزواج ليس للجميع وانا مرتاح من مشاكله."
"ساذهب وارى ماذا يؤخر عشاءك يا آبي؟" قالت روز ذلك وهي تخرج من الباب.
"أتعرف دافيد, انا لم اتزوج قط لقد حظيت بعدد من الفرص لكن لا اعرف لماذا لم اقتنع بفكرة الزواج. اعتقد ان السبب هو الحرب بعدها الجامعة وعملي. ولم اجد الوقت المناسب مثلك, كان عندي عملي ورفاقي ومنهم سيدات, ولكن لم احصل على تلك الشرارة المميزة في قلبي حتى قابلت جدتك ولكنها كانت متزوجة, وكلما كبرت في السن احس انني اضعت فرصة العمر."
"حسنا جدتي هل تفكرين باعادة الكرة مرة اخرى؟" سال دافيد جدته.
"نحن لا نتكلم عن حياتي ايها الشاب فلا تغير الموضوع, هل عندك صديقة؟"
منتديات ليلاس
"في الوقت الحاضر لا." فكر بجارته الجميلة, شرارة مميزة, ربما كانت مرتبطة, واذا لم تكن فقد يكون عندها مشاكل وجب عليه حلها وهو لي بمهتم. ولكن هناك ذلك الاحساس بينهما فقد رآه بعينيها الزرقاوين.
"دافيد هل حل بك شيء. لقد سالك هومر اذا كنت تريد كوب ماء ولم تجب وتبدو متوترا؟"
"او لا شكرا هومر, حسنا جدتي كم سيبقونك بالمستشفى؟"
"ليس طويلا اشعر بان ايامي اصبحت قليلة, ولهذا اريد ان ارى عائلة لك فانت لا احد لك الا جدتك العجوزة."
احس دافيد بالحزن فهو يكره موضوع الموت فهي الوحيدة من عائلته ولا يتخيل نفسه من دونها, فشعر بالاكتئاب والوحدة وحاول ضبط انفعاله فهو في عمر الواحدة والثلاثين والحياة لا تزال امامه.
عادت روز بصينية الطعام وهي تقول: "هل تريد اي طعام دافيد, فالمسؤولة عن المطبخ صديقتي وتستطيع تقديم اي شيء لك."
"اوه لا, روز شكرا, يجب ان احتفظ على لياقتي."
"انظر اليك فانت قاس كالصخر." قالت روز وهي تشير الى عضلاته.
ضحك دافيد وربت على يدها: "كم الساعة هومر؟" يجب ان اعود قبل ان تغلق الطرقات."
"انها الحادية عشرة, لقد مضى الوقت بسرعة."
قالت جدته: "لنسمع نشرة الطقس ونرى الوضع."
وعادت الى الحديث السابق: "قل لي يا دافيد ماذا حصل لمارغريت او مارييت او لا اعرف ما اسمها؟"
"مارتينا جدتي, لقد حصلت على وظيفة جيدة في نيويورك وسافرت."
"ليس لديك صديقة جديدة؟" قالت ذلك وهي تبدو مكسورة الخاطر.
"لا جدتي." لقد شعر بالارتياح عندما سافرت مارتينا فلم تكن مناسبة له ولم يشعر باي شرارة او كهرباء تسري في عروقه, عاد بالتفكير الى جارته وتلك المصافحة الكهربائية فالتيار الذي مر بين كفيهما كان قويا, ممكن قد يكون صوتها؟ فقد كان مثيرا, لقد قالت انها كانت تتمرن على مسرحية يجب ان يذهب ويحضرها اذ بامكانه سماع صوتها لعدة ساعات.
"الحدث المهم الليلة هو العاصفة الهوجاء التي تضرب سياتل..."
لا هذا لا يمكن ان يكون صوتها.
قالت جدته: "اسمع دافيد, انها تتكلم الان عن العاصفة, احب هذه المذيعة كثيرا, فهي المميزة على هذه المحطة, افضلها عن المذيعة الاخرى, لورن ويلز ذكية وحيوية والاجمل, فهي تضاهي بقية المذيعات جمالا."
لورن ويلز؟ اين سمع هذا الاسم؟ فاقترب دافيد اكثر من الشاشة, ذلك الاسم؟ ذلك الصوت, ذلك الصوت المثير.
"انها جارتي."