كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
اطلقت لخيالها العنان فراح يعدو فى كل الاماكن التى تاقت لرؤيتها والتى لن تراها على الارجح. احست الوادى مكانا عتيقا نحتته عناصر الطبيعة بأروع النقوش وتضافرت الشمس والريح والامطار على جعل صخوره قمما وشقوقا وفجوات . اعترتها رجفة باردة حين اطبقت عليها العزلة كحبيب يرفض اخلاء سبيلها ... هنا قد يضيع المرء لسنوات قبل ان يجده عابر طريق .
وسرعات ما وصلا البقعة التى ذكرها ميريك وكانت عبارة عن حلقة من الصخور المظللة ذات ارضية مسطحة مغطاة بعشب محروق يابس لكنه كان سميكا كغطاء مريح للجلوس .
- هل يفى هذا بالغرض ؟.
سألها ميريك باسما وهو يناولها حقيبة الطعام . بدون ان ينتظر موافقتها اسند بندقيته الى صخرة ملساء ثم نزع سترته الجلدية ولفها كوسادة قبل ان يستلقى . وفى الاخير مدد ساقيه وقال :-هيا قدمى الطعام يا امرأة .
تأملت طوله بشئ من الحنق ثم اعتراها خضوع غريب جعلها تنفذ طلبه. حاولت اقناع نفسها بأنه يستحق الخدمة بعد مشقته وليس لان قلبها لم يعد قادرا على مقاومة هذا الرجل المغرور الوسيم .
بدا لها امرا جد طبيعى ان يرتاح هو وتقدم له هى الطعام الذى هيأته السيدة لينوكس . استعاضت عن المائدة بصخرة مسطحة قريبة وضعت عليها ساندويشات اللحم والتفاح .
جلست قرب ميريك ففتح عينيه وارتكز على مرفقه حين ناولته الساندويش فلاحظ اثار التبلل على وجهها وكانت غسلته بماء الجدول تأمل بشرتها الزاهية وقال :- انت خادمة بارعة ولو كنا فى عصر اخر لفكرت فى ابتياعك .
- هذا اطراء على ما اعتقد . لكن هل كنت ستساوم على فى سوق النحاسة ؟.
- ربما بدافع الاغراء .
- حتى لو كان السعر باهظا ؟.
احتواها بنظرة كسولة فعبقت من شئ لاهب تراءى لها فى عينيه وجعل حلقها ينبض. فضحك وقال :- انت التى قلت ذلك وليس انا يا حلوتى سو . قد تجعلين الرجل فى لحظة ضعف لا تفكر فى السعر اطلاقا .
- لكن من الجائز ان تندم على ذلك فى وقت لاحق !.
اى غباء يحدوها على متابعة هذا الحوار الخاوى والذى يشبه السقوط فى هوة بلا قرار ؟ استمر يرمقها بسخرية وقال :-قد يتوقف الندم على عدة امور لان سعر بعض الاشياء يفوق قيمتها الحقيقية يا سو .
اندلعت فيها شرارة غضب فأطفأتها بقضم تفاحة بأسنانها اللؤلؤية . ثم قالت :- انك لا تحب النساء كثيرا اليس كذلك يا ميريك ؟.
- ان لك موهبة عظيمة فى طرح الاسئلة السخيفة يا سو . بالطبع لا اكره النساء . لكن رأيى فيهن ... هو شئ اخر بالمرة ... هل تقصدين النساء بصورة عامة ؟.
ماذا يقصد ؟ لن تطلب اليه ان يشرح قصده لانها تدرك غريزيا ان الحكمة تقضى بتغيير الموضوع . هزت كتفيها النحيلتين وتظاهرت بالتثاؤب مللا ، ثم تشاغلت بسكب القهوة .
- لقد استمتعت اليوم تماما .
اكدت له فى تهذيب جم وهى تضيف السكر الى فنجانه وتابعت :- الايل كان رائعا ... وكذلك هذا المكان .
رفع حاجبيه ليفهمها انه وعى تجاهلها لسؤاله الاخير وغمغم بلا اكتراث :- طالما سمعت هذه الحماسة وهذا الكلام من قبل .
- ليس غريبا ابدا ان يقع المرء فى حب مكان فى خلال وقت قصير.
فأعاد فنجانه فى تكاسل وقال بصوت لطيف:- هذه الاماكن البرية الوعرة لا تناسبك يا سو . انت انسانة طيبة وجميلة ولكن لا توهمى نفسك بعكس ذلك ، فالنباتات التى تنمو فى بيوت زجاجية خاصة يجب ان تبقى فيها وان لا تسعى الى الازهار حيث اقسى النباتات تقدر فقط ان تحيا .
- لقد رافقتك اليوم الى هنا وتغلبت على كل تلك الاراضى الوعرة وبرغم ذلك تجرؤ على هذا الكلام !
تجاهل شهقتها الغاضبة فنهض وحمل فنجانى القهوة الى الجدول حيث شطفهما وعاد ليقول وكأن شيئا لم يكن :- من النادر ان يكون الطقس حارا هكذا وكأننا فى يوليو/ تموز .
راقبته من تحت اهدابها الكثة وقبضت بالرغم على حجر كبير وكأنها تنوى رجمه به . لماذا يستمتع باثارة غضبها وباثارة خليط من العواطف قد لا تستطيع فرزه ابدا عن بعضه البعض؟
وهتفت تتهمه حانقة :- انت لا تشعر نحوى بأى ود اليس كذلك ؟.
وحالما نطقت العبارة احست انها قالتها له من قبل . استدار وجلس قربها فى هدوء واجاب :-قد يكون صحيحا ما تقولين .لكن ليس من الضرورى دائما ان يكون الود عنصرا فى العلاقة بين رجل وامرأة . ام تراك لا توافقين ؟.
عيناه فسرت قصده حين راحتا تتأملانها كلها ، ثم جذبها الى ذراعيه فى قوة وبطء، محيطا خصرها بذراع ومسندا رأسها وكتفها بالاخرى .
بعد ذلك بفترة طويلة تساءلت سو لماذا لم تحاول الهرب ثم وضعت اللوم على شدة الحر التى بلدت حواسها جزئيا، وعلى صمت المكان المغناطيسى. كذلك الشعور بانها وميريك فيندلى كانا منعزلين عن العالم فاعتبرته استمرارا طبيعيا للبهجة التى غمرتها فى الصباح .
تكلملت قليلا اذ احست خطرا خفيا من البقاء حيث هى لكنه منعها من الحركة وقال يأمرها بصوت كسول وذقنه تضغط على رأسها :- لا تتحركى ! تذكرى انك عبرت لى قبلا عن امتنانك !
هل يقصد ؟ حاولت الكلام فالتصقت الكلمات فى حلقها . كان هناك استمرار غريب لشعور سابق يتغلب عليها ويمنعها من الاعتراض. اما ميريك فكان يحضنها بلطف وكأنه يبغى تطمينها بالشكل نفسه تقريبا الذى يطمئن به حيوانا صغيرا وهو يأسره بين ذراعيه . وهنا شعرت نفسها مضطرة الى القول :- هل من عادتك قبض الثمن بهذه الطريقة ؟.
- وهل هناك طريقة اكثر ارضاء من هذه ؟.
صمتت تفكر فى عبارته فلم تعجبها كثيرا. كانت تدرك مدى قسوته لو اراد استعمالها وتدرك خطورة مناورته. وبرغم ذلك لم تكترث. صحيح ان يكونها التام قد يكون مدعاة للمشاكل غير ان انسجامها العاطفى بين ذراعيه بدا صعب المقاومة . انها تعانقه ليس الا وقد آن لها وقد بلغت الحادية والعشرين من عمرها، ان تتخلى قليلا عن روادعها العاطفية السابقة . لكنها تنهدت بيأس وهى تتمنى لو انها تملك بعض الارشادات المناسبة !
ودونما توقع ارتكز ميريك على مرفقه وقال متسائلا :- لماذا تتنهدين يا حلوتى سو ؟ اتراك محتارة فى كيفية التصرف ازائى ؟.
رن صوته هازئا متسليا فاحست بمقاومتها المتلاشية تعود الى التصلب وقالت نافية التهمة باستخفاف :- لم افكر فى ذلك اطلاقا!
ولكى تثبت صدق كلامها نظرة مباشرة الى عينيه لكن ابتسامتها الصغيرة لم تنجح تماما ، اذ قرأت فى نظرته شيئا جعلها ترفع راسها متحدية وفى اللحظة نفسها انحنى بغاية اللطف والرقة وعانقها ...
حاولت الافلات لكنه امسك برأسها من خلف وجمد عنقها ثم راح يداعب شعرها ويبعد خصلاته الحريرية عن جبهتها واذنيها .
عانقته تلقائيا ومررت اصابعها فى شعره الاسود ثم ابعد وجهه فجأة وغمغم :- يا لسو المسكينة التى حسبت انها ستحسن التصرف !
لسعتها كلماته الهازئة بعجزها عن مقاومة ارادتها العاطفية الخائبة فاجابت بشهقة مبهورة :- قد استطيع التصرف اذا اطلقت سراحى فلولا قوتك الوحشية ...
فبرقت عيناه وهو يقول :-لماذا تلجأين دائما الى الاعذار يا سو ؟ قد تتذرعين بعد قليل بانك تحملين كرها اساسيا لهذا النوع من التحبب.
كان ذهنها يتخبط فى ضباب ففضلت الاعتراف بانصاف الحقائق ولذا اجابت :- ليس تماما لان ذلك يتوقف على الذى يكون معى .
- تيم ماسون مثلا ؟ انى لاتساءل هل تكذبين دائما الى هذا الحد ؟
|