كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
5 -تعالى معى نهضت سو وتبعته الى المطبخ، ورسغها ما يزال منملا من ضغط اصابعه ، وسرعان ما امتد الخدر الى ذراعها. كل غريزة فيها اهابت بها الا تشاركه شرب القهوة فى هذا الكوخ العتيق، حيث يتولد بسهولة جو من الحميمية تود ان تتجنبه. كانت تدرك احتمال الخطر من جراء احساسها القوى بوجود ميريك فيندلى ، لكنها استبعدت جدا ان يكون لديه اى اهتمام شخصى فيها .
فاتها ان ترى المطبخ خلال جولتها الاستطلاعية ، ووجدته الان صغير الحجم كالذى فى شقتها ، بالكاد يتسع لشخصين يتحركان فيه براحة . حدقت حولها تتظاهر بالتفرج، وهى لا تشعر الا بالرجل الواقف قربها، وفى عمق عينيه وميض هازئ يتحداها ان تتراجع . بقيت مكانها بل لم تجرؤ على الاعتذار عن القهوة كى تعطى مبررا لبقائها . ولشدة ارتباكها راحت تبرر وجودها بطريقة اخرى فتقول :- استشرت ابى فى مسألة رجوعنا للسكن هنا فلم يظهر رغبة فى ذلك . لا اقدر ان افهمه كما يجب .
فأدار ميريك بصره الى الابريق الذى ملأه لتوه ، واشعل الغاز ثم ركز الابريق على اللهب العارى ، وقال بلطف :- هل يعنى هذا انك لا تريدين العيش معى تحت سقف واحد؟.
تطلعت اليه مستغربة تفسيره وغير واثقة من موافقته عليه . لكنها رفضت ان تزوده بمبرر واحد للشك. وردت بحماسة بالغة :- انك مخطئ تماما ، فنحن بالكاد نراك ولا ادرى ما الذى ادخل هذه الفكرة الى رأسك !.
- الا تعتبرين نفسك مسؤولة عن اى شئ؟.
هل يلمح الى غيابه المتكرر ام الى الجزء الاخير من عبارتها؟ رفضت الوقوع فى الشرك واعتبرت تعليقه تافها. فقالت تتابع كلامها السابق :-انا شخصيا احب السكن هنا لكنه يرفض بحث الموضوع كليا .
- اخبرتك سابقا انه يحتاج الى وقت .
- لبينما يتعافى ؟.
- اقصد انه يعجز فى الوقت الحاضر عن الارتباط بالماضى اذا انتقل الى الكوخ فيما اذا بقى معى فى البيت الكبير فلن يشعر باضطرار للارتباط بأى شئ.
- عندما يكون مرتاحا، يصطحبنى الى غرفة الجلوس ليتأمل لوجة جدتى وكأنه اذا قارن بيننا يقنع نفسه بأنى ابنته فعلا .
فتح خزانة وتناول منها فنجانين وضعهما على الطاولة :- أتقصدين القول بأنه لا يشعر بأبوته الحقيقية تجاهك ؟.
- اجل اذا اردت ان تضعه فى هذا القالب اعلم انه لا يحبنى لكنه يودنى ويشعر نحوى بنوع من القربى العاطفية، ولا شئ غير ذلك .
- وانت تتوقعين مشاعر اقوى وروابط امتن ؟.
- انا لا أتوقع شيئا . كانت لى آمال معينة فى السابق، والان لا أستطيع تفسير مشاعرى .
قطب حاجبيه فتغضن جبينه بشكل جذاب اقلق سو، فيما رف جانب فمه باستسلام ، فعبرت الحركة عن ضيق صدره الواسع . قال:- اسمعى يا سو قد يكون من الافضل لك ان تنظرى الى الموضوع من هذه الزاوية، افترضى نفسك يتيمة او ابنة بالحضانة سبق ونصحتك بهذا واكتفى بأن تطورى علاقتكما بالتدريج . اذا كان بينكما ود مشترك فهو اساس جيد تبنيان عليه العلاقة ولكن تخلصى بحق السماء من كل ما لديك من عقد نقص ومشاعر ذنب .
- المشكلة انى لم اعد طفلة كما ان الاطفال بصورة عامة يتقبلون الاوضاع على علاتها ولا يمكننى ان افعل هذا .
- فهمت تريدين الاطلاع على اشياء معينة . هيا اطرحى اسئلتك،انما لا تمتعضى اذا عجزت عن اجابة بعضها.
- شكرا ، لم اكتب قائمة بالاسئلة لدى فقط واحد يحيرنى . اريد ان اعرف ابى على حقيقته، فى العمق لتسهل على امور كثيرة ربما.
- لماذا ؟.
ترددت وهى تعى غطرسة وجهه الصخرية اكثر من اى وقت اخر . ما اصعب الكلام وتلك النظرة المفزعة تتسلط عليها! تعثرت وهى تحاول صياغة افكارها المكتومة فى كلمات :- امى ... لم تؤمن ابدا بضرورة اظهار عواطفها. لا اذكر انها احتضنتنى مرة او احاطتنى بعطف. لم تكن تعطف على مطلق انسان. احيانا كنت اسرح فى تحليلى ، فاعتقد انها متجمدة جزئيا وعاجزة عن الدفء والانفتاح، وعن كل الاشياء الطبيعية العادية التى يجب ان تتوفر فى الامهات. لكن يبدو انى عاجزة عن التفاهم العاطفى مع والدى ايضا .
- وانت ترفضين هذا الوضع فلا تتوقفين عن الغوص والحفر والتشريح، وتتساءلين الان عما اذا كنت ورثت ربما خصائص مضادة عن كليهما؟ عليك اذن ان تقنعى رأسك الجميل بأن التجارب القاسية كالتى عاناها والداك ، من شأنها دائما ان تترك جروحا بدون ان تؤثر بالضرورة على اولادهما. فما الذى يحملك على الاعتقاد بانك باردة وعاجزة عن كل التجاوبات الطبيعية ؟.
- انك تتجنى على بدل ان تساعدنى كنت اشير فحسب الى احتمال معين .
- وانا كنت اشير فقط الى انك تبدين قادرة على التوافق معى وبالتالى انت انسانة طبيعية . لكن اذا اصريت على متابعة الاستقصاء فهناك اسئلة يجب ان تطرحيها على نفسك... مثلا كيف تتجاوبين عندما يعانقك رجل ما؟ هذا السؤال قد استطيع اجابتك عليه.
طغت السخرية على صوته وألهبت صراحته وجنتيها.
- لا أفهم ما ترمى اليه؟.
غمغمت وهى مدركة تماما لقصدة انما عاجزة عن الاعتراف له بانها ما احست يوما اية اثارة فى موقف كهذا. اترى البرودة هى السبب ؟.
تأملها بخبث وقال :-يمكننى تبيان ذلك ان شئت لكن اساليبى قد لا تعجبك.
- اوه!
هتفت سو ومحياها يزداد اشتعالا وقد تأكدت من نواياه تماما. ثم اشاحت عنه وقالت :-اعتقد اننا نتحدث عن شيئين مختلفين كل الاختلاف.
- لكن كليهما ملتصق بالاخر يا صغيرتى الجبانة .
منذ دقيقة وصفها بالجمال فارتجفت، والان يسميها جبانة! تراجعت قليلا وركزت عليه بصرا مليئا بالاستياء وقالت :-انا لا اشاطرك هذا الرأى . ولو ان مشكلاتى تنحصر فى وحدى لما تطرقتمطلقا الى الموضوع. لا ابغى الاساءه الى احد .
عاد يتفحص وجهها وضاق بهما المطبخ فجأة. احست حرارة تعبر جسمها، فارتفعت يدها لا شعوريا الى ياقة قميصها تفك الزر الاعلى فيلتمع اسفل عنقها ناعما بضا. كان لديها شعور مخيف بانها تختنق. ما كان يجب ان تتوقع منه نصيحة منطقية، ولا يوجد مساعدة حقيقية فى ذينك الحاجبين المقوسين بوقاحة، ولا فى تينك العينين الساخرتين!
وقف يسد مدخل الباب وكأنه حزر رغبتها فى الهرب وقال بصوت متكاسل :- لا اعتقد انك تشبهين امك فى اى شئ. فهى برغم سيئاتها، كانت ولا ريب امرأة واثقة لا تخشى اتخاذ القرارات وهذا غير موجود فيك، اذ تطلبين من الغير دائما ان يقرروا شؤونك بالنيابةعنك. حسنا لنبدأ بالشقة التى يمكنك اخلاؤها فورا واذا اردت ايجاد اخرى سأجدها لك. ثانيا ، لا تفكرى فى ايجاد اى عمل فى الوقت الحاضر، ولا فى الانتقال من البيت الكبير للسكن هنا. هذا النوع من القرارات لا يستعصى على ذكائى لكن لا تطمعى كثيرا بكرمى لانه محدود فضلا عن وجود اشياء لاحقه يجب ان تقرريها بنفسك.
- مثلا؟.
خرج السؤال كشهقة غاضبة من غرورة المتناهى بدل ان تشعر نحوه بالامتنان.
اخذت تبتعد عنه فقبض على خصرها وقهقه عاليا ثم قال :-مثلا عندما تلتقين الرجل المناسب يا عزيزتى سو وحيث انك لم تتأكدى انه كذلك فلا اريدك ان تهرعى الى تطلبين النصيحة .
غامت عيناها الرماديتان بغضب عاجزة وهى تحاول الافلات من اصابعه القاسية والرد عليه بضحك مماثل فاخفقت وقالت تثرثر:- لا احسبنى سأزعجك عندما يحصل هذا فانا قادرة تماما على اختيار اصدقائى.
- اشك فى هذا فضلا عن ان اختيار الصديق يختلف عن اختيار الحبيب.
كان صوته وقحا كقبضه على خصرها. توقفت عن المقاومة اذ شعرت بضعفها امام قوته الخارقة، الى جانب شعورها بأنه كان مستلذا بحرقصتها، ربما لانه ينوى معاقبتها قليلا على مضايقته بمشكلاتها ولديه ما يكفيه من مشكلاته الخاصة.
انسكب صوته فى اذنها خافتا متهكما وهى لا تستطيع حراكا:- اذا اتحت الفرصة لتجاوباتك العاطفية ستجدينها سليمة على ما أظن لا يمكنك ان تخفيها فى ثلاجة الى الابد .
استدارت كما العاصفة تحاول الدفاع عن هشاشتها، وعيناها تشتعلان بالعداء. هتفت بانفعال طائش :- ليس من شأنك ان تحلل تركيبتى العاطفية. انت لست وصيا على!.
- انا تحت تصرفك فى اى شئ لكن بثمن معين .
- قد تكون مديرا لوالدى انما لا تتوقع ان تديرنى انا !
- اهذا رأيك اذن ؟
شمخ بتهديد واضح وهو يحدق الى بشرتها الناعمة ولمعان شعرها الاشقر الكث، واضاف :- اذا كنت اخطأت احيانا فى فهم الناس فأنا اكيد بانى لم اخطئ فهمك يبدو ان الكلام لا يكفى لاقناعك وهناك طرق اخرى قد تعجبك اكثر .
نقل يديه الى كتفيها بتمهل وكأنه يبغى حبس النفس فى حلقها . كان يسجنها بين الحائط وبينه، فاعتراها ارتجاف ارخى مفاصلها. غليت الماء فى الابريق فأطفأ الغاز باحدى يديه وهو ما يزال يحبسها قال وعيناه تفترسان محياها الشاحب:- لقد نجحت فى اثارة فضولى وغضبى معا وهذا لعمرى مزيج خطر اليس كذلك ؟.
|