كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
- ماذا تقصدين ؟.
- بالرغم مما يقوله جون أو الدكتور ماكروبرتس وحتى مما يحلو لميريك من أفكار انى اقصد ان افضح امرك ولو استغرقنى ذلك شهورا طويلة !.
وخرجت بدون ان تلتفت الى الوراء صافقة الباب خلفها. ارتخت ساقا سو فطرحت نفسها على اقرب مقعد، واحست برغبة فى ان تحزم حقيبتها وترحل عن المكان بلا رجعة. لاعجب ان تهرب امها من هذا البيت اذا كان يعج آنذاك بالدسائس كما حاله الان ! أحست غشاوة على عينيها فسارت متعثرة الى النافذة واسندت جبينها الساخن على الزجاج البارد متندمة على ظنونها المتسرعة وعاجزة عن ضبطها. ونسيت لبرهة كلمات كارلوت التهديدية .
عند الحائط المنخفض فى الخارج كانت اشجار الصفصاف تنحنى بلطف لريح دافئة ، داعية اياها للزيارة والاستكشاف. فتاقت سو فجأة الى الانطلاق الى الطيران عبر حقل الخليج والتوغل صعودا فى الغابات، فى العالم الذى تلمحه فقط من خلال الاشجار.
لكنها لا تستطيع وتساءلت كيف استطاعت امها ان تهجر مكانا كهذا تنهدت واستدارت تبتعد عن النافذة فوقع بصرها على رسالة قصيرة ، كانت مركزة بين ابريق الشاى ةاناء الحليب على رف احدى الخزائن كانت معنونة ببساطة سوزان ، فالتقطتها مرتبكة . كان الخط رجاليا، وقبل ان تفتحها حزرت انها من ميريك فيندلى .
صدق ظنها وقرأت ما يلى :- لا أنصحك بازعاج جون فهو سينام حتى موعد الغداء على الارجح، ولحين عودة السيدة لينوكس . اكتفى باطلالة بسيطة لمجرد الاطمئنان. لن اتى فى موعد الغداء فلا تشرعى فى تحضير أى شئ لى . انتهت باقتضاب وكانت موقعة باقتضاب، فيندلى .
أحست بومضة ارتياح لانها لن تراه لبضع ساعات على الاقل وهذه فرصة لتعزز وسائل دفاعها ولتحاول ان تجد بعض الطعام لها . انه يتحدث عن الغداء وهى لم تتناول فطورها بعد! وبحركة غضب مسحت بقايا طعامه عن الطاولة وحملت الصحون الفارغة الى حوض الغسيل.
واخيرا حين وجدت شيئا تأكله استمر تصرف كارلوت الغريب يطن فى رأسها ففقدت شهيتها للطعام وألقت شريحة الخبز جانبا . اذا كانت كارلوت ابنة عم جون حقيقة وتتوقع ان تتزوج ميريك فيندلى . فأنها تتوقع ايضا ان ترث غلينرودن بكاملها، والاملاك حتما شاسعة اذا قورنت بحجم البيت. وبمجيئها الى هنا ، رأت كارلوت فيها تهديدا لمخططاتها، فلا عجب اذن ان تشعر ازاءها بالمرارة.
تنهدت بقلق وقفزت واقفة وبدأت تنظيف المطبخ أى شئ أفضل من الجلوس والتفكير فى امور حدثت ولا ريب قبل مجيئها الى هنا . لديها عمل كثير ويجب ان تؤجل التركيز على دسائس ميريك وصديقته لوقت اخر . انخرطت فى العمل وبرغم ذلك انتابها ألم غريب لما تخيلت ميريك على طريق الوادى يخبر كارلوت كل شئ عنها .
عادت السيدة لينوكس قبل الثانية عشرة ظهرا وقالت لها مبتسمة:- أجلت موعدى الاخر كيلا أتاخر عليك يا عزيزتى ، فكل شئ غريب بالنسبة اليك والسيد فيندلى لن يجد وقتا ليعرفك الى تفاصيل البيت.
فبادلتها سو الابتسام بامتنان . جون لم يستيقظ بعد . تفقدته مرارا ووجدته يتقلب فى فراشه وهو نائم فشعرت فى كل مرة بتخوف مذنب فطمأنتها السيدة لينوكس بقولها :-أحيانا ينام لساعات حين يمرض هكذا. لاعليك . سأهتم بأمره وأعرف تماما كيف أفعل ذلك.
واضافت :- ولكنه قد يرغب فى رؤيتك عندما يستيقظ، ومن الافضل ان تظلى قريبة ، فأنا أكيدة بأنه سيطلبك انت قبل الجميع.
أومأت برأسها وساعدت السيدة لينوكس فى تحضير غداء خفيف قبل ان تصحبها فى جولة داخل البيت,وقالت السيدة لينوكس وهما تنتقلان من غرفة الى اخرى :- لا أدرى اذا كان من حقى ان أفعل هذا ، فأنا لا أتأكد ابدا من المكان الذى يقيم فيه المايجور حقيقة . هل يقيم هنا أم فى الكوخ.
- المايجور؟.
- اقصد والدك بالطبع . الم تعلمى انه كان رائدا فى الجيش النظامى؟.
- اجل ، لكنى كنت اجهل رتبتة .
أغلقت السيدة لينوكس بابا اخر وعادت مع سو الى المطبخ وهى تقول:-لا بأس اذا جهلت بعض الامور فلا يمكنك ان تعرفى كل شئ دفعة واحدة كيف وجدت البيت ؟.
- اعترف بأنه من نوع البيوت الذى طالما حلمت به. حجمه معقول مريح وشرح، ملئ بالاثريات التى تبدو جميلة وقديمة فى ان واحد . الجو بمجموعة يبدو لطيفا.
- شعرت هذا بنفسى . انه بيت لطيف . السيد فيندلى يراه ايضا هكذا لقد ابتاع بعض الاثريات الرائعة بنفسه على مر السنين. ربما دعاك الى مشاهدتها فى ساعة فراغ.
- يبدو ان السيد فيندلى رجل دائم الانشغال.
خرج صوتها قاسيا فتحاشت النظر الى وجه الممرضة المتسائل. ولما لاذت السيدة لينوكس بالصمت أضافت سو :- عندما يمرض ابى أعتقد انه يأخذ كل شئ على عاتقه.
لم يكن هذا ما قصدته بالضبط وعرفت ان السيدة لينوكس عرفت!
اتضح ان نوبة جون كانت قوية فمضت عدة ايام قبل ان تتمكن سو من محادثته. وخلال هذه المدة لم تبتعد كثيرا عن البيت، ولم تقدر ان تجد شيئا يثبت ظنونها . ومع ان كارلوت زارت جون مرارا واظهرت قلقها عليه بشكل ضوضائى، الا ان سو لم تلحظ فى ميريك اهتماما زائدا بصديقته لكنه على اى حال ليس من النوع الذى يفضح عواطفه بسهولة، ولعله كان يقضى أوقاتا طويلة مع كارلوت بدون ان تدرى وبشكل ما شعرت سو بأنه ليس ناسكا برغم مظهره الخارجى الغامض. كان ثمة شئ فى شكل فمه أوحى اليها بأنه يستمتع ببعض المداعبات مع الجنس الاخر مع انها شخصيا لم تثر اهتمامه ولا تريد ان تثيره . هكذا أكدت لنفسها.
من جهة اخرى لم تستطع النكران بانها تشعر برجولته كثيرا، برغم انه يبدو جاهلا لوجودها بصورة عامة. فخلال النهار كان نادرا ما يأتى لتناول الطعام، وفى المساء يخرج للعشاء فى معظم الاحيان . لكن فى كل مرة رأته فيها كان ثمة شئ فيه يحرك فيها التجاوب نفسه الذى احسته بجلاء فى ادنبره. ربما كان السبب تلك التنورة المضحكة التى كان يلبسها اقنعت نفسها بالتواء. فى تلك التنورة يبدو كرجل جبلى برى رأت صورة فى كتب والدها. انه سبب كاف لان يجعل قلب ايه فتاة يخفق قليلا وليس هناك بواعث أخرى للتخيل بأنها منجذبة اليه بمتانة غير قابلة للانقطاع.
لكن قلبها ازعجها بتصرفه غير المتوقع حين عاد فى احدى الامسيات باكرا. كان البيت هادئا فالسبيدة لينوكس غائبة وأبوها فى غرفته، يكب مبتهجا على دراسة مؤلف عسكرى اهدته اياه كارلوت. انها تأتى له دائما بأشياء مختلفة وليس دائما تكون هداياها مناسبة. لم تبد سو اى اعتراض علنى على ذلك لان جون كان يرحب بالفتاة ويبدى سرورا كبيرا بهداياها .
وفى الواقع كانت سو تفكر احيانا بأنها ربما أخطأت الحكم على كارلوت لولا النظرات المقصودة التى كانت تحدجها بها فى مناسبات خاصة اضافة الى شك سو بأن زيارات الفتاة المتكررة كانت ايضا من اجل ميريك فيندلى لكن كان من القسوة ان تصارحها بهذا.
فى تلك الامسية انتاب سو قلق غريب ضيق عليها انفاسها. وبعد ان تأكدت من وجود الجرس فى متناول جون أغلقت عليه الباب بلطف وراحت تتمشى هنا وهناك فى غرفة الجلوس . كانت واقفة أمام لوحة جدتها تتأملها عندما دخل ميريك .
لم يفاجئها لكونها سمعت شخصا يتحرك فى الردهة، ومع ذلك اجفلت حين استدارت ورأت انه هو فعنفت حاستها السادسة بصمت لكونها لم تنذرها . ادركت فى تلك اللحظة انها لن تستطيع الهرب وتمنت لو انه لم يضبطها وهى تحدق الى لوحة عائلية .
- لقد جئت باكرا.
نطقت أول خاطرة لاحت لها وهى تحس ارتباكا مفاجئا يجفف شفتيها رطبتهما بتحفظ برأس لسانها وازدادت ارتباكا حين ركز عينيه السوداوين على فمها . استمر صمته فأضافت قائلة:-هل تناولت عشاءك؟
- تناولت عشائى شكرا.
وجهه الصلب كان مغلق التعابير مبهما الا ان شيئا فى قولها الابله أو فى شكلها أثار فيه التسلية وراحت عيناه تحتويانها بتمهل غير عابئتين بأنهما تعرضانها لتفحص مربك.
الصمت لم يزعجه البتة واستمرت عيناه تخترقان وتستكشفان تفاصيلها.قوامها تقاسيم وجهها الدقيقة الواضحة ، شعرها الناعم كشعر طفل انما الكث والمتموج نزولا حتى كتفيها، عينيها الجميلتين بلونهما الرمادى الغائم والمتناقض بنعومة مع بشرتها المتوردة والبيضاء كما زهرة الغاردينيا.
|