كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
ولما انغلق الباب خلفها بلطف ، ادركت سو انه لم يضيف الى معلوماتها شيئا عدا ذلك الخبر الذى هزها فى الصميم . قال شيئا اخر يتعلق بتركة صغيرة لا تذكر تفاصيله وهكذا خرجت كما جاءت تقريبا !
لم تتذكر بعد ذلك كيف امضت فترة بعد الظهر لقد تجولت لفترة بلا هدف معين ثم دخلت مقهى صغيرا وطلبت شايا وحلوى أنما لم تذكر كيف اكلت ولا كيف غادرت المكان بعدما دفعت الفاتورة . كان الغروب قد اوغل فى انتشاره قبل ان تجد طريقها فى العودة الى غلينرودن وقررت الا تفاتح ميريك بما عرفته عن حقيقة الملكية، وان تنتظر حتى صباح الاثنين ولدى مغادرتها البيت الى مقرها الجديد.
لا موجب لان يكون الحديث طويلا بل مجرد اعتذار موجز كلمة وداع وعبارة شكر ثم مغادرة سريعة . سينتهى كل شئ فى بضع دقائق وبأقل قدر من الاحراج لكليهما .
فالوقت سيكون اضيق من ان يتيح المجال لاى تفسير . ومهما كان الثمن قالت لنفسها فيجب ان تتصرف بمنتهى الاختصار لان وضعها العاطفى الحالى الشديد الانفعال قد يجعلها تقول اشياء تندم عليها فى ما بعد .
لدى عودتها مساء سيكون ميريك خارج البيت ، وفرحت للفكرة الا انها حين فتحت الباب واغلقته خلفها باصابعها المتخدرة من شدة البرد احست بوجود ميريك ، بالرغم من كل احتياطاتها ... كان يعبر البهو صوبها بوجه قاتم وتنورته القديمة الخاصة بالعمل تتأرجح حول ردفيه. وقبل ان تفكر فى وسيلة للهرب وصل اليها ووقف كالمارد فوق رأسها :- سو !
هتافه المختصر اجفلها ثم جمدها حين احتوى ببصره وجهها الشاحب .
- سو! اين كنت بحق السماء ؟.
قبض على كتفيها وهزهما بنفاد صبر ناقلا اليها عنف عواطفه من خلال يديه مما جعل كل قراراتها الجديدة تتهاوى ولم تشعر الا ودموعها تنسكب على خديها .
- سو !.
هتف اسمها للمرة الثالثة لكن صوته هذه المرة عبر عن لهفة اكبر وتابع يسأل فى الحاح:- ما بك ؟ ماذا حدث ؟ ارجوك ان تخبرينى !.
ولما صمتت لعجزها عن الجواب احاط جسمها المرتجف بذراعيه وقال لها :- احبك يا سو .
سمعته وكأنما صوته يأتى من مكان سحيق ، الا انها ما استطاعت استيعاب المضمون الكامل لما كان يقول... كان ذهنها يلتصق فى غباء بما سمعته فى مكتب المحامى وهى تحاول تحرير احدى يديها ثم تمسح دموعها بقبضة متقلصة . وهمست فى انكسار :-لماذا لم تخبرنى؟.
وفى الحال تقلصت عضلات جسمه ، وتوقفت يده عن تمسيد شعرها ثم ابعدها قليلا . التحفت عيناه بالغموض وتقلص فمه واجما حين ادرك ان سؤالها لم تكن له اية علاقة بهمساته التحببية . فاستفسر فى اقتضاب:- اين كنت بالضبط بعد الظهر؟
هذه المرة لا سبيل الى التهرب لكنها ترددت اذ احست بالذنب لكونها حجبت ثقتها عنه ، ثم همست فى قنوط يضيق عليها النفس :- ألم تحزر ؟
- وكيف لى ان احزر يا سو؟ السيدة لينوكس قالت انك ذهبت على الارجح الى بيرث، لكن حين تأخرت فى الرجوع حسبتك لن تعودى. فبدأت اقلق ، بل كدت افقد صوابى من شدة القلق !.
- كان لديك موعد مهم خارج البيت. لم احسب انك هنا .
- لم يكن مهما . انت اهم من كل المواعيد! لقد اوصلت السيدة لينوكس الى القرية وتوقعت ان اجدك هنا لدى عودتى . لكنك لم تجيبى على سؤالى بعد.
لم يعد هناك مهرب فقالت :- ذهبت لاقابل محامى والدى فى بيرث.
- فريغوسون؟.
حاولت التغلب على ضعفها وارتباكها وقالت :-قصدت المحامى لاقف على حقيقة الوضع المتعلق بالاملاك ، اذ كان لدى احساس رهيب بأن الاوضاع ليست طبيعية . احيانا كنت احسب انك مجرد مدير مسيطر ، وفى احيان اخرى كانت تنتابنى قناعة مخيفة بأنى ووالدى كنا نعيش على الاحسان .
- مسكينة يا سو ، كنت تتخبطين فى الحيرة ...
صمت قليلا ثم تابع يقترح بنبرة حازمة :- ما رأيك ان نبدأ من البداية ، انا وانت ؟ هذا ما كان يجب ان نفعله منذ وقت طويل .
- اخبرنى المحامى انك المالك الوحيد لغلينرودن ، ولكنى لم اسأله عن اى شئ اخر لانه بدا واثقا من معرفتى لكل التفاصيل . لم اجرؤ على الاعتراف له بعكس ذلك ، ومن ناحية اخرى ، ما عاد يهمنى ان اعرف .
- لو انى عرفت بأنك ستذهبين اليه لكنت وفرت عليك كل هذا العذاب يا سو! كنت انوى اطلاعك على كل التفاصيل فى عطلة نهاية الاسبوع ، وقد تمهلت لامنحك فترة راحة كنت بحاجة اليها .
- فهمت.
هكذا قالت / بيد انها لم تفهم وانتظرته بصمت ليتابع حديثه. كان مايزال يمسك يدها فأحست قلبها يرفرف فى حلقها ويكاد يخنقها . لم تجرؤ على التحرك خشية ان يتركها ولكى تحتفظ بالتالى بذكرى هذه اللحظة الى الابد .
وتابع يقول :- عندما ابتعت غلينرودن قبل عشرة اعوام ، كنت فى الخامسة والعشرون من عمرى شابا قليل الخبرة ، لا اعرف اى شئ عن اصول الزراعة فى الجبال . كانت غلينرودن معروضة للبيع ، فاشتريتها .
فقالت :- اشتريتها بمنتهى السرعة والبساطة !.
- اجل هكذا فعلت يا حلوتى سو. اما اكتشفت بعد ان من عادتى الحصول على رغباتى ؟.
عاد قلبها يخفق اذ احسته يعاقبها على مقاطعتها لحديثه. وتابع يقول :- لم تكن الاملاك محصورة الارث وكان شقيق جون اى عمك قد باع معظم المزارع لانه كما تناهى الى كان يصرف اضعاف دخله فلم تبق الا غلينرودن ، وحتى هذه كانت ترزح تحت رهن ثقيل . جون حارب الخسارات طويلا يا سو . كان وحيدا بلا عائلة لم يكن يعلم بوجودك وخسارته لغلينرودن اوجعته فى الصميم .
توقف قليلا فسألته :- هل طلبت اليه البقاء بنفسك ؟.
فأجاب فى أسى :- اجل فجون كان يعرف كل صغيرة وكبيرة عن ادارة الاملاك الجبلية فيما كنت انا جاهلا لابسط الاشياء وهكذا وصلنا الى اتفاق.
- اتقصد ... انك سلمته الادارة ؟
فهز رأسه وقال :- كلا يا سو ، فأنا احب دائما ان ادير شؤونى بنفسى . لكنه علمنى كل ما كان يجب ان اعرفه، وعاش معى هنا . الواقع ان قلة من الناس كانت تعلم هذه الحقيقة .
- ولكن صفقة من هذا النوع يصعب اخفاؤها...
- رغبت فى الكتمان لاسباب شخصية يا سو . لقد اخبرتك مرة ان والدى توفى فى جنوب افريقيا ، ولما تزوجت امى ثانية لم انسجم مع زوجها ... وبما انى كنت فى سن شابة لا تهاب المغامرات فقد اخذت حصتى من الارث وجئت الى هنا. لكننى لم ارغب فى ان يلحق اهلى بى وكان من المحتمل ان يفعلوا لو انهم علموا بشرائى لغلينرودن، ولذا حاولت كتمان الامر وخاصة ان امى من مواليد اسكتلندا .
- وما اخبار العائلة الان؟
- ماتزال بألف خير فى جنوب افريقيا . لقد ذهبت الى لندن لاقابل زوج امى فتفاهمنا حول بعض الاسهم التى مازلت امتلكها فى المنجم.
- اذن هذا ما كنت تفعله هناك .
- ماذا حسبتنى فعلت خلاف ذلك؟.
- حسبتك كنت مع كارلوت ...
- وانا ظننتك تجوبين لندن طولا وعرضا برفقة السيد تيم ماسون ! كلانا اخطأ فى تفسير الحقيقة ياحبيبتى .
|