لسبب ما ، شعرت آنا بالوهن فى قدميها فتمسكت بالكرسى خلفها . لا عجب فى أن أوليفر تردد فى أخبارها ، فلابد انه شعر بشده غبائه .
- هل تعتقد أنها أخذتها فى الليلة التى أمضتها هنا؟ بعد الجنازة ؟
- لا. فقد رأيت المجوهرات فى الخزنة بعد ذلك .
- اذن، كيف قامت بذلك؟
أجابها بامتعاض وحزم :- هذا ما أنوى اكتشافة قريبا . سأذهب الى قسم الشرطة الان ، لا أعلم كم من الوقت سأبقى هناك. لا تنتظرينى .
الا ان آنا لم تستطع الخلود الى النوم قبل أن تعرف ماذا حدث. وعندما عاد أوليفر اخيرا الى البيت ، كانت متقوقعة على كرسى فى غرفة الجلوس وهى تمسك بكتاب مفتوح فى يدها رغم أنها لم تقرأ فيه .
كانت فى المقابل غارقة فى أحلام اليقظة ، تفكر فى مستقبلهما . فبعد شهر من الان ، سيحل عيد الميلاد.. أول عيد ميلاد يمضيانه سويا . لن ينتقلا من المنزل فى ذلك الوقت ، لكنهما فى السنة القادمة ، سيكونان فى كوخهما الجديد مع طفلهما الذى سيشتريان له الهدايا ، بعد أن يصبح كل الامهما ومشاكلهما جزءا من الماضى .
بدا الانهاك والتعب على أوليفر وقد فوجئ برؤيتها مستيقظة فى انتظاره قالت له :- هل أعد لك فنجانا من الشاى الساخن ؟ لقد أوت السيدة غرين الى فراشها .
هز أوليفر رأسه :- لقد أمضيت يوما طويلا ومتعبا، الا يجدر بك أن تأوى الى فراشك أيضا ؟.
- لم استطع الخلود الى النوم من دون أن أسمع ماذا حل بروزمارى . هل أثبتت التهمة عليها ؟
- لا .
كانت شفتا أوليفر منقبضتين حزينتين وهويرتمى على أحدى الارائك . ثم مدد رجليه بتعب ووهن وألقى رأسه الى الخلف محدقا فى السقف بشرود، وقال :- لم أستطع أن أدعهم يفعلون بها هذا .
لأنها فى النهاية والدته بالطبع ! فسألته آنا :- لقد أطلقوا سراحها اذن ؟.
- نعم .
- وهكذا انتهت القضية ؟ هل استعدت مجوهراتك ؟
- ليس بعد، لكنى سأفعل .
- هل تكلمت مع روزمارى ؟.
- بشكل مقتضب . سأراها مجددا فى الصباح .
منتديات ليلاس
- كيف تمكنت من الدخول الى المنزل ؟ هل تسللت الى الداخل ونحن نعمل فى الطابق العلوى ؟
- لا أعرف التفاصيل بعد . كل ما أعرفه هو أنى لم أستطع أن ادعهم يسجنونها . الله وحده يعلم السبب. لم تؤد لى أى خدمة فى حياتها ، لكن ...
أجابته آنا بهدوء ورقة :- هذا لأنك رجل شريف ومحترم ، يا أوليفر لانغفورد.
استقام فى جلسته وأخذ يحدق فيها :- هل تعنين هذا حقا ؟.
قالت كأنما الامر أدهشها هى أيضا :- أعتقد ذلك . الا أننى لن أستعجل الامور بعد .
- أنا أفهم ذلك .
كانت ملامحه تعكس مزيجا من الاسى والامل . وقف على رجليه واتجه نحوها، ثم أمسك بها لتقف بدورها واحتضنها بقوة وشغف، فبديا كصديقين يواسيان بعضهما بعد طول غياب .
أغمضت آنا عينيها لتدع الدفء المنبعث منه يتسلل الى أعماقها والقوة التى تتحلى بها ذراعاه تحتضنها بشدة والعطر الرجولى المألوف يتغلغل فى روحها ودمها .
كان احتضانه لها وجيزا لحسن حظها ، لأن الشرارة بدأت تستعر فى كيانها منذرة بالاشتعال فى أى لحظة .
همس لها وهو يملس خصلة شعر متمردة تغطى جبينها :- اذهبى الى فراشك الآن ، يا آنا . اتمنى لك نوما هنيئا، حبيبتى .
ارادت أن تسأله ان كان سيذهب الى فراشه هو أيضا،لكنها أحجمت عن ذلك مخافة أن يظنها تدعوه الى غرفة نومها . فاتجهت نحو الباب ثم استدارت لتبتسم له ابتسامة حزينة :- أنا اسفة بشأن والدتك .
فى اليوم التالى ، عندما ذهب أوليفر لرؤية روزمارى ، استغلت آنا الفرصة لتذهب الى المنزل الكبير وتلقى نظرة أخيرة .
كانت أغراض ادوارد الشخصية قد وضبت ، بعد التخلص من كل ما لا يلزم . واصبح كل شئ جاهزا لإتمام البيع . شعرت آنا بحزن غريب أمام فكرة انتقال هذا المنزل الى عائلة أخرى غير عائلة لانغفورد .
غير أنها تتفهم رغبة أوليفر فى عدم الاحتفاظ به . فذكريات طفولتها هى كانت ملأى بسعادة لا مثيل لها، بحيث لم تستطع تصور أى أب يعامل ولده كما كان يفعل ادوارد مع أوليفر .
لاشك أنه يغرق فى ذكريات طفولته التعسة كلما أتى الى هنا . انها قادرة على الاحساس بألمه وبمعاناته . لكنه ، ألم يتسبب لها بالالم والمعاناة أيضا ؟ هل يحتفظ فى نفسه بنواح شبيهة بوالده تطفو وتظهر مكشرة عن أنيابها بين الحين والاخر ؟ هل عليها أن تلتزم جانب الحذر دائما ؟
سمعت وقع خطوات خلفها ، ولم تفاجأ أبدا عندما رأت ميلانى فى الباب .
- كنت أتساءل عمن عساه يكون هنا ، أملت فى أن أجد أوليفر .
حدقت آنا بالشقراء باستهزاء :- آسفة لتخييب أملك.
- هل هو معك ؟
- لا.
- هل هو فى العمل ؟
لم يكن لدى آنا أى نية فى اطلاع ميلانى على مكان تواجد أوليفر فى هذه الاثناء. فقالت لها :- فى الواقع ، لديه بعض الاعمال الواجب انجازها . هل أردت رؤيته لأمر محدد؟ هل أقول له انك اتصلت به ؟ .
فخاطبتها ميلانى لعدائية واضحة :- أريد أن أعرف السبب الذى يدفعه لبيع هذا المنزل .لماذا لم يخبرنى بما يخطط له ؟ لطالما تساءلت عما يدفعه الى توضيب كل أغراض العم ادوارد، لكنى ظننت أنه ينوى الانتقال اليه بنفسه ... أراهن على أنك تقفين خلف كل ذلك . أراهن ...
قاطعتها آنا بحدة وثبات :- ميلانى ، ليس لى علاقة بالامر البتة .كان ذلك قرار أوليفر، ان كانت لديك مشكلة فى ذلك ، فأقترح عليك أن تسأليه هو .
- أوه،هذا ما أنوى فعله . لا تظنى أن زواجك أصبح من الممكن انقاذه. فقد اخبرنى بأنه لايطيق صبرا على الطريقة التى تتحاملين بها عليه .
- هل هذا صحيح ؟
تساءلت آنا عما يمكن أن تفعله ميلانى لو عرفت بحملها . وشكرت السماء على أن الوقت لا يزال مبكرا وأن الحمل لا يظهر عليها بعد، فأجابتها ببرود تام :- أجيبينى اذن يا ميلانى ، ان كان هذا ما يشعر به أوليفر نحوى ، فلم لحق بى ؟.
هزت ميلانى كتفيها باستهزاء :- هذا هو أوليفر . فى الواقع ، ما من رجل يحب أن تهجره المرأة وتتخلى عنه. فهم يفضلون أن يهجروها أولا .
- آه، فهمت الان . شكرا لك على اخبارى . سأحتفظ بهذه المعلومات فى ذهنى فى المرة القادمة التى أقرر فيها الرحيل . وسأقول له انك سألت عنه،الى القاء يا ميلانى .
نفضت الشقراء شعرها الطويل الى الخلف بعصبية وحدة وهى تخرج من الغرفة ومن ثم من المنزل . ارتجفت آنا وهى تفكر :- آلن تتقبل هذه الفتاة الحقيقة وتقتنع بها؟.
عندما عاد أوليفر كان قد مر وقت طويل على موعد الغداء . وقد ظنت آنا أنه سيتجه الى المكتب مباشرة بعد مقابلة روزمارى ، وأقنعت نفسها بأنها لن تراه مجددا حتى المساء . لم تكن مستعدة لتحمل ذاك الدفق الغزير من الدفء الذى أحاط بها .