توقعت منه أن يعتذر ويعترف بتخطيه للحدود التى اتفقا عليها وبنكث الوعد الذى قطعه لها ، لكنه لم يفعل ، بل بدا فى المقابل راضيا عما فعله كل الرضى وهو يمسك يدها ويرافقها الى المنزل.
كان الكوخ من الداخل كما توقعته بترتيبه وتنسيقه وتوزيع غرفه .اذ ضم غرفة جلوس بمساحة متوسطة وردهة كبيرة وغرفة طعام وغرفة مكتب فضلا عن
مطبخ رائع بفرشه وتجهيزاته الكامله ، وأربع غرف نوم ، اثنتان منها تضمان حماما خاصا . كان الكوخ مثاليا .
سألهما صاحب المنزل :- ما رأيكما ؟.
أجابت آنا :- انه رائع . انه مطابق تماما لما نريده . أكاد لا أصدق كم أننا محظوظان . هل تريد حقا أن تبيعه ؟.
- أستطيع أخلاءه غدا ان استطعت .
فقال أوليفر :- سأرى محامى غدا صباحا .
وصافح صاحب المنزل متفقين ضمنيا على اتمام عملية البيع.
فعلق الرجل قائلا :- يسعدنى أن أتخلى عنه لشابين مغرمين كما يبدو بوضوح . ان رؤيتكما سويا تسر قلبى وناظرى ، فأنتما تذكراننى بزوجتى وأنا عندما تزوجنا . كنا نتعانق طوال الوقت ، وأتمنى لكما السعادة التى عرفناها نحن فى ما مضى .
التفت ذراع أوليفر حول آنا وقال بثقة بالغة :- ما من شك فى الموضوع .
شعرت آنا بالخداع لكنها رفعت رأسها نحو أوليفر وهى ترسم على ثغرها الابتسامة التى يتوقعها الرجل منها .
عندما عادا الى السيارة ، سألته مستفهمة :- هل أحببت المكان بقدر ما أحببته أنا ؟.
- لاشك فى ذلك . سنتمكن فيه من الشروع فى بداية جديدة وطى صفحة الماضى الى الابد .
لكنه التفت اليها قبل أن يقلع بسيارتهوسألها :- هل يعنى تجاوبك مع عناقى انك سامحتنى أخيرا؟.
قست آنا قلبها وهزت رأسها بالنفى ، فهى لاتريد اعطاءه آمالا واهية كاذبة :- كانت لحظة من لحظات السعادة بسبب الكوخ ليس الا.
ارتفع حاجبا أوليفر فى تشكيك:- لم يبد عناقك كأنها لا تعنى شيئا .
- أنا لا أقول ان مشاعرى نحوك زالت وماتت ، يا أوليفر . لكن ، بعد الطريقة التى عاملتنى بها .هل تتوقع منى حقا أن أهرول مجددا لأرتمى بين ذراعيك بهذه السرعة ؟ فى الواقع ، قد لا يحدث ذلك أبدا . فعندما يتهمك زوجك بالسرقة من دون تردد، يمر وقت طويل قبل أن تتمكن من تخطى الامر . هلا ذهبنا من فضلك ؟
لم ينبس أوليفر بكلمة واحدة أخرى ، بل انطلق بالسيارة وقد بدا على ملامحه الذهول وخيبة الامل الممزوجة بالغضب والحزن معا . وخطر لآنا أنه يستحق ذلك ، فمن غير المعقول أن يرمى الناس بالحجارة من دون أن يتعرض هو للاذى والالم بدوره.
لم يذهبا الى المنزل مباشرة ، كما توقعت. بل أخذها أوليفر الى أحد المطاعم التى يفضلها على ضفة النهر لتناول طعام الغداء. كانت آنا قد توقفت عن الشعور بالغثيان صباحا واصبحت من جديد قادرة على الاستمتاع بتناول وجباتها . لذا ، سرها أن يصحبها أوليفر لتناول الطعام خارجا .
منتديات ليلاس
التزم أوليفر الصمت والهدوء فى البدء غارقا فى أفكاره الخاصة وانفعالاته، مما حمل آنا على التساؤل عما اذا بالغت فى القسوة عليه بعض الشئ من دون أى داع لذلك . لكن لم عليها أن تدعه يتملص مما فعله؟
- ما الذى تفكرين فيه ؟
التفتت آنا الى أوليفر ورأت عينيه تشعان ببريق ذهبى حاد أصابها بالدوار :- ليس بالشئ الكثير . أمور مختلفة .
- هل يصدف أن تكون تلك الامور أنت وأنا مثلا ؟
وارتفع حاجبه الداكن بثقة .
- ربما
تنهدت آنا بعمق وهزت كتفيها وهى تدعى اللامبالاة .
- هل انت نادمة على العودة الى المنزل والى ؟
- لا .
كانت تلك اجابة مقتضبة جدا خرجت منها قبل أن يتسنى لها التفكير فيها لكنها لم تنظر اليه ، بل راحت تعبث بشوكة الطعام ، وتحرك بها قطعة من البطاطا فى طبقها وتهشمها الى قطع صغيرة جدا وأضافت :- ليس كليا .
- هل أمامنا أى فرصة لنستعيد حياتنا السابقة التى عرفنا خلالها طعم السعادة قبل أن يتدخل غبائى لافسادها ؟.
ظلت آنا مشيحة بنظرها عنه ـ رغم علمها بأن جوابها سيحدد معالم مستقبلهما . بدا كأنه تخلى عن أمنيته بوجود أى أمل لهما . وهل تريد ذلك ؟ هل تريد الانفصال عنه ، وأن يذهب كل فى طريقة ؟ هل تريد أن يتقاسما الطفل ، فينقلانه بينهما من منزل الى آخر على مر السنين ؟
كان جوابها عن تلك التساؤلات هو النفى حتما . لكنها أجابته:- أعتقد أن الفرصة متوفرة فى الواقع .
لكن لن يتم ذلك الان ، فهى مازالت غير مستعدة .
مد أوليفر يده فوق الطاولة وأمسك بيدها قائلا :- ان كان هناك أى أمل لنا ، فانا مستعد للانتظار . والا فمن الافضل أن ننهى الامر الان .
حدقت آنا فيه ، فرأت الالم يفر من عينيه ، الالم الذى كان يمزقه الى أشلاء فكادت للحظة أن تستسلم له . لكن عليه أن يتعلم الدرس.
لقد قدم لها كل أنواع الاعتذارات ألاف المرات، وأقسم لها بأنه لن يتهمها بشئ كهذا مرة أخرى ... لكن ذلك لم يهدئ من روعها ولم يستطع أن يطيب خاطرها . فالكلمات سهلة جدا ، والاعمال والتصرفات وحدها هى التى تبدل الشك باليقين وتحسم الوضع.
لذا ، فهى بحاجة الى بضعة اسابيع أخرى ربما ، أو الى حين ولادة الطفل. لكن هل باستطاعتها أن تعيش معه طوال هذه المدة وتلتزم بالنوم فى غرفة مستقلة ؟
- آنا ؟.
أدركت أن أوليفر مازال ينتظر جوابها . وعلمت من التجهم البادى على وجهه وانقباض فكيه أنه ظن جازما أنها تريد الرحيل . فأجابته بنبرة هادئة :- سأبقى معك ، يا أوليفر . لكنى بحاجة الى المزيد من الوقت ، ولا أريد أن تستعجلنى أو تدفعنى دفعا . ان فعلت هذا ، ستحملنى على الرحيل والابتعاد.
أنارت ابتسامة مشرقة وجهه المتجهم وبرقت عيناه بالامل وهو يشد بيده على يدها :- لن تندمى على قرارك هذا ، يا آنا ، انا أعدك بذلك .
ابتسمت له ابتسامة واهنة وهزت رأسها بطريقة تعبر عن عدم ثقتها بذلك كليا . ثم أخذت أصابع قدميها تلتف مجددا فى تجاوب معه وترتفع حرارة جسدها مع تسارع نبضات قلبها المضطربة ..كل هذا لأنه أمسك يدها!
خلال الغداء عاد أولفر الى طبيعته ، فبدا مرحا ومحدثا لبقا ومسليا ، فألفت آنا نفسها مرتاحة وهادئة كما لم تكن منذ مدة طويلة . لعل المنزل الجديد هو الحل الامثل . سيرميان بكل ذكرياتهما القديمة وآلامهما السابقة خارجا وسيبدآن من جديد . وسيقع على عاتقها القيام بأمور عديدة ما أن ينتقلا الى منزلهما الجديد . لم يكن بحاجة ماسة الى الديكور ، لكنها ستسر جدا بوضع لمساتها الخاصة عليه .
- كنت أفكر فى المنزل . مازلت لا أصدق كم أننا محظوظان . يا لها من مصادفة غريبة أن يكون السيد جونز راغبا فعلا فى بيعه !
قال أوليفر وعيناه تسطعان بالبهجة والسرور :- لابد أن هذا يعنى أنه مقدر لنا أن نحصل عليه . لقد ساعدك القدر فى ذلك اليوم ، يا حبيبتى . جعلك تقودين سيارتك فى ذلك الاتجاه بالتحديد ودفعك الى التوقف والنظر الى ذلك الكوخ بشكل خاص .