كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
6 - الوعد المستحيل
ألم بآنا شعور أكيد بأنها ستندم ان لم تبعد أوليفر عنها على الفور فقد كان على حافة الانهيار طيلة الامسية، منذ اللحظة التى حاول فيها مؤاساتها عندما أوقعت قطع الدجاج أرضا.
لقد ظلت زوجته لستة أشهر كاملة، فأصبحت تعرف جيدا طبيعة رغبته التى لا تخمد أبدا ... رغبته فيها. كانت الحرارة المتصاعدة منه وهما جالسان على العشاء، واضحة وملموسة بشكل أكيد.
منتديات ليلاس
فى الواقع، مرت بضع لحظات أثناء العشاء، احتكت فيها ذراعه بيدها عن طريق الصدفة، فتطلب الامر منها جهدا جبارا لكى تبقى مكانها وتقاوم الهروب منه بعيدا. وتوقعت أن يرى أثر لمسته المحرقة واضحة على جلدها.
- أعتقد أنه من الافضل أن نأخذ قسطا من الراحة فى غرفة الجلوس.
تناهى صوته الابح الى أذنيها مثيرا جذابا، فأوشكت أن تفر هاربة الى غرفة نومها طلبا للنجاة، لكنها بدلا من ذلك ، سمحت له لاأراديا بمرافقتها الى خارج المطبخ.
لكن، ماأن وصلا الى الغرفة الاخرى، حتى ابتعدت آنا عنه بسرعة خاطفة وأرتمت على احدى الارائك الوثيرة ذات المقعد الواحد. علمت من تقطيب حاجبيه أن ذلك لم يكن ما يجول فى خاطره تحديدا، لكنه لم ينبس ببنت شفة، بل جلس بنفسه على الاريكة المقابلة.انها قادرة الان على تمييز الشرارات فى كيانها وما تحدته فى نفسها. وهى تستعر منذرة بحلول ما تكرهه، أو ما تكره حدوثه الان.
عمدت الى اغلاق عينيها حينا، واشاحتهما بعيدا عنه حينا اخر، لكن أوليفر لم ينزع عينيه عنها البتة بل بقيتا مسمرتين عليها طيلة الوقت. تينك العينان الذهبيتان اللتان أوقعتاها فى غرامه منذ البدء.
أوشكت قهوتها أن تبرد، لكنها رفضت الحراك وبقيت مسمرة فى مكانها مخافة أن تلتقى عيناهما فيكتشف مشاعرها. يا لهذه الليلة المحتومة، كيف تراها تنتهى؟
- أشربى قهوتك.
بدا وكأنه قرأ أفكارها، فرمقته بنظرة خاطفة قبل أن تلتقط فنجانها. لكن لسوء حظها لم تستطع ابعاد عينيها عنه، فتسمرتا فى عينيه بقوة مغناطيسية لا تقاوم .
همس لها:- تعالى الى هنا.
ابتلعت آنا ريقها بصعوبة وبللت شفتيها الجافتين، ولمعت عيناها وهى تقول:- لماذا؟.
- كأنك بحاجة للسؤال.
أخذت تقترب بخطى وئيدة ومترددة، لكن عينيها بقيتا مسمرتين فى عينيه. شعرت بنفسها تغرق فى ذلك البحر الذهبى العميق، وعلمت هذه الحقيقة، لكنها مشت الى القدر الذى لا مفر منه.
عندما وصلت اليه، تأوه بنفاذ صبر وهو يحملها ويضعها فى حجره قائلا:- أنت ساحرة شريرة، هل تعلمين هذا؟ ساحرة لا تقاوم. تجعليننى أقوم بأشياء لم أخطط للقيام بها، تجعليننى أخالف قوانينى الخاصة.
استسلمت آنا لمداعباته بعد أن فقدت احساسها بالواقع وبكل ما يحيط بها. كيف تستسلم له بكل هذه السهولة وهى تعلم بانهيار أى أمل فى المستقبل، وفى رأب الصدع الذى فرق بينهما وأوصل زواجهما الى هذه الحالة المأساوية؟
لكن كل هذا المنطق الذى يبدو بديهيا للوهلة الاولى. يذوب وينهار تحت وقع قبلاته المحمومة. حين رفع رأسه لينظر اليها، لمحت بريقا مختلفا فى عينيه اللتين استحال لونهما برونزيا قاتما كما لم ترهما من قبل، فتصاعد منها نداء لم تستطع احتواءه:- آه، أوليفر .
- آه ، أوليفر ، ماذا ؟
- لو أنك تعلم ماذا تفعل بى .
عاد ليرفع رأسه مجددا :- ماذا أفعل أنا بك؟ هل لديك أدنى فكرة عما أشعر به آنا؟ لقد مارست سحرك على مرة اخرى، وجعلتنى أدرك ماذا يفوتنى. فهذا الجزء من زواجنا لم يتعرض قط للانهيار والزوال.
تصلبت آنا بعدما شعرت بأن اللحظة الحميمة الرائعة التى تجمعهما الان توشك على الانتهاء... ان لم تكن قد انتهت بالفعل. فقالت له:- هل تعنى القول ان هذا هو كل ما رغبت به يوما منى ؟.
حبست أنفاسها وهى تنتظر اجابة منه . فاعترف قائلا :- كان هذا الجزء هاما جدا فى زواجنا، آنا . انه جزء بالغ الاهمية، فأنا أعتقد بشدة أن الجانب الجسدى فى الزواج عندما يزول ينهار الزواج سريعا جدا.
لم توضح لها اجابته أى شئ. فزواجهما قد انهار بغض النظر عن الجاذب الجسدى الذى لايزال يقض مضجعهما. ستكون حمقاء ان هى استمرت فى السماح له بمداعبتها، فى حين أنه سيهجرها مجددا ما أن يحصل على مراده منها.
لكن لديه ميلانى لتحقيق هذا الغرض. أم أن ميلانى تركته اليوم لانشغالها بأمور أخرى؟ لم تستطع ابتلاع هذه الفكرة المرة أو تقبلها، فهزت رأسها فى نفور تام، قبل أن تقول:- لا أستطيع الاستمرار ، أوليفر أنت محق تماما، فالجانب الجسدى لم يتلاش بيننا، لكنه لا يأتى فى قمة أولوياتى فى الحياة.
واضافت بعد أن استعادت هدوءها وهى تحاول الابتعاد عنه :- انه خطأ فادح. لاأعلم لم أترك نفسى أتورط فى مثل هذا الوضع .
خبا شئ من النور فى عينيه:- ظننت أنك تريدين ذلك.
- أنا أردته، وأريده .. لكن هذا ليس جيدا. فنحن نوشك على الدخول فى اجرءات الطلاق، أوليفر. أم تراك نسيت هذا؟
- أعتقد أن بعض الامور تصبح عادة.
- فى هذه الحال، انها عادة عليك الاقلاع عنها. قفزت واقفة وأخذت تصلح هندامها.
فقال بنبرة مستسلمة:- أظننى سأذهب لأنجز المزيد من العمل ، فى النهاية .
تلاقت عيناهما وتسمرتا، فلمحت آنا فى عينيه الحزن، لكنها قست قلبها ولم تستجب لندائه. أجابته:- لا تعتمد على فى ذلك، فأنا سآوى الى الفراش.
لكنها لن تنام حتما، ليس لوقت طويل، فقد أمضت العديد من الليالى الارقة منذ انتهاء زواجهما، ليال عديدة استلقت فيها على السرير مستيقظة وهى تفكر فى أوليفر وتسترجع فى ذاكرتها صور الاوقات السعيدة التى أمضياها معا.
كان الامل فى استرجاع تلك الاوقات كبيرا لو أن التجربة التى مرا بها والمحنة التى عصفت بزواجهما من الامور الثانوية. كانت تلك الاوقات السعيدة لتتكرر عندما كانت برفقته منذ برهة، لو أنها لم تنسحب وتفر الى غرفتها. الا أن تلك اللحظات الوجيزة العابرة ما كانت لتفيدها فى شئ طالما أنه فى اليوم التالى سيعمد الى المباشرة فى أجراءات طلاقها.
فى الصباح التالى ، كان أوليفر فى انتظارها على طاولة الفطور. لكم يبدو أنيقا فى بنطاله الكتانى الرمادى وقميصه الازرق. لم يبد بالطبع عازما على مواصله العمل فى المنزل الكبير.
أتراه استنتج أن بقاءه قريبا منها أمر يفوق قدرته على الاحتمال؟ أتراه قرر البقاء بعيدا عنها كون ذلك هو الحل الوحيد المعقول؟
لم تعلم آنا أن كان عليها الشعور بالسعادة أم بالحزن .لكنه قاطع أفكارها مقترحا:- فكرت فى أن نحصل على بعض التغيير اليوم.
كانت نبرته مرحة ، فجلست آنا ال الطاولة فى حيرة من أمرها وقد قطبت جبينها وأخذ قلبها يخفق سريعا! لم ينو الابتعاد عنها أذن. فسألته بتردد:- ما الذى يجول فى ذهنك؟ .
- أفكر فى رحلة الى ضفة النهر؟ رغم أن الطقس قد يكون باردا، أو بامكاننا الذهاب الى لندن، للتسوق والتجول سيرا على الاقدام، أو لحضور أحد العروض ... ما رأيك؟
- أرى أنك نسيت أننى كنت أسكن فى لندن فى ما مضى .
- كما لو أننى أستطيع نسيان أى شئ يتعلق بك.
بدا صوته لا متناهيا كبحر لا قرار له، وعيناه بدفء اشعة شمس الصيف المتوهجة. فما كان منها الا أن أجابته:- فى الواقع، أشعر بالحنين الى المدينة. أعتقد أنى سأحب ذلك.
اثرت الذهاب الى المدينة سعيا الى الامان بين حشود الناس فى شوارعها المكتظة. فالامر ليس سيانا اذا ما ذهبا الى ضفة النهر حيث الاحتمال كبير جدا فى أن يكونا على أنفراد هى وأوليفر.
ان توضيب أغراض ادوارد اليوم لن يساعدها فى التغلب على حالتها النفسية البائسة. لكن قضاء اليوم بعيدا عن هذه الاجواء هو ما تحتاجه تحديدا أكثر من أى شئ آخر.
ركبا القطار وبلغا لندن عند منتصف النهار، فاستمتعت آنا بالتجول فى شوارعها برفقة أوليفر. وأثناء تجوالهما، جربت آنا ثوبا مسائيا من قماش الشيفون الاخضر، سيكون مناسبا لعشية عيد الميلاد. رغم أنه باهظ الثمن، الا أن أوليفر أقنعها بشرائه، ثم سدد الفاتورة بنفسه أثناء تغيبها فى حجرة تبديل الملابس.
- ما كان يجب أن تفعل ذلك .
رفع حاجبيه متسائلا :- لا أستطيع أن أشترى لزوجتى الثياب . هل هذا ما تودين قوله ؟.
- أنا لم أعد زوجتك .
تجهم وجهه، لكنه عاد ليبتسم فى لحظة بهدوء ظاهر :- مازلت أستطيع أن أقدم لك هدية ، أليس كذلك ؟.
كان سرور آنا ممزوجا بطعم مرير، فهذا ليس الجواب الذى كان ليسعدها . ذهبا بعد ذلك لحضور أحد العروض ، وكان عرضا موسيقيا مبهما لم تفهمه آنا، لكنها تظاهرت بالاستمتاع به.
كانت كل العروض الكبيرة الهامة محجوزة بالكامل، فلم يتمكنا من الحصول الا على بطاقتين لذاك العرض . بعد ذلك، قال أوليفر لها على العشاء:- كنت متحمسة جدا أثناء العرض. لم أكن أكيد من أنه النوع الذى تفضلينه.
حركت آنا أنفها الصغير باعتراف:- لم يكن كذلك. لم يكن من النوع الذى تفضله أنت أيضا، اليس كذلك ؟. فى الوافع ، كان أحدهما يعرف الاخر عن كثب الى درجة يصعب معها اخفاء المشاعر الحقيقية.
- هل أفسد لك ذلك اليوم بأكمله؟.
- لا، على الاطلاق . فقد استمتعت حقا اليوم، رغم شعورى بالذنب. ان الاجازة القصيرة التى أخذتها لتوضيب الاغراض فى المنزل ، ها أنت تهدرها الان فى التجول معى فى لندن.
- هذا ما لم أكن لأفعله لو لم أرغب فى ذلك . فمازالت رفقتك مصدر متعه خاصة لى .
لماذا قام اذن بطردها من حياته؟ هل هى اللحظة المناسبة لاخباره عن كريس، ولتشرح له بالتفصيل لما احتاجت الى تلك الثلاثين ألف باوند ؟ وهل يسامحها ان هى فعلت ؟ وهل سيرضيها ذلك ؟ أم لعلها ستحتفظ بخيبة أملها ؟لأنه أساء الظن بها منذ البدء؟
- أنت المرأة الاكثر اثارة وجاذبية هنا، آنا . هل تعلمين ذلك ؟
انخفض صوت أوليفر الى حد جعل جسدها يرتجف.
- لا أقوى على العيش معك، والبقاء بعيدا عنك. ان ذلك يصيبنى بالجنون .
انهارت امال آنا وتلاشت أمامها. فما من طريقة أشد وضوحا للتعبير عن مراده منها، وان استعان لذلك بكل لغات العالم . وما ان ينتهى توضيب الاغراض فى المنزل واخلائه، سيكون الوداع لآنا .
أرسلت عيناها بريقا أخضر ساطعا وهى تقول :- ان كنت لا تحتمل وجودى معك، ربما يستحسن بى أذن أن أرحل ، فأنا لم أبق هنا للسهر على رغباتك،أوليفر. فبأمكانك أن تطلب ذلك من ميلانى.. لأنها حسبما أرى ستكون مسرورة جدا فى تلبية طلبك.
أذهلته ردة فعلها وبدا واضحا على ملامحه وهو يرفع رأسه عاليا بعد أن ضاقت عيناه فى تساؤل :- لايمكنك أن تعنى ما تقولين ، آنا ؟.
- لم لا ؟
- لأن ... لأن الأمور تسير على خير مايرام بيننا.
فسألته بنبرة لاذعة :- تعنى رغبتك الجامحة فى مثلا ؟ ان كان هذا هو السبب الوحيد الذى دفعك الى قبول عرضى بالمساعدة، فانى سأرحل فى الصباح الباكر . بامكانك أن تنهى العمل بنفسك أو تحضر ميلانى للمساعدة . سيسرها ذلك ، أنا متأكدة .
- دعينا نبقى ميلانى خارج الموضوع.
- ولم نفعل ذلك؟ أرى أنها تشكل جزءا هاما وأساسيا من حياتك، بالرغم مما تقول، ولاأظن أنك بحاجة الى .
أغمض أوليفر عينيه لبرهة كأنى به يريد محو ما سمعه للتو، ثم قال :- أنت تعتقدين حقا أنى وميلانى عدنا الى بعضنا البعض؟
- هذا ما يبدو عليه وضعكما.
- وهل يزعجك أن يكون هذا صحيحا؟.
سيؤلمها ذلك ويرميها فى عذاب الجحيم، لكنها لن تعترف له بذلك:- لم تراه زعجنى فى حين أن زواجنا قد أنتهى ؟ بامكانك أن ترى من تشاء، وأن تفعل ما تشاء مع من تشاء. لم يعد الامر يتعلق بى أو يخصنى بعد الان. أعتقد أنى أرغب فى الذهاب الى المنزل ، يا أوليفر .
بالكاد لمست عشاءها، لكنها ان حاولت الان ، فستختنق حتما. لم يجادلها، بل سدد الحساب وغادرا المطعم. ركبا فى سيارة أجرة الى المحطة، ولم ينبس أى منهما بكلمة واحدة. لكن القطار لن يصل الا بعد نصف ساعة ، فجلسا وشربا القهوة.
تكلم أوليفر أخيرا وهو يحرك القهوة فى فنجانه بقوة:- كان من المفترض أن يكون اليوم مناسبة سارة. أردتك أن تمضى وقتا سعيدا.
- هذا ما حصل بالفعل.
- هل بأمكان الاعتذار أن يساهم فى اصلاح الامور ، آنا ؟ ان قلت لك ان اعترافى بتلك المشاعر، وان كانت حقيقية، هوعمل فظ ولا أخلاقى ؟
لم يبد على وجه آنا أى تعابير خاصة، بل هزت كتفيها بحركة مبهمة قائلة:- هذا مديح أشكرك عليه، لكنى لاأفهم . فمن المفترض أننا افترقنا، لم تفعل ذلك معى أذن؟.
- أعتقد أن بعض الأمور لا تزول أو تتغير قط.
- كالرغبة الجسدية ، مثلا؟
لم يجب أوليفر على سؤالها. بل شرع ينظر الى فنجانه بعينين شاردتين، وهو ممسك به بثبات، فعلمت آنا أنها أصابت شيئا من الحقيقة.
شربت قليلا من قهوتها ثم ذهبت الى الحمام ولم تعد منه الا عندما حان موعد قدوم القطار. مرت الرحلة بصمت مزعج، فلم يعد هناك ما يقال. لزم أوليفر الصمت الى أن وصلا الى البيت حين سألها ان كانت لا تزال عازمة على الرحيل.
نظرت الى عينيه مباشرة كأنما أرادته أن يعلم أنها تعنى ما تقول:- سأبقى للمساعدة الى أن ينتهى العمل، ان وعدتنى بالتحكم بسلوكك. هذا اذا أردتنى أن أبقى بالطبع .
لم تعلم آنا قط السبب الذى دفعها لتقديم عرضها هذا ، فلا بد أنها فقدت صوابها. سيكون من الاسلم أن تبتعد عنه قدر المستطاع.
أومأ أوليفر برأسه:- يسعدنى ذلك. لكنى لا أستطيع ....
- أن تعدنى بشئ ؟ لايمكنك التحكم بهرموناتك الذكرية ، هل هذا ما تريد قوله؟
- أعتقد ذلك .
- أذن ، سيكون على انا أن أبقيك على مسافة منى؟ حسنا، بامكانى القيام بذلك.
تكلمت بثقة تامة، لكن توترها البادى على وجهها فضح حقيقة مشاعرها. ان ابقاء أوليفر بعيدا عنها سيكون أشبه بهروب المرء من حتفه!
لكن المفاجأة كانت فى الاسابيع التى تلت ، حيث مر كل شئ بهدوء تام. ولم يتخط أوليفر الحدود التى فرضتها عليه، رغم أنها فاجأته مرات عديدة وهو ينظر اليها بعينين مفترستين.
ان حاجته الشديدة اليها كانت تحرق منها القلب والجسد بلا رحمة، وكانت تبعث فى نفسها مشاعر مخيفة تحبس أنفاسها ، فتضطر الى الانشغال فى أمور أخرى الى أن تمر المحنة بسلام.
أتت ميلانى لرؤية أوليفر مرات عديدة، لكنه فى كل مرة كان يخبرها بأنه منشسغل جدا ولا يستطيع اصطحابها الى أى مكان، وبأنه ليس بحاجة الى المزيد من المساعدة .
ان تكن الحاجات الجسدية الخالصة هى التى تسيره ، فبأمكان ميلانى بالطبع أن تشبع تلك الحاجات. أم أنها أساءت الحكم عليه؟ هل يريد أن يمنح زواجهما فرصة ثانية؟ هل أن أمله هذا كان وراء كل ما يحدث ؟ وأن يكن هذا صحيحا ، فلم لم يقل ذلك صراحة؟ لم لا يقول لها ما يجول فى ذهنه؟ وفى مشاعره، وتوقعاته؟
أخذ فى المقابل يعمل بصمت فى معظم الايام، ولا يتكلم الا عن العمل الذى ينجزانه، ليقول أحيانا انه لم يكن يدرك مدى صعوبة هذه المهمة.
- أنت تنسى دائما أن حياة والدك بأكملها فى هذا المنزل هنا.
كان أوليفر يطلع على الملف تلو الاخر فى مكتبة والده ، بينما انشغلت هى فى توضيب المئات من الكتب التى أراد أوليفر الاحتفاظ بها.
- هل تقولين لى ان حياته بأكملها يتم الآن توضيبها فى صناديق كرتونية؟ وأن هذه هى النهاية التى سنؤول اليها جميعا؟
- أظن ذلك صحيحا نوعا ما . انه لأمر محزن، اليس كذلك؟
- وقد حصلت على ما يكفى لهذا اليوم.
رفع ذراعيه فوق رأسه ومدهما، فشعرت آنا بحاجة ماسة للذهاب اليه والالتصاق بجسده. ان البقاء برفقته بهذا الشكل المتواصل أخذ ينهك قواها ويحملها على السؤال عما اذا اتخذت القرار الصحيح.
وان كان ذلك ينهك قواها هى ، فما تراه يفعل فى أوليفر؟ كانت قد سمعته يذرع غرفته ذهابا وأيابا أثناء الليل، وسمعته مرة يقترب من باب غرفتها ويقف عنده لفترة طويلة قبل أن يعود أدراجه بهدوء. سيطر عليها التوتر حينها وحبست أنفاسها وأطرقت سمعها.
لو أنه دخل اليها، لأمرته بالخروج من غرفتها مجددا ... لكن مجرد التفكير فى احتمال دخوله غرفتها كان كافيا لترتعش أوصالها.
لكنهما لم يتراجعا عن وعدهما ولم يضعفا . بل ظل ملتزما حدود التهذيب واللياقة موليا اياها عناية بالغة طيلة الوقت، حتى كادت أحيانا تصيح غضبا من أستقامته وحسن سلوكه.
ثم ، فى أحد الايام أنهار القناع الخادع وسقط . كانت جاثية على ركبتيها أعلى السلالم توضب بانتباه الأغطية والوسادات فى مجموعات، حين قدم اليها عاصفا وعيناه تقدحان شرارات ملتهبة.
|