كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
لقد ارتكب والده الخطأ نفسه مع روزمارى، بعد أن فقد اتزانه أمام ذلك الوجه الجميل والجسد المثير. وانظروا الى أين أوصله ذلك ! لا عجب فى أن يثور ادوارد عندما رأى ابنه يرتكب الخطأ نفسه.
قال لها بصرامة:- يجب أن تأكلى . لقد فقدت بعض الوزن ولا يمكنك تحمل خسارة المزيد واستمر فى احتضانها، واستمر توقه اليها يزداد ويصبح أكثر حدة.
منتديات ليلاس
حاولت آنا أخيرا أن تبتعد عن حضنه قائلة :- كما لو أن الامر يهمك أو يعنيك فى شئ .
- أنا أهتم فى أن ترعى نفسك بشكل جيد .
لكنه كان فى حاجة ماسة الى احتضانها. كان بحاجة الى المزيد من الاحلام. فخرجت كلماته تلك مخنوقة من حنجرته التى اتقبضت من الاثارة.
أجابته :- لا أرى سببا يدعوك لذلك.
لكم يتسبب لها ذلك بالالم، أن تعرف أنه لم يعد يوليها أى اهتمام يذكر. لقد استحق حرمانه منها عن جدارة، بما أنه هجرها وتخلى عنها. لاشك فى أنه أخطأ فى تصرفه، لكنه شعر بحاجته لبعض الوقت للتفكير فى ما فعلته ومراجعة تفاصيل ما حدث بعيدا عن تأثيرها . وقبل أن يتوصل الى أى قرارات، قامت هى بتوضيب حقيبتها والرحيل، ولم تكن لديه أدنى فكرة عن مكانها. وبعد أن اكتشف مكان تواجدها أصابه الذهول.
أراد أن يبحث عنها على الفور، لكن والده أقنعه حينذاك بأن ذلك سيخلق المزيد من المشاكل فى المستقبل. فقال له :- لا تريد النساء الا ما يستطعن الحصول عليه من الرجل. وهن لا يتغيرن قط. قد يعدنك بوهبك كل الحياة، وقد تظن أنهن تغيرن لبعض الوقت، لكن ذلك لا يدوم أبدا .
وهكذا، انصاع أوليفر لحكمه والده.لكن ذلك لم يمنعه من الاتصال بداون واقناعها بضرورة ارشاده الى مكان تواجدها. وربما لو أن ميلانى لم تظهر فى السابق هذا الميل نفسه الى المال، لكان لحق بها. فقد دفعه ذلك للتفكير مرتين وثلاث وأربع، وفى النهاية، أقنع نفسه بأنه قام بالصواب.
رفع ذقنها بيده ليتمكن من النظر الى وجهها، وقال :- ان كنت لا تريدين الخروج، يا آنا اذن دعينى على الاقل أحضر لنا شيئا نأكله مع الدجاج ؟
- السلطة ، والبطاطا .
- ما رأيك اذن فى أن أعد لنا عجة من البطاطا لنأكلها مع السلطة؟ اذهبى أنت واغسلى وجهك، وسأتدبر أنا الامور هنا .
خاف أن ترفض اقتراحه، وأن تهرول الى غرفة نومها وتحتجز نفسها فى الداخل لما تبقى من الليل. لكنها تنهدت أخيرا وهى ترسم على وجهها ابتسامة متعبه حزينة وقالت :- حسنا .
عندما عادت الى الطابق السفلى، كانت آنا قد بدلت ثيابها وارتدت بنطالا وقميصا ملتصقا بجسدها ومقفلا بسحاب من أعلى الى أسفل فأصدر أوليفر تنهيدة متألمة بعدما عجز عن خنقها وهو ينظر الى آنا . رفعت حاجبها فى تساؤل:- هل من خطب ؟
نعم، كل شئ! ألا تعرفين هذا؟ لكنه لم يتفوه بكلمه واحدة بل تمكن بجهد من رسم ابتسامة خجولة، وهويربت على معدته :- أعذرينى، أنا جائع .
رغم أنه لم يكن واثقا من أنها صدقته وظنت تنهيدته تعبيرا عن جوعه للطعام وليس أكثر .
- فكرت فى أن نأكل هنا ... ذلك يوفر علينا العناء والجهد.
كما يمنعهما من الاختلاء فى مكان حميم. فما من أرائك مريحة هنا يستطيع المرء أن يرتاح عليها بعد الغشاء، بل كرسيين حديديين وطاولة من الغرانيت. لكنه كان مخطئا فى تقديره أيضا.
فصحيح أن الكرسيين غير مريحين، وصحيح أن الشموع الرومانسية غابت عن طاولة العشاء، كذلك الموسيقى... الا أن مجرد جلوسه بالقرب من آنا، أينما يكن ذلك، كان كافيا لوحده. فقد يكونان فى القطب الشمالى أو الجنوبى، فى سيبيريا أو فى أكثر المطاعم رومانسية وهدوءا فى أجمل مكان فى العالم، لن يغير ذلك شيئا من الاحاسيس التى تتفجر فى داخله كلما اقترب من هذه المرأة.
ما كان عليه البتة أن يصر على تناول الطعام معها، بل كان من الافضل أن يخرج من المنزل وألا يعود اليها. أنى له الان أن يتخطى ما تبقى من الامسية من دون أن يفقد السيطرة على نفسه ؟
- ان هذه العجة لذيذة الطعم حقا. لقد تحسنت موهبتك فى أعداد الطعام.
علم أنها تلمح الى أحدى الوجبات المقززة التى أعدها لهما فى أول فترة من زواجهما. لم يكن السبب فى ذلك عدم درايته بفن الطهى. بل لطالما استمتع بطهى الطعام لنفسه كلما سمحت له السيدة غرين بذلك. لكنه فى ذلك اليوم تحديدا، عندما أراد التأثير بشدة فى آنا سارت كل الامور بشكل سئ .
كانت آنا قد تناولت فى ذلك المساء كل ما وضعه أوليفر أمامها بلباقة وكياسة. لكنهما غرقا فى هستيريا من الضحك عند انتهاء الطعام ليغرقها بعد ذلك بوابل من القبلات. أصبح ذلك الان ذكرى جميلة يضيفها الى دفتر ذكرياته الخاص .
اعترف أمامها قائلا :- كان ذلك يوما لن أنساه قط.
بقيت آنا ساكنة لجزء من الثانية، وأضاف:- لم أعد هذا الصنف من الطعام مرة أخرى ولم آكله أيضا.
- لم يكن الامر كارثة فعلية. انحبست انفاسه. أتراها تلمح الى ما جرى بينهما ذلك اليوم بعد العشاء؟
- لو حدث الامر نفسه معى أنا، لانفجرت باكية كالطفلة الصغيرة. أما أنت فقد غرقت فى الضحك.
- ضحكت أنت على أولا.
لكن، هل هذا كل ما تذكره؟
- لأنك بدوت مصعوقا تماما، فكان على أن أفعل أى شئ لأهون عليك وقع اللحظة.
- ما رأيك فى قليل من ذلك الضحك ألان ؟
لم يرد أن يقول لها هذا . لم يردها أن تظنه عازما على أنهاء هذا اليوم تماما مثل ذاك المساء، فتدارك نفسه مضيفا :- أعنى ، أنى اسف . اسف لفظاظتى معك منذ قليل، يبدو أنى معتاد على أفساد الامور دائما.
أجابته بهزة من كتفها وابتسامة باردة :-لا بأس .
- لا.لا أوافقك الرأى. ما كان على أن أصيح فى وجهك لآنك خرجت من المنزل . آنا آسف يا آنا.
- لقد سامحتك. والان أكمل طبقك قبل أن تبرد العجة.
منتديات ليلاس
لكنه لم يعد يشعر برغبة فى تناول الطعام وهما جالسان بهذا القرب أحدهما من الاخر، بحيث تشتتت كل أفكاره وأخذ يفقد اتزانه وقدرته على السيطرة على نفسه شيئا فشيئا.
بذل جهدا كبيرا للانتقال الى موضوع آخر، الى تفاصيل الحياة اليومية الروتينية :- هل ترغبين فى تناول الشاى الان بعد الطعام؟.
هزت آنا رأسها :- أنا افضل القهوة.
- الشاى الساخن فى هذا الوقت من المساء أفضل بكثير من القهوة بعد يوم طويل شاق.
- لم يكن شاقا بالنسبة الى. فى الواقع كان هادئا جدا، الى ان .. الى أن عادت الى المنزل ووجدته غاضبا مهتاجا. لكنها لم تكمل، بل قاطعها قائلا:- فى هذه الحال، تحضرين أنت قهوتك بينما أعد أنا الشاى لنفسى.
ابتعد عنها قليلا ليتنشق الهواء. أدرك أن ما يحدث هو الغباء بعينه. فهذه هى المرأة التى سيطلقها قريبا. كيف يحق لها أن تفقده اتزانه بهذا الشكل؟
هذا صحيح ما عليك الا القاء اللوم على آنا. هذا ما راح ضميره يخاطبه به. هى لم تفعل شيئا، كل ذلك مصدره مخيلتك أنت. مخيلة غارقة فى الارتباك والحيرة الى حد لا يطاق .
أخذ يحضر الشاى وهو غارق فى افكاره، فلم ينتبه لآنا وهى تنظف الطاولة وتضع الاطباق المتسخة فى آلة الجلى، قبل أن تضع معلقة من القهوة السريعة التحضير فى فنجانها وتقف منتظرة الماء ليغلى .
تنبه أوليفر فجأة، وقال لها :- ما كان عليك أن تنظفى الطاولة .
- لن نترك كل شئ للسيدة غرين.
- كنت سأهتم أنا بذلك لاحقا.
برقت عيناها بنفاذ صبر:- هلا كففت عن مضايقتى، يا أوليفر هذا ما حصل.
استدارت نحو الماء، وحملت الابريق وسكبت القليل فوق قهوتها، ثم أضافت القليل من الحليب قبل أن تنظر اليه مجددا.
كانت حركاتها البسيطة تلك تذهلة ايضا، وتجعله يدرك روعة ما يتخلى عنه طوعا. وفجأة لم يعد يدرى ان بات قادرا على ذلك بالفعل .
قالت آنا:- أظننى سأشرب قهوتى فى غرفتى.
- لا. آنا . لاتفعلى .
ومن دون أن يتردد للتفكير قليلا فى ما قد تفهمه من تصرفه هذا، اقترب منها بسرعة وأخذها بين ذراعيه بلهفة لا مثيل لها .
****************
نهاية الفصل الخامس
|