قال مارك لها في الصالة , بعد أن أغلق الباب الخارجي :
" أذا أصرّت بيدي على عدم حضور حفلة العيد , فسأحترم قرارها , سأتحدث الى دومنيك غدا وأخبره بعزمي على الزواج منها , فأذا اعترض بكلمة واحدة , فسأجمع حاجياتي وأترك البيت الى سانت أينا , حتى أجد مكانا لي ولبيدي في بورت فينور , بعد الزواج".
" هذا هو القرار الصائب , لا تؤخر حفلة زواجك كثيرا , لأنني سأترك تريفينون بعد العيد مباشرة , ربما في الأسبوع القادم , أريد أن أكون أحد الحاضرين في حفل زواجك".
" ستكونين حاضرة بدون شك , بل ستكونين أحد الشهود مع شقيقها".
قالت موروينا مبتسمة :
" سأكون سعيدة بذلك".
أنحنى وطبع قبلة على جبينها قائلا:
" أنا وبيدي نشكرك جدا , لقد ساعدتنا كثيرا".
أرادت أن تقول له بأنها لم تفعل شيئا , سوى أنها أزالت سوء التفاهم بينهما , لكنها سمعت حركة من خلفها , فأستدارت لترى ما هي , فلمحت باب دومنيك مفتوحا , وهو واقف هناك يحدث فيهما بوجه عابس.
ترك مارك ذراع موروينا , وقال لدومنيك ضاحكا:
" مرحبا دومنيك , لم أعرف أنك ما زلت مستيقظا ".
" هذا واضح , آسف أذا ما أفسدت عليكما لحظة حب جميلة".
أجابه بصوت بارد وغاضب , ثم أستدار ودخل مكتبه بعد أن صفق الباب وراءه بعنف.
" يا للجحيم !".
قال مارك بسخط , ثم سار خطوة قائلا:
" سأذهب لكي أوضح......".
لكن موروينا أمسكت ذراعه قائلة بنبرة متوسلة:
" كلا , إنه غاضب الآن , دع هذا الأمر للصباح".
" لماذا يتصرف بهذا الشكل ؟ أنني لا أفهمه بالحقيقة , في أية حال , لنترك الأمر للصباح , ربما سيهدأ ونستطيع أن نفهم منه ما يريد".
ظلت موروينا تتقلب في فراشها بدون أن تقدر على النوم , ثم أضاءت المصباح الذي بجانب الفراش , ونظرت الى الساعة , كانت تشير الى الثانية صباحا , وهي لم تغمض عينيها بعد , ودفنت وجهها في الوسادة وهي تتمنى لو أن لديها الآن حبة منومة , رغم أنها لم تستعمل منها سابقا , ثم فكرت أنها لم تستعمل منها سابقا , ثم فكرت أنه ربما سيساعدها قدح من الحليب الساخن في ترخية أعصابها ويعينها على النوم , فنهضت من فراشها وإرتدت قميصها , ثم فتحت الباب بهدوء وخرجت , كان الجميع مستغرقين في النوم , فنزلت السلالم ببطء , وألقت نظرة على غرفة دومنيك , فوجدتها مغلقة ولا أثر لحركة فيها , أتجهت الى المطبخ ودفعت بابه فأنفتح محدثا صريرا خفيفا , وضعت مقدارا من الحليب في إناء , ثم تركته على النار , وحين أصبح ساخنا , ملأت قدمها منه , وإستدارت لترك المطبخ , حين لمحت دومنيك واقفا في الباب, أرتجفت من المفاجأة , وكادت تفلح قدح الحليب من يدها.
لكنها تماسكت وقالت مبتسمة:
" أوه , أني آسفة أذا كنت أيقظتك من نومك , لم أستطع النوم , أتريد قليلا من الحليب؟".
" كلا , شكرا ".
" الأضواء جميعها مطفأة , فظننت أن الجميع نائمون".
" كنت جالسا في مكتبي , ما زالت هنالك نار في المدفأة , تعالي وأجلسي معي".
أستنتجت موروينا من طريقة حديثه , أنه غاضب , فأجابته وهي تترك المطبخ:
" شكرا , سأعود الى غرفتي ربما سأنام قليلا".
لكنه أمسكها من ذراعها قائلا:
" قلت أنك لا تستطيعين النوم , أذن تعالي وأجلسي معي".
رفعت موروينا وجهها إليه وقالت بحدة:
" ألا يمكن أن تختار لحظة أكثر مناسبة من هذه , لتتحدث أليّ؟".
أطلق ضحكة قصيرة وقال:
" بدون شك أنه ليس بالوقت المناسب للحديث , ولكن يبدو لي أنك ستختفين قريبا فجأة , كما جئت فجأة , لذلك أفضل أن أقول لك كل ما عندي قبل أن تختفي".
ثم قادها من ذراعها الى مكتبه وأجلسها على المقعد المواجه للمدفأة , قائلا بحدة:
" أجلسي".
وجلس هو في مقعد آخر , وظلا صامتين بعض الوقت حتى قالت:
" قلت أنك تريد أن تتحدث معي..".
" نعم , لم أنس ما قلت".
قال ونهض من مكانه , وجلس إلى جانبها على المقعد وأردف بعد لحظات من الصمت :
" أنت ما زلت طفلة يا موروينا , أجل , خاصة الآن بثوب النوم هذا , وشعرك المحلول , طفلة حقيقية , لا تدركين مدى الأذى الذي تسببينه لبعض الناس بتصرفاتك".
" لا أفهم ما تقصده".
" لقد أخبرتنا كارين , إن عمتها لن تحضر حفلة العشاء مساء العيد , وإعتذرت لأن صحتها لا تسمح لها بالمجيء , الحقيقة إنها كانت على علاقة حب مع نيكولا لسنوات , ولكن أنتما الأثنين – أثرتما فجأة كل تلك الذكريات الحزينة في ذلك المساء وسببتما لها كل ذلك الألم , لماذا بحق السماء؟".
" ليس الأمر كما تفهمه أنت , لم يفعل نيكولا غير أنه كشف بعض الحقائق".
" هل أنت واثقة من أنك تعرفين ما هي الحقيقة؟".
" أعتقد ذلك".
" إن هدفك ليس السعي وراء الحقيقة , بقدر ما هو أستغلال الآخرين".
" أذا كنت تحسب بقائي هنا إستغلالا فأنني راحلة قريبا".
" إلى كاركاسون , لدراسة الرسم أليس كذلك؟".
" كارين أخبرتك بالأمر , حسنا أنه كذلك ألديك إعتراض؟".
" بالعكس".
قال دومنيك , ثم تأملها طويلا , وأضاف مبتسما :
" أذا كنت قد فشلت في تحقيق هدفك الأول , فأنني لا أتردد في مساعدتك لتحقيق هدفك الآخر".
نظرت إليه مستغربة وسألته:
" ماذا تعني؟".
" أنك تجيدين التمثيل حقا , رغم صغر سنك , أتعرفين فانيسا ؟".
" أجل , إنها إبنة عمي".
" وصلت منها بطاقة العيد لك , وقد فتحتها خطأ , وأنا أعتذر عن ذلك , لم أتوقع أن يرسل أحد لك خطابا إلى هنا , أنها تسألك في بطاقتها فيما إذا كنت قد نجحت في إقناع ماك تريفينون الوسيم , بالزواج منك , أو لتمويل دراستك على الأقل في كاركاسون , وبما أنك في نصف عمري , وآخر من أفكر بالزواج منها , لذا فأنا على أستعداد لأن أعطيك ما تحتاجينه لدراستك هذه , ولكن على شرط".
أحست موروينا أنها لا يمكن أن تذل أكثر من هذا , وإن الموت أهون بكثير مما تلاقيه هنا من إذلال , إبتعدت قليلا عنه وتطلعت إلى وجهه بيأس شديد , وقالت:
" أوه يا دومنيك , أهذا هو ثمن حبي لك؟".
" حب؟ عماذا تتحدثين؟ لا تنسي أنني في ضعف عمرك".
أدركت موروينا أنه لا فائدة من التحدث معه بعد , وأن الأمور قد وصلت إلى نهايتها , عليها أن تغادر هذا المكان في أقرب وقت ممكن , إن دومنيك يعود لأمرأة أخرى , أنه ملك كارين , وهي التي ستفوز به في النهاية , فلماذا تذل نفسها هذا الأذلال ؟ ماذا تريد منه , وقد كشف عن مشاعره نحوها منذ أول يوم وصلت؟
نهضت من مكانها لتغادر الغرفة , لكنه أمسكها من ذراعها وأجلسها ثانية:
" إجلسي , لم أنته من حديثي بعد".
" دعني وشأني , ماذا تريد مني؟".
" سأعطيك مصاريف دراستك , بشرط أن تبتعدي من هنا فورا , وتتركي نيكولا وشأنه , أريد أن يعيش بسلام بقية حياته , ولا يمكن أن يتحقق ذلك بوجودك معه ,دعيه وشأنه , هل تعدينني بذلك؟".
" لا أقدر أن أعدك, أتمنى لو أستطيع , صدقني........".
" أصدقك؟".
قال ساخرا ثم أضاف:
" في أية حال , لقد أنذرتك , وقد أعذر من أنذر".
هرعت إلى غرفتها وكأن الشيطان يلاحقها , وأغلقت الباب من الداخل خشية أن يتبعها دومنيك .
أخفت وجهها بين راحتيها وهي على فراشها وهمست : ( عليّ أن أنقذ البقية الباقية من كبريائي قبل فوات الأوان.................