وضعت موروينا يدها على ركبته قائلة وهي تبتسم من خلال دموعها:
" لا تأسف , ستكون الأمور على ما يرام".
ظلا صامتين بعض الوقت , كانت موروينا خلاله تحدّق فيه بحنان , وقد بدا لها أنه كبر عشرات السنين فجأة , ثم نهض من مقعده قائلا:
" من الأفضل أن أعود الى الطابق الأسفل لأرى ما حدث , هل ستأتين معي؟".
" كلا , أظن من الأفضل أن أذهب الى غرفتي".
" هذه هي غرفتك , أنني أعني ما أقوله , ستبقين في هذه الغرفة طيلة وجودك في تريفينون".
" لكنني لا أستطيع النوم هنا هذه الليل , أن جميع حاجياتي في الغرفة الأخرى".
" لا بأس , سينقل زاك حاجياتك غدا , لن تحتاجي لشيء هذه الليلة , فهناك بعض ملابس والدتك في الأدراج , ثياب النوم , وبعض أدوات الزينة , تستطيعين أستعمالها , أنها جميعا لك".
ثم ترك الغرفة , وظلت موروينا وحدها , وهي تشعر بالبرودة تسري في كيانها , تأملت مت في الغرفة من أشياء وأحست بالدموع تتجمع في عينيها ثانية , وفكرت لماذا لا تهرب من هذا البيت وتنقذ نفسها من كل هذه الآلآم والمحن . ثم كيف ستواجه كارين بعد اليوم؟ وتمنت أن لا تكون هنا حين يتزوج دومنيك من كارين , فذلك شيء لا يمكن تحمله أطلاقا.
منتديات ليلاس
ثم تركت الغرفة ومشت على رؤوس أصابعها , حتى وقفت في نهاية السلم , وهي تنصت لما يجري من حديث في الطابق الأسفل , كانت الأصوات جميعها رجالية لذا عرفت أن كارين وعمتها قد غادرتا البيت, وقد دهشت لذلك , ثم سارت الى غرفتها , ورغم أن بقاءها في هذه الغرفة أنما هو وقتي , فقد شعرت أنها في بيتها الحقيقي , دخلت في الفراش وأحست بالدفء , لكن الأفكار بدأت تتزاحم في رأسها , وجاهدت كي تطردها لكن بدون جدوى.
أستيقظت في الصباح متعبة من الأحلام المزعجة التي رأتها في الليلة الماضية , ولمحت من النافذة أن الصباح مشرق والجو صاف , والشمس تغمر المكان , فأحبت أن تستمتع بهذا الصباح الجميل لوحدها , وقبل أن تدب الحركة في البيت وتبدأ المشاكل ثانية , تركت فراشها وأخذت حماما سريعا , ثم أرتدت ملابسها , ونزلت الى الطابق الأسفل , أكتشفت أن الباب الرئيسي مفتوح , وهذا يعني أنها ليست وحدها المستيقظة باكرا , فهناك من سبقها , غادرت البيت وواصلت سيرها بأتجاه البحر , ولم تكن قد أبتعدت طويلا حين سمعت صوت محرك سيارة خلفها , أستدارت فشاهدت سييارة دومنيك واقفة أمام البيت , ثم نزل هو , قررت موروينا أن تتجاهله , وأن لا تتحدث معه , فواصلت سيرها , لكنها سمعته يناديها :
" موروينا , أنتظري لحظة".
لم تشأ أن تلتقي به , فأستمرت بدون أن تلتفت اليه , لكنها سمعته قادما من ورائها , وكانت خطواته سريعة , فأنتابها الذعر , فأسرعت في خطواتها , غير أنها أدركت أنه هو الآخر يسرع في مشيته , وأخيرا وجدت نفسها تركض , ولكن الى أين ؟ ولماذا تهرب؟ أنها ستواجهه حين تعود الى البيت, فلماذا الهرب منه الآن؟
وأبطأت في سيرها الى أن حاذاها , وقال بصوت بارد:
" لا تتظاهري بأنك لم تسمعيني وأنا أناديك , ثم لماذا تهربين مني؟".
" لقد سمعتك , أما لماذا أهرب منك , فأظن أن السبب واضح".
" ما أريده هو أن أتحدث اليك".
" لا أظن أن هناك شيئا تقوله لي , أحب سماعه".
أطلق ضحكة قصيرة , ثم قال :
" أوافقك على ذلك , لكن هناك أشياء يجب أن تقال , وفي مقدمتها أنني مدين لك بكلمة أعتذار , لقد كنت فظا في الليلة الماضية , والحقيقة أنني فقدت أعصابي".
" في أية حال , ليس للأمر أهمية ".
" بل أنه مهم بالنسبة الي".
قال هذا ومدّ يده الى ذقنها محاولا رفع وجهها اليه , لكن موروينا تراجعت خطوة الى الوراء مبتعدة عنه , ثم أضاف قائلا :
" أنك غفرت لنيكولا أنفعاله , فلماذا يا ترى لا تعاملينني مثله؟".
" بالطبع لا أعاملك مثله , فأنا أحبه جدا".
" ولا تحبيني , أليس كذلك يا موروينا؟".
" هل حقا تتوقع مني ذلك , وأنت تعاملني بهذا الأسلوب منذ وصولي في أول يوم؟".
ثم أستدارت وواصلت سيرها أتجاه البحر , ورفعت رأسها أتجاه الريح , فأحست ببرودتها تخفف من حرارة وجهها , وظل السؤال يعاودها بأستمرار : ( ترى ماذا يريد مني ؟ لماذا يلاحقني بأستمرار؟ أذا كان يكرهني فلماذا لا يتركني وشأني؟).
منتديات ليلاس
تجولت طويلا فوق الصخور العالية , وهي تتأمل البحر وتكسّر الأمواج على صخور الساحل , والزبد الأبيض المتطاير منها , والطيور التي تحوم على الشاطىء , والأشجار وأكواخ عمال المناجم المهجورة , وتمنت لو أنها جلبت معها عدة الرسم , أذن لكانت رسمت هذه المناطر البديعة , ولأحتفظت بها كذكريات لهذه الأيام المليئة بالأحزان , ثم عادت أدراجها الى البيت.
" ها أنت أخيرا !".
قالت أنيز حين رأتها , وكانت قلقة بسبب تأخرها, ثم أضافت :
" لقد قلق السيد نيكولا عليك , أين كنت كل هذا الوقت؟".
" ذهبت في نزهة , ويبدو أنني تأخرت".
" هيا الآن , الفطور جاهز , وسيصعد زاك الى غرفتك لنقل حاجياتك الى الغرفة الجديدة , أنني سعيدة لأن السيد نيكولا قد فتحها بعد كل هذه السنين".
" أنها غرفة جميلة , لكنها كبيرة عليّ , أفضل البقاء في غرفتي".
" كلا , أنها أفضل من الغرفة السابقة , ثم ربما لن تبقي وحدك فيها , ربما ستجدين من يشاركك فيها".