6 - حجر في الماء
كان الجميع صامتين أثناء الغداء , وبدا نيكولا مشغول البال , أما موروينا فقد أجبرت نفسها على تناول القليل من الطعام , وكانت منشغلة الذهن هي الأخرى , تستعيد ما حدث لها في الصباح مع دومنيك في تلك الغرفة المظلمة , وشعرت أنها بحاجة شديدة لأن تفكر أكثر فيما حدث , وفي الشعور الذي أنتابها نحوه , أختطفت نظرة إلى نيكولا , كان متعبا ومنهك القوى , وبدا أكبر مما كانت تراه دائما , وكأنه شاخ فجأة , ربما أنبأه الطبيب أن نتائج الفحوصات غير مشجعة , لذا فأنها ذهلت حين أعلن بشكل مفاجىء عن نيته االقيام بجولة بعد الظهر , فسألته مندهشة :
" جولة! أين؟".
" بورت فينور".
لكن أنيز تدخلت قائلة :
" لنر ما سيقول دومنيك , أظن أن صحتك لم تتحسن بعد , حتى تبدأ في الركض ".
صرب نيكولا الأرض بعصاه , وصاح بها:
" عليك اللعنة أيتها المرأة , من قال أنني سأركض ؟ هل تعتقدين أنني سأبقى حبيس هذا البيت حتى الموت؟".
ثم سكت وقد بدا عليه الأعياء التام , وأردف قائلا بعد لحظات:
" لم أتخل بعد عن حوض الزوارق , ولم أتنازل عنه.....".
هدّأته أنيز قائلة , وهي تغادر قاعة الطعام حاملة الأطباق إلى المطبخ:
" لا أقصد ذلك , ما أعنيه هو أن تأخذ الأمور على مهل".
قالت له موروينا , وقد أصبحا وحدهما:
" أنها على حق".
" لتذهب إلى الجحيم , لا بد أن أذهب إلى الحوض , هناك شيء أريد جلبه".
" ألا يقدر أحد أبناء أخيك أن يجلبه لك؟".
" يقدرون بالطبع , أذا ما طلبته منهم , لكنني أريد جلبه بنفسي لأسباب عديدة".
ثم تأمل موروينا بعض الوقت , وقال لها:
" تستطيعين أنت جلبه لي , أنه ملف أخضر يحمل رقم ب . و|23في خرانة الملفات في مكتب دةمنيك".
أجابته موروينا بدهشة :
" لا أستطيع , أفرض أن أحدا رآني وأنا أبحث في خزانة الملفات؟".
" تخبرينه بالحقيقة , أنك تأخذين الملف بأمر مني".
أنتظر جوابها بعض الوقت , وحين ظلت صامنة قال:
" أذا لم تذهبي , فلا خيار لي سوى الذهاب بنفسي".
" كلا , لن تتحمل الذهاب إلى هناك , سأذهب أنا".
قالت موروينا وهي تضع يدها على يده , محدقة فيه بحنان , ثم سألته:
" كيف سأصل إلى بورت فينور؟".
" سيأخذك مارك , فهو يذهب إلى هناك , عادة في الساعة الثانية بعد ظهر كل يوم , قولي له أنك ذاهبة لشراء بعض الحاجيات".
تناولت سترتها وحقيبتها من غرفتها , ونزلت الى الصالة , كان مارك واقفا أمام الباب يتحدث مع زاك ويقدم له بعض الأرشادات , وحين لمحها سألها بدهشة:
" مرحبا موروينا , الى أين؟".
" الى بورت فينور , لشراء بعض الحاجيات , عرفت أنك ذاهب الى هناك , هل تأخذني معك؟".
" بالتأكيد سآخذك".
قال لها مارك في السيارة:
" لماذا لم تخبريني منذ الصباح ؟ لو فعلت لكنا تناولنا الغداء معا هناك".
ابتسمت موروينا , وتأملته طويلا , كان وسيما ونشطا وعلى قدر كبير من المرح والحيوية , وقالت لنفسها : ( لو كنت في وضع آخر لعشت معه قصة حب رومانسية ممتعة).
" الآن فقط قررت الذهاب الى هناك".
أستمتعت كثيرا بأحاديثه ومزاحه , حتى وصلا الى حوض الزوارق , فأوقف السيارة وقال لها:
" الكثير من المحلات مقفلة الآن , في هذا الموسم من السنة , لكن هناك محل مفتوح لبيع الصحف والمجلات , وآخر صيدلية , ثم مهى جميل يبيعون فيه أيضا التحف والهدايا , وحين تنتهين من شراء حاجياتك , تعالي الى حوض الزوارق".
منتديات ليلاس
شكرته موروينا , وراقبته وهو يبتعد بسيارته , ثم سارت في خطوات بطيئة وهي تتأمل واجهات المحلات , حتى ينقضي بعض الوقت قبل أن تعود الى حوض الزوارق , وفكرت أنه كان بأمكانها أن تخبر مارك ببساطة حول الملف , وأنها جاءت لتأخذه بناء على طلب نيكولا , لكن نيكولا أراد أن يتم الأمر سرا لسبب ما , وعليها أن تنفذ رغبة الرجل المريض.
عثرت على المقهى الذي تحدث عنه مارك , ودخلت اليه , كان صغيرا , ليس فيه سوى بضع موائد ولم يكن فيه رواد , فجلست الى احدى الموائد تنتظر مجيء الخادم , ومن خلف الستارة التي كانت تحجب غرفة داخلية , خمنت موروينا أنها المطبخ , تناهت اليها أصوات نساء وأطباق تغسل , ولم يطل أنتظارها , وبينما هي تتأمل قائمة الطعام , أنزاحت الستارة , وظهرت فتاة في رداء طويل , عرفتها موروينا حالا:
"مرحبا.......".
قالت بيدي بأبتسامة عريضة , وهي تحمل سلة فيها مجموعة من الخزفيات.
وأردفت:
" جئت بهذه الخزفيات علّني أبيع منها شيئا للمقهى ".
" أوه , أنا سعيدة برؤيتك يا بيدي , أتشربين القهوة معي؟".
" بالطبع أكون سعيدة".
قالت بيدي , ووضعت السلة جانبا , وجلست على المقعد المقابل , ثم أضافت:
" أخبرت أخي عنك , وكنا نتساءل هل ما زلت في تريفينون؟".
" ما زلت , والحقيقة أنني أشتغل هناك".
" تشتغلين ؟ لدومنيك تريفينون؟".
" مع عمه , فهو يكتب تاريخ العائلة , وأنا أساعده".
" رائع , وكيف هو مارك تريفينون؟".
" جيد , أنت تعرفينه؟".
" كنت أعرفه , لكن ذلك أنتهى منذ زمن , لم يرض أخوه الكبير عن علاقتنا , أعتبرني غير ملائمة لعائلة تريفينون".