4- سهرة مع رجل لطيف
صباح الأحد , كان مقررا أن يوصلهما روبرت الى ثورب هيلم , ألا أن برقية عاجلة تلقاها مساء الجمعة , يشعره فيها مكتب الشركة في نيويورك بأجتماع كان يريد أن يحضره , أضطرته الى السفر , وكانت باميلا , ساعة تسلمه البرقية تلك الليلة في الشقة تنتظر موعد ذهابهما الى المسرح , وحضّته على السفر , على أن تتكفل هي بأيصال جولي وأيما الى ثورب هيلم , وقالت:
" في أي حال , عزيزي , ليس مهما من منا يوصل جولي والطفلة , أليس كذلك؟".
لم يجبها روبرت , ورفع كتفيه غير آبه , ثم قال :
" أنت محقة , لا أعتقد أن الأمر مهم , هذا , أذا كانت جولي لا تمانع".
لم تتحمس جولي لفكرة باميلا هذه , فأقترحت تقول:
" يمكننا أن نستقل سيارة أجرة".
فتحت باميلا ذراعيها فارغتين , وقالت:
" ليس هذا ضروريا , عزيزتي , فأنا متفرغة.......".
ورمقت روبرت بنظرة ذات دلالة مبهمة.
أضطرت جولي الى القبول , وهكذا , أوصلتهما باميلا الى المنزل , ثم ساعدتهما في نقل حقائبهما الى الداخل.
ظهرت السيدة هادسون من المطبخ , لتستقبلهن , بدت أمرأة قصيرة القامة , كما جولي , أنما ممتلئة الجسم , غلب على شعرها الشيب وعلى وجهها أبتسامة لا تفارقه , خصت أيما بأستقبال مميز , وقالت:
" القهوة جاهزة , سيدة بمبرتون , أنها في أنتظارك في الصالون , هل ترغب الصغيرة في المجيء معي الى المطبخ ؟ سأقدم اليها بعض الحلوى , أنتهيت لتوي من تحضيرها".
أتسعت حدقتا أيما , وهتفت فرحة:
" رائع".
لكن جولي نبّهتها قائلة:
" أياك أن تتخمي معدتك".
" لن أدعها تفعل ذلك".
أجابت السيدة هادسون , تعد جولي , ولسبب في داخلها جهلته , لم تصدقها هذه الأخيرة , هذا , وبدت لها السيدة هادسون أمرأة أهلا لأن تكون جدة مثالية لأيما , وأحست بوخز من الذنب لتصورها هذا.
رافقت السيدة هادسون أيما الى المطبخ , وأخذت جولي تتأمل حولها في غرفة الأستقبال بعين راضية كانت جدرانها مطلية بالأبيض , بينما أمتدت سجادة حمراء داكنة تغطي أرض الغرفة حتى أعلى درجات السلم التي تؤدي الى الطبقة العلوية.
كان الأثاث يبعث الدفء ويوحي بالترحيب , تقدمتها باميلا في أتجاه الصالون , وكانت هذه تتصرف كما لو أنها في بيتها هي , جلست في مقعد قريب من الطاولة حيث صينية القهوة , وبدت بهذا كما لو أنها هي التي تستقبل جولي.
غير أن جولي أبت أن تفقد رباطة جأشها , أذ ليس مهما ما تفعله أو تقوله الواحدة منهما للأخرى , فهي وأيما تمتلكان الآن منزلا خاصا بهما , ومن الآن فصاعدا , سينصب أهتمامهما , معظم فترات وقتهما , على التطلع الى شؤونهما الخاصة.
بعد أن تناولت جولي فنجان القهوة , وكانت قد جلست في مقعد الى جانب النافذة , بادرتها باميلا بالقول :
" أظن أنك ستجدين الراحة التامة هنا , ألا توافقينني الرأي في هذا ؟".
تصنعت جولي أبتسامة خفيفة , وقالت :
" أعتقد ذلك , أنه منزل قديم وجميل".
" نعم , أنه كذلك , طلبت من روبرت أن بشتريه بادىء ذي بدء ليكون منزلنا في المستقبل , ألا أنه أعترض على صغر حجمه".
رشفت جولي قليلا من فنجانها , وقالت :
" أنني أرى ما تقصدين".
" الحق يقال , أن روبرت كان سديد الرأي , ذلك أنه بين فترى وأخرى يقيم بعض الحفلات والمآدب , الشقة في الوقت الحاضر تحاصره ولا تسمح له بهذا , لكن , متى تزوجنا , سيكون في أستطاعتنا أن نستضيف ضيوفنا بحرية أكثر , فالعازب , كما تعلمين , لا يقيم وزنا لهذه الأمور".
هزت جولي رأسها تهذيبا أشارة موافقة.
وحدّقت باميلا في جولي هنيهة غير قصيرة , فبدا الأرتباك على هذه الأخيرة , ثم قالت الفتاة :
" كنت ذات يوم مخطوبة لروبرت , أليس كذلك؟".
أعادت جولي فنجان القهوة الى مكانه بيد مرتجفة , فأحدث أحتكاكه بالصحن قرقعة لدى ملامسته الطاولة , وأجابت قائلة:
" نعم , هذا صحيح".
أطرقت باميلا قليلا قبل أن تقول:
" لقد أخبرني روبرت ذلك".
بلعت جولي لعابها بصعوب , أذ كانت ترفض مبدئيا أن يبحث روبرت في شؤون حياتها الخاصة مع باميلا , وتساءلت عن سبب طرح باميلا لهذا الموضوع بالذات.....
" ألا أنك تزوجت أخاه؟".
بدت باميلا كأنها تستجوبها .
أومأت جولي برأسها :
" نعم , مايكل".
" قال لي , كذلك , أنكما فسختما خطبتكما قبيل سفره الى فنزويللا في مهمة عمل؟".
" نعم , هذا ما حصل".
" هل لديك مانع أن توضحي لي سبب ذلك؟".
بدت باميلا متحسبة , مترقبة.
" هل هذا الأمر يهمك كثيرا؟".
" أود أن أعرف السبب ".
" لماذا لا تسألين روبرت؟".
بدت باميلا مترددة قبل أن تجيب:
" لقد فعلت ....... قال لي أنك أنت التي أردت فسخ الخطوبة".
تلونت وجنتا جولي أحمرارا وعلّقت :
" هل هذا ما قاله؟".
" هل هذه هي الحقيقة ؟".
" نعم , أنها ........... الحقيقة ".
" لكن , لماذا؟".
وبدا الأهتمام في حاجبي باميلا المعقودين .
لم تكن جولي تدري جوابا , فتنهدت , ثم قالت:
" أن الأمر واضح ..... ألا تعتقدين ذلك؟ لقد وقعت في غرام مايكل! ".
عادت الأشراقة الى وجه باميلا , وقالت , أذ أطمأن بالها :
" أوه , أنني آسفة لما حصل , ألا أن ما أخبرتني به في شأن مايكل , لم يخطر ببالي , وكان يجب أن أستنتجه سلفا , لأنك تزوجت مايكل قبل أن يكون روبرت عاد من مهمته في الخارج , أليس كذلك؟".
بدت جولي عاجزة عن الكلام , فأومأت ثانية برأسها تؤكد فحوى سؤال باميلا , ثم أوضحت في أقتضاب:
" لقد تغيّب روبرت آنذاك فترة ستة أشهر".
" نعم , هذا ما قاله لي , لكن ألا تعتقدين , على ما أتصور , أنك كنت سافرت معه , لو أن ظروفك حينذاك كانت مختلفة ؟".
تمنت جولي لو تستطيع تغيير موضوع حديثهما , وبدا تبرمها واضحا في حركات أصابعها , ثم قالت تسألها:
" هل لديك سيكارة؟".
تناولت باميلا حقيبة يدها , تبحث عن علبة السكائر , ثم أستطردت تقول بعد أن أشعلت كل منهما واحدة:
" هل تمانعين في طرحي هذه الأسئلة عليك ؟ الحقيقة أنني أجد صعوبة في البحث في مواضيع من هذا النوع مع روبرت".
نفثت جولي دخان سيكارتها , ثم أجابت:
" كلا , لا بأس في أن تسأليني ما تشاءين ( وأنتصبت على قدميها وهي تتلوى ثم أستطردت تقول ) هل تعتقدين أننا سنمضي فصل شتاء قاسيا ....... لقد نسيت كيف يكون شكل الثلج".
نهضت باميلا بدورها , وأقتربت تقف الى جانبها عند النافذة , ثم أجابت بصوت مهذب:
" لم أذكر لك شيئا من هذا القبيل قبل الآن , ألا أنني , ولو متأخرة , أقدم اليك تعزيتي لوفاة زوجك , من المؤسف أن الفرصة لم تسنح لي لأتعرف اليه".
حدقت فيها جولي بعينين زائغتين , وتساءلت عما يمكنها أن تجيب معلّقة على ذلك , ثم تمتمت بصوت خفيض:
" شكرا".
أومأت باميلا برأسها مؤاسية وهي تضع يدها بلطف على كتف جولي , ثم قالت:
" علي الآن أن أذهب , أمي في أنتظاري وقد أقترب موعد الغداء , فضلا عن أنني دعوت أصدقاء الى الغداء عندي ( وترددت قليلا قبل أن تضيف ) أنني أنتظر زيارتك لنا , بعد أن تستقر بك الحال هنا , كما أنني متأكدة أن والدي سيكونان سعيدين برؤيتك".
منتديات ليلاس
كان روبرت لا يزال في الولايات المتحدة , بعد أن مدّد زيارته ليستطيع الأنتقال الى سان فرانسيسكو , ولم تكن عودته منتظرة قبل أسبوع , وكان طبيعيا ألا يكون هناك أتصال مباشر بينه وبين جولي , ألا أن لوسي كانت تتصل كل يوم تقريبا وتطلع جولي على كل المستجدات.
أتصل بها فرنسيس هاتفيا , يوم الخميس , رفعت سماعة الهاتف بتلكؤ , وقد تصورت أن المتكلم سيكون أمرأة عمها , وفوجئت حين تناهى صوته الى مسمعها.
" مرحبا جولي ( وتراءت لها أبتسامته الساخرة ) أوتظنين أنني نسيتك كليا؟".
رفعت كتفيها لا تدري ما تجيب , ثم قالت مازحة:
" لا تقل لي أنك عدلت عن رأيك في دعوتي ثانية".
ضحك فرنسيس وأجاب:
" من الصعب جدا أن أفعل هذا , أخبريني , كيف تجدين حياتك الجديدة في الريف؟".
جلست على ذراع المقعد الذي بقربها , ثم أجابت:
" لا بأس بها , أننا نتكيف جيدا وبسرعة مع واقعنا الجديد , فضلا عن أن أيما تعشق الحرية المتوافرة لها هنا".
" لا شك في ذلك فعلا , أذ هي على ما أتصور لم تعرف معنى الحرية في مالايا".
" لم تعرفها حقا , فقد كانت في رفقة مدبرة ترعاها معظم الوقت , كيف حالك؟".
" أجاهد في هذه الحياة , وحيدا ( أجابها مداعبا , وأستطرد يقول ) هناك سبب واحد منعني من الأتصال بك قبل الآن وهو أنني كنت خارج البلاد , في أسكوتلندا وقد عدت ليلة أمس".
" روبرت مسافر , كذلك".
" أعرف هذا , فأخباره دائما موضوع أي حديث يجري في منزلي".
" عفوا , كان علي أن أعرف هذا سلفا , لقد سها عن بالي وجود باميلا".
بدأ حديثه يسليها.
" فعلا؟ مما لا شك فيه أن هذه مهمة صعبة ".
ضحكت جولي ثانية وقالت بطريقة عفوية:
" أنا مسرورة لأنك أتصلت".
" هل أنت فعلا كذلك ؟ لماذا؟".
منتديات ليلاس
تنهدت جولي قبل أن تجيب :
" آه , لست أدري , ربما لأنني أشعر قليلا بأكتئاب , أعتقد أن أختلاف المناخ بأنتقالنا من مكان الى آخر أثّر علي قليلا.... ثم , أن المربية ستصل يوم الأحد".
" المربية؟ تقصدين..... ساندرا لوسن؟".
" نعم , هل تعرفها؟".
" طبعا أعرفها , كانت زميلة باميلا أيام الدراسة".
" هذا صحيح ( وتذكرت أن حماتها كانت أخبرتها بذلك ) لقد نسيت ".
" ماذا بك؟ هل يضايقك وجودها في شيء؟".
أجابت جولي جازمة:
" لن أدعها تفعل ذلك".
ضحك فرنسيس وبدا أنه لم يقتنع بجدية جوابها , وقال:
" يبدو أن الأمر ينذر بعاصفة بينكما , أسمعي , جولي , لم أتصل بك لأقضي نصف ساعة في الحديث معك على الهاتف , أريد أن أراك , متى يكون ذلك؟".
ترددت جولي بادىء الأمر , ثم قالت :
" لست أدري , فهناك أيما.......".
" أحضري أيما معك ....... ما رأيك في أن أحضر الى الغداء في منزلك , بدعوة منك؟".
" لا مانع عندي ".
علّق فرنسيس وقد لاحظ ترددها:
" يخيل ألي أنك لست متحمسة للفكرة , هل هذا يعني أنك لا تحبذين مجيئي؟".
" عفوك فرنسيس , بالطبع يمكنك أن تتغذى معنا , سأحضر لك في المناسبة طبقا خاصا!".
" يبدو هذا مشجعا , ما هو نوعه؟".
" أنتظر تر ( ورمقت ساعة يدها , وأضافت ) أنها الحادية عشرة , أين أنت الآن ؟".
" في المنزل".
صعقت لجوابه وهي تردد :
" في المنزل!".
" لا تجزعي , أنني في مكتبي , وما من أحد يستطيع سماع حديثنا ".
" لكنك تبدو من صوتك كمن يسترق الحديث؟".
" هل أبدو كذلك حقا ؟ أنني أعتذر عن ذلك , حسنا , أنا ذاهب الآن لأخبر لويز وباميلا , لا شك في أنهما تودان المجيء معي".
" فرنسيس!".
" هل تريدينهما معي الى الغداء ؟".
تنهدت جولي , فهي أرادت أن تلتقي فرنسيس ثانية , أذ هو الوحيد الذي كان يعاملها معاملة جيدة , فضلا عن أنها كانت في حاجة الى من تستطيع التحدث اليه.
" أذن؟".
" حسبك أن تتفضل وحدك في المجيء".
وأقفلت الهاتف.
ما أن أنتهت من أرتداء ثوبها وتصفيف شعرها , حتى كانت سيارته تتوقف أمام باب المنزل الرئيسي , أطلت أيما قادمة من المطبخ ,وسألت والدتها:
" هل هذا العم فرنسيس؟".
كانت جولي أعلمت السيدة هادسون في حضور أيما بقدوم ضيف الى الغداء , وبدت هذه فرحة لهذا النبأ.
" نعم , حبيبتي , أنه العم فرنسيس".
وذهبت تفتح له الباب .
بدا فرنسيس فتيّا , وهو في بنطال بيج وكنزة بنية اللون , ورمقته جولي بنظرة دافئة.
بادرهما محييا وهو يدغدغ أيما تحت ذقنها , فضحكت , ثم توجه الى جولي هامسا:
" لا تنظري الي هكذا , وألا تمنيت لو لم أكن ذلك الأنسان الطيب الذي تتصورين".
أبتسمت جولي لكلماته المداعبة , وقالت:
" هيا بنا الى الداخل , لا أعتقد أن المكان غريب عنك".
بدا لها فرنسيس أنسانا مختلفا عن أي رجل عرفته من قبل.
تقدمتهما أيما الى غرفة الجلوس , وبدأ يتأمل الغرفة , ثم قال :
" نعم , أعرف المكان , أنه جميل , أليس كذلك ؟ علما أن أبنتي أختارت ديكوره!".
ضحكت جولي قائلة:
" أترغب في فنجان قهوة؟".
" نعم , شكرا".
وجلس على الكنبة وأيما الى جانبه.
بادرته الطفلة بسؤال خلو من أي تحفظ :
" أين هي العمة باميلا؟".
أبتسم فرنسيس راضيا عن سؤالها وأجابها:
" أنها في المنزل ".
" ألم تشأ أن تأتي معك؟".
" أعتقد أنها ترغب في ذلك , غير أنني لم أسألها ( وأضاف مبتسما أذ لمح خيبة في وجهها ) كانت كلما أتت لتراك تتحاشى أن تدعوني للمجيء معها , فلماذا أسألها أنا أذا كانت لا تفعل الشيء نفسه؟".
بدت أيما راضية لتبريره , وسألته:
" هل قدمت حقا , لتزورني فقط؟".
" ولأزور والدتك أيضا , ( أجابها , وتناول فنجانه يرشف منه قليلا ثم أوضح قائلا) الحقيقة أنني حين أجيء لزيارتك أدّعي أنني جئت لأزور والدتك أيضا , فلا أبدو هكذا أنانيا في تصرفي ( وغمز لها ) أعتقد أنك تدركين ما أعني".
ضج المكان من ضحكة أيما العالية , ثم أقتربت جولي تجلس بالقرب منهما , وقالت تسأله:
" كيف أتفق , فرنسيس , أنك لم تنجب سوى باميلا؟".
ثم أدركت بعد فوات الأوان أي سؤال وقح , فضولي هذا الذي طرحته.
لكن فرنسيس بدا غير ممانع , فأجابها:
" لم يكن ذلك مستطاعا".
لم تكن السيدة فرنسيس قابلت فرنسيس من قبل , وأخذت ترمق جولي بنظرة مبهمة , ثم قالت:
" يبدو رجلا لطيفا , أليس كذلك ؟ أنه صبور جدا".
" نعم , ألا تدركين أنه والد الآنسة هيلينغدون؟".
" لقد أستنتجت ذلك".
" أظنك أستنتجت أيضا أنه يجب ألا يكون هنا؟".
" لماذا؟".
" لكن الأمر واضح تماما ........ أنه رجل متزوج".
في هذه اللحظة , تناولت السيدة هادسون الأطباق لتجلبها , ثم قالت:
" لكن لا علاقة بينكما من أي نوع؟".
" كيف تدعين هذا , وأنت لا تعرفين واقع الحال؟".
" أعرف ما فيه الكفاية لأدرك أذا كانت هناك علاقة حب بين رجل وأمرأة".
شهقت جولي فاغرة فاها , لكن الخادمة تجاهلت رد فعلها وأستطردت تقول:
" هل سيبقى السيد هيلينغدون الى حين العشاء؟".
" لا أعتقد ذلك".
" كان يجب ألا أتفوه بكلمة في ما لا يعنيني".
رفعت جولي كتفيها غير مقتنعة بما قالته السيدة هادسون , وأجابتها :
" أنا مسرورة أخيرا لأنك فعلت .... فليس هناك أحد سواك أستطيع البوح اليه بما يعتمل في داخلي".
" حسنا , لا يداخلنك قلق , فأنا أعرف متى أكتم خبرا".
ألتفتت اليها جولي والأستنكار باد عليها:
" هذا يبدو رهيبا , أتدركين ذلك؟ ( وضحكت ) أوه , سيدة هادسون , أنت على حق , أنه رجل لطيف".
ما أن عاد فرنسيس وأيما الى الداخل , حتى أحضرت السيدة هادسون أبريقا مليئا بالشاي , أرتمى فرنسيس متعبا في أحد المقاعد, وقال لأيما شاكيا:
" لقد أرهقتني!".
بينما هرعت هي تدير جهاز التلفزيون وتتخذ لنفسها مكانا قريبا قبالة الجهاز .
أبتسمت أيما وقالت:
" أنه وقت برنامج ( ألعاب المدرسة) , لا أظنك حقا تعبا , عمي فرنسيس , أم أنت كذلك بالفعل؟".
" لا أظنك جادة في سؤالك ,وهل تتصورين أنني أقضي فترة اقيلولة كل يوم أركض في الحديقة؟".
" هذا نافع لك".
علّقت أيما ,وهي أنما كانت تردد ما تسمعه بين حين وآخر عن فائدة العدو ممن هم أكبر منها سنا.
" يعجبني أن تفكري بهذا الأسلوب ( قال فرنسيس , ثم ألتفت الى جولي التي أقتربت منه تقدم الشاي , وسألها ) أرى أنني أستحق فنجانا من الشاي".
" بالتأكيد ( أبتسمت له وسألته ) هل أنت باق الى العشاء؟".
حلت ملامح الجدية على وجهه محل أمارات التفكه , وأجاب:
" في الواقع , ليس هناك شيء آخر أفضل عندي من البقاء معك , ألا أنني سبق ودعوت لويز الى تناول العشاء, في أحد النوادي , أذ نحن معتادان في كل خميس أن نلعب البريدج".
خاب ظن جولي لجوابه , فأومأت بأشارة من رأسها , وعلقت :
" لا بأس".
عاد فرنسيس يتأمل أيما التي كانت مستغرقة في تتبّع الحلقة التي يعرضها التلفزيون , ثم تطاول نحو جولي وأخذ يدها بين راحتيه , وقال:
" أوه , جولي! أطلبي مني أن أبقى , وسأفعل ذلك راضيا".
سحبت يدها بحياء , وغيّرت الموضوع , وقد تسارعت أنفاسها :
" أتريد سكرا مع الشاي؟".
" حبتين , من فضلك ( تنهد , ثم عاد يسألها) هل تقبلين دعوتي الى العشاء في بحر هذا الأسبوع , وقبل أن يصل التنين ؟ ( وأدركت أنه بنعته هذا أنما قصد ساندرا لوسن , بدت مترددة , فأردف قائلا ) ما رأيك في أن نخرج معا مساء السبت ؟ أنها أمسية تغري أولا ترغبين في أمسية كهذه أن ترتدي أجمل ثيابك لديك وتنزلي الى المدينة؟ أنا متأكد أن السيدة هادسون يمكنها أن تهتم بأيما"
" لا شك في أنها أهل لذلك ( وبلت شفتيها ) يبدو الأمر....... رائعا".
" أعدك بأن سهرتنا ستكون كذلك بالقعل".
" حسنا , سأسأل السيدة هادسون قبل خروجها أذا كانت تقبل أن تهتم بالطفلة".
" حسنا ( وتناول فرنسيس فنجانه وأضاف ) صدقيني , أن الأيام المقبلة التي تفصلنا عن موعدنا , ستجرجر نفسها ببطء".
بعد أن ذهب فرنسيس , وأتفقت مع السيدة هادسون , أحست جولي بندم كبير , ثم وضعت أيما في سريرها وذهبت الى المطبخ بدل أن تعود الى غرفة الجلوس كما عادتها أن تفعل كل أمسية , كانت السيدة هادسون في هذه هذه الأثناء تجلي الأطباق , وعندما دخلت عليها جولي أستقبلتها الخادمة بأبتسامة عريضة.
بادرت تسأل سيدتها:
" هل ترغبين في شيء , سيدة بمبرتون؟".
" جئت أثرثر معك قليلا".
أخذت جولي خرقة تنشف بها الأطباق النظيفة على مسطح المجلى.
" لا لزوم لأن تفعلي هذا , ( هتفت الخادمة ) يمكننا أن نتبادل أطراف الحديث , وأنا أتكفل بالأطباق".
" بل أرغب في مساعدتك ( ثم أستطردت تقول ) لقد سئمت العيش وحيدة".
سألتها الخادمة مستفسرة :
" هل أوت أيما الى سريرها ؟".
" أوه , نعم , كانت جد مرهقة بعد يوم حافل".
ضحكت السيدة هادسون وقالت:
" كذلك كانت حال السيد هيلينغدون , لا عجب".
أبتسمت جولي قائلة:
" أنه يعاملها بمحبة , أليس كذلك؟".
" نعم , سيدتي , يبدو أهلا لأن يكون لديه أكثر من ولد في عمرها".
" لكن أبنته باميلا أصبحت شابة الآن".
" نعم".
منتديات ليلاس
بدت لهجة الخادمة معبرة , فلم تستطع جولي أن تمنع نفسها من سؤالها , متناسية أنها تبحث في شؤون ضيوفها مع خادمتها:
" ألا تحبينها؟".
أرتسمت أبتسامة ساخرة على وجه السيدة هادسون , وأجابت بدبلوماسية :
" لنقل أنها ليست نجمتي المفضلة".
" أرى ما تقصدين".
عصرت السيدة هادسون الخرقة وشرعت تمسح مسطح المجلى , ثم أدركت عدم صواب ما قالت في شأن باميلا:
" لكن , لا بد أن أكون مخطئة , أذ أن السيد روبرت يحبها كثيرا ".
" أنت تعرفين..... روبرت؟".
" باركك الله , طبعا أعرفه , كنت أعمل سابقا لوالدته , يوم كان لا يزال هو وأخوه مايكل صبيين صغيرين".
ظهر التعجب في عيني جولي , وسألتها:
" أحقا ما تقولين ؟ بالله عليك , أكملي , أخبريني المزيد".
" عن مايكل , سيدتي؟".
" بل عن كليهما ".
وتخصّبت خداها.
رفعت الخادمة كتفيها تتذكر:
" كانا طفلين مكتنزين , لا يفصل بينهما سوى سنة واحدة".
" لا شك أنك كنت , يومئذ صغيرة أنت أيضا؟".
" كلا , كنت في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة".
" عجبا , كم يبدو هذا العالم صغير!".
أومأت السيدة هادسون برأسها تؤيد رأيها , وأردفت:
" عندما أشترى السيد روبرت المنزل هذا , كان يبحث عن خادمة لتعمل فيه , فأتى توا الي يسألني أن كنت أرغب في ذلك".
جلست جولي على كرسي , ثم قالت تسألها:
" هل كنت تصادفينهما خلال السنوات الأخيرة؟".
" كانا يأتيان لزيارتي , بين حين وآخر , وكنت قد تزوجت ( بدت نظرات الخادمة المتأملة في اللاشيء مفعمة بالذكريات ) كانا ولدين لطيفين".
" فعلا.... هل عرفت أنني كنت مخطوبة لروبرت؟".
بعد أن أفرغت السيدة هادسون حوض المجلى , أخذت تجفف يديها , وقالت:
" نعم , عرفت هذا , بل أكثر , ذلك أنني كنت تلقيت بطاقة دعوة الى حفلة زواجكما".
تخصّبت وجنتا جولي ثانية , تنهدت السيدة هادسون قبل أن تضيف :
" لم أكن لأتصور أبدا أن زواجكما سيلغى , وأن يسافر السيد روبرت الى فنزويللا .... الى ما هنالك مما حدث يومها".
نهضت جولي من كرسيها وعلّقت قائلة:
" تلك كانت أرادته".
" أن يذهب الى فنزويللا؟".
" نعم , وأن يلغي حفلة الزواج أيضا".
" لكنه , على ما أخبرت به يومذاك سيدتي , أضطر الى السفر , ذلك أن حادثا وقع هناك أدى الى مقتل أحد الرجال , أليس كذلك؟".
" نعم , الحادث الذي تذكرين وقع فعلا في مشروع وادي غوابا ".
" بالضبط! وكان على السيد روبرت أن يذهب ليحل محل الرجل الذي ذهب ضحية الحادثة".
ردت جولي قائلة:
" لم يكن مضطرا الى الذهاب".
ظهر الأرتباك في حركات السيدة هادسون لوجهة نظر جولي:
" لا أعتقد أنني من هذا الرأي , سيدتي , فأرسال رجل آخر غيره كان يمكن ألا يكون عملا صائبا , ألا تعتقدين ذلك؟ وهذا عدا أن السيد روبرت , كان , عمليا , الشخص الوحيد المؤهل للحلول محل الرجل الذي قضى".
رفعت جولي كتفيها لا تبالي لحقيقة كلام الخادمة , وقالت:
" في أي حال , كان ذلك كله منذ زمن بعيد".
وافقت السيدة هادسون , بأحناءة من رأسها:
" نعم , كما لا يمكن أن تكوني قد أحببته , ذلك لأنك تزوجت السيد مايكل أثر رحيله , وسافرتما قبل عودة السيد روبرت الى لندن".
في هذه اللحظة توجهت جولي نحو الباب , وقالت بنبرة لا تخلو من أنفعال:
" سافر روبرت قبل موعد زواجنا المقرر بأسبوع واحد , هل كان زوجك ليفعل ذلك لو تهيأت له الظروف نفسها؟".
" هذا سؤال تصعب الأجابة عنه , سيدتي ... هل أفهم من كلامك أن سبب خلافكما حينذاك , كانت تلك الرحلة؟".
كادت جولي أن تفقد رباطة جأشها وترد على مغالاة السيدة هادسون لواقع الأمر , ألا أنها تمالكت نفسها , وقالت:
" أنا لم أقل هذا ".
" صحيح , في أي حال , أنت أدرى بأمورك الخاصة , وأنا متأكدة من أنك ما كنت لتتزوجي السيد مايكل , كما سبق وذكرت , لو لم يكن لديك بعض الشكوك حيال علاقتك بروبرت".
فتحت جولي باب المطبخ , وقالت قبل أن تخرج:
" كلا , في أي حال , من الأفضل ألا نذهب بعيدا في بحث هذا الموضوع , يمكنك الأنتهاء من عملك , وأذا ما أحتجت الى شيء في ما بعد , فسأتدبر الأمر بنفسي".
" حسنا , سيدتي , شكرا ( نزعت السيدة هادسون مرولتها وطوتها بعناية ثم وضعتها في أحد الأدراج , وقالت ) سأغيب لمدة ساعة في زيارة للسيدة فيلدينغ في القرية".
" لا بأس".
تركت جولي الباب ينغلق خلفها وعادت الى الصالون , وما أن دقّت الساعة التاسعة , حتى شعرت فجأة بالملل وهي تشاهد التلفزيون , فعادت الى غرفتها لتأوي الى فراشها , لم تكن دامعة , لكن قنوطا ثقيلا كان يكتنف أحاسيسها.
منتديات ليلاس
صبيحة يوم السبت ,وصلت ساندرا لوسن فجأة , من دون أي أشعار سابق.
فتحت لها السيدة هادسون تستقبلها , كذلك أتت جولي الى الرواق تلتقيها , وبادرت ساندرا قائلة , وهي تضع حقيبتيها أرضا:
" أرجو ألا يكون لقدومي المفاجىء أي مانع لديك , سيدة بمبرتون , الحقيقة أن مالكة الشقة التي كنت أشغلها أخطرتني بأنها أجّرت الشقة لشخص آخر أعتبارا من اليوم , لذا رأيت نفسي مضطرة أن أجيء الى هنا , بدل أن أبدد دراهمي في قضاء ليلة في فندق , على كل , يوم أكثر أو يوم أقل في التدريس , ليس بذي بال".
بدت جولي مرتبكة لحضور ساندرا على حين غرّة , وحاولت أن تقول شيئا:
" أنا... حسنا..... سيدة هادسون؟".
أجابت الخادمة تطمئن سيدتها:
" حجرة الآنسة جاهزة سيدتي , ليس هناك أي أشكال".
حدّجت ساندرا السيدة هادسون بنظرة فاحصة , وبادرتها:
" لا بد أنك السيدة هادسون , لقد أخبرتني عنك الآنسة هيلنغدون".
أحنت السيدة هادسون رأسها:
" نعم , أنا هي , آنستي".
عقدت جولي أصابعها وقالت:
" ليس هناك أي أزعاج في قدومك قبل اليوم المحدد بيوم واحد... هلا قدرت الآنسة لوسن سيدة هادسون , الى غرفتها؟ ثم أحضري لنا بعض القهوة".
" حسنا , سيدتي".
منتديات ليلاس
وتساءلت جولي , كيف يعقل أن تخرج الليلة وتترك ساندرا في أول يوم لوصولها؟ وماذا عن أتفاقها السابق مع السيدة هادسون في شأن أيما؟ قد تقرر ساندرا , مثلا , أن تأخذ المبادرة كونها المسؤولة عن أيما , لتهتم بالطفلة في غياب والدتها , وعلى الرغم أن جولي لم يتبادر الى ذهنها أن أيما يمكن أن تهتم كثيرا بمن سيرعى أمرها في غياب والدتها , ألا أنها كانت تشعر بأن أبنتها لم ترتح لساندرا لوسن.
بدا لها الوضع مثبطا ومصدر قلق , وتمنت لو تستطيع أن تفضي الى أحد بما يعتمل في داخلها.
دخلت أيما الصالون , تلك اللحظة , قادمة من الحديقة , خدّاها متوردان والعرق يتصبب منها , وهتفت تسأل والدتها مستفسرة :
" من الذي جاء منذ لحظات في سيارة الأجرة , أمي؟".
تنهدت جولي قبل أن تجيبها:
" أنها الآنسة لوسن , حبيبتي".
" لكنك قلت أنها لن تحضر قبل يوم غد؟".
" نعم , قلت هذا , لكن طارئا أضطرها الى المجيء قبل الموعد المقرر".
أرتسمت تقطيبة على وجه أيما:
" لماذا ؟ هل يعني هذا أنني سأبدأ دراستي اليوم؟"
" لا أعتقد ذلك حبيبتي , قبل مضي بضعة أيام , ..... لكن..... ما هذا الحذاء الوسخ الذي تنتعلينه ! أذهبي وأبلديه بخفّيك أذا أردت البقاء في المنزل".
بعدما خرجت أيما , رفعت جولي سماعة الهاتف , وأتصلت بشقة روبرت , رد هالبيرد , فسالته:
" هل السيدة بمبرتون موجودة".
" أسف سيدتي , أنها غير موجودة , خرجت هذا الصباح , هل تريدين أن أخبرها , لدى عودتها , أنك أردت التكلم اليها؟".
تردد جولي لحظة , ثم قالت:
" كلا , ليس هذا ضروريا هالبيرد , شكرا".
" كما تريدين سيدتي , في كل حال , سررت لسماع صوتك ثانية , هل أستقريتما كما يجب؟".
" ألى حد ما ( وختمت مكالمتها ) طلب يومك , هالبيرد".
بقيت تحدق في سماعة الهاتف , بدا واضحا أن روبرت لم يعد بعد من الولايات المتحدة , وألا لكان هالبيرد أخبرها بذلك , تناولت دليل الهاتف وأخذت تبحث عن رقم هاتف آل هيلينغدون , وجدت الرقم وحدّقت فيه لحظة وهي تتساءل , هل ستتجرأ على الأتصال بفرنسيس ؟ وماذا أذا ردت باميلا أولا , أو لويز؟ ما هو التبرير الذي ستقدمه سببا لأتصالها؟
ثم فكرت أن تتصل به في مكتبه , قد يكون هناك , وأذا كان الأمر سلبا , فيمكنها أن تستعلم عن مكانه وتتصل به مباشرة.
أجابتها عاملة الهاتف في شركة هيلينغدون :
" السيد هيلينغدون موجود , هل ترغبين في أن تتركي له أشعارا؟".
تنهدت جولي مترددة ثم سألتها:
" هل في الأن=مكان أن تبلغيه أنني على الخط وعما أذا كان مناسبا أن أتكلم معه؟".
ترددت عاملة الهاتف , وبدا أنها لم تكن متأكدة من هوية جولي , على رغم أن هذه ذكرت لها أسمها , ثم قالت:
" دقيقة واحدة , آنسة".
وحوّلت الخط.
أنتظرت جولي جوابا بنفاد صبر , وبينما هي كذلك , دخلت أيما الغرفة وكانت قد أغتسلت , وأنتعلت خفّيها , أقتربت من والدتها وهمست:
" من تخابرين؟".
أجابتها جولي بصوت خفيض:
" ليس الأمر مهما ".
" هل هي جدتي!".
" كلا".
وتساءلت جولي ألى متى ستظل تنتظر الجواب.
مرت ثوان قليلة قبل أن يأتيها الجواب , كان المتكلم هذه المرة , فرنسيس , بصوته الهادىء:
" جولي؟".
" فرنسيس ! ( هتفت وقد أحست بالأرتياح ) عجبا , أن الذي يحاول الأتصال بك كمن يتصل بالقصر الملكي!".
أطلق فرنسيس ضحكة خفيفة عبر الهاتف , وقال بصوت رقيق:
" كنت في أجتماع أداري".
" أعرف هذا , أنني آسفة لأزعاجك".
أجابها مطمئنا:
" لا تكوني سخيفة , ماذا في الأمر؟".
رمقت جولي أبنتها بنظرة مستسلمة ثم قالت:
" حسنا , ليس في أستطاعتي الأفصاح الآن , في المناسبة , وددت أن أخبرك أن الآنسة لوسن هنا , لقد وصلت اليوم".
لم يبد في صوت فرنسيس أنه أعار الخبر أهمية , وقال متسائلا:
" وما الغرابة في ذلك؟".
" أليس هذا واضحا بما فيه الكفاية؟".
" تقصدين موضوع سهرتنا الليلة , طبعا".
" بالضبط ( وتنهدت قبل أن تضيف ) ما العمل والحال هذه , فرنسيس؟".
أجاب وقد أرتسمت نبرته بالحزم:
" سنخرج , طبعا , الى العشاء كما أتفقنا".
" لكن كيف السبيل الى ذلك , وهي تعرفك؟".
" وماذا أن هي عرفتني؟".
" أرجوك , فرنسيس!".
" أسمعي جولي , لقد أوضحت لك أن.... معرفة الناس بعلاقتنا لا تهمني , وكل ما أهتم له هو أنت فقط ( وتنهد ) أذا كان سبب أتصالك بي , هو رغبتك في ألغاء موعدنا الليلة لوجود تلك المرأة... فهذه مسألة أخرى".
شدّت جولي بكلتا يديها على سماعة الهاتف:
" أوه فرنسيس!".
" أسمعي أذا كان ذلك يجعلك أكثر أطمئنانا , فسأقترح على باميلا أن تزورك بعد ظهر اليوم , وهي ستجد ساندر هناك , فمن المؤكد أنها ستدعوها الى منزلنا , خصوصا أن روبرت لم يعد بعد , كيف يبدو لك هذا المخرج؟".
تنفست جولي الصعداء:
" هذا رائع ( ثم شعرت بساندرا لوسن تدخل الغرفة فيما هي مسترسلة فقالت تنهي المخابرة) أسمع , يجب..... أن أنهي الآن الحديث".
ضحك فرنسيس قائلا :
ط" فهمت قصدك , أي ورطة هذه التي أنت فيها ".
ضحكت جولي بدورها ضحكة ضمنتها ما لديها من رقة ولطف , وأقفلت الهتف , ثم ألتفتت الى الفتاة تسألها:
" هل كل شيء على ما يرام؟".
جلست ساندرا على الكنبة من دون أستئذان , وأجابت:
" نعم شكرا ( ثم ألتفتت نحو أيما تحييها ) مرحبا , أيما! أود أن أتعرف اليك جيدا".
أجابتها أيما والريبة في عينيها :
" هل ستقطنين معنا؟".
" نعم ( وبدت ساندرا مرتاحة وكأنها في منزلها , وأضافت) عليك أن تريني فيما بعد , المكان المعد لدراستك , هل أعدت لنا والدتك غرفة مستقلة , نستطيع أن نعمل فيها بهدوء؟".
تنحنحت جولي قليلا , ثم علّقت قائلة:
" في الواقع ليست كل الغرف مفروشة بعد , الصالون وغرفة الطعام مفروشتان , كذلك هناك ثلاث غرف جاهزة في الطبقة العلوية , لذا أرتأي أن نكتفي حاضرا بغرفة الجلوس أو غرفة الطعام".
عقدت ساندرا حاجبيها:
" أذن , فلتكن غرفة الطعام , ذلك أننا لا نستطيع أن نعمل في مكان حيث لا توجد طاولة , وأيما ستحتاج الى مسطح مقوى حتى تستطيع الكتابة".
سارعت جولي قائلة:
" في أي حال , آمل أن أنزل الى البلدة في بحر هذا الأسبوع , أو الذي يليه , لأختيار بعض ما نحتاج اليه من فرش وأدوات منزلية , ألا أنني لن أشتري في الوقت الحاضر طاولة خاصة بالدراسة , ذلك أن أيما تحتاج الى بعض الوقت لتتعود فكرة الجلوس عليها , ربما يكون من الأفضل أن تركزي على بعض الأمور الأكثر ملاءمة لطفلة في سنها , حتى يتسنى لي أن أتدبر أختيار الأثاث الملائم كما يجب".
علّقت ساندرا بطريقة فظة:
" لكن , مضى أسبوع على أنتقالكما الى هنا , أليس كذلك ؟ وهو وقت كاف ليتدبر المرء شراء ما يحتاج اليه".
" نعم ( أجابت جولي وهي ترفع نظرها لتستقبل بأرتياح قدوم السيدة هادسون تحمل صينية القهوة ) شكرا جزيلا , سيدة هادسون , ضعيها على الطاولة".
" حسنا , سيدتي ( وألتفتت الخادمة الى أيما تقول لها ) هل تودين المجيء معي اى المطبخ وتساعدينني في صنع بعض الحلوى؟".
" أووه , نعم , هل أستطيع فعلا مساعدتك؟".
قفزت أيما منتصبة تهم بمرافقة الخادمة , فأذا بساندرا توقف أندفاعها , ثم قالت توجه كلامها الى السيدة هادسون وقد بدا عليها الأنفعال:
" مهلك سيدة هادسون , نكاد أيما وأنا لا نعرف الواحدة منا الأخرى ".
حدّجتها جولي بنظرة حادة وقالت:
" أعتقد أن لدى أيما متسعا من الوقت لتتعرف اليك جيدا ( وأستطردت توجه كلامها الى أيما ) يمكنك حبيبتي الذهاب مع السيدة هادسون".
منتديات ليلاس
أنسلت أيما الى خارج الغرفة , فيما الخادمة وساندرا تحدقان في جولي , ثم قالت المربية بصوت لا يخلو من حدة:
" كيف أستطيع أن أضبط سلوك الطفلة بينما أنت تقفين عقبة في وجه تعليماتي لها".
هزت جولي رأسها , وهي تحاول أن تتمالك غيظها , وأجابت:
" أن سماحي لأيما بمساعدة السيدة هادسون لا يعني نقضا لتوجيهاتك , هذا , أضافة الى أنه لم يمض على وجودك هنا وقت طويل , فلا تعاملي الطفلة بقسوة".
على أثر هذا الحوار الذي كان أقرب الى المسادة أستؤنف الحديث بينهما متكلفا , وبدا واضحا أن ساندرا كانت لا تزال تعاني أحساسا بالغبن , وأخذت جولي تتطلع حزينة الى سنين مقبلة مع هذه المرأة , كيف ستتمكن من تحمل هذا الوزر؟ والى متى؟
وفى فرنسيس بتعهده لها كما كان وعدها , ووصلت باميلا بعد ظهر ذلك اليوم , كانت فرحتها عظيمة لرؤية ساندرا , تركتهما جولي ودخلت الى االمطبخ تنشد مؤانسة السيدة هادسون.
كانت أيما لا تزال تلعب في الحديقة , أخذت جولي تراقبها بعينين حالمتين , لفترة قصيرة , قطعها صوت السيدة هادسون وهي تقول:
" ماذا عن اليلة , سيدتي؟ هل ما زلت تعتزمين الخروج؟".
" نعم ( أجابتها جولي وألتفتت نحوها وأضافت ) تحدثت مع فرنسيس هاتفيا هذا الصباح وقد أقترح أرسال باميلا الى هنا , لأنه يعتقد أن أبنته يمكن أن تدعو ساندرا الى العشاء في منزله , ذلك أنهما صديقتان حميمتان منذ زمن , كما تعرفين , هذا فضلا عن أن روبرت غائب".
لم تستطع السيدة هادسون أن تكتم ضحكتها , ثم علّقت قائلة:
" أنها فكرة جهنمية !".
" أنها حقا كذلك , ثم , أنني لم أشأ أن أترك أيما في عهدتها وهي الليلة الأولى لها في منزلنا , هذا طبعا , عدا أعتبارات أخرى".
تنهدت السيدة هادسون تقول:
" أرى ما ترمين اليه , سيدتي , لكن , أذا كنت لا تركنين اليها , لم قبلت بها مربية لطفلتك؟".
" تلك كانت رغبة روبرت , ظاهرا , ولم يكن لي آنذاك أي خيار آخر , فهو المسؤول قانونا عن تربية أيما وتنشئتها".
" ليس هناك من هو أفضل منه للأعتناء بها".
تخصّبت وجنتا جولي لملاحظة الخادمة , وألتفتت نحوها تسألها:
" ماذا تقصدين بذلك؟".
" لا شيء سيدتي , سوى أن السيد روبرت أهل لأن يرعى الطفلة ".
" لكنني أنا أمها!".
تنهدت جولي , وقالت:
" أتفهم وجهة نظرك".
وعاد الى وجهها أستقرار لونه:
" ماذا ظننت أنني قصدت بقولي , سيدتي بمبرتون؟".
تظاهرت هذه باللامبالاة:
" لست أدري ( وتوجهت نحو الباب, وقالت ) أنا ذاهبة لأستحم , أذا أردتني لشيء , تعرفين أين تجدينني".
صح ما كان متوقعا , أذ دعت باميلا ساندرا الى العشاء مع أهلها , وشعرت جولي بالغبطة تغمرها , ألا أن غبطتها سرعان ما تحوّلت قلقا وأرتباكا , حين أقترحت عليها باميلا الذهاب معهما , قالت:
" لم لا تأتين معنا , جولي؟ والدي سيخرج الليلة تلبية لدعوة , وهكذا نبقى نحن الأربع فقط , بحيث يمكننا أن نمضي سهرتنا في أحاديث حميمة دافئة".
أستبعدت جولي أي حديث بينهن يمكن أن يتّصف بالحميمية ألا أنها فكّرت مليا في الأمر قبل أن تجيب , ثم قالت تعتذر:
" في الواقع , لا أستطيع قبول دعوتك , شاكرة لك هذا ذلك أن أحدى صديقاتي أتصلت بي هذا الصباح , وأتفقنا على أن تتصل ثانية هذا المساء , لا أظنني سأستطيع تلبية دعوتك , أذ هي قد تتصل فلا تجدني , ألا تعتقدين ذلك؟".
بدت باميلا مصدّقة لما قالته جولي , فأجابت:
" فعلا , الأفضل أن تنتظري مكالمتها ( وأضافت وهي تفرك راحتيها ) هل قلت أنها صديقة قديمة؟".
سارعت جولي تجيب:
" نعم , أحداهن ..... كنت أعمل وأياها".
" في شركة بمبرتون ؟".
" نعم ".
" هل أعرفها؟".
" لا أعتقد ذلك ( أحست جولي بكره حيال أستجواب باميلا ) لقد تركت العمل منذ مدة ليست قصيرة , أسمها ....... فاليري سميث".
" لا , لا أظن أنني أعرف واحدة بهذا الأسم ( هزت باميلا رأسها وأضافت) حسنا , ساندرا , علينا أذن بالذهاب".
نهضت ساندرا من مكانها وهي توميء أيجابا , وسألت جولي:
" هل هناك مانع في أن أذهب , سيدة بمبرتون؟".
" كلا , أطلاقا".
كل ما تمنته جولي تلك اللحظة أن تخرجا , فقد بدأ وجودهما يوتّر أعصابها.
حسن سمعت صوت محرك سيارة باميلا وهي تبتعد , شعرت براحة قصوى ,وعادت الى الصالون مرهقة وما أن جلست في أحد المقاعد , حتى هرعت أيما أليها وأعتلت حضنها , فضمّتها بيدين محبتين الى صدرها المفعم حنانا.
بادرت الطفلة تقول وقد غلبت عليها مسحة من الكآبة:
" أتمنى لو تغادرنا الآنسة لوسن , ألا يساورك أمي , أحساس بهذا أنت أيضا؟".
تنهدت جولي , ترد عل أبنتها :
" أنها مربية ليس ألا , أيما , لن يبدّل وجودها معنا أي شيء".
" بل سيكون علي أن أدرس على يدها".
علّقت جولي قائلة:
" نعم , ألا أنك , عاجلا أو آجلا , ستفعلين هذا , متى أصبحت في سن تؤهلك للذهاب الى المدرسة , أنني أعدك , بأن شيئا لن يتغير وستمارسين هواياتك اليومية التي تريدين متى أتممت دروسك".
قبل أن تتهي جولي من أرتداء ملابسها أستعدادا للعشاء , كانت أيما قد أستسلمت الى نوم هانىء ولم تذكر لها جولي شيئا عن دعوة فرنسيس لها الى العشاء ,لكي تتحاشا أسئلتها , لكنها أوصت السيدة هادسون بوجوب أطلاعها على حقيقة الأمر أن هي أفاقت , وبدأت تشعر بالقلق .
لبست جولي ثوبا عاديا لونه بيج , ذا ياقة مستديرة تكشف العنق , بدت فيه رشيقة القامة , رقيقة الخصر , وقد زاد الثوب من جمالها وجاذبيتها.
وصل فرنسيس بعد السابعة بقليل , وأذ لاحظ جمالها ومظهرها المميزين بادر يبدي أعجابه في كلمات من الغزل الرقيق ثم أستدرك قائلا:
" ألا أنك دائمة الجمال ".
وسرّت جولي لأطرائه أياها.
ثم خرجا الى مطعم في البلدة , حيث تناولا طعام العشاء , وبدت جولي مرتبكة الى حد ما كلما أقترب أحدهم , وكانوا كثرا , ليتحدث الى فرنسيس , وعيونهم تحدّج جولي بحشرية واضحة.
" ما لك تبدين مرتبكة ؟ نظراتهم نحوك تشعرني بأحساس لذيذ, بعدما ظننت أن رجلا في مثل سني فارقته هذه الأحاسيس.
أعترضت جولي , وهي تضحك :
" لكنك لست كهلا ".
أومأ يعترف:
" أنني في الثامنة والأربعين ( وأردف يسأل نفسه) أما أنت فكم عمرك؟ خمس وعشرون؟ ست وعشرون ؟ أنني أكبرك بنحو عشرين سنة , في الواقع , أنا في سن والدك".
مدّت جولي يدها , ووضعتها على يده , وقالت:
" العمر مسألة نسبية , أنت لا تبدو متقدما في السن , كما أنك تتصرف تصرّف واحد منهم , فلماذا توحي الى نفسك غير ذلك؟ ثم أنك لا تختلف في هذا الأحساس عن أي شيخص آخر , أنا مثلا ؟ أنني أتصرف أحيانا وأنا أعيش ظروفا معينة كأنني عجوز بائسة".
أرتسمت أبتسامة عريضة على شفتي فرنسيس وقال:
" كما سبق وقلت , أنت مناسبة جدا لشخص مثلي".
رقصا خلال تلك السهرة على أنغام موسيقى حالمة , وشعرت جولي بأرتياح وهي بين ذراعيه وأدركتها عاطفة قوية حياله , ومجرد أدراكها هذا الأحساس بعث فيها الدفء , لم تكن مغرمة به , غير أن علاقتهما كان لها طابع مميز هي في حاجلة اليه.
منتديات ليلاس
ما أن ولجت باب الدار حتى أنطلق بسيارته مبتعدا , كانت الأنوار في الصالون مضاءة , وأعتقدت أن السيدة هادسون لا تزال تشاهد فيلما تلفزيونيا , فتحت باب الصالون , وأنسلت بهدوء كي لا تفاجأ الخادمة بدخولها في حال كانت تغط في نومها , فجأة شهقت للمفاجأة غير المتوقعة , كان روبرت ممددا بكسل على الكنبة يغط في نوم عميق , وبدا المكان هادئا مريحا.
حدّقت جولي فترة طويلة في وجهه المتعب وقسماته المسترخية في آن , كان واضحا من محجري عينيه أنه لم ينم كفاية خلال سفرته , وبدا مرهقا.
ألا أنه وقد أخذ يشعر بوجودها وهي تمعن النظر اليه , فتح عينيه فجأة , يطرفهما بكسل , جمدت جولي في مكانها فيما نظراته تتبيّن حضورها بدءا من أسفل قامتها الى أن أستقرت على وجهها .
هتف قائلا وهو لا يزال أعشى العينين:
" جولي ! ( لم يكن في يقظة تامة بعد , تحامل على نفسه وأتكأ على مرفقه , عابسا , يحاول أن يعي ما حوله , ثم تأوّه متألما ) يا ألهي , رأسي!".
وأرتد ثانية يلقي رأسه على الوسادات خلفه .
جلست جولي على حافة الكنبة , وقد داخلها القلق , ووضعت راحتها على جبينه وشعرت بأرتفاع حرارته ألا أنه أمسك بيدها وأنزلها الى خده , ولامس راحتها فأرتعشت تحت قبضته , كانت عيناه شبه مغمضتين , وبدا لا يزال ناعسا , وتأكد لها أنه لم يكن يعي ما يقوم به .
" روبرت".
قالت معترضة , وحاولت أن تسحب يدها من قبضته , ألا أنه تطاول اليها وشدّها نحوه يحاول ضمها الى صدره , غير أن وهنه كان فرصة لها لتفلت ثم تبتعد , بينما هو بقي ممددا يراقبها ترد خصلات من شعرها أنسدلت على جبينها , بدا لها منظره مخيفا.
سألها بصوت أجش:
" ماذا بك ؟ هل تأخرت عنك اليلة ؟ هل كان فرنسيس في المستوى الذي يرضيك ؟".