كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
بدا صوته آسفا فشعرت بالانزعاج لانه تمكن من التلفظ بجملة مفيدة بينما تشعر هى بمثل هذا الدمار الكلى . لم تقل شيئا وذلك لسبب بسيط ، وهو انها لم تستطع الكلام . لكن بعد رحيله مخترقا الثلوج بسيارته الضخمة ومتوجها الى منزله فى الجانب الاخر للوادى ، عنفت نفسها مئات المرات وهى تستلقى فى الماء الساخن الملئ برغوة الصابون .
لابد أنها مجنونة تماما لموافقتها على الذهاب الى تلك الحفلة الليلة ! لكنها لم توافق على ذلك فى الواقع، هكذا أخذت تعزى نفسها من دون جدوى فهو سيأتى لاصطحابها فى السادسة ولن يقبل جواب الرفض منها . لقد التزمت بحضور حفلة مع جمع من الاغراب يعرفون بعضهم بعضا وقد تزينوا وارتدوا أجمل الثياب . بينما هى ستكون كسندريلا ....
بقيت فى الماء الى ان اصبح باردا تقريبا ، فانكمشت وخرجت من الماء ثم نشفت جسدها بنشاط . وكان كاحلها قد أستحال الى ألوان مختلفة . لكنه على الاقل ، لم يعد يؤلمها كثيرا كما أن الورم أخذ يتلاشى تدريجيا . ستضطر لأن تلفه بالرباط الليلة طبعا، لكنها بالكاد ستتمكن من حشر قدمها فى الحذاء .
جففت شعرها ثم طلت جسدها بالكريم . كانت تتوقع أن تشعر بالتعاسة البالغة فى هذا اليوم الخاص ، أو على الاقل بالكأبة ، لكن مع الخشية التى جعلت فمها جافا ، والحماسة التى جعلتها ترتجف، لم يعد هناك مكان لاى شعور آخر .
تفحصت محتويات خزانتها ثم تأوهت . فما أحضرته معها من الامتعة مناسب تماما لقضاء أسبوع أو نحوه فى كوخ بعيد حيث لا ينشد المرء سوى الراحة والدفء ، لكنه غير مناسب على الاطلاق لحفلة راقصة .
لحسن الحظ أنها أحضرت معها بنطلون جينز أسود غالى الثمن ، ذلك تحسبا لبلل ملابسها الاخرى أثناء كارثة ما ، وليس لانها فكرت فى أن تلبسه فعلا . لكن الطريقة الوحيدة لتجعله يبدو مناسبا للحفلة هو أن ترتدى بلوزة أنيقة ملونة . وهى لم تحضر معها واحدة بكل تأكيد.
وأذا بنظراتها تقع على ستارة قذرة من الدانتيل التبنى اللون تغطى نافذة غرفة النوم . قد تكون قذرة ، كما أخذت تفكر عندما ومضت فى ذهنها فكرة نيرة . لكن ، اذا لم تكن مخطئة ، فهى من أجمل ما رأت عيناها من الدانتيل المحبوك يدويا ، هل تجرؤ على نزعها عن النافذة لتستعملها هذه الليلة ؟ لقد ورثت عن أمها ميلها الى أعمال الابرة ، ولهذا كانت تحمل معها دوما أدوات الخياطة أينما ذهبت . يمكنها أن تخيط بلوزة منها ، وستشترى للنافذة أجمل ستارة فى العالم بعد العيد . من المؤكد أن أيما لن تلاحظ الامر فقد سبق لها أن أخبرتها أنها سترسل لاحقا من بفرغ الكوخ من كل أثاثه .
عرجت ماريغولد الى النافذة ومدت يدا مترددة تلمس القماش القديم الجميل . وتحولت عيناها الى ورق الجدران الحائل اللون فوق المدفأة حيث علقت صورة عروسين هى صورة جدى ايما ، على الارجح. اقتربت منها أكثر وأخذت تحدق بامعان الى فتاة شابة باسمة ترتدى ثوب زفاف ونقابا قديمى الطراز، وبادلتها التحديق عينان سوداوان عميقتان فى وجه جميل .
بدا وكأن العينين تشجعانها لتأخذ الستارة وتستعملها لتستمتع بوقتها وترفع رأسها عاليا فيعلم الجميع هناك أنها ليست أقل منهم . وكأن هاتين العينين تقولان لها انها صانعة نفسها ، وانها ستكافح لكى تبقى حيث تريد ... أليس هذا صحيحا ؟ أليس هذا صحيحا؟
وأجابت ماريغولد بصوت مرتفع :- نعم ، هذا صحيح .
أنزلت الستارة عن النافذة وغسلتها وسرعان ما جففتها أمام نار المدفأة ، ثم فصلتها بحسب تصميم كانت قد رأته فى مجلة قديمة .
واخيرا أصبحت البلوزة جاهزة . وبدت لعينى ماريغولد الناقدتين بقيمة مليون دولار. لبستها للقياس النهائى ثم جلست أمام مرآة قديمة وقد اشرق وجهها بالنجاح . يبدو حقا وكأنها من تصميم (كريستيان ديور ) أو (آرمانى ) كما حدثت نفسها بحزم . أما الحذاء الاسود الخفيف الذى دسته فى حقيبتها فى آخر لحظة فكان مناسبا نوعا ما .
عندما أنهت زينة شجرة العيد الصغير التى أحضرها فلين ، كان الليل قد حل . وبدت الشجرة بديعة الجمال بفضل الزينة التى أرسلتها برتا .
تناولت عشاءها المكون من بيتزا مثقلة بالسعرات الحرارية وذلك عند الساعة الخامسة .
بعد الطعام ، ركزت اهتمامها على زينتها وتسوية شعرها . وبعد محاولتين لرفع شعرها الى اعلى توقفت عن النضال ومنحت خصلاته الحرية ، فأنسدل على كتفيها لامعا ناعما متأرجحا . وناسب لونه لون بشرتها الحنطية وزرقة عينيها العميقة رغم أن ماريغولد نفسها كانت غافلة عن جماله. نظرت فى المرآة بقلق، متمنية لو تستطيع رفعه على رأسها لتزيد فى طولها أنشا او أنشين. لكنه كان من الجمال والنعومة الحريرية بحيث تمرد على الدبابيس والقيود.
بعد ان وضعت كريما على بشرتها الناعمة وظلا أزرقا فوق جفنيها وبعض الكحل فى عينيها ، ولمسة من أحمر الشفاه الوردى اللون ، أصبحت جاهزة تقريبا . عضت شفتها السفلى الممتلئة ، ثم طقطقت بلسانها غيظا عندما غطى أحمر الشفاه سنيها الامامين .
بعد أن مسحت شفتيها ، وأعادت وضع أحمر الشفاه مرة أخرى وقلبها يخفق كأجنحة الطيور . بدت بلوزتها رائعة ، لكن ماذا بامكانها أن تفعل لتضيف خمسة أو ستة أنشات الى طولها ؟
اهدئى يا فتاة ... أهدئى ... وضعت قرطين فضيين فى أذنيها... القرطين الوحيدين اللذين أحضرتهما معها وهى تتساءل عما تراها تفعله .
وتنفست بعمق سائلة الله أن يمنحها السكينة . فكل ما تريده هو أن تتجاوز الساعات القليلة التالية بقدر ما يمكنها من الكرامة ورباطة الجأش.
لماذا دعاها فلين الى الحفلة ؟ هل يهتم بها حقا أم أنها مجرد فتاة جديدة ... أتراه يشعر بالاسف لاجلها، لاغير ؟ لكن عناقه لها لم يكن نتيجة شفقة ... لا ، لم يكن كذلك ... وراحت تطمئن نفسها بشكل محموم . ربما ليس لديها تجارب وحكمة فلين مورو، لكنها تعرف الفرق بين العطف والشعور الاقوى بكثير ... الا وهو الرغبة .
الفتاة التى بادلتها النظر من أعماق المرآة الغائمة تحدتها بعينيها البراقتين ووجنتيها المتوهجتين ، فبدت على وجه ماريغولد لمحة من ذعر. عليها أن تتحكم فى نفسها . رجل مثل فلين بامكانه أن يحصل على أى امرأة يريدها باشارة من اصبعه فقط ، وهو لن يأرق الليل بسببها . كل ما عليها أن تفعله هو ان تظهر له بوضوح أنها لا تريد أن تراه فى ما بعد بأى شكل ... قطع حبل أفكارها الطرق الحازم على الباب الخارجى فاتسعت عيناها . انه هنا! وألقت نظرة ذعر أخيرة على المرآة ثم أغمضت عينيها بشدة للحظة ، قبل أن تفتحهما وتنتصب فى وقفتها كأنها تستعد للذهاب الى الحرب لا الى حفلة ليلة عيد الميلاد .
كانت قد أراحت كاحلها طوال النهار، ولمست نتيجة ذلك عندما سارت للقاء فلين ، رغم أنها جاهدت قليلا لادخال قدمها فى الحذاء.
- مرحبا .
كان صوته كسولا حين فتحت الباب بعكس عينيه تماما .
أحمر وجه ماريغولد قليلا ازاء نظرة الاستحسان الواضحة فى عينية ، فكل ثانية أمضتها فى خياطة البلوزة تستحق منه ذلك :- مرحبا .
وسرها أن يبدو صوتها متزنا . فيما قال فلين برقة بالغة :- تبدين رائعة الجمال .
كان يرتدى قميصا حريريا رمادى اللون مع بنطلون أسود يبرزان طوله الفارع وجسمه القوى . شعرت ماريغولد بارتياح بالغ لانه لم يكن يرتدى سترة العشاء . فقد بدت بلوزتها مع بنطلونها الاسود متلائمين بشكل كامل مع ملابسه . مع ذلك كانت ملابسه تنطق بالاناقة البالغة وباسم مصممها الشهير . وللحظة ، خطرت لها فكرة هستيرية ، ما الذى سيقوله لو عرف أنها تلبس ستارة قديمة ؟ لكنها أزاحت هذه الفكرة من ذهنها وقالت:- شكرا.
- خذى هذه .
كان يضع يدا خلف ظهره، فمدها اليها بعلبة صغيرة فيها أجمل زنبقتين وقعت عليهما عيناها . زنبقتان صغيرتان بلون القشدة ! وقال :- كأن لدى حاسة سادسة ... فهذا هو اللون الملائم تماما لثيابك .
- آه ، ما أجملها .
أسرها جمال الزهرتين وازداد تورد وجهها للهدية غير المتوقعة :- ما كان لك أن تزعج نفسك حقا .
ابتسم وأخرج الزهرتين من العلبة ثم انحنى الى الامام ليثبتهما فى بلوزتها قائلا بهدوء ، وهو ينظر اليهما :- لقد جهز ويلف زهرة لكل ضيفة هذه الليلة ، وذلك بفضل مستنبته الزجاجى .
كانت اصابعه دافئة على بشرتها وهو يثبت الزنبقتين مكانهما ، وسرها أنه يركز نظره عليهما فى تلك اللحظة . فقد أثارت لمسته أغرب المشاعر فى كيانها ، كما أن فكرة حصول كل أمرأة فى الحفلة على الهدية نفسها آلمتها لحظة . وأضاف هو بصوت رقيق دافئ :- لكننى اخترت هاتين الزهرتين بنفسى . فرقتهما وجمالهما يناسبان تماما المشاعر العنيفة المحمومة ، ما ذكرنى بك .
ها هو يصفها مرة اخرى بأنها محمومة المشاعر ... وانتزعت ماريغولد عينيها من عينيه . وأخذت تنظر الى الزنبقتين اللتين يفوح منهما شذا مسكر، وقد بدا قلبهما القرمزى النابض بالحيوية متناقضا بشكل رائع مع الجمال الخارجى الهادئ لتينك الزهرتين .
- هذا يبعث على الغرور خصوصا بالنسبة لمن يعنى اسمها (زهرة الماريغولد ) مثلى . لم أتصور قط أن يشبهنى أحد بزهرة الاوركيديا .
- آه ، أؤكد لك أننى لا أبخس بجمال زهرة الماريغولد .
كان لا يزال قريبا منها ... بالغ القرب ، ولم يعجبها تجاوب أعصابها لكنها وجدت تجاوب جسدها خارجا عن السيطرة . وراحت عيناه تتأملان وجهها المتوهج وهو يقول :- انها ازهار قادرة على الاحتمال مصممة على البقاء بقدر ما هى رائعة الجمال . انها طبعا تفضل الجو المشمس الهادئ وعيش لا يشوبه المشاكل ، لكن عندما تصل العواصف والكوارث ... يمكنها ان تنمو فى أى مكان .
ادركت ماريغولد تماما أن فلين يتحدث عما هو أكثر من مجرد نباتات الحدائق . حدقت اليه وهى تتساءل كيف أن مديحه المستتر يمنحها هذه البهجة العميقة بينما هى لا تعرفه سوى منذ ثمانى وأربعين ساعة أو نحو ذلك . توقفت عن الشعور بمثل هذه الحماسة والامتنان حين هتف بها هاتف فى أعماقها يحذرها بأنه من الافضل أن تعتتبر هذا الكلام مجرد ثرثرة . حتى لو تحدث فلين بهذه الحماسة عن زهرة الماريغولد . لكنه لا يعنى أكثر من مجرد غزل عابر ... كما فكرت ساخرة .
قالت له بعدم اكتراث قدر امكانها :- من المؤكد أنك تعرف الكثير عن الازهار .
- لا ، فقط عن زهرة الماريغولد .
كان ينظر اليها بامعان وجد . وتملكها احساس خفيف لم تستطع معرفة كنهه بعث رجفه فى كيانها . واذا بفمه الجاد الحازم يسترخى لتلتوى شفتاه بابتسامة :- هيا بنا الجميع سيتساءلون الى اين ذهبنا . هل لديك دثار أو معطف سميك ؟
كانت قد أحضرت معها فقط معطفها الصوفى والمعطف الواقى من المطر ذا القبعة ، وأى منهما لا يتناسب مع هذه الحفلة بأى شكل . راحت تفكر فى ذلك وهى تسرع عائدة الى غرفة النوم . لكن لم يكن لديها أى خيار اخر سوى المعطف الصوفى لئلا تتجمد من البرد . حتى انها لم تحضر معها سترة صوفية ... فقط عدة كنزات سميكة .
التقطت كيس نقودها الاسود الذى كانت قد أفرغته من النقود منذ دقائق ، ووضعت بدلا منها مشطا وأحمر الشفاه وألقت نظرة على صورتها فى المرآة . البنطلون الاسود الضيق ، والبلوزة التى تصل الى خصرها والحذاء الاسود الخفيف ... كل ذلك بدا لها حسنا للغاية .
نظرت الى المعطف الصوفى الغالى عليها ، والذى كانت تتباهى به ذات يوم ، ثم قررت أن تتجمد بردا .
راح فلين يستعمل الرفش الموضوع قرب الجدار لكى يزيل الثلج من الممر فيما أقفلت ماريغولد الباب ووضعت المفتاح فى حقيبة يدها . وهكذا كان السير حتى السيارة خارج البوابة من دون مشاكل .
توقفت قبل الصعود الى السيارة وهى تنظر الى السماء التى كانت خالية من الغيوم . بدت النجوم أشبه بالماس على غطاء من المخمل الاسود الممتد فى السماء الى ما لا نهاية . وعلى الارض كان الجليد قد شكل غطاء من البلور على وجه الثلوج أشبة بسجاد من الماس . كانت ليلة عيد الميلاد هذه رائعة ... رائعة ، كما أخذت ماريغولد تفكر بعجب . وهى ستمضيها مع هذا الرجل الغامض ... فلين مورو ...
كانت طوال النهار تكافح فكرة العلاقة الحميمة مع فلين لانها تعلم فى أعماقها أن رجلا مثل فلين سيعتبر هذا بمثابة استراحة سارة لا أكثر . ولان غريزتها كانت تصرخ محذرة بأن الامر سيشكل تهديدا لسلامتها النفسية وسعادتها وانها اذا فشلت فى تحصين نفسها ، فستندم بقية حياتها .
***************************************
نهاية الفصل الخامس
|