كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
5 - غريب وزنبقتان
وبعزيمة لم تكن ماريغولد تعلم أنها تملكها ، أزاحت كل الافكار المتعلقة بفلين مورو من ذهنها بقية ذلك النهار وفى المساء . ومع أنه فى الواقع ، كان يحاول غزو ذهنها اذا ما تخلت عن الحذر ولو لثانية واحدة ، الا أن صوت الراديو المرتفع والكتاب المفتوح أمام عينيها ، نجحا فى ابعاده .
عندما دخلت الى المطبخ بعد ذهاب فلين ، وجدت ان الثلاجة والخزائن ممتلئة بمواد غذائية متنوعة لم تكن قد اشترتها . كما وجدت بعض الكماليات المترفة التى جعلتها تفتح عينيها على اتساعهما ، زجاجات عدة من العصير ، علبة كبيرة من الشوكولا ، قالب حلوى يسيل له اللعاب ... وتتابعت القائمة .
نظرت ماريغولد الى هذا كله بمزيج من الضيق والسرور ، ثم نظرت من الباب الخلفى الى الخارج فرأت الفحم والحطب ما يكفى لشهرين وليس لاسبوعين فقط. لا يمكن اتهام فلين بالبخل ابدا . وعضت شفتها بشدة عندما أشارت الساعة الموضوعة على رف المدفأة الى الحادية عشرة ، واذا بأفكارها تعود الى فلين مرة اخرى .
كانت قد سكبت لنفسها كوبا من العصير ، تناولت عشاءها المؤلف من بفتيك مشوى مع الفطر والبندورة. فكرت بهذا الاختلاف بكآبة وهى تصعد الى سريرها بعد دقائق . بدا السرير مغريا بملاءاته المنشاة المعطرة وغطائه المطرز . وتذكرت السرير الذى ألقت عليه نظرة مختصرة فى اليوم السابق، كان منظره مزريا فقد كومت عليه بطانيات قديمة رثة المظهر ولحاف بدت آثار العث على كيسه ذى اللون الوردى الحائل .
كانت قد اتبعت نصيحة فلين وأشعلت النار حسب ارشاداته. والان ، أخذ اللهب الازرق والبرتقالى يتصاعد من المدفأة محدثا ظلالا، راحت تتراقص فى الغرفة بخفة . بعثت قرقعة الحطب فى نفسها ارتياحا ورضى هائلين . ما أجمل أن ينظر المرء الى النار المتوهجة فيما هو يندس فى الفراش ، هذا ما خطر لها ناعسة . انها تفهم الان لماذا كافحت جدة ايما من اجل البقاء هنا زمنا طويلا . مع قليل من العناية يمكن لهذا المكان أن يغدو متألقا .
كانت غرفة النوم واسعة جدا، لكنها لم تبد كذلك لكثرة ما فيها من أثاث. واذا اقتصر الاثاث على السرير مع خزانة أصغر حجما ، ستبقى فسحة كافية للعمل . يمكنها عندئذ أن تضيف الى الغرفة كرسيا ولوحا للرسم وكل شئ آخر تحتاجه ...
توقفت ماريغولد فجأة عن التفكير ، وجلست فى السرير . أزاحت شعرها عن وجهها ، وهى تدرك الى اين وصلت بها الافكار . أتراها لا تزال تفكر جديا فى شراء هذا الكوخ من ايما ؟ ماذا بالنسبة الى كل هذه المضايقات ؟ ماذا بالنسبة الى فلين مورو ؟
جلست دقائق عدة تحدق الى الفراغ ، قبل أن تعود فتندس فى فراشها مرة اخرى . أخذت خفقات قلبها تتسارع وهى تفكر فى ان فلين سيكون أقرب جيرانها . وتوقفت عند هذه الفكرة للحظة ، قبل ان تصرفها بشئ من الاسى .
لا مزيد من التفكير بهذا الامر لهذه الليلة . غدا ليلة الميلاد وهى هنا فى كوخ صغير والثلج يحيط بها ، ولديها أكوام من الطعام والشراب . لابأس فى أن تكون وحدها ولو لمرة . وهى ستستمتع بعيدها ... ربما بهدوء ، ومع ذلك ستستمتع به ولن تفكر فى شئ اخر . ربما لن ترى فلين مورو بعد اليوم ، على أى حال .
نامت خلال دقائق ، ولم يخطر فى بالها ، حين انجرفت نحو نوم من دون احلام، انها لم تفكر ولو مرة واحدة فى دين وتامارا وذلك خلال ساعات .
عند الساعة العاشرة من صباح اليوم التالى دق جرس باب الكوخ ، ما جعل ماريغولد تستيقظ فزعه . مرت لحظات لم تعرف فيها أين هى . وعندما تذكرت كل شئ ، ألقت بالاغطية جانبا ثم تناولت رداء النوم الصوفى السميك وهو هدية عيد الميلاد منها لنفسها ، وكانت قد رأت احدى الممثلات على الشاشة الفضة تلبس مثله . ورغم أنه كلفها الكثير ، الا انه جعلها تشعر بالانوثة بشكل رائع . فمنذ نجحت تامارا فى سرقة خطيبها منها ، شعرت انها بحاجة الى ان تشعر بأنوثتها أكثر .
حاولت أن تقف على قدمها المصابة بحذر ، وعندما شعرت بقدرتها على السير أخذت تعرج بحذر الى الباب من دون عكازين وهى تتساءل عما اذا كان ويلف فى الخارج مع سيارتها ميرتيل . أزاحت شعرها عن وجهها ثم فتحت الباب .
- صباح الخير .
لاحظت ان الثلج يتساقط من جديد، وشعرت بدوار فى رأسها وهى تنظر الى عينين جامدتين فوقهما شعر فاحم السواد غطته قطع الثلج ، قبل ان ترغم نفسها على ان ترد :- صباح الخير .
- هل أيقظتك من النوم ؟
ولم يبد عليه الاسف على الاطلاق. كانت عيناه فى الواقع تتفحصانها باستمتاع .
- نعم .
وافقته بغموض متسائلة كيف يكون لاى رجل الحق فى أن يبدو جذابا الى هذا الحد فى حين لم تغسل حتى اسنانها بعد :- لم أزعج نفسى بربط المنبه.
- لقد أحضرت لك شيئا .
وأشار الى جانبه فنظرت ماريغولد لترى شجرة عيد ميلاد صغيرة جميلة للغاية :- أحضرنا لتونا شجرة للبيت ، وكانت هذه بجانبها وبدت لى بحجم مناسب للكوخ ، وقد فرزت برتا لك بعض الزينة . وضعت الشجرة فى حوض مناسب ، وعليك ان تبقيها رطبة وبذلك يمكن أن تعود الى الغابة بعد العيد .
- هذا حسن .
أدركت انها لم تبد شاكرة له ، لكنها كانت واعية تماما لشعرها المشعث ووجهها العديم الزينة .
- كيف حال نظراتها على جرح خفيف فى ذقنه ال قدمك ؟
وجاهدت لتتمالك نفسها :- آه ، قدمى ! يبدو انها تحسنت قليلا شكرا .
- هذا حسن .
ووقف ينظر اليها بعينين لامعتين :- ما من قهوة فى الداخل ، اليس كذلك ؟.
احمر وجه ماريغولد . بعد كرمه البالغ ، لا يمكنها ان تبخل عليه بفنجان قهوة .
لكنه بدا بالغ الاناقة حتى ان كل شعرة من رأسه بدت فى مكانها، بينما هى ... حسنا ، لم تكن كذلك ... وتركزت نظراتها على جرح خفيف فى ذقنه المربعة ، ثم وجدت نفسها فجأة محبوسة الانفاس .
- ماريغولد ؟
طرفت بعينيها وهى تدرك انه قال شيئا لكنها لم تسمع منه أى كلمة .
- قلت اذا كان فى ذلك أى ازعاج ...
ازداد احمرار وجهها وقالت باستياء :- طبعا لا .
ثم لطفت صوتها وهى تضيف :- أرجوك ان تدخل . ويمكنك ان تضع الشجرة فى غرفة الجلوس بجانب المدفأة اذا لم يكن لديك مانع . انها ... انها حلوة جدا .
- نعم انها كذلك .
|