كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
4- لقاء النار بالنار
كان الطقس صباح اليوم التالى صاحيا مشرقا، عرجت ماريغولد الى النافذة واخذت تنظر الى البساط الابيض الممتد فى الخارج. تملكها الارتياح وهى ترى ان سماكة الثلج لا تزيد عن ثلاثة أو اربعة انشات .
عندما دخلت الى غرفتها مساء أمس وجدت ان حقيبة ملابسها قد سبقتها. يبدو أن ويلف أحضرها من السيارة الليلة الماضية ووضعها فى زاوية فى غرفة النوم، لكن الصندوق الذى يحتوى على أدوات الزينة لا يزال على المقعد الخلفى لسيارتها ميرتيل.
تأوهت وهى تنظر الى صورتها فى المرأة . بدا وجهها أشبه بوجه حيوان الباندا الصغير الابيض. لم يكن عليه سوى بقايا من الكحل الذى سال تحت عينيها لانها لم تمسحه بشكل صحيح بل غسلته بالماء والصابون قبل ان تصعد الى السرير.
كان كاحلها المصاب ينبض بالالم ما جعلها تصرف بأسنانها متأوهة. وفيما هى واقفة أمام مرآة الزينة انفتح الباب ودخلت برتا حاملة صينية الافطار. قالت لها ببشاشة :- آه، لقد استيقظت باكرا وتبدين مشرقة الوجه. ظننتك ستنامين حتى أوقظك بنفسى بعد حبة المنوم تلك. عندما أصبت فى ركبتى أعطانى حبة مثلها فبقيت نائمة الى منتصف النهار تقريبا. كيف حال كاحلك هذا الصباح ؟.
قالت كاذبة على أمل الا تبقى فى ضيافة فلين يوما اخر :- ليس سيئا.
- هذا جيد. والان عودى الى سريرك وتناولى فطورك. وعندما تنتهين هناك حبتان مضادتان للالام على الصينية . يرى السيد مورو أنك ستحتاجينهما.
انها تحتاجهما بكل تاكيد ، كما أخذت ماريغولد تفكر ساخرة عندما عادت الى السرير. فحتى غطاء السرير الخفيف جعلتها تشعر بالالم كما لو ان وزنه عشر أطنان.
على اى حال ساعدها الافطار الجيد مع الحبتين المضادتين للالام بالاضافة الى الحمام الساخن على الشعور بالتحسن .
لحسن حظها وجدت كريما لتنظيف الوجه فى الحمام فقامت بتنظيف بقايا الكحل عن عينيها، ثم جففت شعرها. أخرجت من حقيبتها ملابس داخلية نظيفة وكنزة وبنطلون جينز فشعرت عندئذ بتحسن أكبر مما كانت عليه عندما استيقظت من النوم .
فعلى الاقل عاد الى وجهها بعض لونه الطبيعى ، كما فكرت وهى تحدق الى انعكاس صورتها فى المرآة . تأملت هيئتها من الراس حتى القدمين ثم غادرت غرفتها بعد ساعة أو اكثر . لكنها لم تستطع أن تلبس فردة الحذاء أو الجورب فى قدمها المصابة بل وضعتهما فى الحقيبة . لكن هذا لم يسبب لها القلق ، فستعالج الامر بشكل ما ، كما صممت وهى تعيد لف قدمها بالرباط.
تمكنت من استعمال العكازين بشكل جيد وهى تخرج من الشقة الى ردهة المنزل الا انها كادت تقع وجهها عندما ظهر فلين فجأة عند عتبة احدى الغرف .
- صباح الخير .
حياها وهو يبتسم بأدب فأرغمت ماريغولد نفسها على رد التحية وهى تجاهد للتحكم فى نفسها. منذ فتحت عينيها هذا الصباح وهى تعد نفسها لهذه اللحظة، لكن ذلك لم يجعل لقاءها به اسهل على الاطلاق. كان فلين يرتدى قميصا مفتوحا عند العنق فيما الكمان مثنيان حتى الكوعين كاشفينعن ذراعين قويتين، بدا وكأنه يملأ الباب برجولته الصارخة .
ربما لم يتعمد أن يبدو مرهبا بهذا الشكل ، كما حدثت ماريغولد نفسها بصمت، لكن مظهره الوسيم ينطوى على قوة مغناطسية تجذبها بالرغم منها.
احست أن جوا من التنائى والحياد الهادئ يحيط به . ومع ذلك كان فيه ما جعل أى امرأة تتساءل أى نوع من الرجال هو حين يقع فى الحب.
تخلصتت من هذه الافكار وهى تقول بلهجة رسمية :- صباح الخير . يجب ان أشكرك مرة اخرى على الشهامة التى أظهرتها بالامس .
قال وهو يشملها بنظراته بثبات :- هذا ليس ضروريا . كيف حالك؟.
- بأحسن حال . لاحاجة حقا لان أفرض نفسى عليك أكثر من ذلك . ولكن اذا ساعدنى ويلف على أخذ أغراضى الى الكوخ ، فهذا سيكون عونا كبيرا لى .
- أنا واثق من ان بالامكان ترتيب كل شئ.
تملك ماريغولد الاستياء وشعرت بالارتباك والسخونة . لكن فلين بدا بالغ الهدوء ، فأرغمت نفسها على رسم ابتسامة اخرى على شفتيها:- شكرا هل أنتظره فى غرفتى اذن؟
- انا اعرف ان بداية تعارفنا كانت سيئة فى الامس، لكننى لا أعض فى الواقع كما تعلمين .
- ماذا ؟
تساءلت فى البداية عما اذا سمعت جيدا ما قاله . نظرت الى وجهه ورأت تألقا مقلقا فى عينيه فقالت :- لم افهم ما تعنيه .
- كلما وقع نظرك على تصبحين كقطة على صفيح ساخن . وانا واثق من ان كاحلك ليس بأحسن حال كما تقولين. فى الحقيقة لابد انك تشعرين بألم فظيع .
- ابدا ، انه ليس بهذا السوء فى الحقيقة . فقد خففت الحبوب المسكنة الكثير من معاناتى .
- حتى لو لم تكونى حفيدة ماغى حقا ، يمكنك البقاء هنا الى ان تتحسن حالتك . فلا حاجة بك ابدا الى ان تهربى كفأرة متوترة .
قال هذا وهو ينظر بحدة الى وجهها المتوهج، فجمدت مكانها وتملكها الغضب على الفور . وبما أن ماريغولد وحيدة أبويها ، فقد تعلمت منذ الصغر أن تدافع عن نفسها . لم يكن لديها أخ أو اخت تركض اليهما لنجدتها ، وهى لم تهرب قط من وضع او شخص ما . والان هذا ... هذا الغريب المتغطرس ، المغرور يعتقد أنه قادر وعالى الشأن ليكلمها بهذه الوقاحة . قالت ببرودة الثلج :- سامحنى يا سيد مورو، لكننى ظننت ان مؤهلاتك تنحصر فى مجال جراحة المخ، وليس الطب النفسى . لو كنت مكانك لاحتفظت بهواية التحليل النفسى لنفسى .
لم تعجبه لهجتها كما بدا من عينيه الضيقتين ، فزم شفتيه، لكن صوته بدا رقيقا وهو يقول :- اذن ، فانت لست خائفة منى ؟
- أنا لا أخاف من احد .
- هذا حسن جدا.
بدا فى صوته لكنه خفيفة للغاية . ولعلها لم تكن لكنة بل طريقة معينة فى لفظ الكلمات بسبب تنوع دماء اجداده.
- اذن ربما تحبين أن تتناولى القهوة معى . تحضر لى برتا دوما القهوة فى مثل هذا الوقت .
حدقت اليه بحذر . لم تشعر برغبة فى البقاء معه على الاطلاق لكنها طبعا ، لم تستطع ان تقول ذلك . وهكذا أومأت موافقة الا انها ظلت تتخذ موقف الدفاع حتى حين تنحى فلين جانبا ليدعها تدخل الغرفة .
بدا واضحا انها غرفة المطالعة فالكتب تغطى اثنين من جدرانها أما الثالث فتحتله نافذة كبيرة للغاية تطل على مرج أخضر . كانت النار مشتعلة فى مدفأة من الرخام الاسود وقد تمدد أمامها على السجادة السميكة ذلك القط الكبير . أشار فلين الى كرسى كبير منجد بالجلد أمام المكتب المصنوع من خشب الماهوغانى والمغطى بالاوراق :- تفضلى .
|