كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
أثناء شرب القهوة ، شعرت بألم كاحلها من جديد. ولم تعترض عندما أصر عليها فلين لتأخذ حبة دواء أخرى ... وكانت هذه المرة حبة منومة كما أخبرها. وسرعان ما شعرت بتعب لم تشعر به قط فى حياتها . يبدو أن أحداث هذا النهار المرهق بالاضافة الى تراكم المشاغل عليها ، وغليان مشاعرها فى الاشهر القليلة الماضية ساهمت فى شعورها بالتعب بشكل مفاجئ .
لم تعرف ما اذا كانت خبرة فلين المهنية أم ضجره من صحبتها ما دفعه ليقول بهدوء ما ان انهت قهوتها :- عليك ان تذهبى الى النوم مباشرة ، وتنامى تسع ساعات على الاقل، ايتها السيدة الشابة . ستأخذك برتا الى غرفتك التى تقع فى الطابق السفلى ، وبهذا لا يكون عليك أن تصعدى السلالم.
وما ان نهض حتى ظهرت برتا فجأة وكأنما بسحر ساحر . ساعد فلين ماريغولد على الوقوف ووضع العكازين تحت ابطيها. فشعرت بهزة من البهجة للمسته ما جعلها بالغة التوتر والغيظ من نفسها. ماذا جرى لها وهى المرأة الناضجة ؟ لكنها ما لبثت ان رسمت ابتسامة على وجهها وشكرته على ضيافته وعلى الوجبة اللذيذة بأدب فائق .
فقال لاويا شفتيه بوجه جامد :- مرحبا بك .
منتديات ليلاس
وحدقت اليه لحظة وقد أدركت انها تعتذر منه فى الواقع، عن تضليلها له بالنسبة لحقيقة شخصيتها . قالت له بسرعة قبل أن تفقد أعصابها فبرتا تنتظرها لترافقها الى غرفتها :- أنا ... أنا اسفة لما حدث سابقا. كان على أن اشرح الوضع بشكل صحيح فلا أتركك تظننى ايما .
قالت هذا وقد احمر وجهها فابتسم تلك الابتسامة المدمرة التى رأتها من قبل . انحبست أنفاسها قبل أن تقول بكسل :- كان على ان أكون أكثر حكمه...
- أكثر حكمة ؟
- كان على ان ادرك ان أوصاف ايما لا تنطبق عليك البتة .
لم تستطع أن تفهم، وظهر ذلك على وجهها ، فأضاف :- ايما التى سمعت عنها فتاة وقحة ، وندفعة وعصرية ، ليس فيها من الروح أكثر مما فى دمية ، بينما الفتاة التى قابلتها فى الطريق لم تكن مواصفاتها تتفق مع هذا الوصف على الاطلاق .
حدقت ماريغولد اليه وقد فوجئت تماما بهذا المديح غير المتوقع . حاولت أن تقول شيئا فلم تستطع سوى أن تردد ذاهلة :- شكرا .
- تصبحين على خير يا ماريغولد .
كانت عيناه غير مقرؤتين ولم يكن صوته دافئا بشكل خاص، لكنها انتبهت الى احساس ضئيل يسرى فى أعصابها بطريقة مثيرة .
- تصبح على خير .
وأخذت تحجل الى الباب الذى فتحته برتا لها. وجدت أن استعمال العكازين أصعب بكثير مما تصورت . وقفت عند العتبة والتفتت الى فلين فاذا به يقف عند المدفأة ينظر اليها . كان النور الخافت الاتى من مصباح الجدار ينعكس على جسمه الكبير القوى كذلك وهج نيران المدفأة ، فبدا داكن السمرة جذابا الى حد لا يطاق. ابتلعت ريقها بصعوبة من دون أن تفهم سر تسارع نبضها وهى تقول :- أنا واثقة من اننى سأكون غدا على ما يرام، لذا سأذهب صباح الغد . اذا كنت لا تمانع أود أن يوصلنى ويلف الى هناك . لابد أن لديك خططا لعيد الميلاد وانا لا اريد أن اكون متطفلة .
منتديات ليلاس
فهز كتفيه :- سيأتى بعض الضيوف ليلة العيد، ولكن لا مشكلة فى ان يكون هناك شخص اضافى . اننا نحضر دوما الشجرة ونزينها بعد الظهر كما نزين المنزل. قد ترغبين بمشاركتنا فى ذلك اذا ما بقيت حتى ذلك الحين .
لم يبد علية الاهتمام سواء بوجودها أو عدمه ، فعادت تقول بصوت أكثر حزما :- أنا واثقة من اننى سأكون بخير اذا ما ذهبت غدا . ولكن شكرا على اى حال .ثم خرجت خلف برتا الى الردهة .
ساورها شعور غريب لم تتمكن من تفسيره وهى تتبع برتا الى الطرف الاخر من البيت .سترحل غدا مهما كانت حالة كاحلها ، كما حدثت نفسها بغضب. فهى تريد أن تذهب الى الكوخ وتبقى وحدها لكى تقرأ ... ترتاح... لكى تنام وتشرب وتأكل ساعة تريد.
- هذه هى غرفتك، يا حبيبتى ، انها شقة أكثر منها غرفة .
قالت برتا ذلك ببشاشة وهى تفتح الباب وتتنحى جانبا لتمر ماريغولد:- بنى المالك الاول لهذا البيت هذه الشقة لأمه التى عاشت معهم الى أن ماتت، لكنها مفيدة لأى ضيف لا يحب صعود السلالم . لقد أشعلت فيها المدفأة و ... آه ... أنت ؟
صرخت برتا فجأة فقفزت ماريغولد وأوشكت أن تفقد توازنها مع العكازين تحت ابطيها . ورفعت عينيها لترى برتا ترفع قطة كانت نائمة امام نار المدفأة المشتعلة فى غرفة الجلوس .
راحت برتا تزجر القطة وهى تلقى بها الى الممر خارج الغرفة .
- لا أريد أن تتسلل القطط الى هنا .
قالت مدبرة المنزل هذا، ثم عادت الى الغرفة ووضعت قطعة حطب فى المدفأة بينما جلست ماريغولد على كرسى مريح .
- ذلك القط محتال للغاية ، فهو يتسلل باستمرار الى غرف النوم ليجد سريرا ينام عليه.
بدت لهجة برتا مستاءة للغاية ، فسألتها ماريغولد بحيرة :- ولكن لمن هذا القط؟.
- أه كان لماغى ، جدة ايما . هل تعرفينها ؟ لقد سمع السيد مورو أنهم يريدون قتل حيواناتها فأحضرها كلها الى هنا .
فسألتها ماريغولد مذهولة وهى تتذكر شيئا قاله فلين مرة عن بضع دجاجات وبقرة عجوز :- أحضرها كلها ؟.
فأومأت برتا :- كلها . لم يكن ثمة مشكلة بالنسبة الى فلوسى ، الكلبة العجوز. لقد اعتادت على ويلف وهى تتبعه اينما ذهب. أما البقرة والدجاجات فتسرح فى المرعى وتلجأ الى المخزن عندما يتساقط الثلج . ولكن ذلك القط!.
هزت المرأة رأسها فاهتز اللحم المكتنز تحت ذقنها :- راسكال يتجول بحرية تامة وهو شرير حقا .
استمرت برتا تروح وتجئ أثناء فتحها الابواب ، فرأت ماريغولد غرفتين جميلتين مع غرفة ضئيلة الحجم للملابس ملحقة بهما . كما رأت مطبخا صغيرا للغاية . كان هذا بيتا صغيرا رائع الجمال بحجم شقة ماريغولد فى لندن.
بعد أن تركتها برتا ، وقفت لحظة تنظر حولها . هذا البيت الضخم وتلك الشقة فى لندن !... يا لحياة الاغنياء ! لاشك ان هناك جانبا رقيقا فى شخصية فلين ، يجعله يحتفظ بحيوانات جدة ايما .
دخلت الى غرفة النوم ، فاذا بها أنيقة مزخرفة باللونين البنفسجى والبرتقالى .
هل لديه صديقة ؟ أتراه تزوج من قبل ؟ وأدركت أنها لا تعرف عنه شيئا ، فقد تكلما كثيرا عنها أثناء ذلك العشاء الدسم اللذيذ ولم يتكلما أبدا عنه. فلم تعرف كم يبلغ من العمر حتى نظرا لمهنته كجراح أعصاب. لابد أنه تجاوز الثلاثين من عمره، الا ان وجهه وعضلاته المشدودة تجعل المرء يعطيه أى عمر بين أواخر العشرينات وأوائل الاربعينات.
منتديات ليلاس
وقطبت جبينها فجأة . ما الذى تفعله؟ لماذا تفكر بهذا الشكل ؟ حياة فلين الغرامية ليست أبدا من شأنها. فبعد أن تغادر هذا البيت غدا لن تراه أبدا مرة اخرى .
ذكرت نفسها بذلك عدة مرات أثناء استعدادها للنوم مع أن ذلك لم يمنع ذهنها من الشرور للحظات أخرى . ولكن عندما اندست بين الاغطية ، توقف كل تفكير بفلين ، واستغرقت فى النوم .وكان نوما عميقا لم يكدره شئ حتى كاحلها المتورم .
نهاية الفصل الثالث
|