كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
1- آنسة فى محنة
- آه ، لا.. لا تفعلى هذا بى .. أرجوك .
وأغمضت ماريغولد عينيها فانسدلت أهدابها الكثيفة الداكنة على بشرتها العسلية الناعمة . ثم عادت وفتحتهما وأخذت تحدق امامها :- ما الذى تفعلينه بى يا ميرتيل ؟اننا بعيدتان أميالا عن أماكن السكن، والجو عاصف . لايمكنك أن تغضبى الان .. لم أكن أعنى ما قلته حين وصفتك قبل مسافة ميل أو ميلين بأنك سيئة الطبع .
لم يصدر عن السيارة الاثرية الصغيرة سوى صوت أشبة بسعال بسيط لكن ماريغولد علمت أن ميرتيل لن تتحرك من مكانها بعد الان عندما استقرت العجلات على الثلج الذى بلغت سماكته انشين وغطى الطريق أمامها .
عظيم ، عظيم تماما .. واخذت تحدق الى الثلج المتساقط الذى غطى زجاج السيارة الامامى بعد أن توقفت المساحتان عن العمل . بعد ساعة سيعم الظلام وهى تقف وحدها وسط مكان مجهول . لايمكنها البقاء فى السيارة خشية أن تتجمد حتى الموت هنا اذا لم يأت أحد لانقاذها، فهى لم تعد تلمح أثرا لاى منزل أو مكان مأهول منذ مسافة ليست بقصيرة .
منتديات ليلاس
مدت يدها تنتزع الخريطة التى كانت ترشدها الى الطريق المؤدى الى كوخ السكر متسائلة عما اذا كانت قد أخطأت فى الاتجاه . وأطمأنت الى أن الأمر لم يكن كذلك. كما أن ايما أنذرتها بأن الكوخ بعيد، وهذا ما أرادته ماريغولد بالضبط . لو ان بامكانها فقط أن تصل الى ذلك المكان .
ألقت نظرة على الخريطة مرة أخرى وهى تفكر بالمسافة التى يتوجب عليها أن تقطعها بعد لتصل الى الكوخ . قطبت حاجبيها فوق عينيها البنفسجيتين المليئتين بالحيوية. آخر مبنى تجاوزته قبل مسافة عشرة أميال هو ذلك المقهى الذى غطى القش سطحه ، الا انها قطعت منذ ذلك الحين حوالى .. ونظرت الى الخريطة متفحصة، لتقطع بعد ذلك عدة اميال فى طريق وعرة . ربما لم يعد الكوخ بعيدا جدا . على أى حال لم يعد أمامها خيار سوى قطع المسافة سيرا على الاقدام .
تأوهت من أعماق قبل أن تلتفت الى المقعد الخلفى حيث وضعت حقيبة ظهرها الجامعية القديمة وفيها حذاؤها الطويل ومعطفها الواقى من المطر، ذلك المعطف الذى يكاد يصل طوله الى اصابع قدميها . كما وضعت ايضا فى الحقيبة مصباحها اليدوى بعد أن الحت عليها ايما لأن الكوخ منفرد عن بقية المساكن وبعيدة عن الطريق العام .. وقد حذرتها ايما من انقطاع التيار الكهربائى بصورة مستمرة خلال فصل الشتاء .
أخبرتها ايما أن هناك منزلا فخما فى الناحية المقابلة من الوادى لكن الكوخ الصغير الذى ورثته عن جدتها فى الربيع الماضى بعيد بما يكفى لكى يشعر الشخص أنه منعزل عن العالم الخارجى .
أخذت ماريغولد تشجع نفسها بحزم وهى ترتدى معطفها الصوفى السميك وفوقه المعطف الواقى من المطر . ما من هاتف أو تلفزيون فى الكوخ فى الوقت الحالى فهذا ما أخبرتها به ايما وهى تعرض عليها الكوخ لتستعمله أثناء عطلة عيد الميلاد .. لأن جدتها كانت ترفض ادخال أى من هذه الاختراعات العصرية المشبوهة الى الكوخ الذى يغطى سطحه القش ! كانت العجوز تخبز خبزها بنفسها ، وتربى بضع دجاجات وبقرة فى المرعى القريب منها. وبعد أن مات زوجها بقيت وحدها فى بيتها حتى رحلت بسلام أثناء نومها وهى فى الثانية والتسعين من العمر تمنت ماريغولد لو أنها تعرفت الى جدة ايما تلك .
راحت تملأ حقيبة ظهرها بأكياس البقالة المكومة على مقعد السيارة بجانبها . عليها أن تترك خلفها حاليا حقيبة ثيابها وكل شئ آخر .اذا تمكنت من الوصول الى الكوخ هذه الليلة فستسوى أمورها غدا بشكل ما . لو لم تترك هاتفها الخلوى فى شقتها فى لندن لكان الامر مختلفا الان . لكنها كانت قد اجتازت معظم الطريق الى هنا عندما تذكرت أنها نسيته بالقرب من سريرها فى البيت والوقت فات حينها على العودة لاحضاره .
منتديات ليلاس
آخر ما قامت به قبل أن تترك سيارتها هو دس الخريطة التى ترشدها الى كوخ السكر فى جيبها ثم نزلت من السيارة وأقفلتها لتنطلق فى طريقها .
الوصول الى الكوخ أثناء عاصفة ثلجية لم يكن شيئا يذكر مقارنة مع ما عانته فى الاشهر الاخيرة ، هكذا حدثت ماريغولد نفسها. سيكون عيد الميلاد هذه السنة خارجا عن المألوف ومختلفا بكل تأكيد عن ذلك الذى كانت ستمضيه مع دين . لاشك أن دين يستمتع الان مع تامارا بشمس الشاطئ الكاريبى .
وكانت هى قد اختارت هذه الجزر كوجهة لهما فى شهر العسل قبل ان يفترقا لم تصدق أذنيها حين أخبرها أنه سيأخذ تامارا فى اجازة الى المكان الذى اختارته بنفسها لقضاء شهر عسلهما فقد شعرت أن فى ذلك خيانة تفوق كل تلك الاكاذيب التى صدرت عن دين .
عندما لمح أحد أصدقائهما الى ما يجرى بينه وبين تامارا شعرت برغبة فى الذهاب الى منزله لتسس ضربة موجعة الى فكه . الا أنها لم تقم بذلك طبعا بل لاذت بالعزلة والصمت منذ ألقت بخاتم الخطوبة فى وجهه وهى تخبره أى مخلوق وضيع هو.
شعرت بالدموع توشك أن تسيل من عينيها ما جعلها تصرف بأسنانها فقد أصبح انهمار دموعها أمرا مألوفا فى الفترة الاخيرة . لامزيد من البكاء .. لا مزيد من النواح على ما مات وانتهى. تعهدت لنفسها بذلك منذ أسبوعين ، وهى تفضل الموت على أن تعود عن قرارها هذا . لم تعد ترغب بأى علاقة مع الجنس الاخر فى المستقبل المنظور. واذا وجدت أن الكوخ يقع حقا فى الغابات البعيدة على العمران كما قالت ايما، فستعرض عليها أن تشتريه منها الان . فقد أخبرتها ايما انها ستعرضه للبيع فى مطلع السنة الجديدة .
بدأت ماريغولد تسير غير واعية لقطع الثلج التى تتطاير حولها كأفكارها منذ انفصالهما هى ودين، فى نهاية الصيف أدركت أنها تحتاج الى تغيير كامل فى أسلوب حياتها.
ولدت ماريغولد ونشأت فى لندن، ثم التحقت بالجامعة لدراسة الفنون. فى السنة الاخيرة من دراستها بدأت بالخروج مع دين . وبعد انتهاء دراستها وجدت وظيفة براتب جيد فى شركة صغيرة مختصة بالفنون التخطيطية وعندما قررت الشركة تنويع انتاجها لتصدر كل أنواع بطاقات المعايدة، نالت ماريغولد ما تستحقه من تقدير بسبب معلوماتها الشاملة عن العمل والتى اكتسبتها أثناء سنوات تدريبها فأصبحت تعمل بمفردها وشعرت بالساعادة لذلك. فى ذلك الوقت بالتحديد عرض عليها دين الزواج.. كان ذلك منذ أحد عشر شهرا. يومها ظنت أن مستقبلها قد استقر الى أن ظهرت تامارا جيمس على مسرح الاحداث .
وكأن التفكير فى الفتاة الاخرى أصابها بالنحس اذ سرعان ما وجدت نفسها ملقاة على الارض بعد أن تعثرت قدمها بفجوة فى الطريق الوعر خفف الثلج من حدة سقوطها الى حد ما ، لكن عندما حاولت الوقوف ثانية، تبين لها أنها لوت كاحلها ما جعلها تكشر من الالم. تبددت كل الافكار التى كانت تدور فى رأسها حول ايجاد استديو صغير فى مكان بعيد ، حيث يمكنها أن تعمل بحرية لشركتها الحالية أو لسواها . سارت مدة عشر دقائق وهى تعرج قبل أن تسمع صوتا سحريا لسيارة خلفها بدا لها وكأنها تسير منذ عشر ساعات لشدة الالم فى قدمها.
منتديات ليلاس
كان ضوء النهار مازال ساطعا، ومع ذلك دست يدها فى حقيبة ظهرها وأخرجت مصباحها الكهربائى منتقلة الى جانب الطريق المغطى بأكوام الثلج لم تسنطع أن تجازف بان يغفل عنها سائق السيارة القادمة فى مثل هذا الجو القاسى.
كانت السيارة الضخمة ذات قوة الدفع الرباعية تخترق الثلوج بغطرسة ملوكية. رآها السائق حتى قبل أن تضئ مصباحها وتلوح به بذعر.
- آه، شكرا، شكرا.
كادت تقع مرة أخرى وهى تعرج متعثرة لتصل الى النافذة المفتوحة بجانب السائق:- تعطلت سيارتى ولا أدرى كم يتوجب على أن أسير بعد ثم وقعت ولويت كاحلى ...
- لا بأس ، تمهلى ، تمهلى .
لم تكن اللهجة الباردة العديمة الصبر ما لفت انتباهها، بل وسامة هذا الرجل الاسمر الضخم الجالس خلف المقود . بدا ذا وسامة خشنة نوعا ما ، لكن عينيه الرماديتين الباردتين اللتين تشبهان حجر الصوان فى قوتهما جعلتاها لا تعرف ما تقول .
- اذا ، تلك السيارة المتوقفة هناك هى سيارتك ما يعنى أنك ذاهبة الى كوخ السكر.
حملقت فيه ماريغولد بغباء :- أحقا؟ ولماذا ؟.
- لأنه البيت الوحيد فى الوادى بالاضافة الى بيتى . لذا لابد أنك ايما جونز ، حفيدة ماغى.
بدا صوته وهو يقول ذلك باردا كالثلج.- أنا ...
- علمت أنك جئت مرة لرؤية الكوخ عندما كنت خارج البلاد وأسفت حينذاك لأن رؤيتك فاتتنى. مع ان هذه الكلمات بدت ودودة فى ظاهرها لكن اللهجة التى قيلت بها لم تكن كذلك على الاطلاق. وطرفت ماريغولد بعينيها ازاء هذا العداء الظاهر.
وقال الرجل بحقد ناعم:- عاهدت نفسى يومها أن أخبرك رأيى بأسرتك ما ان تسنح لى الفرصة لذلك .
- اسمى مورو .
- اسمع يا سيد مورو، أظن أن على أن أوضح ...
- توضحين؟
كانت ماريغولد قد سمعت عن مواقف يتمكن فيها شخص ما من تجميد شخص آخر الىحد يجعله عاجزا عن الكلام، لكنها لم تختبر ذلك قبل الان تحرك الرجل فى مكانه قليلا، وعندما نظر اليها كانت عيناه الرماديتان قد تحولتا الى اللون الفضى وهو يتابع ببرودة :
- توضحين ماذا؟ السبب الذى منع أفراد اسرتك، بمن فيهم أنت، من أن يأتوا لزيارة سيدة عجوز خلال الاثنى عشر شهرا التى سبقت موتها؟ هل افترضتم أن رسالة أو أثنتين، أو مكالمة هاتفية بين حين وأخر الى البقال الذى يرسل البقالة كل اسبوع، كافية لارضائها؟ الرسالة التى تمر من شخص لآخر الى ان تصل اليها لايمكن ان تقارن بالاهتمام الشخصى يا انسة جونز. آه أنا أعلم أنها كانت صعبة وعنيدة وقاسية الكلام الى حد يجعلك ترغبين بشنقها، ولكن الم يدرك أى منكم أن اللهفة الى الاستقلال والكبرياء يكمنان خلف ذلك؟ كانت عجوزا فى الثانية والتسعين من عمرها، بحق الله! الا يملك اى منكم احساسا أو بعد نظر ليدرك أنها، خلف غرابة أطوارها، كانت متلهفة الى أن يخبرها أحد بأنها مازالت امرأة عزيزة محبوبة؟
- يا سيد مورو...
منتديات ليلاس
تابع بعنف :- ولكن كان من الابسط والاسهل بالنسبة اليكم أن تمحوا ذكرها بصفتها عنيدة، وبذلك يمكنكم جميعا متابعة حياتكم الحسنة المنظمة بضمائر نظيفة غير ملطخة بالعار .
بدأ الغضب يغلى داخل ماريغولد بسبب غطرسته ورفضه اعطائها فرصة للكلام. بدا واضحا انه يغلى غضبا لما اعتبره اهمالا من أسرة ايما نحو تلك العجوز لمدة طويلة جدا لكنه لم يعطها فرصة توضح له فيها من هى وماذا تفعل هنا.
- انت لا تفهم أنا لست ...
- مسؤولة؟
مرة أخرى قاطعها وعيناه تلمعان كالزجاج المصقول :- من السهل جدا الفرار من المسؤولية يا انسة جونز. قد يناسبك أن تحيطى نفسك بجو أنثوى برئ فى وضعك الحالى، لكن هذا لن يخدعنى لثانية واحدة! وبينما أنت تفكرين فى ما ستربحينه من بيع بيت جدتك، ذلك البيت الذى كافحت طويلا فى سبيل الحفاظ عليه، أذكرك بأن عليك أن تفكرى بمقدار التعب والعرق والدموع التى بذلتها المسكينة لكى تبقى هنا طوال حياتها. فبسببك أنت وأفراد أسرتك التعيسة، ذرفت العجوز المسكينة الكثير من الدموع فلا تخدعى نفسك بمحاولة التهرب من المسؤولية.
قالت ماريغولد وقد شعرت برغبة فى ضربه:- ليس لديك الحق فى ان تتحدث الى بهذا الشكل.
- لا؟ ألست أنت من تتوق الى بيع رمز كرامة العجوز، البيت الذى جاهدت طويلا لكى تحتفظ به؟
فتحت ماريغولد فمها لكى ترد عليه بجواب مناسب لكن سرعان ما خطر فى بالها أن هذا فعلا ما كانت ايما تنوى أن تفعله، فأفحمها هذا. راح الرجل يحدق اليها بنظرة حادة مهلكة :
- هذا ما ظننته لا أصدق أن دم تلك السيدة العجوز الشجاعة نفسه يجرى فى عروق امرأة مثلك. بصراحة، أنت وبقية افراد أسرتك لا تستحقون أن تلعقوا حذاءها .
حدقت ماريغولد اليه من خلال رقع الثلج المستقرة على رموشها .وأوشكت ان تخبره بأن لا صلة لها بجدة ايما، ولا يجرى فى عروقها الدم نفسه. لكن الغضب الذى يغلى فى داخلها تفجر الان. فليظن ما يريد هذا المتغطرس! انها تفضل أن تجاهد فى سيرها طوال الليل على أن تطلب منه العون أو تشرح له انه مخطئ . هذا الرجل مخيف رغم صحة ما قاله حسنا يمكن أن ينطلق فى طريقه بسيارته الفخمة الدافئة، فهى لن توضح شيئا لهذا المتعفن المهترئ ...
- أليس لديك ما تقولينه ، انسة جونز ؟
انتصبت ماريغولد بقامتها البالغة من الطول مئة وستين سنتيمترا لم تتمن قط من قبل لو أن قامتها أطول بخمسة عشر سنتيمترا كما تتمنى الان .
أجابته قائلة :- أبدا كنت فقط أتساءل عما اذا كان شخص مقزز مثلك يستحق أن أضيع الوقت بالحديث معه، وهذا كل شئ.
لوى شفتيه بشبه ابتسامة قاسية وقال:- أحقا؟ وماذا قررت ؟.
منتديات ليلاس
حملقت فيه وقد تألقت عيناها الزرقاوان بقوة، بسبب اضطراب مشاعرها. ثم استدارت لتكمل طريقها محاولة الا تعرج بالرغم من الالم المبرح فى كاحلها. وبدا أن الالم قد ازداد بعد أن أراحت قدمها لعدة لحظات.
سمعت صوت هدير المحرك خلفها، وتوقعت أن تمر السيارة بجانبها عبر الثلج التساقط لكن السيارة تمهلت فى سيرها ما ان أصبحت بمحاذاتها، مجارية مشيتها العرجاء. عضت شفتها بشدة لكنها لم تحول وجهها عن البساط الابيض الذى يمتد أمامها .
قال لها الرجل بصوته الكريه :- قلت انك وقعت ولويت كاحلك .
تجاهلته وهى تكاد تنفجر باكية .
- اصعدى.
بدت فى صوته نبرة واضحة من نفاد الصبر لكنها تجاهلته مرة أخرى، ونظراتها متجهة الى الامام بحزم .
- يا انسة جونز، على أن أخبك أنك محظوظة للغاية. فلو لم يكن لدى موعد ضرورى اليوم لما خرجت من المنزل هذا الصباح ولا أحد غيرى يمر على هذا الطريق بينما الكوخ مازال بعيدا مسافة ميل أخر على الاقل هل أنا بحاجة الى أن أقول المزيد ؟
فأجابت وهى تصرف بأسنانها :- اذهب الى الجحيم !
سادت بينهما لحظة صمت ، ثم قال لها ببطء واستخفاف:-فى حالتنا هذه، يحتمل أن يحدث ذلك لك وليس لى هيا، اصعدى الى السيارة يا آنسة جونز ودعينا ننهى هذه المسرحية. ربما لا يرضيك أن تسمعى الحقيقة ولو مرة واحدة فى حياتك، لكنك كبيرة بما يكفى وأنا واثق من أنك صلبة وقادرة على التحمل .
- أفضل أن أتجمد حتى الموت على أن أقبل مساعدتك .
والتفتت لحظة اليه تواجه عينيه الرماديتين الغاضبتين بتمرد :- هذه سخافة منك.
- حسنا ، هذه صفة أخرى تضيفها الى قائمة ذنوبى، أليس كذلك ؟
- اصعدى الى السيارة .
ونسيت ماريغولد نفسها وراحت تستعمل الشتائم كما لم تستعملها فى حياتها من قبل . أيظن هذا الرجل أن بامكانه أن يصدرلها أوامره ، ويخبرها بما عليها أن تفعله بعد أن حدثها بتلك الطريقة؟ حسنا ، ربما يظنها ايما لكنه يعرف أنها كانت تطلب العون وأن كاحلها مصاب بالتواء، ومع ذلك تركها واقفة تحت الثلج المنهمر وأخذ يلقى عليها محاضرة عن مسؤولياتها العائلية. لاشئ .. نعم لاشئ يمكنه أن يقنعها بقبول أى نوع من المساعدة من هذا المتكبر .
- لا تجعلينى أرغمك على الصعود الى السيارة يا آنسة جونز .
صاحت به هازئة: - أتظن أن بامكانك القيام بذلك؟
- آه نعم.
قال هذا ببرودةوهدوء وفى صوته شئ من الوعيد . لكن الازدراء الذى رافق كلماته والغطرسة التى ظهرت منه أثارا غضب ماريغولد ما جعلها تستمر فى سيرها رافعة رأسها المغطى بقبعة المعطف الواقى من المطر.
اذا تجرأ ووضع عليها اصبعا .. اصبعا فقط ، فسوف يواجه موقفا لم يكن يتوقعه. أخذت تفكر فى ذلك وهى تتابع سيرها بصمت بينما عادت السيارة تسير بمحاذاتها .
- كانت جدتك امرأة فريدة من نوعها.
تجاهلته ماريغولد كليا:- من أجلها، لاأنوى أن أترك ابنة أبنها الوحيدة تتجمد، وان كان هذا ما تستحقينه بالضبط .
- كيف تجرؤ!
منتديات ليلاس
حملقت فيه مرة أخرى وقد ضاقت عيناها وراحتا تقذفان لهبا أزرق لكن شفتيها بدتا شاحبتين من الالم الذى تحاول أن تخفيه، كما ظهر على وجهها شحوب الموتى .حدق اليها لحظة، فاستوعبت عيناه الثاقبتان ما تعانيه من ألم. عندئذ، تأوه بضيق قبل أن يقفز من سيارته بشكل باغتها . ولم تشعر الا وهو يحملها بين ذراعيه وكأن لا وزن لها على الاطلاق .
- ما الذى تفعله بحق الله ؟ أتركنى فورا !
أخذت تقاومه بعنف وهو يضمها الى صدره الصلب .
- أهدئى .
تمتم بذلك ساخطا وهو يدور حول السيارة ليضعها فى المقعد الامامى بشئ من الخشونة. وعلى الفور حاولت ماريغولد أن تندفع الى الخارج واذا بها تمسك بكاحلها المصاب وتصرخ من الالم من دون وعى .
فصرف بأسنانه :- أحذرك يا آنسة جونز لدى حبل فى الخلف وأنا على استعداد لأن أربطك به من دون تردد هل فهمت ؟ ستجلسين هنا بهدوء حتى نصل الى كوخ ماغى. بعدئذ سأكون مسرورا بأن أتخلص منك وهكذا أكون قد أتممت واجبى .
- أنت حقير !
هذا كل ما استطاعت قوله بسبب الالم الذى أصبح الان شديدا بالاضافة الى الصدمة التى تملكتها فى اللحظات الاخيرة لابد أن طول هذا الرجل يبلغ مئة وتسعين سنتيمترا .اقتنعت ماريغولد بأن ليس لديها القدرة على قتال هذا الرجل القوى أما وسامته فبدت عنيفة من دون أى أثر للرقة فيها على الاطلاق .
كان الرجل يرتدى كنزة صوفية سميكة، وقد بدا وجهه الذى لوحته أشعة الشمس داكن السمرة وملامحه فبدت تقاسيمه وسيمة للغاية أما عيناه الرماديتان الفضيتان فبدتا أكثر بروزا تحت حاجبين أسودين وشعر فاحم .تدلت احدى خصلاته على جبينه .
أنه .. حسنا ، أنه مذهل تماما كما أخذت ماريغولد تفكر بضعف بعد أن صفق باب السيارة بجانبها .أخذت تنظر اليه وهويدور حول السيارة ثم يصعد اليها فانكمشت فى مقعدها من دون وعى وهو يجلس بجانبها خلف المقود .
لم يظهر عليه أنه لاحظ حركتها الغريزية تلك . فانطلق بالسيارة اذ لم يقم باطفاء المحرك حين نزل منها. وقال :- هل رتبت أمر أرسال الطعام والوقود اليك فى الكوخ ؟
لا، فماريغولد لم تكن تعلم أن بامكانها ذلك. وايما لم تذكر لها هذا الامر عندما عرضت عليها قضاء اجازة الاعياد فى كوخها. منذ أسبوعين ، أخبرت ماريغولد صديقتها أنها تكره طريقة أسرتها المبالغ فيها فى الاحتفال مع أن والديها يستمتعان بذلك ..اذ يمتلئ منزلهما الفخم بالاصدقاء والاقارب خلال اجازة رأس السنة فيغدو أشبة بالمضافة .
منتديات ليلاس
فى العادة يبدو الامر رائعا ولكن بما أنها فسخت خطبتها وألغت عرسها منذ فترة قريبة، فأن مشاركتها فى هذا الاحتفال لم تبد لها فكرة حسنة . سيحاول الاخرون أن يكونوا لبقين معها وكأنهم يدوسون على البيض ... وستشعر بتعاطفهم واشفاقهم عليها... مسكينة .. مسكينة ماريغولد! الى ما هنالك.. وعندما أخبرت صدقتها أن والديها يتوقعان منها أن تذهب الى البيت لقضاء فترة الاعياد، سألتها ايما :
- لماذا لا تخبريهما أنك ستقضين فترة الاعياد برفقة صديقة لك فى كوخ رائع ، فيه مدفأة حطب وكل ما يحتاجه المرء للاحتفال بالعيد؟ أنا أفهم قلقهما حيال بقائك وحدك فى شقتك. ولكن اذا قلت لهما انك ستذهبين مع صديقة لك ... على أى حال سألحق بك بعد انقضاء العيد بيومين لأكتب قائمة بالاثاث والاغراض الاخرى، وبهذا لن يكون ما تقولينه كذبا فى الواقع .
نبذت ماريغولد من رأسها ما يذكرها بأنها تدعى أنها ايما . وأجابت الرجل الذى يجلس بجانبها باختصار :-لا .لم أفعل .
- ومتى استعمل الكوخ آخر مرة ؟ لم تكن تعرف ذلك أيضا . فكرت بسرعة ثم قالت : - مؤخرا .
فقال ببرودة :- هل مؤخرا تعنى أشهرا أم أسابيع ؟ .
أرادت أن تقول له أن يهتم بشؤونه الخاصة ولكن نظرا للظروف الحالية لم يبد هذا ملائما. وتذكرت أن ايما قالت لها ذات مرة ان الكوخ قد يكون رطبا باردا فى الشتاء لأنها لم تزره سوى فى الصيف فقالت :- أشهرا .
أومأ ولم يضف أى كلمه ثم ركز اهتمامه على الطريق أمامه لم يكن يظهر من الطريق سوى سحب من قطع الثلج تدور بسرعة.بدا المشهد خياليا كما فى الحكايات من داخل السيارة المريحة الدافئة هذه. واعترفت ماريغولد لنفسها بارتياحها الشديد لأنها لم تعد مضطرة لمكافحة ما كان يستحيل بسرعة الى عاصفة ثلجية.
ومع اعترافها هذا شعرت بوخزة من الندم لسوء طبعها، قبل ان تذكر نفسها بأن ليس عليها أن تشعر بالذنب! فقد خرج حديث هذا الرجل معها عن حدود التهذيب .. حتى ولو كان يعتقد أنها ايما ومهما كان مقدار حبه واحترامه للعجوز، فذلك لا يعطيه الحق فى التهجم عليها كما فعل .
جازفت بالقاء نظرة جانبية بطيئة عليه من تحت أهدابها واعية الى أن المياه تتساقط من معطفها الواقى على المقعد وأن الثلج الذائب من حذائها شكل بحيرة تحت قدميها .
بدا وجهه صلبا وكأنه قد من صوان . وفجأة انتبهت ماريغولد الى أنها الان تحت رحمة هذا الغريب العنيف، فابتلعت ريقها .
- لا داعى لكل هذا التوتر فأنا لن أمس حفيدة ماغى بأى أذى يمكنك أن تسترخى فلا أنوى سلبك أو الاعتداء عليك .
تخلل ذلك الصوت العميق نبرة تدل على التسلية فاحست ماريغولد وكأنه طعنة أصابتها فى ظهرها. تراجعت الى الخلف فى مقعدها وتوهج وجهها الذى كان منذ لحظة شاحبا وقالت كاذبة بصوت حاد : - هذا بعيد كل البعد عن افكارى.
صدر عنه صوت خافت مثقل بعدم التصديق . يا له من رجل مقزز . وزمت شفتيها اللتين تبدوان عادة ممتلئتين، فأصبحتا خطا واحدا ، وحذرت نفسها من ان تجيب على سخريته هذه بعد فترة قصيرة سيصلان الى الكوخ فيرحل عنها . عندئذ ستغسل قدمها وتربطها، ثم تتدبر أمر منامتها هذه العاصفة الثلجية لن تستمر الى الابد وعند الصباح ستتوجه الى سيارتها ميرتيل وتحاول احضارها والا ...
حسنا، ستحضر حقيبة ثيابها وأكياس الطعام، بالاضافة الى الفحم والاغراض الاخرى التى أحضرتها معها كان الثلج يزداد تراكما وكاحلها يزداد ألما مع مرور الوقت كما أصبح متورما بحيث تساءلت ان كان بامكانها أن تخلع حذاءها .
منتديات ليلاس
كانت الطريق قد بدأت بالانحدار منذ النقطة التى سمعت فيها صوت السيارة تقريبا والان وبعد أن استدار حول المنعطف فى الطريق المتعرج رأت ماريغولد أنهما وصلا الى واد مكسو بالغابات فلاح لها من بعيد ما يمكن أن يكون كوخ ايما كان على بعد حوالى خمسين ياردة من الطريق تحيط به حديقة مسيجة.
كان الكوخ مطليا باللون الابيض وقد بدا سطحه الحجرى الاكثر بروزا فى عاصفة الثلج هذه . تنهدت باتياح وحركت كاحلها المصاب باحتراس عالمة أن عليها ان تخرج من السيارة ثم تسير الى باب الكوخ خلال ثوان تملكها القلق وهى تشعر بأول طعنة ألم لكنها حدثت نفسها مرة أخرى بأنه سيصبح على ما يرام حالما تربطه .
قال الرجل بلهجة لاذعة :-هوذا ارثك .
فاستدارت تنظر الى جانب وجهه القاسى وسألته بهدوء: - ما الذى جعلك تعتقد أنه معروض للبيع ؟
- حسنا عدا عن أنك وأسرتك لم تظهروا أى أهتمام به فقد سمعك البعض تتحدثين عن ذلك بين الناس عندما جئت من قبل .
فسألته باشمئزاز واضح:- أولئك الذين يسترقون السمع الى الاحاديث الخاصة ثم يذيعونها بين الاخرين ؟
هزه قولها هذا كما يبدو :- مما سمعته هذه الاحاديث الخاصة لم تكن سرا بل صرحت بها أنت ورفيقك بصوت مرتفع اذا لم تريدى أن يسترق الناس السمع الى أحاديثك فأخفضى صوتك كما أن التعليقات عن الفلاحين الاجلاف لاتكسبك أصدقاء فى هذه الانحاء أيضا .
منذ تعرفت الىصديقها الحالى ذلك الشاب البالغ الغرور الدائم التجول بسيارته الرياضية تغيرت كثيرا .كانت السيارة لحسن الحظ قد توقفت لتوها أمام بوابة الحديقة الصغيرة ما وفر عليها جهد البحث عن جواب تنفست بعمق وهى تدعو الله أن ينتهى كل هذا فى الحال والأ تضطر الى رؤية هذا الرجل بعد الان :- شكرا لآنك أوصلتنى .
قالت هذا بجفاء بينما راحت قطرات الماء تتساقط من قبعة المعطف فوق أنفها . رد عليها بتهكم بالغ وهو يساعدها على تعديل حقيبة ظهرها بعد أن نزل من السيارة متجها الى ناحيتها ليفتح لها الباب:- بكل سرور.
أدهشها تهذيبه هذا خصوصا بعد ما كان من حديثهما وزاد فى ارتباكها جاذبيته السمراء التى حاولت تجاهلها فى الدقائق الاخيرة كانت تود أن تتجاهل يده الممدودة أيضا لكن نظرا لشدة ألالم فى كاحلها قررت أن تلزم الحذر وهى تنهض واضعة كل ثقلها على قدمها السليمة .
كانت قد خلعت قفازيها المبللين ودستهما فى جيبها وضعت يدها الصغيرة فى يده الضخمة واذا برجفة صغيرة غير مرغوب فيها تسرى فى كيانها ترددت لحظة وهى تتساءل كيف ستتمكن من النزول على كاحلها المصاب وعما اذا كان عليها أن تستند اليه الان لكى تستطيع النزول على القدم السليمة .
سألها بفتور :- ما مدى الألم الذى تشعرين به ؟
منتديات ليلاس
يبدو أنه لاحظ ترددها وتكهن بسببه رغبت فى اقناع هذا الرجل الفظ ، العديم الرحمة بأنها بأتم خير ولم تعد بحاجة الى عونه ولو لدقيقة واحدة فنزلت من السيارة آملة أن يتحمل كاحلها ثقلها خلال تلك اللحظة القصيرة التى تحتاجها لنقل ثقلها الى القدم السليمة. وخاب أملها .. ترنحت من جانب الى آخر عدة لحظات وهى تشعر بألم لا يحتمل كان الرجل لا يزال ممسكا بيدها فتأرجحت وكأنها دمية مصنوعة من الخرق، فيما وقعت قبعتها عن رأسها وهى تندفع نحوه وكاد هو أيضا يفقد توازنه لكنه تماسك فى الوقت المناسب ثم ضمها اليه فى ثوان .
لطالما أزعجها شعرها المنسدل الحريرى الناعم الذى يرفض أن يتجعد أو يرتفع فوق الرأس بأناقة وجمال . أما الان، عندما سقط فوق وجهها متأرجحا فقد تملكها السرور لهذا الستار الذى أخفى وجهها.
راح مورو يشتم بصوت خافت عندما هدأ العالم من حولها وتلاشى صوته هدأت نفسها وأعادت خصلات شعرها الى الخلف ونظرت اليه. كان هو ايضا ينظر اليها ووجهه لا يبعد عن وجهها سوى بضع انشات. رأت أن فمه أكثر جمالا مما ظنته للوهلة الاولى وقد أضافت الخطوط المحفورة على بشرته السمراء عمقا الى وسامته كما أن أهدابه ، التى لم تلاحظ من قبل مدى طولها وكثافتها، أضفت على وجهه جمالا مميزا.
شعرت ماريغولد بأعصابها تخزها وأنذرها شعور غامض من البقاء بين ذراعيه فأبعدت جسمها قليلا عنه وهى تقول لاهثة :- أنا بخير الان .. أنا آسفة لقد زلت قدمى فقط ...
- هل يمكنك أن تمشى؟
كانت عيناه تنتقلان بين شعرها وعينيها البنفسجيتين ، كما بدت فى صوته نبرة غامضة لم تسمعها فيه من قبل فسببت لها احساسا غريبا أرسل الاضطراب فى كيانها .
- نعم ، نعم .
حاولت أن تبرهن له ذلك بتخليص نفسها منه، ومحاولة السير ولو خطوة واحدة، لكن الذعر تملكها عندما أدركت أن تلك الفترة القصيرة التى أمضتها من دون حركة فى السيارة جعلت ألم الكاحل أسوأ بأضعاف مما كان عليه من قبل .
أبيضت شفتاها ألما واذا بمورو يطلق شتيمة أخرى ويحملها بنفس السهولة التى حملها بها على الطريق. احتضنها الى صدره القوى بشدة للمرة الثانية وسار بها الى البوابة التى رفسها من دون أى أعتبار لممتلكات ايما وتابع السير على الممر المغطى بالثلج الى الباب الامامى .
لم ينظر اليها مرة اخرى الى ان وصلا الى الباب ثم قال بأختصار:- المفتاح ؟ .
- ماذا ؟
رأت ماريغولد شفتيه تتحركان وسمعت الصوت ولكن لامر ما لم تفهم ما يقول كانت واعية لاحتضانه لها ولشخصيته المتحكمة القوية وللرائحة الحلوة الغامضة لعطر ما بعد الحلاقة الذى يضعه وبهت كل شئ آخر فى نظرها .
- المفتاح ، للباب .
منتديات ليلاس
قال هذا بصبر وبنبرة هازئة جعلتها تستيقظ من ذهولها، وكأنما دلوا من الماء البارد قد انسكب عليها .
وتوهج وجهها:- آه نعم طبعا عليك أن تضعنى على الارض انه فى جيبى ولا يمكننى أن أصل اليه .
- قفى على قدم واحدة وسأمسكك ولا تحاولى أن تمشى الا بعد أن نلقى نظرة على ذلك الكاحل .
نلقى ..؟ نلقى ..؟ لو لم يكن نبضها يتسارع بجنون وحلقها جافا بشكل غريب لتحدته لقوله ( نلقى) بالجمع ولكنها بدلا من ذلك وقفت فى وضعية تشبه وضعية طائر الفلامنغو البحرى أنزلها الى الارض برفق. فأخذت تبحث عن المفتاح كانت واعية بشكل هائل الى يديه على خصرها ورغم أنها حدثت نفسها بأنه مضطر الى وضع يديه عليها لاسنادها الا ان ذلك لم يسكن توترها .
بدا مورو بالغ الرجولة كما أخذت تفكر شاردة الذهن ليس فقط لأنه ضخم الجثة بل لأن جسمه يضج بالحياة بدا طويلا جدا صلبا جدا ووسيما قوى العضلات انه فى الواقع كبير فى كل شئ بشكل يثير الاضطراب ويوتر الاعصاب الى أقصى حد .
- ها هو ذا
عدل من وقفته قليلا واضعا ذراعه حولها يسندها الى جسمه القوى، واخذ المفتاح من اصابعها الواهنة حدثت نفسها بشكل محموم بأنه من السخافة أن تشعر بالاضطراب بسبب قربه منها بهذه الطريقة فالرجل يحاول أن يساعدها فى محنتها فقط .
عندما انفتح الباب عاد يحملها ليدخلها الى ردهة صغيرة مربعة حيث ضغط على زر الانارة بجانب الباب. بدا واضحا أنه يعرف طريقه فى أنحاء الكوخ أثبت لها هذا فى اللحظة التالية عندما فتح بابا الى يمينها وأضاء النور ثم دخل الى غرفة جلوس مليئة بأثاث ثقيل قديم تفوح منه رائحة رطوبة كريهة كان الجو خانقا وباردا للغاية ووضعها على الاريكة أمام مدفأة خالية .
بدا منظر الكوخ أمامها فظيعا نظرت ماريغولد بيأس الى بيتها المؤقت.. انه فظيع تماما، وفى غاية البرودة لاشك أن غرفة النوم باردة ايضا كالثلج ماذا يمكنها أن تفعل ؟ ونظرت بطرف عينها الى الرجل الذى كان واقفا بجانبها، فاذا به ينظر اليها مقيما حالتها بعدم ارتياح .
فقالت ببشاشة :- هذا جميل حسنا أظن أن بأمكانى أن أتدبر أمورى بشكل ممتاز الان شكرا وانا واثقة من أنك تريد أن تذهب الى بيتك ..
- ابقى هادئة ريثما أشعل المدفأة المكان أشبه بثلاجة لعينه سنفحص كاحلك بعد قليل . واختفى من الباب تاركا لها المجال لتنظم أفكارها . سمعت بابا آخر ينفتح ثم ينغلق فنادت بيأس :- ياسيد مورو ! أرجوك يمكننى أن أتدبر أمورى الان وأنا أفضل كثيرا أن أبقى وحدى هل يمكنك أن تسمعنى يا سيد مورو؟.
مضت دقيقة أو نحوها قبل أن يعود بدا وجهه مكفهرا كالرعد، وقال :- لايوجد فحم أو حطب فى المخزن هل كنت تعرفين ذلك ؟. قال هذا بلهجة الاتهام خطر لها أن تخبه أن ايما وأوليفر أشعلا النار فى المدفأة كل ليلة عندما كانا هنا .. وقد قالت لها ايما بصوت كهديل الحمام:- كان ذلك شاعريا جدا يا عزيزتى وأوليفر يعشق الأجواء الشاعرية .
لكن مارغولد قالت : هناك بعض الفحم فى سيارتى .
- لكن سيارتك ليست هنا.
- يمكننى أن أحضره عند الصباح .
منتديات ليلاس
اغمض عينيه لحظة وكأنه لا يصدق أذنيه قبل أن يعود فيفتحهما ليسمرها بنظراته وهو يقول: - يا الهى من النساء ! لسنا فى وسط لندن كما تعلمين. فهنا لا يوجد كاراج لتصليح السيارات عند كل منعطف .
- أنا أعرف هذا تماما.
قالت هذا بكبرياء قدر امكانها لكن ما لبثت كبرياؤها أن تلاشت حين أخذت أسنانها تصطك :- أرجو أن تكون ميرتيل بخير صباح غد.
ضاقت عيناه وبدا على وجهه الداكن التأمل، ثم قال ساخرا :- من هى ميرتيل هذه بحق الله ؟ .
فاحمر وجه ماريغولد :- انها سيارتى .
- سيارتك ؟ هذا حسن .
وتنفس بعمق ثم زفر ببطء وقال بصوت متمهل :- واذا قررت ميرتيل .. ألا تتجاوب مع خطتك ، فماذا سيحدث ؟ وكيف ستسيرين على تلك القدم ؟ وماذا ستفعلين بالنسبة الى التدفئة الليلة ؟ .
قررت ماريغولد أن تجيب عن السؤال الاخير فقط من الاسئلة الثلاثة التى طرحها عليها :- هذه الليلة سأتناول شرابا ساخنا ثم أنام .
- فهمت .
كان يقف منفرج الساقين وقد شبك ذراعيه على صدره، فأظهرت هذه الوقفة ضخامة عضلاته. ومن مكانها على الاريكة بدا لها ضخما فى تلك الغرفة الصغيرة المزدحمة :- دعينى أريك شيئا .
وقبل ان تعترض انحنى ثم حملها مرة أخرى .. يبدو أن حملها بين ذراعيه أصبح عادة لديه، كما أخذت ماريغولد تفكر متوترة الاعصاب وهو يسير خارجا من غرفة الجلوس. دخل الى غرفة أخرى ، بدا واضحا أنها غرفة النوم. وكانت الفوضى تعم فى تلك الغرفة وقد بدا أثاثها مثيرا للضيق . فخزانةالثياب ضخمة وعتيقة، وطاولة الزينة أثرية والكرسيان الكبيران المصنوعان من الخيزران متداعيان ، فيما وضعت عليهما وشائد متنوعة الاحجام. كانت هذه الغرفةأكثر برودة واثارة للكآبة من غرفة الجلوس.
قال عابسا :- هذا الفرش يحتاج الى ساعات من التهوئة قبل استعماله، حتى لو أحضرت معك ملاءاتك وبطانياتك. هل أحضرت معك كل ذلك؟ .
قال هذا وهو ينظر اليها فشعرت بتأثير عينيه الفضيتين الرائعتين الى حد خطف منها الانفاس .فكرت فجأة فى أن هذا الرجل خطير .. خطير بالنسبة الى أى امرأة . فهو يتمتع بجاذبية مغناطيسية تفوق جاذبية الارض . وقد شعرت هى بهذه الجاذبية حتى عندما راح يكلمها بقسوة بالغة فى الطريق وها هى القسوة تبدو فى فمه الصلب ووجنتيه ، هذا الى ذقنه الحازم وعينيه الثاقبتين الحادتي النظرات. كلما أسرع فى الرحيل من هنا كلما كان ذلك أفضل لراحة بالها ومشاعرها.
- حسنا؟
وأدركت متأخرة أنها كانت تحدق اليه كأرنب مخدر الحواس هزت رأسها بسرعة وقد احمرت وجنتاها:- لا... أعنى لم أظن أننى سأحتاج الى أى شئ يتعلق بالفراش هنا .
قالت هذا بسرعة وما هى الا لحظة حتى لستدار خارجا الى غرفة الجلوس حيث ألقاها على الاريكة مرة أخرى .
منتديات ليلاس
- كانت جدتك تبقى النار مشتعلة بصورة دائمة فى غرفة الجلوس بداء من تشرين الاول حتى أيار. عندما كانت على قيد الحياة كانالكوخ يبقى دافئا كالخبز المحمص على الدوام لكن هذا المنزل قديم وجدرانه سميكة وليس كعلب المدينة ذات الجدران المفرغة والتدفئة المركزية .
انه يتكلم مرة اخرى بلؤم ولهجة لاذعة حاولت أن تظهر استياءها وغضبها لكنها وجدت صعوبة فى ذلك فجسدها ما زال مليئا برائحته والاحساس به:- فليكن ! سأكون بأحسن حال يا سيد مورو. لاحظت فى الغرفة الاخرى مدفأة كهربائية صغيرة لتدفئة الفراش وهى موضوعة على صندوق الادراج، سأدفئ بها الفراش ثم ...
فقال وكأنه لم يسمعها :- لن تتكلم أكثر فى هذا الموضوع، اذ عليك أن تعودى معى الى بيتى .
مع أن دعوته هذه بدت عطوفا، الا أن صوته كان مليئا بالغيظ أما بالنسبة الى ماريغولد، فأن ذلك التجاوب الغادر لجسدها ما ان يقترب من جسده هو ما جعلها تقول بسرعة :- شكرا ولكن ما كان هذا ليخطر فى بالى .
فقال ببرودة:- هذا ليس اقتراحا أجتماعيا مهذبا يا آنسة جونز لكنه ضرورى بالنسبة الى شخصيا، يسعدنى جدا أن أتركك هنا لتتجمدى من البرد حتى الموت لكننى أعلم أن جدتك ما كانت لتقبل بذلك.
فردت بحدة :- أنا لن أتجمد حتى الموت.
- ليس لديك تدفئة ولا طعام ...
- لدى علبتان من البازيلا ورغيف خبز فى حقيبة ظهرى .
بدا فى عينيه الجامدتين تعبير يغنى عن مجلدات . وعاد يكرر بجدية: - لا تدفئة ولا طعام كما أن ليس بامكانك السير على قدميك ويبدو أن التواء كاحلك سيسبب لك مشكلة لعدة أيام ومن دون وقود وطعام بقاؤك هنا أمر غير منطقى .
لم تعد ماريغولد تحتمل المزيد من هذه المعاملة الفظة :- غير منطقى؟ لقد أخبرتك ...
- بأن لديك علبتى بازيلا ورغيف خبز. نعم أعلم هذا . كان ذلك قمة التهكم فتمنت لو أن بامكانها أن تسدد لكمة الى وجهه فتشعر عندئذ بالبهجة.
- دعينى أوضح لك امرا يا آنسة جونز ستأتين معى سواء شئت أم أبيت، وغدا سأرسل شخصا ليرى ما يلزم للسيارة وكذلك لتدفئة الكوخ وتهوئته . صدقينى رغبتى برفقتك تماثل تماما رغبتك برفقتى. وعندما نتأكد من مدى اصابة كاحلك سنرى متى يمكنك العودة الى هنا .
بدا حقا وكأنه يستعجل عودتها حدقت ماريغولد الى وجهه البارد الغاضب أمامها، وذكرت نفسها بأن هذا الغضب سببه تصرفات ايما واسرتها مع ذلك فهو كريه، كريه. وهى تمقته آه كم تمقته!
- والان ماذا تفضلين؟ هل ستأتين طوعا أم مقيدة كديك العيد؟ أدركت من طريقة سؤاله أنه يرجو أن يكون رأيها هو الاخير.
منتديات ليلاس
حملقت فيه والغيظ يملأ عينيها:- أنت أكثر الرجال فظاظة من بين كل من عرفتهم فى حياتى. قالت هذا ثائرة. وبدا لها وكأنه يتسلى برؤية ملامحها الملتهبة :- أكرر، يا انسة جونز هل ستأتين بهدوء متظاهرة علىالاقل بأنك سيدة مهذبة أم ...
فقالت بلهجة مسمومة:- سآتى .
فقال ببطء وبلهجة سارة:- أهلا وسهلا بك .
بدا وكأنه استعاد روحه المرحة وتنفس بارتياح جاهدت ماريغولد لكى تقف على قدميها وهى تحدق اليه وأزاحت يده جانبا بحدة عندما مدها نحوها ليساعدها.
- يمكننى تدبر أمرى شكرا. وأياك أن تجرؤ على معاملتى بخشونة مرة أخرى !
- أعاملك بخشونة؟ ظننت أننى أساعد سيدة فى محنة كما يقال.
قال هذا ساخرا ما جعل وجهها يحمر ثم سألها :- كيف ستتمكنين من السير حتى سيارتى؟.
فقالت بحزم : سأقفز علىقدم واحدة. وهذا ما فعلته .
*****************************
2- تحت رحمة الجلاد
- والان يا انسة جونز أم بامكانى أن أدعوك ايما لأنك تكرمت بقبول دعوتى وضيافتى ؟
كانا قد ابتعدا لتوهما بالسيارة عن الكوخ فلاحظت ماريغولد بيأس أن الثلج ينهمر بغزارة أكثر من قبل أومأت جوابا على سؤاله فرمقها بنظرة جانبية ساخرة طويلة :- ويجب أن تنادينى فلين .
هل يجب عليها هذا حقا؟ انها لاتظن ذلك . وشعرت بشماتة لأنه لا يعرف فى الحقيقة من تكون.
- هكذا، لماذا قررت يا ايما أن تمضى عيد الميلاد وحدك فى كوخ جدتك؟ ما سمعته عنك من جدتك ثم من الفلاحين الاجلاف بعد زيارتك الاخيرة، جعلنى أعتقد أن هذا ليس من عاداتك . ماذا حدث لصديقك المغرور؟
كان أوليفر مغرورا فعلا، ولم تكن ماريغولد تطيقه لكن سماعها فلين يشير اليه بغطرسة واحتقار جعل أوليفر فجأة عزيزا عليها. وهكذا أرغمت نفسها على أن تهز كتفيها بازدراء:- أسبابى تخصنى وحدى بكل تأكيد.
أومأ ببشاشة ولم تبد عليه المفاجأة لهذا الرد:- بكل تأكيد على أى حال لن يعترض أحد فى هذه الانحاء على عدم وجود صديقك معك. فهو لم يترك مجالا لأى تفاهم حين شتم صاحب المقهى وراح يجادل بالنسبة الى وجبة طعامك.
تنهدت ماريغولد، آه هذا رائع من المؤكد أن ايما وأوليفر تركا أثرا فى المنطقة، لكنه أثر سيئ من دون شك. كان كاحلها نبض بالالم بشكل لا يطاق فكرت فى أنها لا تحمل معها حتى قميص نوم لتلبسه، وبع يومين تحل ليلة عيد الميلاد . ليلة عيد الميلاد التى سيمضيها دين وتمارا متعانقين تحت سماء جزر الكاريبى الدافئة .
منتديات ليلاس
لم تنتبه الى انها تبدو صغيرة الحجم وبالغة الضعف ومدفونة فى المعطف الواقى من المطر، والى أن شعرها الذى يصل طوله الى كتفيها غدا مبللا ولهذا تملكتها الدهشة عندما سمعت صوتا هادئا يقول:
- لا تقلقى ! مدبرة منزلى ستعتنى بك حالما نصل الى أوكلاندس ويمكن لزوجها أن يأخذ كمية من الحطب والفحم الى الكوخ الليلة ويهتم بتهوئته جيدا كما أن لديه خبرة بالسيارات أيضا.
نظرت ماريغولد الى فلين بحذر. هذا التحول المفاجئ من ملاك الانتقام الذى ينفث النار، الى انسان متفهم كان مثيرا للشبهة ولابد أن الذهول بدا على وجهها لأنه أطلق ضحكة صغيرة منخفضة :- أنا لا أعض .. حسنا ليس الفتيات الصغيرات على كل حال .
- شكرا لكننى امرأة ناضجة فى الخامسة والعشرين .
أجابته بذلك بسرعة رغم أن صوتها لم يكن بالحدة التى رغبت فى اظهارها أثار هذا الرجل اضطرابها عندما بدا كريها محبا للجدل أما الان بعد أن تحول الى الهدوء والمواساة فها هو يثير اضطرابها بشكل مضاعف شعرت بأمان أكبر عندما كانت تقاتله أما الان فلم تعد تشعر بالامان مطلقا وقد غدا رد فعل جسمها نحوه أقوى .
أما هو فقطب جبينه:- فى الخامسة والعشرين؟ أظن أن الجدة ماغى أرسلت لك هدية فى عيد ميلادك الحادى والعشرين قبل أن تموت بفترة قصيرة.
وقررت ماريغولد أن تتخهلص من هذا المأزق بالخداع، فقالت بجفاء:- أطمئنك الى أننى أعرف عمرى جيدا .
عندما رأت أنه على وشك ان يقول المزيد أضافت بسرعة :- هل أوكلاندس هو بيتك؟ لم يجب على الفور ثم عاد فأومأ :-اشترايته من صديق قرر أن يهاجر الى كندا منذ عامين لابد أن جدتك حدثتك عنه اذ يبدو أنهما كانا صديقين حميمين اسمه بيتر لندون.
أومأت ماريغولد بغموض راجية أن يكون هذا كافيا :- لقد افتقدته كثيرا حين سافر اذ اعتاد أولاده عبور الوادى لزيارتها بشكل دائم. ويبدو أنها وجدت فيهم بديلا عن أسرتها الحقيقية كما أظن.
ها هى نبرة الاتهام تعود الى صوته لكن ماريغولد تجاهلتها بينما تابع هو يقول :- عندما كنت أزورها اعتادت أن ترينى صور أسرة بيتر لم ترنى صورا لك قط .. ربما كان هذا يؤلمها كثيرا .
شعرت ماريغولد بأن عليها أن تقول شيئا :- كيف يمكنك أن تقول هذا بينما اعترفت بأنك لم تعفها منذ مدة طويلة ؟ .
قالت هذا محملة صوتها قدر ما تمكنت من التأنيب، وكأنها تتعاطف حقا مع جدة ايما المسكينة.رغم ان ايما كانت لطيفة المعشر كزميلة فى العمل الا أن ماريغولد لم تستبعد ان تكون عديمة الاكتراث بشأن جدتها اذا شاءت ذلك.
- كان بيتر طويل القامة واظنه كان يعرف أباك ايضا لكنهما لم ينسجما معا.
ساد صمت ثقيل ومرة أخرى شعرت ماريغولد أن عليها ان تقول شيئا :- لا اعرف شيئا عن ذلك .
قالت هذا بصدق ثم سكتت فجأة حين رأت أنهما يجتازان بوابة واسعة قائمة فى جدار حجرى يبلغ ارتفاعه ستة أقدام لابد أن هذا بيته .راحت السيارة تسير فى طريق محاط باشجار السنديان الضخمة الرائعة التى أضفت عليها كسوتها الثلجية البيضاء مهابة وجمالا . رأت ماريغولد البيت من بعيد فبدا منزلا فخما بالغ الاتساع ابتلعت ريقها بصعوبة وهى تتذكر ما قالته ايما عن المنزل الاخر فى الوادى .. بيت كبير .. وكان هذا فعلا بيتا كبيرا .
منتديات ليلاس
نظرت الى فلين من تحت اهدابها ثم تفحصت السيارة الفخمة الجديدة، والسترة الجلدية الرائعة الملقاة على المقعد الخلفى فى سيارته، وملابسه الفاخرة. كل هذا أحدث تأثيرا مفاجئا على حواسها وانتقلت عيناها الى يديه الكبيرتين السمراوين على مقود السيارة هل تلك الساعة فى معصمه من تصميم خاص ؟ لابد انها كذلك فهى رائعة .. وخنقت آهة .
برز فجأة من مكان ما كلبان ألمانيان ضخمان طويلا الشعر. راحا ينبحان بجنون ما جعل ماريغولد تقفز من مكانها لاحظ فلين ذلك فقال:- اسف كان يجب أن انذرك مسبقا انهما جيك وماكس وهما يظنان انهما كلبا حراسة.
نظرت من النافذة الى الوجهين الضخمين والاسنان الكبيرة فيما الكلبان يحدقان اليها فارتجفت :- يظنان؟ لقد أقنعانى فعلا .
التفت فلين اليها ضاحكا وهو يوقف السيارة بينما الكلبان لا يزالان يقفزان حولها :- لا تخبرى احدا أنهما يمضيان وقتهما نائمين أمام الموقد فى المطبخ وانهما يتجمدان خوفا من قطط مدبرة منزلى . قال هذا برقة فائقة فابتسمت بضعف أتراه يعلم أى تأثير تترك فيها رقة ملامحه الصلبة تلك؟ ان لرقته هذه تأثير المتفجرات ..
وقالت بضعف :- حسنا .. علاقتى بالحيوانات ليست جيدة .
عندئذ تغيرت ملامح وجهه :- علمت ذلك . والان ما الذى قالته ؟ حدقت اليه وقد بدت عليها الحيرة :- عفوا ...؟
- كان الامر واضحا من خلال المحامين. تعرفين طبعا أليس كذلك؟ تباع اذا ما وجد شار يدفع فيها أى ثمن والا يجب ان تقتل . وطبعا ، لايرغب الكثيرون بشراء بضع دجاجات هزيلة قذرة وبقرة عتيقة. كذلك الامر فى ما يتعلق بالقطة والكلب .
آه ، لا ... ايما لم ..
- لا تخبرينى بأن هذا امر اخر لم يخبرك أبوك عنه.
- أنا .. لم أعلم ...
التقت عيناه بعينيها فلم تستطع تحويلهما عنه :- لا ؟ لا أدرى اذا كنت اصدقك .
احست ماريغولد فجأة انها لا تحب أسرة ايما على الاطلاق :- لم أعلم هذا .
كررت قولها هذا بضعف وبلهجة غير مقنعة حتى لنفسها وهى لا تزال تفكر فى حيوانات ماغى المسكينة .تأملها لحظة فأوشكت أن تخبره بكل شئ بأنها ليست ايما .. بأنها أخذت الكوخ عندما قدم اليها من دون أن تعرف الا القليل عن ايما وجدتها وأسرتها ..الا أنه هز كتفية ببرودة وقال:- كل ذلك أصبح من الماضى الان فلندخل .
عندما رأته يستدير حول السيارة ليتقدم نحوها نسيت أمر حيوانات ماغى وانتابها الذعر من ان يحملها مرة أخرى .شعرت وكأنه سيغمى عليها .يبدو ان سيرها على قدم واحدة للوصول الى السيارة قبل قليل زاد من الالم فى كاحلها المصاب فوصل الى حد لا يطاق . لكنها مع ذلك تفضل أن تعيد الكرة على أن يضمها الى جسده القوى مرة أخرى .
منتديات ليلاس
لم تتجاوب قط مع رجل بهذا الشكل من قبل ولا حتى مع دين شعرت بتشوش افكارها لعلمها ان خلف ذلك الذعر والتنبه تكمن مشاعر ممنوعة وغير مرغوب فيها .
بامكانها أن تقفز على قدم واحدة لتصل الى البيت وهذا ما قررته وهو يتوجه نحوها ليفتح لها الباب. لم تكن هذه الطريقة المثالية لدخول المنزل خاصة ان مدبرة منزله وزوجها واقفان يتفرجان فضلا عن الكلبين اللذين يسيل لعابهما ولكن لم يكن من ذلك بد .
لكن فلين لم يمنحها الفرصة لاظهار مشاعرها وما ترغب فيه . فقد انفتح باب السيارة وسرعان ما أصبحت بين ذراعية ليسير بها الى باب المنزل المفتوح . وبدا الاهتمام على وجه مدبرة المنزل وهى تقول :- آه، ياسيد مورو ، ماذا حدث ؟ .
- سأشرح لك الامر فى الداخل .
ويا له من داخل ! غمرها الدفء وهى تجيل نظرتها فى مظاهر الترف التى تحيط بها. بدءا من الردهة ذات الارضية الخشبية المكسوة بالسجاد الثمين والسلم الواسع الرائع الذى يصعد الى ما لا نهاية ، مرورا باللوحات الفنية المعروضة على الجدران .
على كل حال لم يتسع لها الوقت سوى لالقاء نظرة واحدة متأملة قبل ان يدخلها فلين الى غرفة استقبال حيث أجلسها على أريكة قريبة من المدفأة المتوهجة. كانت ذراعها تلتف حول رقبته. ورغم أنه كان يحملها بشكل حيادى، الا ان كل عصب فى جسدها أصبح حيا مفعما بالحيوية بشكل مؤلم. وللحظة جنونية لحظة سخيفة جنونية، تساءلت عما سيفعله لو احتضنته بذراعيها بقوة أكبر. أنزلها على الاريكة، ثم التفت الى المرأة :
- هذه الانسة جونز يا برتا حفيدة ماغى تعطلت سيارتها على بعد حوالى الميل من الكوخ واصيب كاحلها . اهتمى بها من فضلك بينما أبحث عن ويلف وأرسله ليلقى نظرة على السيارة . بامكانه أن يأخذ جون معه ايضا أريدهما ان يحضراها الى هنا اذا امكن كما ان لدينا عدة مدافئ متنقلة يمكنهما ان يأخذاها الى الكوخ ويبدآ فى تدفئته واطلبى من جون ان ياخذ اليه حملا من الحطب وعدة أكياس من الفحم غدا صباحا.
- أرجوك هذا ليس ضروريا .
كان عليها ان تخبرهما انها ليست ايما . لم لم تخبر فلين من قبل؟ أرادت ان تتركه ينخدع لانه تصرف معها على الطريق بذلك الشكل الكريه. وبعد ذلك لم تجد فرصة مناسبة تعترف له فيها بالحقيقة لكن الامر يغدو اكثر احراجا وفظاعة بين طريقة واخرى .
كان فلين قد سار نحو الباب عندما قالت له ماريغولد بسرعة :- ياسيد مورو ... ارجوك ... اريد ان اوضح ...
فالتفت اليها بوجه جامد وقال ببرودة :- فلنقم بما هو هام أولا . اريد ان أرسل ويلف وجون أولا الى السيارة قبل أن يحل الظلام كما يجب ان نفحص قدمك. واذكرك بان اسمى هو فلين كما سبق وأخبرتك .
- ولكنك لا تدرك ..
سكتت فجأة وهى تراه يخرج فنظرت الى مدبرة المنزل التى كانت تحدق اليها ثم قالت مذهولة :- يجب أن أتحدث اليه .
- كل شئ فى حينه يا حبيبتى تبدين وكأنك متأهبة للقتال، اذا سمحت لى بهذا القول . والان فلنحاول ان نخلع حذاءك لنريح قدمك، وساكون حذرة للغاية لئلا تتألمى أرجو الا يكون متورما.
الحمد لله . على الاقل ثمة شخص لا يراها فظيعة كما فكرت ماريغولد شاكرة وهى تبادل المرأة ابتسامتها الودود كان ذلك الشعور رائعا . كان عليهما ان يقصا فردة الحذاء الطويل عن رجلها وعندما ظهر كاحلها بكل مجده صفرت مدبرة المنزل بصوت خافت :- يا الهى ، يا الهى ، يا الهى! هذا فظيع يا حبيبتى .
- ستكون على مايرام .
لاشئ سيجعل ماريغولد تبقى فى هذا البيت ثانية واحدة اكثر مما يلزم:- بعد أن نربطها وارتاح ليلة ستصبح قدمى بخير .
منتديات ليلاس
هزت المرأة رأسها متشككة وهى تنظر الى اللحم المنتفخ بلونه الاحمر المائل الى الازرق ثم خرجت لتحضر وعائين يحتوى أحدهما على ماء ساخن والاخر على ماء بارد كما قالت لماريغولد .
ظنت ماريغولد أن الورم سيختفى تلقائيا . اتكأت الا الاريكة واضعة قدمها على وسادة جلدية ، وأغمضت عينيها متجاهلة الالم البالغ وهى تفكر بيأس فى ورطتها هذه . انها ضيفة غير مرغوب فيها فى بيت رجل يشمئز منها او على الاقل يشمئز من الفتاة التى يظنها هى لكنها لن تبقى مهما كانت حالة كاحلها. ستحرص على الذهاب الى الكوخ غدا ولو زحفا يبدو ان هذا العيد سيكون تعيسا للغاية .
عندما يستقر بها المقام فى الكوخ ستجلس امام المدفأة وتمضى العيد بالقراءة بينما تعتنى بكاحلها فكرت فى ان وضعها الحالى ليس فى غاية السوء فلديها طعام كثير فى السيارة كما سيصبح لديها كما يبدو مزيد من الوقود وهى ستدفع ثمنه طبعا كما ستدفع اجرا للرجل الذى سيهتم بسيارتها. تحركت على الاريكة وهى تشعر بالضيق لادراكها انها لم تعترف حتى بكرم اخلاق فلين حين دعاها للمبيت عنده الليلة.
- عندما قالت انه سئ كانت تعنى انه سئ .
فتحت ماريغولد عينيها وهى تنتصب فى جلستها كان فلين قد دخل الى الغرفة بخفة القط ووقف يتأملها بعينين ضيقتين ظنت للحظة انه سيتعاطف معها او على الاقل يهنئها على صبرها لكن هذا الوهم سرعان ما تبدد عندما تابع يقول بغضب :
- ما الذى جعلك تسيرين على قدمك بعد ان أصيبت بهذا الشكل؟ الم تدركى أنك تزيدين الامر سوءا مع كل خطوة؟ أيتها الغبية !.
منذ لحظة كانت تشعر بالضعف والحزن اما الان فشعرت بأن النار تسرى فى عروقها وهى تجيب :- اسمع أنا لم أكن أعلم انك ستمر بى هناك اليس كذلك؟ ماذا كان على ان افعل ؟ ابقى فى السيارة لأتجمد حتى الموت ؟ أم احاول السير باتجاه الكوخ حيث ...؟
- حيث لا طعام ولا تدفئة على الاطلاق لماذا لم تحاولى الاتصال بأحد على اى حال؟ كخدمة الطوارئ مثلا هل لديك تأمين ضد الطوارئ؟
فاجابت بحدة :- نعم.
- لكنك لم تفكرى بطلب النجدة ؟ بل وجدت من الاسهل ان تسيرى فى العاصفة الثلجية كما يفعل الرحالة فى القطب الجنوبى .
عضت شفتها بقوة سيعجبه ما ستقوله الان :- نسيت هاتفى الخلوى فى البيت. لم يجيبها . ولم يكن مضطرا لذلك لان ملامحه دلت على الكثير ثم أضافت :- كما أن حال كاحلى ليس سيئا الى هذا الحد .
- سيتضاعف حجمه عند الصباح ويغدو لونه شبيها بالوان قوس قزح. قال هذا بهدوء فشعرت بالغيظ لتشخيصه حالة كاحلها :- وما أدراك ؟ أنت لست طبيبا .
- بل أنا طبيب فى الواقع . فوجئت ماريغولد بردة وطرفت بعينيها بينما التوت شفتاه للحيرة التى ظهرت على وجهها.
واذا رأته يضحك منها ثار غضبها فقالت بوقاحة :- آه أحقا ؟ أظنك جراح مخ أو شيئا كهذا؟ .
- هذا صحيح .
اتسعت عيناها كفنجانين آه هذا غير ممكن ليس جراح أعصاب .. هذا غير ممكن ! راح يتأملها بثبات من دون ان تتغير تعابير وجهه فأدركت انه لم يكن يمزح طبعا لايمكن ان يكون طبيبا عاديا كما حدثت نفسها انه ليس طبيب صحة عامة رقيقا ودودا يعالج الامراض العادية شخصا كثير العمل قليل الاجر ولديه قائمة طويلة من المرضى الذين يطلبون اهتمامه .
منتديات ليلاس
أدركت انها كانت غير عادلة فى حكمها عليه لكنها لا تستطيع السيطرة على نفسها مع هذا الرجل بالذات . أرغمت نفسها على أن تقول راضية :- لست طبيبا عاديا يعمل من التاسعة حتى الخامسة اذن ؟
فأجاب وهو مازال يتأملها بامعان : - ليس تماما .
- هل تعمل فى مستشفى قريب من هنا أم ...؟
- أعمل فى لندن ولدى شقة هناك .
حسنا ، ولم لا؟ أومأت وهى تقول :- لابد أن مساعدة الناس أمر مجز للغاية...
وسكتت وهى تشهق عندما ركع وأمسك قدمها بيديه الكبيرتين ..كانت يداه طويلتى الاصابع نظيفتى الاظافر .. انهما يدا جراح .. وبرفق اخذ يدير قدمها بيده وهو يجس اللحم .أرادت ان تنتزع قدمها من بين يديه لكن فى مثل هذا الوضع لم يكن لديها اى خيار فحدقت الى شعره الاسود الكث ثم سألته :- مورو ... ليس اسما انكليزيا .. اليس كذلك ؟ .
- انه فرنسى .
ورفع عينيه عن قدمها فأخذ قلبها يخفق بشدة:- كان أبى فرنسيا ايطاليا وأمى اميريكية ايرلندية، لكنهما استقرا فى انكلترا قبل ان أولد.
- يا له من مزيج ! قالت هذا بشئ من الارتياح بعد أن أعاد قدمها الى الوسادة ثم وقف ولم يعد يلمسها.
دخلت برتا تحمل بين يديها وعائين مليئين بالماء ومنشفة على ذراعها نظر فلين اليها وهويسير الى الباب:- خمس دقائق من التناوب بين الحار والبارد يا برتا ثم أعود لأربطها .
وكان عند وعده . راحت برتا تتحدث أحيانا وهى تغسل الكاحل بينما ماريغولد مسترخية فى اللحظة التى بدا فيها ذلك الجسم الكبير عند العتبة شعرت بتوتر فى عضلات معدتها وشكرت برتا بصوت متكلف لجهودها . حين ابتعدت برتا حاملة وعائى الماء اقترب فلين من الاريكة ثم مد يده اليها بكأس ماء وحبتى دواء :- خذى هاتين.
فسألته مترددة: وما هما ؟
- سم .
وعندما قطبت جبينها قال بضيق:- وماذا تظنينهما بحق الله ؟ انهما دواء لتسكين الالم .
فقالت بحزم :- لا أحب تناول الدواء.
- وانا لا أحب أن اصفه لأحد ولكن هذا العالم ليس كاملا وهكذا فالدواء ضرورى احيانا كما هو الحال الان خذيهما.
- أفضل الا أخذهما اذا لم يكن لديك مانع .
- بل لدى مانع لأن كاحلك سيؤلمك جدا الليلة ولن يسمح لك بالنوم على الاطلاق اذا لم تأخذيهما .
- ولكن ...
- هيا ، خذى هاتين الحبتين اللعينتين.
لقد صاح بها . صاح بها حقا كما فكرت ماريغولد وقد صعقتها الدهشة هذا الرجل لا يتحلى بحسن الاخلاق الذى يتحلى به الطبيب نحو المريض عادة وأخذت الحبتين.
منتديات ليلاس
بالاضافة الى حبتى الدواء وكوب الماء كان على الصينية مرهم ورباط ركع أمامها مرة اخرى فأخذت نفسا عميقا للمسته على قدمها بدت أصابعه ماهرة واثقة، وأرسلت لمساته قشعريرة فى كل أنحاء جسدها ما جعلها تشعر بالتوتر فغدت مشدودة كأسلاك البيانو، وغضبت من نفسها . لم تستطع أن تفهم كيف ان شخصا متغطرسا مثله كرهته منذ النظرة الاولى لديه مثل هذا التأثير عليها كان ذلك مذلا للغاية .
قال فلين بفتور وهو ينهض واقفا بعد أن أكمل مهمته :- ستشعرين بالتحسن خلال دقيقة أو أثنتين.
- ماذا ؟
مضت دقيقة فظيعة ظنت خلالها أنه قرأ ما بذهنها. وقد خطر لها انه لن يلمسها مجددا لكن تفكيرها المنطقى عاد الى العمل فأدركت ان كلماته تشير الى الحبوب المسكنة للالم وربط كاحلها فقالت بسرعة :- آه ، نعم شكرا .
- سأطلب من برتا ان تحضر لك شرابا ساخنا وطعاما خفيفا .
وقف فلين امام الاريكة ينظر اليها بثبات فلم تستطع ان تقرأ شيئا فى قسماته. ثم أضاف بلهجة عادية :- وبعد ذلك أرى ان تستلقى وتنامى حتى موعد العشاء فى الثامنة . لا بد أنك مرهقة .
حدقت اليه ماريغولد فبدا لها انه استعاد طبعه الجليدى مرة اخرى وبالرغم من صياحه فى وجهها قبل قليل الا انها فضلت ذلك على المزاح الذى ظهر عليه الان فهو يبدو الان رهيبا للغاية .
قالت مرة اخرى وكأنها لم تجد شيئا اخر تقوله :- شكرا.
- بكل سرور.
ساورها الشك فى ذلك لكنها لم تقل شيئا فهى تشعر بالوهن وبدا لها النوم مناسبا تماما. استدار فلين وسار الى الباب ثم وقف عند العتبة وقال :- اصيب كاحلك برضة قوية وستكونين محظوظة اذا استطعت ان تسيرى بشكل طبيعى خلال اسبوعين.
- خلال أسبوعين؟ وحدقت اليه بذعر .
- كنت محظوظة جدا لعدم اصابتك بكسر .
قالت تحتج بحرارة :- اذا كنت بحال أفضل غدا فسأتمكن من ان أتنقل على قدمى انا واثقة من ذلك بدأت أشعر بالتحسن منذ الان بعد الرباط.
بقى صامتا للحظة رغم ان قولها ارسل ابتسامة ملتوية الى فمه القوى ثم قال ببطء:- لحسن الحظ لدينا عكازان فى مكان ما وهما من مخلفات الصيف الماضى . كانت برتا سيئة الحظ فوقعت وأصيبت بخلع فى الركبة.
تنفست بعمق ثم قالت بعذوبة مصطنعة:- وهل يمكننى استعارتهما لفترة؟
- لا مشكلة فى ذلك .
- شكرا.
أومأ براسه وخرج مغلقا الباب خلفه . وفى تلك اللحظة ادركت ماريغولد انها فوتت عليها أحسن فرصة لتصحح الامور وتخبره بحقيقة شخصيتها.
*******************************
|