كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
كان الحديث بين أفراد المجموعة يدور حول الامور الطبية فمعظمهم من الاطباء والممرضات . وراح جراح شاب يخبرهم عن التعقيدات التى واجهته حين أجرى عملية الزائدة الدودية لشخص سئ الحظ ... أما زوجته فمالت نحو ماريغولد ثم قالت :- دوما يتحول الموضوع الى العمل . فقد سمعت عن مئات العمليات الجراحية خلال حفلات العشاء وهذا ممل للغاية. آه ، آسفة ، لم أفكر قط ... هل تعملين أنت ايضا فى هذه المهنة ؟.
- لا .
وابتسمت ماريغولد للمرأة الشقراء ذات الوجه الوردى. هذان الزوجان لفتا انتباهها من قبل . كانت الزوجة حاملا فى شهرها السابع تضحك باستمرار وتحتضن زوجها الطبيب الذى بدا مبتهجا بزوجته الجميلة . ووجدت ماريغولد نفسها تحسدها من كل قلبها، وقد أدهشها ذلك. فهى لم تكن يوما متلهفة الى الاستقرار وانجاب الاطفال حتى وهى مخطوبة لدين . لكن رؤية هذين الزوجين جعلتها تفكر كثيرا فى هذا الامر . لابد أن الحمل من رجل تحبه أمر رائع كما أخذت تفكر فى ذلك بالم مفاجئ حيرها .
- هذا حسن . أنا مسرورة لانك لست طبيبة أو ممرضة ، فهكذا يمكننا التحدث عن الازياء أو تسريحات الشعر ... أو أى شئ آخر غير المستشفيات والعمليات !
وابتسمت المرأة لها ، فبادلتها هى الابتسام مرغمة نفسها على التركيز على الحديث بدلا من القيام بما يريدها كل عصب فى جسمها أن تفعله، الا وهو الالتفات لتبحث عن فلين .
عند الساعة الواحدة دخلت برتا وهى تحمل من العصير وفطائر اللحم وكعك العيد ما يكفى لاطعام جيش صغير . وبعد أن أكل الجميع بدأ الضيوف يغادرون، البعض الى غرفة فى المنزل ، والبعض الاخر الى فندق القرية الذى يقع على بعد عدة اميال. وهؤلاء الذين ذهبوا الى الفندق سيعودون فى الصباح التالى ليتناولوا غداء العيد والشاى ، بحسب ما أخبرتها صديقتها الجديدة .
انضم فلين الى المجموعة بعد ماريغولد بربع ساعة تقريبا ، لكنه لم يخصها بأى اهتمام خاص ، بل راح يهتم بالجميع ليدخل التسلية الى قلوبهم بمزاحه اللطيف وسرعة بديهته اللاذعة أحيانا . فكان كل منهم يتلهف لجذب انتباهه اليه ، كما لاحظت ماريغولد بسخرية .
- مازال العرض ساريا لك لتمكثى فى الجناح الملحق بالمنزل الليلة .
وكانت ماريغولد قد سارت الى الطاولة الموضوعة فى احدى نواحى الغرفة لتضع كوبها وصحنها الفارغين أسوه بالاخرين . ولم تدرك أن فلين لحق بها الا بعد ان سمعت صوته العميق خلفها .
- لا ، شكرا .
وحاولت ، بقدر ما أمكنها ، أن تبقى صوتها مرحا ودودا . ولكنه بدا مرهقا حتى لاذنيها .
فقال بهدوء :- لا بأس ، ماذا حدث يا ماريغولد ؟.
- ماذا حدث ؟
والتفتت تواجهه بوجه جامد :- آسفة ، لا أفهم . أظننى أوضحت لك أمس أننى أنوى النوم فى الكوخ .
اذا كان يظن ان بامكانه أن يتسلى بها الى حين عودة سيلاين ، فليراجع أفكاره .
- لم أسألك اين ستنامين ، بل سألتك عما حدث .
حدقت اليه ... الى فمه الصارم وفكه الحازم وباشمئزاز عميق من نفسها أدركت أنها تحسد سيلاين أكثر مما تظن .
وقالت كاذبة بثبات :- لم يحدث شئ .
- ماريغولد ، الجراح الجيد ، وانا جراح جيد ، يعرف متى يكون الناس متوترين قلقين . كما يكتشف بسهولة اذا كانوا يخفون امرا ما . لقد حدث امر الليلة وأنا أريد ان أعلم ما هو .
كانت غطرسته لا تطاق . وواجهت عينيه مباشرة ثم قالت بحزم :- اذا كنت لا أريد البقاء فى بيتك ... فهذا لا يعنى أن شيئا ما قد حصل .
وجعل اليأس الكذبة تنساب بسهولة من بين شفتيها فأردفت :- أنا متعبة ، وأريد أن أعود الى الكوخ . لكننى أمضيت وقتا جميلا ، وشكرا لانك دعوتنى .
ضاقت عينا فلين وهما تتأملان وجهها المرفوع اليه . وسألها بنعومة :- وهل ستنضمين الينا لتناول الغداء غدا ؟.
- لا شكرا . لقد آلمنى كاحلى الليلة ، ولهذا قد ألزم السرير مرة أخرى.
أومأ فلين فيما غدا وجهه صلبا كحجر الصوان البارد :- سأعيدك الى الكوخ .
- آه ، هذا حسن .
لم تتوقع منه الاستسلام بهذه السرعة . لكن يبدو أنها انتصرت ، هكذا حدثت نفسها بصمت وهى تودع الضيوف الاخرين ، ثم تسير مع فلين الى الباب الامامى . ولكن لماذا تشعر وكأنها فشلت ؟.
بعد ان استقرا فى السيارة الكبيرة أدركت انها فشلت فعلا .
لحق بهما الى الخارج بعض الضيوف الذين سينزلون فى الفندق ، وما لبثت سياراتهم ان أخذت تهدر لتنطلق فى تلك الليلة القارسة البرد . لكن فلين لم يحاول أن ينطلق بالسيارة بعد أن أدار المحرك .
التفتت ماريغولد اليه بعد ثوان مرت ببطء مؤلم للغاية . فقال بسرور :- لن نتزحزح قبل ان اعرف الحقيقة . الخزان ملئ بالوقود ، ويمكننا ان نجلس هنا طوال الليل بينما المحرك يدور لكى يبقينا دافئين . هل تشعرين بالبرد ؟
لم ينعتها بالكاذبة فى الواقع ، ولكنه مد يده الى المقعد الخلفى ليسحب بطانية ويلفها بها ، فكان فى ذلك جواب كاف. ولم تحتج هى على حركته هذه ، فقد كانت أسنانها تصطك من البرد .
مرت خمس دقائق قبل ان يتحدث أى منهما . وكان السكون يصم الاذان عندما قالت ماريغولد بتوتر ، بعد أن شعرت بالدفء :- هذه سخافة ، وانت تعرف ذلك . سيتساءل الناس عما نفعله هنا .
تحرك فى كرسيه ليواجهها ، وقال بصوت هادئ :- عشت ثمان وثلاثين سنة من دون أن أهتم بما يظنه الناس، ولا أنوى أن أبدأ الان .
لعل كلامه هذا هو الاصدق منذ تعارفهما ، كما فكرت ماريغولد بمرارة . وردت عليه بعنف ونفسها تحفزها الى قول المزيد :- اذن فأنت تعيش وحدك من دون اعتبار لاى أنسان اخر ، اليس كذلك ؟
- لا أظننى قلت شئ كهذا .
- لكنها الحقيقة . حسنا ، اسفة لكننى ؟أؤمن بالاخلاص لشريك واحد سواء أكانت العلاقة قصيرة أم دائمة .
ضاقت عيناه وسألها :- ما معنى هذا . هل تلمحين الى ؟أننى لا أؤمن بذلك ؟.
- هل تقول انك تؤمن بذلك ؟
حتى تلك اللحظة كان يبدو دمثا أنيسا . وفجأة ، اصبح وجهه الوسيم بمثل برودة المشهد خارج السيارة ، كما أصبحت عيناه فولاذيتين :- أوووه ... أيتها الا نسة لدى انطباع بأن اخلاقى فى موضع الاتهام هنا . وانا لا أنوى الدفاع عن نفسى أمامك أو أمام أى شخص آخر .
ويا له من موضع ملائم ! كما أخذت ماريغولد تفكر بحرارة .
- والان ، لا أدرى ماذا يدور فى رأسك الجميل هذا ، لكن لمعلوماتك ، أنا أومن بأن أساس كل علاقة هو الاخلاص بين الرجل والمرأة ، سواء أكانت نية الطرفين دوام العلاقة أم لا . هل هذا يشكل جوابا عن سؤالك ؟.
آه ، يا للنفاق ! وكانت ماريغولد من الثورة بحيث نسيت نواياها وقراراتها ، فسألته ببرودة :- وماذا عن سيلاين ؟ هل توافقك رأيك ؟ أم ان مفهومك عن الاخلاص يختلف عن تحديد القواميس له ؟
|