1 - الحلم والواقع
بلغت صوفيا ليتغوود السابعة عشرة من عمرها , ي االصيف بعدما أنتهت من أكمال دراستها الثانوية وما زالت بعد غير قادرة على أتخاذ قرار بالنسبة الى مستقبلها , وفي هذا الصيف بالذات تلقت صوفيا ما أدهشها من رجل غريب في مكتبة برامفيليد حيث تباع الكتب القديمة.
وهذا ما حدث بعدما ألقت نظرة الى ساعة يدها مدركة أنا أمضت حوالي ساعة بين الكتب , مع أنها دخلت المكتبة لبضع دقائق فقط.
كان ذلك يوم الأثنين وكان جدها قد دعا رجلا أميركيا , هو أمين المكتبة , الى الغداء والرجل وصل على بغتة في صباح اليوم نفسه.
فبقايا الدجاج من طعام أمس لم تكن كافية لأطعام الضيف , لذلك أرسل صوفيا لشراء ضلع خروف من الجزار الذي يملك دكانا صغيرة في الحي المجاور , والآن عليها الأسراع في قيادة دراجتها كي تصل الى المنزل قبل وصول الضيف.
منتديات ليلاس
وضعت الكتاب المثير مكانه وتناولت سلتها الممتلئة أغراضا شتى وسارت بين الممرات العتيقة بأتجاه السلالم الى الطابق الأرضي ومن ثم الى الخارج , وبينما كانت تبحث عن طريق مختصرة في قبو المكتبة أرتطمت برجل شاب طويل القامة , أطول بكثير مما هي عليه صوفيا , كانت ردة فعله سريعة أذ أمسكها بكتفيها وتمكن من تجميدها نحو صدره ومنعها من السقوط , فوجئت بأنزعاج.
في أنزعاج ودهشة وغيظ لفظت بتلعثم كلمات الأعتذار , فألتقى نظرها بعينيه الرماديتين الساخرتين وسط وجهه الأسمر الذي يعلوه شعر أسود كثيف وبدلا من أن يفلت قبضته ويرجع الى الوراء لتتمكن من المرور , أخفض الرجل الغريب رأسه وعانقها.
كان عناقا قصيرا وغامضا , لكن صوفيا باتت مضطربة , تلعثمت من شدة الذعر وظلت بضعة ثوان كأنها مشلولة وفي الوقت الذي بدأ فيه الرجل الغريب بفتح فمه , نجحت في أستعادة كامل وعيها , وأفلتت منه وولت هاربة.
وظل قلبها ينبض بسرعة جنونية عندما أطلّت الى مطبخ المنزل , لكن السيدة ستيل لشدة أنهماكها بتحضير الغداء لم تلاحظ أضطراب أبنة أخيها وتوترها.
في كل حال , هل غريب أن تحمر صوفيا وتلهث بعد قيادة دراجتها صعودا الى قمة التلة التي تؤدي بها الى المنزل؟
ولدت صوفيا في تايبيغ , في ماليا الشمالية ,عندما أعلنت حالة الطوارىء في بداية الخمسينات , بعد خمسة أشهر على ولادتها قتل والدها الجندي وزوجته في كمين وضعه المقاومون.....
ولحسن حظها كان لها جد وعمة للأهتمام بها , ولما كانت صوفيا تسمع أحيانا من رفيقاتها في المدرسة عن تذمرهم أتجاه أهلهم , كانت تتساءل ما أذا كانت أكثر سعادة عند جدها وعمتها روزا مما لو أنها تعيش مع والديها أذا ما زالوا على قيد الحياة.
وحتى سن التقاعد كان جدها محاميا وفي الوقت نفسه كان يلم ألماما كبيرا بمطالعة الكتب النادرة , وكان فرحا للغاية لأكتشافه أن حفيدته ولي هي أيضا الأهتمام نفسه.
أما بالنسبة الى روزا ستيل , عمة صوفيا ,فكانت مطرزة من الدرجة الأولى , ترملت وهي في العشرين من عمرها ولم تتزوج مرة ثانية ,كرّست حياتها لتربية أبنة أخيها وأبداع تحف فنية رائعة في عالم التطريز , وخاصة للكنائس والمباني العامة.
وكانت روزا تسمع دائما من صديقاتها المتزوجات عن الصعوبات التي يواجهنها مع بناتهن , وتستغرب عدم وجود أي مشكلة تواجهها هي مع أبنة أخيها صوفيا.
ومنذ اليوم الذي توجهت فيه روزا مع والدها الى ساوثها متون لأستلام الطفلة اليتيمة من يد ممرضة عسكرية , لم تكف لحظة أن تكون الشعاع الوحيد في وجودهما , هذه الطفلة الممتلئة الهادئة أصبحت فتاة صغيرة مرحة وحنونة , تقضي ساعات طويلة تنظر الى البواخر من المنظار الذي أشتراه جدها خصيصا لها ... كما كانت تجمع الأصداف والحجارة على الشاطىء , وتحيك الملابس للعبتها من فضلات القماش والخيطان التي تحفظها عمتها لها.
منتديات ليلاس
ومع الأيام , كبرت الفتاة وأصبحت تحب مطالعة الكتب مثل جدها , في منزل جدها كان ساعي البريد يصل باكرا , ويتم فطور الصباح في صمت غريب , وبينما كانت روزا تقرأ الصحيفة المحلية , كان السيد لينغوود وحفيدته منصبين في قراءة المجلات النفيسة المتعلقة بهواة الكتب أو الفهارس الرائعة التي ينشرها أمناء المكاتب المختصين بالمنشورات القديمة.
وأظهرت صوفيا سهولة كبيرة داخل المنزل , لكن ذلك لم يكن واردا في المدرسة حيث كانت دفاترها وكتبها مليئة بعلامات التعجب الجافية وعن أشارات الىسوء الطبع : مهملة ! عديمة النظام! نقص في روح التعاون ! عدم أجتهاد! شاردة وحالمة بصورة مستمرة!
قال لها مرة جدها بلهجة متسامحة:
" يا ألهي , يا صوفيا , أنت دائما في القمر , حسب ما أرى!".
" أنا متأسفة يا جدي , أحاول الأجتهاد , أرجوك أن تصدقني , لكن التاريخ مدة مملة مع الآنسة سميث , بالنسبة اليها بوثويل شخصية كريهة , ومن جهتي أنا , لا يمكنني أن أمتنع عن أعتباره رجلا رائعا!".
نظر اليها جدها بحنان وقال:
" معلمتك يا صبيتي أنسانة واقعية , بينما أنت فتاة خيالية , لكن... الوقت ربما يحسن الأمور..........".
لكن الوقت لم يفعل شيئا بصوفيا من هذه الناحية , فمن سن الثانية عشرة الى سن السادسة عشرة طرأت على وجود صوفيا سلسلة متوالية من الولع والأنجذاب الغريب لأبطال التاريخ الراحلين وبينما كانت رفيقاتها يضعن على جدران غرفهن صور الفنانين المشهورين , كان خيال صوفيا المجنّح مرتكزا على ( الكابتن الكبير ) غونزافيه دي كوردو , وعن نابليون وهتلر ولورد بايرون الشرير.
لكن بعد هذا العناق الخاطف في قبو مكتبة برافيلد , تخلت صوفيا أخيرا عن شخصياتها الأسطورية العزيزة على قلبها , لتبدأ بالحلم ببطل من لحم ودم , ولمدة أسابيع عديدة , مباشرة بعد هذا اللقاء السريع , ظلت تحلم وتأمل في رؤيته من جديد , لم تعد تنسى تلميع أحذيتها وغسل شعرها مرتين في الأسبوع , كما بدأت تهتم بتحسين أطافرها وأختيار الملابس الأنيقة وخف! تدريجا أهتمامها بالكتب والمطالعة.
ولا شك أن هذا الرجل الطويل القامة , ذا العينين الرماديتين الساحرتين , هو من أصل أسباني لكون شعره أسود وبشرته سمراء لوّحتها الشمس وكانت صوفيا أكيدة أن هذا الرجل ليس من العامة , أسبانيا كان أم لا , ولا شك أنه ينتمي الى عائلة عريقة , من المستحيل أن تتصوره يرتدي سترة بيضاء منشاة ويضع على ذراعه فوطة وينحني أمام الزبائن ليتلقى البقشيش ! هل هو أذن مدير فندق ؟ رجل أعمال ؟ لا ,كانت بشرته سمراء من شدة تعرضها للشمس وذراعاه قويتين , هاتان الذراعان اللتان ضمتاها للحظة قصيرة.
حلّ الصيف وبدأ الخريف ولم تره , وبات عليها أن تقبل بالأمر الواقع : هذا الرجل سائح مرّ مرور الكرام.
دخلت صوفيا مدرسة السكريتاريا ولم تعد تقول لنفسها بحماس كلما غادرت المنزل : ) ربما سألتقي به اليوم).
لكن ظاّ حسّها يقول لها بأنه سيأتي يوم ويلتقيا من جديد , ولا شك أن هذا الرجل الغريب سيتذكر لقاءهما الأول العابر وسيقع في غرامها.
أهداها جدها كتاب ( حكايات الحمراء ) للكاتب المشهور , واشنطن أيرفنغ الذي نشر عام 1832 , كما أهدتها عمتها روزا دثارا للسهرة مصنوعا من قماش المخمل الأخضر , وطرزت قبعة بحجارة الؤلؤ , وفي اليوم التالي كان عليها أن تجتاز بحر المانش لأستلام وظيفتها في بلاد الأندلس.
فرحت صوفيا بالهديتين وأرتدت الدثار وراحت تدور حوله في الصالون المتواضع كعارضة أزياء , لكن سرعان ما سئمت هذا الدور ورمت القبعة الى الوراء وخرجت تضحك وتقول:
" أليس هذا رائعا يا جدّي ؟".
وبحماس وروع لمست التطريز الفاخر تماما , كما لمست منذ قليل غلاف الكتاب القديم.
قبّلت عمتها وقالت:
" أنت كنز لا تقدّر قيمته , وشكرا على هذا الأبداع افني الذي أخذ من وقتك قسطا كبيرا".
" أنا دائما سعيدة عندما أخيط لك الأشياء الجميلة , يا صوفيا".
" وتسمين ذلك ( خياطة )!".
كانت تعرف تماما أن عمتها فنانة من نوعها , تقنيتها الكاملة وموهبتها المدهشة للرسم يجعلان منها أنسانة مشهورة مثلما كانت عليه ريبيكا كرومتون قبل الحرب.
وأسترخت صوفيا على حافة النافذة تحدق بجدها الجالس على كرسي هزاز , يتأمل حفيدته التي كانت تبدو , بمعطفها الغريب فوق قامتها الممشوقة , مثل عذراء من عصر النهضة.
" لن أزور الحمراء في النهار وذلك بسبب كثافة االسيّاح , أنني أفضل أن أن أزورها في المساء , تحت ضوء القمر , مغلّفة بدثاري , وسألتقي بأمير أسباني , يتوسل اليّ راكعا أن أتقاسم قصره الضائع مع قلب سلسلة جبال السييّرا ..... لكنه سيغيّر حتما رأيه عندما يراني في وضح النهار , في سروال الجينز".
.... والعجوز ما زال ينظر اليها حالما , ويتساءل ما أذا كان سيظل حيا يرزق لدى عودتها , بعد ستة أشهر , رأى وجه صوفيا يتغير شيئا فشيئا ليأخذ تعبيرا بعيدا لم يألف أن رآه من قبل.
كانت الفتاة تتذكر اللقاء العابر الغريب الذي حصل قبل أربع سنوات ونصف , في مكتبة الحي عندما عانقها الرجل الغريب ,ولم تتمكن أبدا أن تنساه كليا.
وخلال أشهر طويلة كانت هذه الذكرى تنمي أحلامها وخاصة أحلام اليقظة , كل مساء كانت تتمدد في العتمة بعدما تطفىء الأضواء وتقص على نفسها حلقة جديدة من مسلسل قصتهما العاطفية , الحوادث تدور في أماكن وعصور مختلفة , في القطب الشمالي , في فيينا الرومنطيقية أو في جزر الكناري ..... فقط الشخصيات لا تتغير , وهي دائما البطلة وهو البطل , لم تطلق عليه أسما , فقط عندما كانت تعطيه دور أمير أسباني في عهد الملكة أيزابيل الأولى , حينذاك كانت تطلق عليه أسم : حاكم سييّرا , يخطفها الى قصره المبني على قمة جبل مرتفع , وكم من مرة تخيلت عملية الخطف ورحلة الخيل التي تليها ومحاولة الهرب , وأخيرا المشهد في القصر المضاء بالشموع حيث كانت هادئة تأكل عشاء لذيذا بأوان فضية مذهبة , وتخاف أن يتركها الخدم وحيدة مع خاطفها ! لكن في غالب الأحيان كانت تغوص في نوم عميق قبل هذه الحظة الحاسمة ....
منتديات ليلاس
وبعد سنة , جاء فرنسي ليحل مكان حاكم السييّرا....... ألتقت صوفيا بالفرنسي غي أوليرون حيث كانت تقضي الصيف عند صاحب فندق من بوردو يملك منزلا صيفيا صغيرا في الجزيرة جاءت لتهتم بالأولاد وتحدثهم الأنكليزية , وغي كان طالبا ويعمل خلال العطلة الصيفية في مخيّم قريب من المنزل , وخلال الأستراحة من العمل كانا يلتقيان ويتناولان وجبات الطعام في المطاعم حيث كانت تستمتع بكل الأسماك وفاكهة البحر , ومن هذه الرفقة التي دامت شهرين , تعلمت صوفيا اللغة الفرنسية وأصبحت تتقنها بطلاقة ظاهرة.
وكانت علاقتهما تقتصر على العناق الناعم في الممرات الهادئة وفوق الصخور القريبة من الشاطىء , لكنها كانت ترفض مرافقته الى التلال الرملية , وكان غي يصرّ عليها قائلا:
" لماذا ترفضين , يا صوفيا ؟ سنكون هناك في هدوء وبعيدا عن المارة".
أجابته ضاحكة:
" ولهذا السبب لا أريد الذهاب".
كانت تحبه كصديق حميم , خاصة عندما يلامس شعرها ويهمس في أذنيها كلمات الحب بالفرنسية , لكن لشدة فرحها بوجودها في الغربة لأول مرة , كانت ترفض غريزيا كل ما يمكنه أن يسيء الى حريتها.
لم تكن تتمتع بعواطف خاصة أو طموحات معينة , كانت تحب أن تتزوج وتنجب الأولاد وتلعب دور الزوجة والأم معا , ولن تشعر بأن حياتها قد بدأت فعلا ألا يوم تقع في غرام أحد ما وبأنتظار ذلك , تريد الأستمتاع بحريتها لتسافر وترى أقصى ما يمكنها أن تراه.
من يدري ما يخبىء لها المستقبل ؟ عمتها روزا لم تعرف سوى حب عابر خطفه الموت.... وأنها ؟ ماذا وهبها الزواج ؟ رحلة الى الشرق الأقصى , وطفلة وموت سريع , بأمكان صوفيا أن تجد نفسها يوما متزوجة من رجل بوليفي يصطحبا الى بلاده , أو بحّار غائب عن المنزل في أغلب الأوقات ربما أضطرت الى السكن في قرية نائية حيث لا يمكنها أن تجد وسيلة للخروج.
أذن لماذا لا تستفيد من عزوبيتها لتزور الأماكن التي طالما حلمت بها , القصور الرائعة التابعة للويس الثاني في بافيير , وقبر لورد بوثوبل في الدانمارك , والمروج في جبال الألب وحقول الثلج الباهرة التي وصفها الكاتب أرنولد لون في أحد كتبه على أنها ( جبال الشباب).
كان السيد لينغوود وأبنته روزا على حق في ألا يقلقا على دراسة صوفيا , ذلك لأن الفتاة تتمتع بصفات أكثر أفادة من الشهادات للحياة اليدوية التي تحب أن تععيشها , أنها فتاة جادة ورصينة وعندها موهبة جمع الأصدقاء في كل مكان , لا تبقى أبدا فترة طويلة من دون عمل , وفي كل بلد تزوره , تجد دائما شابا تصادقه ويساعدها على أتقان لغة البلاد....
بعد غي , تعرفت على آلان في سويسرا الذي علّمها رياضة التزلج وأسرار القواعد الألمانية , وبعده جاء باولو ذو الشعر المجعّد الذي لقّنها قليلا من اللغة الأيطالية , ومن أيطاليا ذهبت الى هولندا , وبما أن الجميع يتكلمون اللغة الأنكليزية أختارت أن تتعلم اللغة الأسبانية بجدية.
وبعد الأحتفال الحادي والعشرين ذهبت صوفيا الى محطة القطارات للقاء صديقتها كاتي ديلهام , وستسافران معا الى كوستا برافا , حيث وجدت كاتي لنفسها عملا مؤقتا في مكتب عقاري يديره رجل أنكليزي , ثم تكمل صوفيا طريقها نحو الجنوب.
قالت لها كاتي في اليوم التالي , بينما كانتا تدخلان السيارة الى الطائرة الشراعية التي تقطع بحر المانش:
" أنت فتاة محظوظة لأنك تملكين سيارة ,فأذا سئمت من مواصلة عملك في مكان ما , بأمكانك أن ترحلي وتبحثي عن عمل آخر في مكان آخر , أما أنا , فسأضطر للبقاء حيث أنا , طيلة الموسم , على الأقل".
" جدّي أهداني هذه السيارة".
أنها سيارة صغيرة مستعملة , وضعت صوفيا في داخلها خيمة وفراشا يملأ بالهواء المضغوط وأمتعة النوم , وكل الوسائل التي تؤمن النوم في المخيم , لأن ذلك يعود اليها أوفر من النزول في الفنادق.
قالت صوفيا:
" لو لم يهدني جدي هذه السيارة , لكنت بعت بعضا من كتبي الثمينة القديمة وأشتريت لنفسي سيارة".
كانت كاتي تحسد صوفيا على حبها للمطالعة وجمع الكتب القديمة النادرة , أذ بأمكانها أن تبيع جزءا منها عند الحاجة , وكانت تحسدها أيضا على حياتها العاطفية الخالية من المعقد والمشاكل , كانت كاتي كلما ألتقت بشاب أعجبها تعتقد أنها وقعت في غرامه , وهذه المغامرات العاطفية محكومة بالفشل الذريع , أما بالنسبة الى صوفيا فكانت تمع كلمات الغزل من أفواه شباب , لكنها لم تكن تنتظر بقلق رسالة أو مكالمة هاتفية , وفي كل حال , تتجاوز صوفيا نقطة اللاعودة مع أي رجل عرفته , كما هو الحال مع صديقتها التي كانت تندم على ما تفعله بمرارة.
ومرة سألتها كاتي :
" أذا هدّد ويليام بتركك لو أستمريت في رفضك له , أعني أذا لم تمارسي معه المغامرة العاطفية , ماذا تفعلين؟".
أجابت صوفيا من دون أي تردد:
" هذا سهل جدا , أتركه , أنا لست واقعة في حبه , وحتى أذا كنت أحبه , لن أستسلم لمثل هذا التهديد الأعتيادي".
" يبدو أنك لا تعانين أي مشكلة مع أصدقائك الرجال , لكن كيف يقبلون أن يتصرفوا معك مثل النسّاك؟".
" مثل النسّاك .... عاجلا أم آجلا سيحاولون حظهم , ويكفي أن أقول لهم كلا بحزم.. لكن أحيانا يرفضون أن يفهموا ....".
" معظم البنات يقلن نعم".
" لست أكيدة من ذلك , وفي كل حال , أنا لست مضطرة أن أفعل مثل الجميع ؟ أفضّل الرجال الذين يهتمون بي لغايات أخرى".
راحت الطائرة الشراعية تزويع في أغبرار من الزبد , وهدير المحرك طغى على جميع الأصوات فسكتت كاتي نادمة لأنها لم تسمع نصيحة صوفيا.
وفي كاليه , بعدما غادرتا الجمارك , قالت كاتي:
" أتساءل كيف هم الرجال الأسبان".
كان صوتها مليئا بالمرارة , أشفقت صوفيا عليها قائلة في أعماقها ( يا لكاتي المسكينة , لم تعد قادرة على أصدار حكم معين , تتأرجح بين رجل سكير ورجل متزوج ! بأنتظار رجل آخر...........).
أجابت صوفيا:
" لم يسبق أن تعرفت عليهم , ما عدا خدام المقهى بالطبع , هل تتذكرين الخادم في مطعم أمبريال الذي جعل ساندرا تغضب حتى النفور؟".
" ستتزوج ساندرا في الشهر المقبل , ألتقيتها صدفة الأسبوع الماضي , تحمل في أصبعها خاتما من الياقوت , لا شك أ خطيبها رجل ثري أنه..".
لم تعد صوفيا تصغي أليها , للمرة الثانية في خلال 24 ساعة كانت مخيلتها تأخذها الى الرجل الغريب , ذي الشعر الأسود الكاحل والعينين الرماديتين , ربما هو السبب اللاواعي في حمايتها من السقوط في الأخطاء التي أرتكبتها كاتي , ذلك لأنها ما تزال تتذكره منذ العناق الأول , صحيح أنها لم تعد تحلم به , لكن لقاءهما السريع عند بائع الكتب جعلها تفكر به كرجل حياتها ولا أحد غيره.
منتديات ليلاس
ظلّ الطقس جميلا طيلة الرحلة كلها , دخلت صوفيا الحدود الأسبانية وبشرتها سمراء من شدة تعرضها لأشعة الشمس , بعد شتاء قارس أمضته في سويسرا في مركز التزلج , فهي الآن في المتوسط مستعدة للأستفادة من البحر والشمس وكل معطيات الريف الأسباني .
وقبل أن تنفصل الفتاتان , كان عليهما تمضية ليلة في بارشلونة عند أصدقاء والد كاتي , وآل هيلنغتون يسكنون في شقة فاخرة وسط المدينة , ولما أوقفت صوفيا سيارتها في مرآب البناية , أطلقت زفرة أرتياح , بعد السير البطيء داخل المدينة المكتظة بالسيارات والناس.
لو نزلتا في فندق صغير , لأمضت صوفيا السهرة في القراءة , بعد نزهة قصيرة قصيرة في الهواء الطلق لتنشط قدميها , لكن هنا , ليس لها الخيار.. كان آل هيلنغتون مدعوين الى حفل أستقبال وأصرّوا على أصطحاب الفتاتين معهما.
قالت لهما السيدة هيلنغتون :
" لن تبدأ الحفلة قبل الساعة التاسعة , وأمامكما الوقت لزيارة المزيّن سآخذ لكما موعدا وستقوم الخادمة بكيّ ملابسكما للسهرة , الأسبانيات نساء أنيقات ويعتنين بشكلهن الخارجي وأناقتهن بشكل دائم".
لكن صوفيا , عكس كاتي , رفضت بألحاح الذهاب الى المزين لأنها تكره ذلك كثيرا , في كل حال كانت قد غسلت شعرها في الصباح وربطته بشريطة زرقاء , يكفي أن تسرّحه جيدا كي تعيد اليه رونقه.
ثم أضافت تقول:
" أفضل أن أستريح , ربما أنام قليلا فأستعيد نشاطي وحيويتي".
قالت ربة المنزل عن عدم رضى:
" حسنا , في كل حال , ستقوم ماريا بتشذيب أظافرك وطلائها , الأسبانيات يعتنين بأيديهن بصورة خاصة".
أخيرا , قررت صوفيا , لأرضاء آل هلينغتون , أن ترفع شعرها كعكة فوق رأسها , وتشكله بمشط قديم من الخزف المزيّن بحبات اللؤلؤ , أهداها أياه ويليام لأنه يحب أن ترفع شعرها كعكة.
عندما رأتها السيدة هيلنغتون تدخل الى الصالون مرتدية الدثار المخملي الأخضر قالت بأستغراب وفخر :
" بالكاد عرفت أنك صوفيا , يا أبنتي العزيزة !".
وتحت الدثار كانت صوفيا ترتدي فستانا ضيقا طويلا وبسيطا جدا , من قماش الموسلين العاجي اللون , بينما أرتدت كاتي طقما مؤلفا من سروال وسترة مصنوعين من الحرير الأحمر الغامق , أما ربة المنزل فكانت ترتدي فستانا من الكريب الأخضر الفاتح وتهتز تحت الماس والزمرد.
" ينقصك بروشا , يا كاتي , سأعيرك واحدامن عندي".
توجهت بها الى غرفة النوم وبقيت صوفيا وحدها مع السيد هيلنغتون الذي قال:
" ستجدين صعوبة كي تعتادي على أوقات الطعام هنا , نتناول الغداء في الثانية والعشاء في العاشرة , وبعد الغداء نأخذ قيلولة , في الصيف لا يمكن العمل في الساعات الحارة , هل تخشين الحر , يا آنسة؟".
" ليس بالتأكيد , أنا معتادة على البلدان الحارة".
بقيا يثرثران الى حين عودة كاتي والسيدة هيلنغتون التي لم تكتف بأعارتها البروش بل نصحتها بوضع زوجي أقراط وأسوار من ذهب , ولحسن حظ صوفيا ,لم تصر عليها المرأة أن تعيرها شيئا من مجوهراتها , كونها رفضت الذهاب الى المزيّن.
منتديات ليلاس
جلست صوفيا قرب السائق في سيارة الليموزين السوداء اللماعة , بينما جلس الباقون في المقعد الخلفي.
كانت حفلة الأستقبال في شقة كبيرة وفاخرة , وفي المدخل المزيّن بالتحف والسجاد الثمين , توافد الخدم لمساعدتهم على خلع معاطفهم وكان أصحاب المنزل من الأميركيين الأثرياء وأصحاب نفوذ , كرهتهم صوفيا من النظرة الأولى , ذلك لأن السيدة كينباكر كانت ترمقها بنظرات غريبة تعني بها أنها لم تعجب ببساطة فستان صوفيا وغياب المجوهرات عنها.
قالت صوفيا وهي تتبع السيدة هيلنغتون وسط الحضور الكثيف:
" يا ألهي , كأننا في قصر الملوك!".
ومما لا شك فيه أن العائلتين ينتميان الى وسط أرستقراطي حيث الغنى والترف وحب الظهور أشياء أعتيادية , وصوفيا التي تضع غنى العقل فوق كل شيء كانت تفضل مثلا الليلك البريّ العطر على الورد الثمين الذي غاب عطره.
وكان معظم المدعوين من الأنكليز والأميركيين , أما الأسبانيون القلائل فكانوا يتكلمون اللغة الأنكليزية بطلاقة , فبدا أذن من المستحيل على صوفيا أن تمتحن معلوماتها اللغوية المنوّعة , وبعد ساعة من الثرثرة الخفيفة والضجة والدخان , شعرت صوفيا بألم خفيف في رأسها.
كانت تحتسي كأسها ببطء وتصغي بأذنين شاردتين , عندما لمحت فجأة على بعد أمتار قليلة رجلا طويلا .. فأشتبكت نظراتها بنظراته.
أنتفضت الفتاة وراح قلبها ينبض بسرعة قوية ,أنه هو .... حاكم السييّرا...
بعد ثوان قليلة أبتسم لها تلك الأبتسامة الساخرة التي ما نسيتها أبدا , فردت عليه بأبتسامة فرحة , لكن كان عليها في الوقت نفسه أن ترد على سؤال طرحه عليها رجل كان يجلس قربها , ولما نظرت من جديد بأتجاهه كان قد أختفى.
وتساءلت صوفيا ما أذا كانت تحلم , لا , لا يمكنها أن تخترع هذا الوجه النحيل الأسمر المضاء بعينين رماديتين غريبتين , وهذه الفكرة وحدها كافية أن ترجّفها.
أمضت الدقائق التالية في زوربعة من الأنفعالات المتناقضة : فرح برؤية بدء المغامرة الكبرى في حياتها , خوف من عدم رؤيته مرة أخرى وخوف من أن يكون متزوجا ..... أو مخطوبا ..... أختفى وبدأ أملها يخيب , الى أن شعرت بيد تلمس كتفها , فألتفتت ورأته , قال:
" مساء الخير , أنها مفاجأة حلوة أن أراك هنا , لن أسألك كيف حالك , لأنه كما تبدين , أنت على أحسن ما يرام , أنك المرأة الوحيدة التي لم تزين نفسها لتلفت الأنتباه.
راحت صوفيا تضحك وتلألأت عيناها الجوزيتين ولفها الفرح , فمدّ لها يده , وفوجئت بنظراته تحدق لبدها اليسرى الخالية من أي خاتم .
" كيف بأمكانك أن تتحملي هذه الضجة ؟ تعالي لنتعشى معا , أعرف مطعما قرب المرفأ حيث بأمكاننا أن نتحدث ونسمع بعضنا".
" أقتراحك يعجبني , لكنني جئت الى هنا مع آل هيلنغتون ومن الصعب أن.........".
" لن يعارضوا على مجيئك معك , سأشرح لهم الأمر".
كانت عيناه تلمعان سخرية , ثم أضاف ضاحكا:
" قدمي لي السيدة هيلنغتون ....... وفي حال نسيت أسمي , أدعى كارلوس ولسينغهام".
كادت صوفيا أن تعطي أسمها لكنها غيّرت رأيها , كيف ستتدبر أمرها؟
لم تكن السيدة هيلنغتون بعيدة عنها , كانت تثرثر مع أمرأة أسبانية قصيرة وممتلئة , رفعت حاجبيهالدى رؤية صوفيا برفقة رجل وسيم.
" هل بأمكاني أن أقدم لك كارلوس ولسينغهام".
" مساء الخير , يا سيد".
أنحنى كارلوس وطبع قبلة على اليد المليئة بالخواتم , وبعدها قدمت السيدة هيلنغتون صوفيا وكارلوس الى السيدة روث سألها كارلوس:
" آمل أن تسمحي لي أن أصطحب الآنسة لينغوود الى العشاء خارجا".
حبست صوفيا أبتسامتها وهي تسمعه يذكر أسمها بسهولة , هذا الأسم الذي كلن يجهله منذ لحظة , ثم أضافت قائلة:
" غدا , سأغادر برشلونة , وليس أمامنا ألا هذا المساء لنجدد صداقتنا".
" طبعا....... طبعا..... الى الغد يا عزيزتي , لا تتأخري في العودة , ولا تنسي أن أمامك رحلة طويلة".
وبينما كانا بأنتظار أحضار معطفيهما عاد يقول بلهجة ساخرة:
" لنر الآن , أين ألتقينا ؟ في دافوس؟ في سان تروبيز ؟ في بروكسيل؟".
" لقاؤنا بعيد جدا ... أستغربت أن تكون تتذكره".
" كيف أنسى عينيك الجميلتين ؟ آه , هذا معطفك".
حمل الدثار من يد الخادم ووضعه على كتفي صوفيا ,ولما وصلا الى الطابق الأرضي , ناوله الحارس محفظة مفاتيحه وقال لها:
" علينا أن ننتظر عدة دقائق , الله وحده يعرف أين تمكنت من أيقاف سيارتي .... أذن , أنت مارّة مرور الكرام , مثلي؟ أين تذهبين غدا؟ هل أنت عائدة الى أنكلترا؟".
" كلا , ذاهبة نحو الجنوب , الى بلاد الأندلس".
" صحيح! وأنا كذلك , ربما نلتقي هناك".
أبتسمت وقالت:
" ربما".
لو أنها مع أي أنسان آخر , لبقيت صوفيا متحفظة وفي الأوقات العادية , لما قبلت بتاتا أن تغادر السهرة على هذا النحو.
أوقفت سيارة فاخرة مكشوفة أمامهما , وبعد أن أعطى الحارس بقشيشا , ساعد صوفي على الصعود في المقعد الأمامي , ثم دخل بدوره أمام المقود , وبعد قليل قالت صوفيا:
" سيارة فرنسية , وأسم أوله أسباني وثانيه أنكليزي , أنت كما يقال مواطن عالمي!".
كان يقود السيارة بهدوء وسهولة يحسد عليها , فبالنسبة الى صوفيا , هذا دليل نضج وثقة , قال شارحا:
" أمي أسبانية , أرسلتها عائلتها خلال الحرب الأهلية الى أنكلترا , وهناك تزوجت من رجل أنكليزي ,لكن والدي قتل في أواخر الحرب العالمية , ولما دخلت الجامعة عادت والدتي الى أسبانيا وتزوجت من جديد , وهكذا كنت أتنقل بين جامعتي الأنكليزية ومنزل والدتي الأسباني , عالمان مختلفان كليا عن بعضهما , وأنت , يا آنسة أي خليط أعطاك هذا الجمال الغريب , النادر؟".
" حسب معرفتي , أنا أنكليزية مئة بالمئة , لكنني ولدت في الشرق الأقصى وأسافر كثيرا في السنوات الأخيرة , لكن هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها أسبانيا".
آمل أن يكون لك في هذا البلد ذكريات جميلة".
وبينما كانت صوفيا تتأمل ملامح وجه رفيقها كانت تقول في داخلها بأن هذه السهرة ستكون رائعة ولن تنساها مدى الحياة.....
وبعدما أجتازت السيارة الشوارع الفرعية للحي الغوطي , وصلت الى الطريق الساحلية .
فقال كارلوس مشيرا الى السفن الراسية على طول الرصيف البحري المضاء:
" هل ترين البواخر الليلية المتجهة الى الباليار؟ ستصل في الغد عند شروق الشمس , وهذه الباخرة هناك تقليد لسفينة ( سانتا ماريا) العائدة الى القرن السادس عشر".
" أي الباخرة التي كان عليها كريستوفر كولومبوس عندما أكتشف أمريكا؟".
" تماما".
المطعم كان نظيفا وعاديا , داخله خليط من الحرفيين والعمال , فوجئت صوفيا برؤية كارلوس يحيي الجميع , كانت العيون السوداء تحدق بها بفضول وتهمس بكلمات الأطراء والأعجاب.
ولما جلسا أمام الطاولة قال لها كارلوس:
" كلمة ( غوابا) تعني حلوة أو جميلة , وتسمعينها دائما في أسبانيا , أما أذا وجهت اليك , فتعني بأنك رائعة".
كادت صوفيا أن تقول له بأن أتقانها الأسبانية شرط أساسي لوظيفتها المنتظرة , لكن الخادم أقترب فأكتفت بالأبتسام .
" ربما أنك تأتين الى أسبانيا للمرة الأولى , عليك أن تتذوقي ( الباييلا ) أنها وجبتنا الوطنية , في المطاعم المخصصة للسيّاح تكون عادية في الأجمال , لكن هنا , أنها رائعة , أنت جائعة , أليس كذلك؟".
" جدا , هل تقصد هذا المطعم دائما؟ يبدو أنك تعرف الجميع؟".
" لا أبدا , لكن في أسبانيا العادات تفرض بنا أن نحيي الجميع في الأماكن العامة , الأسبان شعب حار وصديق , سوف تكتشفين ذلك بنفسك".
جاء الخادم حاملا صينية المشروب وصحنا مليئا بالمقبلات , فأندهشت صوفيا لرؤية الأصفاد المقلية والتمر المحشو بالجوز واللوز , والزيتون الأسود الكبير , والسمك الصغير المقلي والمتبّل بصالصة حمرتء حارة.
فجأة قال كارلوس:
" سأقول لك بصراحة ........أنني لم أعد أتذكر أسمك الأول".
" صوفيا".
" يعود هذا الأسم الى القرن التاسع عشر ويذكر في عدد كبير من الروايات القديمة , يذكرني هذا الأسم بأحدى لوحات الرسام الشهير فرانس كريستوفر جانيك".
" أسمي يعود بالتحديد الى القرن الثالث , وباللغة اليونانية صوفيا تعني ( الحكمة ) ليس هناك أي علاقة لهذا الأسم بشخصيات هذا الرسام النمساوي".
وتساءلت صوفيا في قلق غامض : هل يفضل كارلوس النساء السهلات الفارغات والممتلئات , اللواتي لا يفكرن ألا بأغراء الرجال ؟ هل يعتبرها واحدة منهن؟
وفي هذه اللحظة وصل الخادم حاملا ( الباييلا ) الحارة ,كانت فعلا متعة للنظر , الرز المطبوخ مع الزعفران , وفوقه قطع الدجاج الصغيرة والصدف والكوسى والبازلاء ,والفلفل الأحمر والأخضر المقطعة بشكل أجنحة , والأرضي شوكي والطماطم...
ملأ الخادم صحنيهما وسكب لهما المشروب , وأنصبت صوفيا على الباييلا بنهم وحماس كجارتها الأسبانية السمينة .
وكانت الساعة قد أقتربت من نصف الليل عندما غادرا المطعم .
قال كارلوس مفكرا:
" الآن , أين سآخذك للرقص ؟".
" هذا مستحيل , بعد هذا العشاء الوليمة , بالكاد أستطيع المشي !".
" في هذه الحال , لنقم بنزهة في السيارة".
وأشار لها بأصبعه الى تلة صوب الجنوب.
" من هذا الجبل , المنظر رائع , هيّا سآخذك الى هناك".
هزت رأسها وقالت:
" كلا يا كارلوس , يجب أن أعود , ليس معي مفتاح ولا أريد أن أوقظ الخدم".
لم يصر وأخذ الطريق المؤدية الى منزل آل هيلنغتون.
" غدا , ستأخذين الطائرة؟".
" لا , لا , سأفرا برا".
" هل معك سيارة؟".
" نعم ".
" أين ستتوقفين مساء غد؟ عند أصدقاء آخرين؟".
" آل هيلنغتون ليسوا أصدقائي , أنهم أصدقاء أهل كاتي التي جاءت معي من لندن ووجدت وظيفة هنا , في يافرانش , أما أنا فسأذهب جنوبا من دون عجلة , ليس عندي برنامج محدد , عندما أتعب أتوقف".
أوقف السيارة أمام البناية , ثم هبط معها وقال:
" سأرافقك حتى الباب".
منتديات ليلاس
صعد معها في امصعد , ثم أخذها بين ذراعيه وأبعد قبعتها الى الوراء وعانقها عناقا طويلا ولم يتركها ألا عندما توقف المصعد في الطابق الرابع , رنّ الجرس بنفسه فتحت الخادمة الباب في الحال.
فهمس باألأسبانية قبل أن يختفي في السلم :
" تصبحين على خير , يا حبيبتي".
ظلت صوفيا ثوان جامدة , تسمع صوت خطواته تخف كلما أبتعد , وأدركت أنها لم تشكره على هذه السهرة اللطيفة.
" صوفيا! أخيرا! أين كنت ؟ من هو هذا الرجل الخارق الذي تكرر أسمع مرارا في أذني؟ لم تخبريني أن لك صديقا أسبانيا مليارديرا؟".
كانت كاتي قد رمت المجلة التي كانت تقرأ فيها جانبا وراحت تنظر الى صديقتها بحماس وأثارة , فقالت صوفيا بأستغراب ودهشة:
" ملياردير ؟ لكن عمن تتكلمين , كاتي؟".
بين ذراعي كارلوس أتحد الماضي بالحاضر عناقه الثاني أثار في أعماق الفتاة أضطرابا قويا.
" سمعت السيدة هاكنباكر تقول هذا الكلام للسيدة هيلنغتون , الظاهر أنه العريس الذي تحلم به الأسبانيات العازبات في أسبانيا كلها , وسيشعرن بالغيرة والحسد أذا ما عرفن أنه يغازل فتاة أنكليزية".
قالت صوفيا وهي تجلس على السرير الآخر لتخلع حذاءها الذهبي:
" لا تقولي أقوالا تافهة , يا كاتي أول ما في الأمر هو أن كارلوس ليس أسبانيا".
" لم أقل أنه أسباني , لكن علمت أن والده كان يملك مصرفا أنكليزيا كبيرا للأعمال , أما جده ,, والد والدته , فهو تاجر ثري كبير , وليس من عجب أن يتمتع كارلوس بموهبة أسلافه , فهو يستثمر أمواله في الحجارة أي يملك الفنادق والفيلات في معظم أنحاء أسبانيا , أ رجلك هذا لقطة لا تفوّت".
" أولا , كارلوس ليس برجلي ,ألتقيت به مرة واحدة منذ زمن بعيد , وألتقينا هذا المساء من جديد , أخذني الى مطعم شعبي حيث ذقت الباييلا وأبتعدت عن الملل في حفلة الأستقبال , وغدا كل منا سيذهب بطريقه , والله وحده يعلم أذا كنت سألتقيه بعد هل تفهمين الآن , أنه.....".
" عانقك في المصعد ,أليس كذلك؟".
" كيف..... كيف علمت بالأمر؟".
" حزرت , من النادر أن أراك بهذا التعبير المنفتح والبشوش المرسوم على وجهك الآن .... أين ألتقيت به , المرة الأولى؟".
" في .......سويسرا".
لم تكن صوفيا تحب الكذب , لكن من غير المجدي أن تقول الحقيقة لكاتي , فلا يمكنها أن تصدّق كلامها , أو تستوعبه.
" لا شك أنك أعجبت به وألا لما سمحت له أن يعاتقك , هذه ليست من صفاتك , يا صوفيا".
رفعت صوفيا كتفيها وقالت:
" آه! ليست هذه المرة الأولى التي أعانق بها رجلا , لكنني لا أنوي أن أقيم أي علاقة عاطفية مع أحد ألا أذا كنت أحبه ويحبني".
أحمرّت وجنتا صديقتها وقالت:
" أعذريني , يا صديقتي العزيزة لا شك أنني أغار منك , قصص الحب معي باءت بالفشل حتى الآن , أما أنت فسرت في الطريق الصحيح , وعفتك ستنال جزاءها.
" ماذا تقولين يا كاتي؟ وجبة الباييلا ليست طلبا للزواج......هل هناك أشياء أخرى تعرفينها عنه؟".
" يقال أن كارلوس ولسينغهام يعيش مثل سلطان حقيقي".
" ماذا تعنين بذلك؟".
" ذلك أن لكارلوس عشيقات في كل أنحاء البلاد , لا أقول ذلك عن سوء نيّة يا صوفيا , لكن أذا كان كارلوس يعجبك فمن الأفضل أن تكوني على علم بالأشاعات التي تحاك عنه".
دخلت صوفيا الى الحمام لتغتسل ومن الباب المفتوح سألتها:
" هل تدخل الرجال في هذا الموضوع؟ أعني الأزواج؟".
" كانوا منزعجين قليلا... أنني أقسم أن لكل واحد منهم عشيقة , وبأمكاننا أن نعذرهم بعدما رأينا زوجاتهكم! وأكتفت السيدة الأميركية أن قالت أن كارلوس ناجح في أعماله وقوي جدا , هل تعرفين ما عمره؟".
" ثلاثون سنة , على ما أظن , والآن أعذريني. سأغلق الباب".
وبعد دقائق خرجت صوفيا من الحمام لترى كاتي تغط في نوم عميق . شعرت بأرتياح , فكّت كعكة شعرها وسرّحته مطولا , ثم صعدت الى السرير وأطفأت الضوء وبالرغم من تعبها وجدت صعوبة لتنام.......
سبق أن نبّهت السيدة هيلنغتون الفتاتين بأنها تتناول الفطور في سريرها كعادتها لذلك فوجئت الفتاتان بها تدخل الى غرفة الطعام , ذلك لأنها ترغب في معرفة ماذا جرى لصوفيا في سهرتها برفقة كارلوس.
" هل أمضيت سهرة جميلة , يا عزيزتي؟ في أي مكان تعشيتما؟".
" لا أعرف أسم المطعم , أنه في حي المرفأ , كان مصرا على أن أتذوق الباييلا المحلية".
في هذه اللحظة دخلت الخادمة ماريا حاملة سلة رائعة من القش تحتوي على باقة ضخمة من القرنفل الأحمر والأبيض وفي الحال تعطرت الغرفة بأريجها , وقالت:
" هذه لك , يا آنسة".
ردت صوفيا مسحورة :
" لي أنا؟".
قدمت لها ماريا ظرفا كتب عليه أسمها وعنوان آل هيلنغتون.
فصرخت كاتي :
" يا ألهي! هذه الباقة تكلف ثروة ضخمة في لندن".
قالت السيدة هيلنغتون :
" حتى هنا , القرنفل ليس رخيصا , لا شك أن السيدة ولسينغهام أحب.......".
فتحت صوفيا المظروق وقالت:
" في داخله قصيدة شعرية للماركيز سانتيلان , نكتوبة باللغة الأسبانية وغير موقعة".
سألت كاتي بحماس:
" وماذا يريد منك؟ هل يريد أن يراك اليوم؟".
أضافت السيدة هيلنغتون :
" أذا أردت البقاء هنا بضعة أيام , فليس لدي أي مانع , المنزل يرحب بك".
رفعت صوفيا عينيها ببطء وقالت:
" هذا لطف منك , سيدتي ,لكنني مضطرة الى مغادرة برشلونة صباح اليوم , لقد وعدت بأستلام وظيفتي الأسبوع المقبل , أفضل أن أقوم بالسياحة في طريقي , ويجب أن أكون حذرة , فربما تعطلت سيارتي ...... أنها ......مجرد كلمة صغيرة يشكرني فيها على العشاء اللطيف الذي شاركته به مساء أمس".
بعد قليل , وبينما كانت كاتي توضب حقيبتها قالت لصديقتها:
" لا أريد أن أكون حشرية , لكنك لن تقنعيني بأنه لا يريد أن يراك من جديد بعدما أرسل لك باقة قرنفل رائعة".
" ربما ألتقينا في الجنوب , لكن كيف؟ فهو لا يعرف الى أين أنا ذاهبة بالتحديد , ولا ماذا سأفعل , أذا كان يعمل في الحقل الفندقي , فلا شك أن مركز أعماله سيكون في مالاغا أو ماربيللالا, وهذا بعيد جدا عن مكاني الصغير في كوستا ديل سول .... ماذا سأفعل بهذا القرنفل , يا كاتي؟ ستذبل أذا حملتها معي".
أجابت كاتي مبتسمة:
" يا صوفيا المسكينة! أذا كان من عادتك أن تسحري الأغنياء , فيجب عليك أن تتعلمي كيف تجدين حلا لهذا النوع من المشكل!".
وبعد الساعة التاسعة كانت صوفيا في طريقها نحو الجنوب , فشرح لها حارس البناية من أين تغادر المدينة ,وتم خروجها بسهولة , ولما وصلت قرب الضاحية , وأوقفت سيارتها على طرف الرصيف لتقرأ من جديد بطاقة كارلوس.
ليس من السهل فهم قصيدة كتبت في القرن السادس عشر , وبعد صعوبة جمة , توصلت الى ترجمتها:
" لقد وقعت في حب فتاة من بوريس , قرب لالاما , ولما كنت قد أقلعت عن الأكتواء بنار الحب , أعتقدت أن الحب قد نساني , لكنني ألتقيت بهذا الجمال , كانت نضرة كالوردة , كان وجهها رائعا , لم يسبق أن رأيت لون بشرة كامل كبشرتها......".
وقبل أن تبتعد كليا عن برشلونة , توقفت مرة ثانية , فقد لاحظت وجود أمرأتين تجلسان على كرسيين , في الظل , الأولى عجوز ترتدي اللباس الأسود , والثانية ارأة شابة حامل , عفويا نزلت صوفيا من سيارتها وحملت باقة القرنفل وقدمتها اليهما في لغة أسبانية مترددة:
" شاب قدم لي هذه الزهور الجميلة , لكن علي أن أجتاز مسافة طويلة في هذا الحر وأخاف أن تذبل قبل وصولي , لذا أقدمها لكما ".
صعدت الى سيارتها فتبعتها كلمات الفرح والدهشة .
صرخت المرأة الحامل قبل أن تقلع صوفيا بسيارتها :
" حظ سعيد يا سينيوريتاّ!".
وعند الظهر توقفت من جديد , على بعد أمتار قليلة من الطريق العام والبحر المتوسط يلمع تحت أشعة الشمس , أوقفت سيارتها في زقاق صغير وغيّرت ملابسها وأرتدت بزة السباحة بسرعة وراء ستائر وتوجهت نحو الشاطىء.
وعلى الرمال الساخنة , بدت المياه باردة , لكن صوفيا معتادة على مياه المانش الهائجة والرمادية , فوجدت هذا الماء هنا رائعا....
" لقد وقعت في حب فتاة من بوريس , قرب لالاما.......".
عاد الى ذاكرتها أول بيت من القصيدة بينما كانت تسبح بكسل في الماء الهادىء , وأستعادت لحظة العناق في المصعد , ووجدت أن كارلوس يطابق الصورة التي رسمتها عنه بعد لقائهما الخاطف قبل أربع سنوات , لكن سعادة صوفيا ليست كاملة , هل سيلتقيان مرة أخرى؟
خرجت من الماء وشعرها الطويل ينسدل على ظهرها , وبدأت تشعر بالجوع , على بعد 400 متر لمحت أشارة مطعم فوق بناء صغير أبيض , ربما تجد هناك بعض السندويشات أو البيض المسلوق.
وبينما هي عائدة نحو سيارتها , أنتفضت وبدأ قلبها يخفق بجنون قرب سيارتها , أصطفت سيارة بيضاء كبيرة , ونظرت حولها ورأت رجلا جالسا على كرسي طويل تحت شمسية ملونة , بدأت صوفيا تركض بفرح ظاهر:
" كارلوس! ماذا تفعل هنا؟".
نهض وأعطاها المئزر الأزرق الذي تركته قرب صندلها ونظارتيها السوداوين فشكرته , فقال:
" ألم تتوقعي رؤيتي؟".
" لا , بالطبع! كيف تمكنت من أيجادي؟ هل هذا صدفة؟".
" لا , طلبت من حارس المبنى أن يعلمني بساعة رحيلك , وعلى هذه الطرقات القاحلة من السهل أن أرى سيارتك البريطانية الصغيرة".
ذهلت صوفيا ولم ترد ,أبتعدت بضعة خطوات , عصرت شعرها ووضعت شريطة عريضة فوق جبينها , ثم أرتدت نظارتيها وتقدمت منه فقال:
" لم تسلّمي عليّ باليد بعد , في أسبانيا هذا أمر حتمي".
وضعت يدها المرتجفة في يده السمراء فشدّ عليها مطولا قبل أن يرفعها على فمه , فقالت بصوت خفيض:
" كنت أعتقد أن في أسبانيا , لا تقبّل يد النساء ألا أذا كن متزوجات".
قال في أبتسامة ساخرة:
" لا تنسي أنني نصف أسباني .. لا شك أنك تشعرين بالظمأ , دعيني أقدم لك شيئا".
كان يحمل برادا صغيرا فيه الثلج والمشروب المنعش والبارد والأواني الفضية الملمعة , فأندهشت الفتاة لهذا الترف فقال لها:
" أنها هدية من خالي , فهي قديمة العهد ولم تكن باهظة الثمن في الماضي , أفضلها على الأواني البلاستيكية , هل تعجبك؟".
" آه , نعم!".
سكب لها الشراب الأصفر الذهبي وقدم لها الكوب قائلا:
" خذي , هذا عصير الفاكهة".
" كنت أنوي شراء البيض المسلوق والسندويش من المقهى القريب من هنا".
" يقول المثل الأسباني:
عندما نريد الأبيض , ننال الأسود ,وعندما نريد.......".
قاطعته صوفيا ضاحكة:
" ....... البيض المسلوق , نحصل على القريدس في أناء فضي ...... آه , تذكرت يا كارلوس , لم أشكرك بعد على باقة القرنفل الرائعة وعلى القصيدة....".
" هل تمكنت من ترجمتها؟".
" كلا".
كادت أن تقول له : لا داعي لذلك , لكنها تابعت تقول:
" أنني أتكل عليك في ترجمتها لي".
" بكل سرور , لكن بشرط واحد".
" أي شرط؟".
" أن تقبلي تناول العشاء معي الليلة".
" هذا يبدو صعبا , سيارتك أمتن من سيارتي بكثير و...".
" نعم , لكنني سأتوقف في طريقي في فالنسيا لمدة على ساعة على الأقل , وبأمكاننا أن نلتقي في اليكانتيه , وهناك يوجد فندق جميل على مدخل المدينة , وبأمكانك أن تصليه قبل العشاء بأرتياح .... ماذا , هل أتفقنا؟ سألتقي بك هناك وآخذك لزيارة اليكانتيه؟".
ترددت صوفيا ثم قالت:
" أتفقنا , سأكون سعيدة أن أتناول العشاء معك..... أنت تعمل في الحقل الفندقي أليس كذلك؟ هل هذا الفندق في اليكانتيه ملكك؟".
" كلا , لا أملك هناك شيئا , أعمالي في الجنوب فقط , لكنني أعرف صاحب فندق ميرامار , وسيستقبلنا بترحاب".
قالت صوفيا مبتسمة :
" عندما نريد الأبيض , ننال الأسود....... كنت أنوي التوقف في مخيّم على الطريق".
قال كارلوس وهو يرفع كتفيه:
" المخيّم عملية مريحة للطلاب , وللعائلات التي تحب قضاء عطلة أقتصادية , لكن المخيمات عادة تعج بالسياّح ونادرا ما تتوفر فيها وسائل الراحة , في أسبانيا أفضل شيء يقوم به السياح هو النزول في البرادور ,أي في الفنادق الرخيصة والفاخرة في آن واحد , التي تديرها الدولة , بعض هذه الفنادق كانت في الماضي قصورا قديمة أو أديرة".
كانت صوفيا تحتسي فنجان القهوة , الغداء اللذيذ والأسترخاء في لكرسي الطويل , في الهواء الطلق , قرب شاطىء البحر وفي الحر الشديد جعلها تشعر بالنعاس , بينما رفيقها لم يكن تبدو عليه أي أشارة تعب.
" قدماك رائعتان يا صوفيا , وأصابع رجليك نحيفة وجميلة وغير مشوهة , لأنك لا شك لا ترتدين الأحذية الضيقة؟ أخلعي مئزرك كي تجف بزتك بسرعة".
" نعم , أنت على حق".
ما أن خلعت مئزرها حتى ندمت على ذلك , ليس لأنها خجلت , بل لأن كارلوس راح يتأملها بوقاحة جعلتها تحمر فقالت بسرعة:
" سأعود الى البحر , ما رأيك أنت؟".
" آه لا! ليس الآن , بعد الغداء مباشرة! لنمشي قليلا".
نهض وأمسك يدها , كانت الساعة الثانية , ساعة القيلولة الأسبانية , لا صوت , بل صمت على الشاطىء المهجور ,تقدما ببطء على الرمل الساخن , حلمها أصبح حقيقة واقعية , يمشيان يدا بيد , هذا المساء سيريها كارلوس اليكانتيه وسيترجم لها قصيدة سانتيلان.
" يجب عليك أن تشتري قبعة من القش لتحمي رأسك من الحر ومن آلام الرأس".
" نعم , فلن يتطاير شعري".
توقف وأخذها بين ذراعيه وقال:
" لا أريدك أن تتلفي هذا الشعر الجمل الحريري".
هل سيعانقها من جديد ؟ لا , بعد لحظة أبعدها عنه فجأة وقال :
" من الأفضل الأنطلاق".
وما أن أقلعت السيارة البيضاء نحو الجنوب , حتى عادت صوفيا الى سيارتها وأرتدت ملابسها وبدأت تقود في هذا الحر الحارق.
وصلت الى فندق ميرامار ساعتين قبل الموعد المتفق عليه , أوقفت سيارتها في مرآب الفندق , وظهر في ملامح الموظف أنه كان يتوقع مجيئها , رافقها الخادم الى غرفتها ووراء الستائر لخضراء من النخيل , كان البحر الأبيض المتوسط يلمع كالبرق.
أخذت صوفيا حماما وغسلت شعرها ولما أستعت , لم يكن بأمكانها المطالعة كما هي عادتها لشدة توترها , فهبطت الى البهو لتشتري بعض البطاقات السياحية , كانت منهمكة بأختيار بعض منها عندما لمحت كارلوس يدخل الفندق وحقيبته في يده , آه , هو أيضا سينزل هنا في فندق الميرامار! لماذا تصوّرت أنه سينزل في فندق آخر في اليكانتيه؟
قال مبتسما :
" مرحبا , أنهيت عملي أبكر مما كنت أتصوّر".
كان يسجل أسمه على لائحة الفندق عندما خرج شاب أسباني من مكتب قريب وسلّم على كارلوس , فقام هذا الأخير بالتشريفات , وعرفت صوفيا أنه مدير الفندق , ويتكلم الأنكليزية , ثم أبتعدت عنهما صوفيا لأبتياع بعض الأغراض من محل الفندق , وسمعت الحديث الذي يدور بين الرجلين , سأله كارلوس باللغة الأسبانية عن حال زوجته وأولاده فأجابه المدير:
" وأنت , يا كارلوس , أنت دائما تقرر على الدفاع عن حريتك , أليس كذلك؟ هل تعيش مع هذه الفتاة الجميلة من زمان؟ وكم ستدوم علاقتكما ؟ لا أكثر من أسابيع معدودة , أليس كذلك؟".
" آه , يا خوسيه أنا لا أطارد النساء , لكن أذا لحقت بي فتاة ما , فماذا تريدني أن أفعل ؟ لست بناسك ..... فضلا عن أنها رائعة......هل غرفتانا منفصلتان , على ما أظن؟".
" بالطبع , وأؤكد بأن باب الأتصال سيفتح بسرعة , يا محظوظ!".
" من دون تعليق , أرجوك".
أقترب كارلوس من صوفيا وسألها باللغة الأنكليزية :
" أطلب منك أن تعطيني فرصة ربع ساعة كي آخذ حماما وأغيّر ملابسي , سألتقي بك على الشرفة , حيث نأخذ كأسا قبل الخروج".
ربّت على كتفيها بحنان ومن دون أن ينتظر منها جوابا , أختفى داخل المصعد.