9- بأي حال عدت يا عيد؟
ولما أستيقظت لوريل من نومها في اليوم التالي , كانت عازمة على التفكير فقط بعملها وبعودتها المقبلة الى لندن , وبالرغم من نواياها وأستعداداتها , صوت داخلي لم يكف عن تذكيرها بأن الكونت في طريق عودته الى فالديروزا......
ذهبت الفتاتان في نزهتهما الصباحية الأعتيادية , على ظهور الخيل, وبقيت دونا لويزا في شقتها للأستراحة بأنتظار قدوم أصحاب القصر.
تحضيرات العيد في ذروتها , فوق عربة جوزيه تعلّق المصابيح على أشجار الحديقة وعلى الأعمدة المنتصبة قرب حافة جدران القصر , شعرت لوريل بأن لا أحد بحاجة اليها , فقررت القيام بزيارة كنيسة النبع , حملت سلة الطعام التي أحضرتها لها صوفيا وأخذت طريق التلال.
الصباح كان رائعا والبحر يلمع تتحت سماء زرقاء خالية من أي غيمة , النسيم الخفيف الآتي من البحر يخفف من حدة الحرارة القاسية , صعدت لوريل التلال ببطء , تتوقف من حين الى آخر للتمتع بالمنظر حولها , وفجأة , ظهرت أمامها كنيسة صغيرة تقع في جوف الجبل , في ظل غابة صغيرة من الصنوبر , بضع خطوات في الصخر المصقول تؤدي الى المغارة الواقعة في زاوية الكنيسة , في الواقع , المغارة كناية عن شق واسع تنبعث منه المياه الشفافة كالكريستال , كان الجو هذا المكان المعزول رائعا وهادئا , الصمت لا يقطعه سوى هدير النبع.
منتديات ليلاس
ولما خرجت لوريل من الكنيسة تسمرت لحظة في الساحة من شدة الأعجاب , أمام عينيها تبرز الجزيرة كبساط من المخمل الأصفر فرش على البحر الأزرق , هنا وهناك , نقطة بيضاء تدل على وجود بيت أو مزرعة , أحيانا يسمع صوت راع وقطيعه على طرف الجبل , أو طقطقة حوافر حصان يجر وراءه عربة , الى اليسار يرز القصر المحاط بالحدائق الواسعة المتدحرجة حتى الشاطىء , أطلقت لوريل زفرة عميقة ثم تناولت سلة الطعام وراحت تبحث عن زاوية مظللة للغداء.....
وبينما كانت العصافير الصغيرة تنقر فتات الطعام , راحت لوريل تتأمل حالمة المنظر الخلاب أمامها , وهي ,نصف مددة على بساط من العشب , لكن , سرعان ما أدركت الواقع , فأذا أحتلت السياحة هذه الجزيرة , ماذا سيحل بالهدوء الكبير في هذا المكان الساحر؟
فجأة , أنتفضت , في الأفق الفارغ ظهرت نقطة صغيرة , راح قلبها ينبض بسرعة , الباخرة تسير في المياه الزرقاء , مقتربة من المرفأ , وأذا أصغت لوريل ال ى قلبها لأنطلقت كالمجنونة نحو الرجل الذي يعني كل شيء لها..... لكن للأسف , ليست سوى غريبة في فالديروزا , وليس من اللياقة أن تعكر صفو الأجتماع العائلي , لذلك أخذت وقتها وعادت في الطريق المتعرجة , وتراءى لها بهو القصر منعشا , بجانب الحر الخارجي , المكان هادىء , وضعت منشفتها ومنديلها ونظارتيها في المدخل , ودخلت الى المطبخ لوضع سلة الطعام , ولدى عودتها سمعت حديثا آتيا من الصالون , ترددت في المرور أمام الباب المفتوح عندما ظهرت منه كارلوتا , غاضبة , حانقة , ولما رأت لوريل , توقفت مكانها وقالت بلهجة متهمة:
" آه , هذه أنت! أنت من أخبر كل شيء ! ألا تخجلين من التدخل في أمور لا تعنيك!".
" كارلوتا! أرجوك أن تسكتي!".
ظهر رودريغو بدوره وقال:
"ستعتذرين فورا!".
" هذا أمر غير وارد أطلاقا!".
أمسك رودريغو بذراعيها وقال:
" كيف تجرؤين على أتهام ضيفتنا مجانا؟".
" أنا أعرف جيدا بأنها جاءت الى هنا للتجسس عليّ".
" أنت مخطئة كليا , ليست لوريل من أخبرتني عن رحلتك السرية".
" لكن من أذن.. لا أرى من يستطيع أن ........".
" الظاهر أن كلمتي لا تكفيك , ولا شك بأنك نسيت بأن العالم صغير.... أمس , ألتقيت مصادفة بآل بيريرا في مدريد ....... لقد لمحوك مع صديقتك في ماديرا , ويأسفوا لأنك لم تزوريهم , الآن , ستعتذرين من لوريل , وأنا أنتظر ذلك منك".
نظرت كارلوتا الى لوريل نظرة أستياء وقالت:
" أذن , بأمكانك الأنتظار! لست أنا من طلب المجيء الى هنا لأجد مثل هذه الجاسوسة القذرة!".
" كارلوتا ! رودريغو!".
ظهرت دونا لويزا تتبعها أمرأة قصيرة وسمينة , شعرها رمادي , ثم قالت:
ألا تخجلان من الصراخ هكذا؟".
قال رودريغو بجهد كبير :
" أعذريني , يا جدتي".
" في المستقبل , لا أريد أن أسمع عراكا كهذا , هنا , ضيوفنا سيستاؤون من ذلك , كارلوتا , لدي كلام معك , أنتظريني في الصالون الصغير".
أبتعدت الفتاة الأسبانية بسرعة ومن دون أحتجاج , أمسكت دونا لويزا ذراع أبنتها وسارت ببطء بعدما رمقت رودريغو بنظرة متعالية.
خلال كل هذا الوقت , بقيت أيفون على حدة ,لكن لوريل لاحظت أنها تكبت رغبة ملحة في الضحك , فتقدمت منها , لكن رودريغو قطع عليها الطريق وقال لها وهو يشير الى باب مكتبه:
" لدي شيء أقوله لك يا لوريل , هل بأمكانك أن تعطيني قليلا من وقتك؟".
وما أن أغلق باب مكتبه وراءه حتى قال:
" لماذا لم تنفذي أوامري؟".
" أوامرك؟ أي أوامر؟".
" هيا , يا لوريل , لا تتصنعي السذاجة , تعرفين جيدا ما أريد قوله , كيف تجرأت وتركن كارلوتا نخالف أوامري؟".
" لكن لم.....لم .......".
" ألم تسمحي لهما بالذهاب ؟".
" طبعا لا !".
" أذن , كيف تمكنتا من الذهاب؟".
" هل تعتقد بأنه من السهولة أن تفرض سلطتك على فتاتين مراهقتين ؟ نحن لا نعيش في القرون الوسطى ! ليس لأنك رئيس العائلة ..... وبأنك , ذات يوم , سيكون لك الحق أن تفعل ما.....".
ترددت لحظة فسألها بسرعة:
" الحق أن أفعل ماذا؟".
" أن تحدد مستقبل كارلوتا , بأتباعك تقليد بال يجعلك لا تكترث بعواطف الآخرين , ألا يمكنك مرة واحدة أن تبذل جهدا وتضع نفسك مكانها ؟ لماذا لا تحاول أن تنصحها بدلا من معاملتها دائما وكأنها ما تزال طفلة؟".
" كيف أنصح فتاة شقية وعنيدة مثلها؟ هل تمزحين وأذا أستمريت في الكلام بهذه اللهجة ربما سأضطر الى انسيان بأنك ضيفة عندي وأعاملك , أنت أيضا , كما تستحقين , لنتوقف عن المناقشة".
بغضب , أرتمت على الباب الذي كان يفتحه لها وقالت بحماس ناقم :
" لكنني لم أنته من الحديث , أنا أرى بأن غلطتي الكبيرة كانت عندما قبلت ضيافتك , آه , كان يجب عليّ أن أثق بنظريتي الأولى فيك.. حين عرفت بأنك رجل بارد , قاس ومتعال , وبأنك لا تبالي بعواطف الآخرين , وبأنك أعمى حيال التقاليد البالية! آه كم أشفق على كارلوتا المسكينة!".
" هل أفرغت ما عندك؟".
أرتجفت لوريل أمام نظرات الكونت القاسية وقالت بصوت حازم:
" نعم , ولم يعد لدي ما أضيفه".
" وأنا أيضا أرتكبت خطأ في الحكم عليك ".
" آه......".
" نعم , لقد وثقت بك وما كان يجب أن أتكل عليك ".
لم تتذكر لوريل أبدا كيف تمكنت من الخروج بعد هذه الشتيمة القاسية , ولا كيف أستاعت التحلّي بالجرأة والبرود لأكمال هذا النهار الطويل.
وفي ذلك المساء كثر المدعوون الى العشاء ومن بينهم قس الجزيرة , الدون أماديو ومعلم المدرسة السيد ألفاريس وزوجته , والجراح الألماني الذي قرّر التقاعد في هذه الجزيرة , العشاء كان لذيذا والحديث خصبا لكن لا شيء مكّن لوريل من التوقف عن التفكير بما حدث قبل قليل.
وبعدما أنتهت هذه السهرة الطويلة , شعرت لوريل بأرتياح كبير وهي تستعيد وحدة غرفتها , وبعينين تحرقهما الدموع دخلت الى سريرها محاولة أقناع نفسها بأنها تكره رودريغو , لكن من دون جدوى , أغمضت عينيها , لكن الصور ظلت تلاحقها , ذكريات ذراعي رودريغو وهي تلتف حول عنقها وحنانه الناعم والقوي في آن واحد....
مع الفجر , بدأت الحركة حول القصر , الأولاد يقطفون الزهور العطرة لتزيين العيد , في الحادية عشر بدأت الأجراس تقرع بفرح داعية الى حضور الصلاة الأحتفالية.
منتديات ليلاس
كانت لوريل تنتظر في الساحة , رائعة بثوبها الأبيض البسيط , شحوب وجهها الخفيف يضفي على ملامحها بريقا ليلكيا يجعلها حنونة وجذابة.
عندما توجهت الى المائدة توقفت وترددت لحظة على عتبة الباب , لكن رودريغو نهض وأنحنى ببرود , فأشارت لها دونا لويزا بالدخول قائلة:
" تعالي , يا أبنتي , تعرفين الآن بأننا نضج من لا شيء !".
" المعذرة , لقد تأخرت".
قال رودريغو بتهذيب :
" لا , كلا نحن جئنا باكرين".
جلست لوريل مكانها وران صمت طويل , وبأبتسامة ساخرة , قالت كارلوتا:
" لا شك أن لوريل أعتقدن بأننا كنا على وشك أن نتضارب بالأيدي , بينما كنا في الواقع نتحدث عن الطقس".
قال رودريغو:
" أولا , لم نكن نتحدث عن الطقس.....".
قالت دونا لرودريغو:
" نعم , بالفعل , أنا مصرّة على حضور الأحتفال والذهاب الى الكنيسة".
قالت العمة كونستانس :
" لكن , يا أمي , فكّري بالجمهور والأزدحام والحر... ... هذا أكثر مما بأمكانك تحمّله , في السنة الماضية , لقد....".
" كفى ! سئمت الدلع , مثل عجوز مسكينة فقدت وعيها!".
رفعت ذقنها بعناد وقالت:
" أذن , رودريغو , هل تصطحبني أو سأطلب من جوزيه أن يخرج السيارة القديمة".
قال رودريغو منحنيا أمام جدته:
" لا حاجة لذلك , يا جدتي , أنا تحت أوامرك".
ولما رأت لوريل الكونت يساعد جدته بلطف في الجلوس داخل السيارة , لم تكف عن التفكير بظلمه أتجاهها , لقد فرض عليها مسؤولية كبرى , ثم راح يتهمها بالفشل في أمر لا أرادة لها فيه.
ولحسن الحظ تمكنت لوريل من عدم التفكير بحزنها أمام الفرح العام خلال هذا النهار الكبير المليء بالألوان , الجميع في الشوارع , بثياب الأحد : الرجال بالبزات السموكينغ السوداء والفتيات بالأبيض , والنساء بالثياب الملونة.
الكنيسة كانت تعج بالناس والحر لا يطاق , الشموع تضيء منصة العذراء المرتدية ثوبها الأحتفالي بألوانه الزرقاء , الوردية والفضية .
أخيرا جاء الوقت الأحتفالي الذي ينتظره المصلون بفارغ الصبر , وببطء خرج الناس من الكنيسة والمنصة محمولة على سرير أبيض , ذهبي ويفيض فرحا وراح الأولاد يضعون باقات الزهور , وبدأ الأحتفال بالنشيد الوطني , داخل المدينة , ثم على طريق التلال.
وبسرعة أختفت كارلوتا وأيفون بين الجمع , أما لوريل فلم ترفع نظرها عن قامة الكونت الممشوقة , أحيانا كان يلتفت الى الوراء ويلقي نظرة الى الموكب , كأنه يبحث عن شخص معيّن , وفي كل مرة كانت لوريل تحاول الأبتسام أو التحدث مع الذين قربها.المكان صغير لا يقدر أن يحتوي جميع المصلين , بقي القس خارجا , تحت السماء الزرقاء وتم الأحتفال ببساطة متناهية , بعدهاعاد الجميع الى المدينة لوضع المنصة في مركزها الأعتيادي , تفكك الجميع وحان الوقت للأستعداد لحفلة المساء.
وبعدما أعدت المائدة في حديقة القصر , لم يبق سوى وقت قصير كي بستعد الجميع للسهرة , صعدت لوريل الى غرفتها لتحضر نفسها , وفوجئت بأن ثمة من جلب أغراضها التي نسيتها في المدخل , مساء البارحة , رتبتها مكانها ثم أخرجتم خزانتها تنورة طويلة حمراء وقميصا من الدانتيل الأبيض , هذه ابزة تجلب لها الحظ ..... من يدي ربما الأعجوبة ستحل....
منتديات ليلاس
بدأت الوفود تنتشر وسط الحديقة المضاءة بالمصابيح العديدة , النساء كالفراشات الملونة , بعض الرجال أرتدوا بزات مخملية , رائحة لحم الغنم والدحاج تفوح في الهواء , الليل فاتر وفي السماء المنجمة ظهر القمر ببطء , فجأة , وجدت لوريل نفسها وحيدة في طرف الطاولة , فسحرت بهذا المنظر الغريب , لقد أبتعدت عنها ايفون وذهبت للرقص.
" تذوقي هذا , يا لوريل".
أنتفضت , قدم لها رودريغو صحنا فيه بعض الحلوى الصغيرة , فسألته وقلبها ينبض بسرعة مجنونة:
" ما هذا؟".
" برشان من أختصاص الجزيرة , والأنكليز يحبونه كثيرا ".
أخذت لوريل وحدة وتذوقتها ثم قالت بصوت متقلص :
" آه , أنها لذيذة!".
" هل تتسلين هنا؟".
أبتسمت لوريل وقالت:
" كثيرا , شكرا , الحديقة مضاءة بصورة رائعة".
وقبل أن يتسنى له الرد كان جوزيه قد ظهر أمامه , فتبعه رودريغو من دون أن يعتذر, شيء ما قد حصل , حاولت لوريل جهدها أن تنسى حقدها والتغلب على توترها فأنخرطت مع الجمع المتحمسين , بعض المدعوين تجمعوا حول الطاولات الصغيرة المنثورة على العشب , والبعض الآخر جلسوا تحت الشجر , ببساطة ومن دون تكلف.
" لوريل , يا صغيرتي , تعالي وأجلسي قربي , أخبريني كيف تم الأحتفال؟".
أشارت لها دونا لويزا من حيث تجلس تحت أحدى العرائش , ثم أضافت بطيبة :
" تبدين متعبة لا أحد يهتم بك .. رامون".
ظهر صبي في الحالت فقالت له:
" أحضر كأس شراب للآنسة دانواي".
جلست لوريل على الكرسي فرحة , جرعت شرابها ببطء , سعيدة لهذا الأسترخاء قرب العجوز الطيبة .
فجأة , ناصت الأضواء وبدأت الأوركسترا تعزف لحنا حماسيا وظهر على المسرح ستة راقصين يرتدون الملابس الملونة , راحوا يؤدون الرقصات الأسبانية الشعبية , وبعد الرقص بدأ الغناء , أخيرا دخل راقص وسيم الى الحلبة وعلى لحن بوليرو لرافيل رقص رقصة رائعة.
صفقت لوريل بحماس وقالت بأستغراب:
" أنه راقص رائع وغريب , كنت أجهل بأن الجزيرة تحتوي على مواهب رفيعة الشأن ".
" هؤلاء الفنانون ليسوا من هنا".
هذا الصوت ظهر من وراء رأسها , أرتجفت لوريل وهي تشعر بيديه تسندان الكرسي وتلمسانها , منذ متى رودريغو واقف وراءها ؟
تابع يقول:
" يأتون من مدريد , وصلوا صباح اليوم وسيعودون في الغد".
" آه , صحيح".
أستمر الغناء والرقص والعزف , لكن فرح لوريل أختفة , ظلت جالسة على حافة الكرسي , مستقيمة كالعصا , كي تتحاشى ملامسة رودريغو , ولما أنطفأت الأضواء العالية , أعتذرت لوزيل وصعدت الى غرفتها وراحت تغسل وجهها ويديها , متمتعة بوحدتها.
ولما نزلت من جديد , كان العيد في أوجه , الموسيقى الشعبية ترن في كل مكان , والراقصون والراقصات يرقصن بحماس غريب , أتكأت لوريل على حافة الشرفة وراحت تتأمل الراقصين , لمحت كارلوتا ترقص مع راقص معروف عرض مواهبه منذ قليل , فشعرت بالوحدة الغريبة , فجأة صوت معروف طلع من خلفها:
" ها ها , أذن هنا أنت مختبئة يا لوريل !".
" ولماذا ...... أحتاج الى الأختباء؟".
" هل تسمحين لي بهذه الرقصة؟".
لكن رودريغو كان قد أمسكها من معصمها وسار بها الى أسفل الشرفة , ثم همس بصوته الناعم وهو يضمها اليه:
" أسترخي , أرجوك , لا تحاولي أقناعي بأنك تجيدين الرقص , ليس من الصعب الرقص على هذه الموسيقى , والآن , أريد أن أرى على وجهك تعبيرا مختلفا.....
" كيف؟".
" لو كانت عيناك رصاصتان , لمتّ في الحال! هل نكرهينني الى هذا الحد؟".
" لا , لا!".
" أنا سعيد لسماع ذلك ,أذن أشرحي لي لماذا تتحاشينني منذ الصباح؟".
لم ترد خوفا من الأنفضاح , وتمسكا بالوعد الذي قطتعته على نفسها , لكن هذه الموسيقى الناعمة لا تساعدها , فهمس في أذنيها :
" أنت غاضبة عليّ؟".
قلبها يطرق بسرعة , لكنها أستطاعت أن تقول , مديرة له رأسها :
" أبدا , يا رودريغو , لكن لم يتسن لي فرصة التكلم معك اليوم , هذا كل ما في الأمر".
" ليس هذا ما سألته".
أرتجفت لصوته الساخر , ثم أبتعدت عنه وصرخت:
" ما دمت تريد معرفة كل شيء , نعم , أتحاشاك منذ صباح اليوم , نعم , أنا غاضبة منك , ماذا أنا في نظرك؟ هل تعتبرني عبدة في مملكتك؟ والآن , ترى من الطبيعي أن أضمك كأن شيئا لم يحدث ؟ كلا أنا لست من هذه الفئة ! أذهب وأعثر على أنسانة أخرى لترقص معها!".
وبغضب قوي , أنزلقت بين الراقصين وهرولت من أول طريق , بعد قليل أصطدمت بشاب وفتاة متعانقين , فأعتذرت وحاولت أكمال طريقها , لكن , هذه التنورة والقميص الحمراء والسوداء.... أنها أيفون ...... وكانت مع.........
ألتفتت بسرعة لترى الفتاة تبتعد عن ذراعي رينالدو , أحتلّها الغضب ...... كل مصائبها ناتجة عن تصرف أيفون الأحمق مع رينالدو الدون جوان , لم تعد تتحمل الصبر , أقتربت من الفتاة بغية توبيخهما , لكن في هذا الوقت شعرت بيدين تمسكانها من كتفيها وتديرانها , وعندئذ لمحت أيفون ورينالدو يختفيان في الظلام.
هزّها الكونت كي تكف عن أحتجاجاتها , أذ قال :
" يا ألهي , دعيهما وشأنهما! بدأت أملّ من هذا الشباب الطائش ".
" وأنا أيضا , بدأت أملّ , لكن ليس للأسباب نفسها".
" ماذا تعنين بهذا الكلام؟".
" أمل أيضا من مزاجاتك المتقلبة , من البرود البعيد الى الحماس الملهوف , وتتهمني بجميع الخطايا , ثم.....".
" تابعي".
رفعت ذقنها بتحد ونظرت اليه مواجهة وقالت:
" ثم , متى أردت , تلعب دور الدون جوان , كأن شيئا لم يكن! ".
" دون جوان! أنا !".
كان على أستعداد للأنفجار , ولعدة لحظا أنتابها الخوف , لكن غضبه حل بسرعة وهمس لها:
" يا ألهي , هكذا تنظرين الي أذن!".
فجأة لم تعرف لوريل ما تقوله , أخفضت رأسها , لكنه رفع وجهها بهدوء وتابع يقول:
" هذا أذن سبب هذه النظرات الحزينة ...... كيف بأمكاني أن أسامح نفسي على ما فعلته بك".
قالت بصوت مخنوق:
" أنت لم تجرح شعوري .... أردت فقط أن ......".
داعب عنقها وقال:
" أنظري الي , يا لوريل".
توتر لذيذ عبر كيانها , وأصبح من المستحيل عليها مقاومة هذا الصوت الدافىء وهذه النظرات الساحرة .
" لا أريد أن أرى بعد الآن هذا التعبير الحزين في عينيك , أريد....".
وقبل أن ينتهي من جملته , ضمها اليه وعانقها بلهب , ونسيا الزمان والمكان.....
نداء قطع عناقهما , رفع رودريغو رأسه , وتساءلت لوريل : لمن هذا الصوت الآتي من عالم آخر , سمعت رودريغو يقوا بغموض:
" ينتظروننا في القصر , يا لوريل , أنها ساعة المفاجأة النهائية , تعالي يا حبيبني".
يا حبيبتي..... لقد دعاها ( يا حبيبتي ) نسيت نظرة كارلوتا القاسية التي فاجأتهما في هذا العناق الجميل.
وفي شرفة القصر , العائلة مجتمعة بأنتظار الأحتفال النهائي , صوت دوى , في الحال أشتعلت السماء
أنسحرت لوريل بهذا المنظر الرائع , كان رودريغو قربها , وذراعه حول خصرها , شعرت بتوتر جميل وبسعادة متناهية , أستأذنت دونا لويزا معتذرة وصعدت الى شقتها , بينما عا الضيوف الى الحديقة حيث بدأ الرقص من جديد , كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل , لكن لا أحد يبالي بذلك.
" تعالي نرقص".
كان رودريغو يحدق اليها بشغف كبير , فألتفتت نحو الطاولة حيث أرادت أن تضع كأسها , وأذا بها تلتقي بنظرات كارلوتا الوقحة المحدقة بها , قالت لها الفتاة الأسبانية :
" أظن بأنك وجدت كل هذا شيقا , يا لوريل , أنها تسلية أضافية تجذب السياح والآن , بدأت تعدين الرحلات السياحية , أليس كذلك؟".
تلعثمت لوريل وقالت:
" أنا....... أنا لا أفهم ما تقولينه".
" بلى , تفهمينني جيدا , ولا حاجة لنفي ذلك , في كل حال لم يعد ذلك سرا لأحد , لماذا ترسمين أذن خرائط الجزيرة ولماذا تدونين جميع التفاصيل أليس والد أيفون مديرا لمكتب السفريات وأنت مساعدته؟".
شعرت لوريل بدواخ وبغموض وسمعت تعجب الكونت , أضافت كارلوتا تقول:
" نعم , هذا صحيح , يا رودريغو , أنت لا تعلم بالأمر , أنهم يريدون جلب السياح الى هنا , وبناء الشقق المفروشة والمطاعم الفخمة والنوادي الليلية , سيأتي السيّاح بالألوف ليدمروا كل شيء , كالجراد , وأنت ألم تكن تعرف ذلك , أسألها أنت بنفسك , لا يمكنها أنكار ذلك , هذه مهنتها".
" هذ هذا صحيح؟".
رجعت لوريل الى الوراء أمام نظرات رودريغو القاسية , هل أيفون هي التي أفصحت لكارلوتا عن سبب وجودهما هنا ؟ لكن فجأة , وكالبرق , فهمت كل شيء .... المنشفة التي تركتها في المدخل ذلك اليوم......
" كلا , دعني أشرح لك , لم أنو أبدا أن ....".
" الحقيقة , أريد الحقيقة , هل تعلمين , نعم , أم لا , عند هذا.... هذا.......".
قاطعته كارلوتا, فرحة من نفسها:
" يدعى غوردن سبرل وشركته تدعى : ( السياحة الكوكبية) ".
قال كأنه لم يسمع ما قالته أبنة عمته:
" هل ستجيبينني؟".
" نعم , لكن.... أنا.....".
" حسنا , لست بحاجة أن أعرف المزيد , لقد خدعتني ..... لقد...".
وضعت لوريل يدها المرتجفة على ذراعه وقالت متوسلة:
" أرجوك , أسمعني , لقد..........".
أبتعد عنها وقال بغضب:
" لا أريد أن أسمع شيئا , يكفي ما كذبت عليّ , حتى الآن , أعتقد بأن عودتك الى لندن أصبحت أكيدة وبسرعة , وجوابي هو نفسه , الذي أعطيته لشركة من هذا النوع , أبدا , لن أدع السياحة تتطور هنا , مساء الخير".
وبسرعة جنونية , غادر الكونت وأختفى داخل القصر.
وجدت لوريل نفسها وحيدة على الشرفة وسط فرقعات سعادتها المدمرة , حولها العيد ما زال مستمرا.........