5- ضيفتان
" هل قال لك أي ساعة سيأتي الى الفندق؟".
أجابت لوريل:
" كلا , قال بأنه سيمر خلال النهار".
" لكن ماذا أذا لم يأت ؟ وماذا أذا فقدت خاتمي ؟ أنت حقا أنسانة غريبة , يا لوريل , كيف نسيت أن تطلبي الخاتم منه؟".
" لقد نسيت ذلك كليا, ضعي حالك مكاني , تشاجرت معه ..... وبعد الذي حصل , لم أكن أنوي سوى العودة , لا تنسي بأنني أضطررت , في بادىء الأمر , أن أدافع عن نفسي ضد رينالدو".
" قولي بصراحة , يا لوريل , هل حاول فعلا أن.....".
قاطعتها لوريل بجفاف قائلة:
" نعم , كان على وشك أن يفعل ذلك.....".
" أوه! مساء أمس , لم أكن أعرف أذا كنت تقولين الحقيقة كاملة أم تضحكين علي".
" ألم تشجعيه على ذلك؟".
" أبدا".
" ألا تريدين أن تقولي شيئا بهذا الخصوص؟".
" لقد أخبرتك بكل ما حصل , لدى عودتي".
" ليس كل شيء.......".
" أذا كنت تريدين تفاصيل مؤنسة , لا تتكلي عليّ".
" آه! لست لطيفة , لكن , يا لها من مغامرة لا تصدق ! الكونت يأتي لنجدتك في منتصف الليل , على ظهر حصان أسود , ثم يضعك فوق الفرس ويقودك الى قصره ..... آه , بعض الناس محظوظون !".
" أستطيع أن أعيش من دون الذي حدث!".
أدارت لوريل ظهرها وراحت ترتدي ملابسها , حول عينيها شحوب يدل على أنها لم تنم جيدا خلال الليل , بعد كل أنفعالات ومفاجآت الأمس , في وضح النهار بدت كل هذه الحوادث كالحلم , أو كالكابوس وتريد لوريل أن تنساه , لكن أيفون تمتع بحشرية ملحة فراحت تنهمر عليها بالأسئلة خلال فطور الصباح.
" أذن , سنتناول الغداء في القصر".
" لا أعرف".
" لكن ما دام قد دعانا.....".
" أتساءل أذا كان لائقا أن نقبل دعوته؟".
" ولم لا ؟ حسب رأيي أنا , هذه الدعوة رائعة , أخبريني كيف هو ؟ ما عمره؟".
" لم أسأله , لكن ربما يكون في الثلاثين".
" هل هو وسيم؟ وجذاب مثل رينالدو؟".
" من الصعب القول.....".
أنها ترى الكونت رجلا وسيما , لكن أن تقارنه برينالدو هذا مستحيل , كمقارنة الهر بالنمر الملكي.... وخشية أن يظهر التوتر الذي يختلجها , أسرعت في القول لأنهاء الحديث :
" آه , سترينه بنفسك".
" لكن , يا لوريل , قلت لي بالأمس , بأنك تشاجرت مع الكونت , ما سبب ذلك؟".
لا تنوي لوريل أن تخبرها عن الظروف المذلة التي جعلتها تلتقي بصاحب ( جزيرة المصير ) فأجابتها قائلة:
" كنت أبالغ قليلا , مثلك , أعتقد الكونت بأنني شجعت رينالدو على ما فعله , فقلت له بأنه مخطىء وبلهجة قاسية , لا شك أنه غير معتاد على ذلك".
" هذا كل ما في الأمر؟".
" ألا يكفي ؟ هل تشعرين بتحسن اليوم؟".
" أنا؟ نعم , لماذا؟ هل أبدو مريضة؟".
" لا , أبدا , بالعكس تبدين متألقة , وأحسدك على ذلك".
فوجئت أيفون وقالت:
" لكنك رائعة , يا لوريل , مبتهجة ومنتعشة وجميلة أيضا.
" أنت جميلة جدا , يا أيفون , ولا حاجة بك للحسد من أي أنسان".
" صحيح؟".
" أنا أكيدة من ذلك , أما الآن فأريد أن أتمدد على الكرسي ّ الهزاز في الحديقة , وأنت ماذا ستفعلين؟".
" لن أتركك , وأود من كل قلبي أن أرى الكونت حين يصل".
خرجت الفتاتان الى الحديقة وتمددتا تحت الشمس وشرعتا في القراءة , ولم يأت أحد , بعد الظهر بدأت أيفون تقلق على خاتمها , عجّ المكان بالنزلاء العجزة وأزوادهم , فملّت أيفون من هذا الوضع وقالت:
" آه , لا أريد أن أبقى دقيقة واحدة مع هؤلاء العجزة المجانين! هذا فوق ما أستطيع تحمله".
" أين تذهبين؟".
" الى الشاطىء".
وضعت أيفون نظارتيها وقبعتها وغادرت المكان بخطوات متمايلة , أطلقت لوريل زفرة عميقة وتساءلت : ماذا بأمكانها أن تفعل؟ من المستحيل أن تراقب صديقتها من الصبح حتى المساء.
ربما كان الكونت على حق , في القصر ستتمكن لوريل من مراقبة أيفون أكثر , وأذا برهنت كارلوتا عن لطفها وتعقلها , لربما أصيحت رفيقة ثمينة لأيفون , التي ما زالت تجد صعوبة في أخفاء ضجرها , وكيف لالأمكان لومها ؟ الجزيرة لا تحتوي على وسائل اللهو لفتاة من جيلها , والآن تأمل لوريل ألا تكون دعوة الكونت مجرد لياقة سطحية كما تتمنى ألا يطول تأخره.
وبأنتظار ذلك , قررت كتابة بعض الرسائل , فنهضت من مكانها وتوجهت الى غرفتها لجلب قلم وورقة , في البهو ألتقت بالآنسة جيسون , هذه المخلوقة العجوز , القصيرة الناعمة , الوحيدة , توقظ عند لوريل الشفقة , تحدثنا معا ثم سألتها العجوز :
" أنسى داما ألا أحد هنا في هذه الساعة من النهار , ساعة القيلولة , أريد شراء بعض البطاقات البريدية ولا أريد أزعاج السيدة آلين , هل تعتقدين أنه بأمكاني أن آخذ بضعة بطاقات الآن؟".
أبتسمت لها لوريل بلطف ونعومة وقالت:
" ليس في ذلك أي مشكلة , وأنا كذلك سآخذ بعضا منها , عادة أضع المال في هذا الصحن , هناك".
فعلت الآنسة جيسون مثل لوريل , ثم تبعتها الى زاوية مظلمة في الشرفة , وقالت:
" هل تركتك صديقتك؟".
" آه... لوقت قصير , ذهبت الى الشاطىء".
" لا شك , أنها لا تتسلى معنا , هذا أمر طبيعي , لمن في سنها , الصغار يعتقدون دائما بأننا لم نمر بسن الشباب , بينما عندما أفكر بذلك الوقت...... في شبابنا , أقول , بأننا لهونا كثيرا , صديقتي وأنا , أتذكر أيّما عندما وقعت بغرام شاب فرنسي ألتقت به نيس مع أحد أصدقائه , تبعانا لمدة أميال عديدة , في جادة الأنكليز , في تلك الأيام , لم يكن سهلا التعرف على الجنس الآخر , ولو عرفت وادة أيّما بذلك , لجنّ جنونها .... آه , نعم كانت أجازة رائعة , ألتقيت بمارك بعد مدة قليلة , وتواعدنا على الزواج.......".
تنهدت عميقا وبأسف أضافت:
" كان ذلك عام 1940 , ومن ثم أندلعت الحرب ومات مارك! جحيم دانكرك.....".
" آه! هذا مؤسف حقا".
" نعم , بقيت حزينة عليه سنوات عديدة ..... لكن, يجب الأستمرار في الحياة....".
فجأة توفت الآنسة جيسون عن الكلام , قائلة:
" آه , المعذرة , يا عزيزتي الصغيرة , لا شك أنك مللت من كلامي".
" لا , أبدا".
" لكنك تسامحين بسهولة , لن أنطق بكلمة بعد الآن!".
وأنغمست العجوز الأنكليزية في كتابة الرسائل وران الصمت مدة طويلة , وحوالي الرابعة بدأ النزلاء يهبطون الى الحديقة , والسيدة آلين تحضر السندويشات والحلوى لمن يريد, محافظة على التقليد البريطاني".
وفي تلك الأثناء وصلت أيفون وتمددت على المقعد , سألتها الآنسة جيسون:
" هل قضيت وقتا ممتعا على شاطىء البحر؟".
" أنت تمزحين , أليس كذلك؟".
هزت العجوز كتفيها ونهضت لتتوجه نحو زاوية الشرفة حيث الشاي يقدم للجميع , وكالجراد أحاط النزلاء بطاولة الطعام , واحوا يأكلون السندويش وقطع الحلوى الصغيرة.
فسألت أيفون:
" أنظري , أنهم يعيشون فقط في أنتظار موعد الطعام , وفي الحقيقة لا يحبون شيئا آخر ! يا لهؤلاء التعساء! ".
" أخفضي صوتك , بأمكان أحد ما أن يسمعك ".
" وأذا سمعني أحد؟ أليس ما أقوله صحيحا؟".
" في المستقبل , يا آنسة , أنصحك أن تبدي رأيك بطريقة سرّية".
هذا الصوت الجاف والمتعالي جعل الفتاتين تستديران معا دفعة واحدة وحين تعرفت لوريل الى النظرة الساخرة التي كانت تهددها منذ الأمس , رفعت يدها الى عنقها.
منذ متى والكونت هنا وراء مقعدها , كيف بم تسمعه يصل؟
قالت أيفون مذعورة:
" ألا تخجل من التنصت على الحديث , يا سيد!".
أبتسم وقال:
" المعذرة , يا آنسة , أنت على حق , غلطتي أسوأ من غلطتك , أسمحي لي أن أقدم نفسي .. رودريغة دي رينزيه , تحت خدمتك ,وأنت , يا آنسة , من تكونين؟".
أعطته أيفون أسمها ونظرت اليه بعينين مسحورتين وأضافت :
" لمعذرة يا سيدي , لا شك أنك عرفت بأنني لم أكن أريد أن أجرح شعور أحد".
" أنا مقتنع كليا بذلك , يا آنسة".
ثم ألتفت الى لوريل وسأل:
" هل بأمكان الجلوس معكما؟".
" طبعا".
جلس الجميع , لكن لوريل كانت ترتجف أضطرابا وتحسد أيفون على أسترخائها وفرحها في الأستئثار بأنتباه هذا الرجل الجذاب , بدا وكأنه عرف نداء العينين الجميلتين البراقتين , وبسرعة أخرج الخاتم من جيبه ونصحها أن تضعه في مكان أمين , فمدت له يدها النحيلة وقالت :
"أظن أنه من الأفضل أن أضعه في أصبعي".
" هل تسمحين أن أساعدك؟".
شكرته أيفون بحرارة , مضيفة بأن والدها مستعد لقتلها أذا أضاعته , ولم تستطع لوريل من كبت أبتسامتها الساخرة : غوردن سبرل هو آخر من يفعل ذلك!
" لست أنا من يجب أن تشكري , بل صديقتك".
" آه , نعم , لقد فهمت , أنها تعرضت للمشاكل من أجل الحصول عليه ".
" نعم , بالفعل".
نظر الكونت الى لوريل وقال:
" هل شفيت كليا من أنفعالات الأمس المؤلمة , يا لوريل؟".
أضطربت لسماع أسمها على لسان الكونت , وهزت رأسها قبل أن تسأل بخجل:
" ربما تريد بعض الشاي".
" شكرا , لقد طلبت من السيدة آلين أن تحضره لنا , كما حدّثتها عن قضيتنا , لقد شاركتني الرأي ولا يبقى لي ألا الحصول على موافقتكما".
لمعت عينا أيفون فرحا , أما لوريل فما زالت مترددة , هل من الصواب أن تدع الكونت يتدخل في شؤونهما لكن.. ما دامت السيدة آلين موافقة.........
" يا لهذه المراعاة!".
وبأسترخاء مبالغ , راح رودريغو دي رينزي يحتسي الشاي .فأعتبرته لوريل في تلك اللحظة بأنه يشبه الحرباء , يتكيّف مع كل الأوضاع بسهولة غريبة , وبدا على أيفون بأنها أتخذت بسحره وجاذبيته.
منتديات ليلاس
وبعد ذهاب الكونت , أنتشر الخبر كالصاعقة , الجميع فرحوا لدعوة الفتاتين الى منزل صاحب الجزيرة , ولما جاء السائق ليأخذهما الى فالديروزا , تجمّع النزلاء كلهم على الشرفة ليودعوهما.
ولما توقفت السيارة الضخمة أمام مدخل القصر, شعرت لوريل بأبتهاج غريب , راح قلبها ينبض بسرعة جنونية , وما أن هبطتا من السيارة حتى تقدم الكونت لأستقبالهما , ثم قال:
" سنريكما غرفتيكما وسنتناول العشاء في الساعة التاسعة وسيكون بسيطا جدا , لأن العمة كونستانس لم تأت بعد".
ولما أصبحتا في غرفتيهما , سألت أيفون بعدما دخلت الى غرفة لوريل الشاسعة:
" ماذا يعني بالعشاء البسيط هل نرتدي الجينز أو الملابس الأنيقة؟".
" أنا سأرتدي تنورة مخملية وقميصا مطرزة".
" وأنا أرغب في أرتداء بزّتي الجديدة , الحمراء والسوداء ...... الشفافة... على شرف الكونت ! لا شك أن ذلك سيحدث تغييرا جذريا في عادات الكونت , أذ كان هذا الأخير معتادا على ذلك !".
ولما رأت أيفون تعبير لوريل المذعور , راحت تضحك بصوت عال وتقول:
" لا تخافي! أنا أمزح فقط .... أليس هذا رائعا أن يكون لكل واحدة منا غرفتها الخاصة تعالي وأنظري الى غرفتي.. شرفتي تطل على البحر , أنه حلم!".
كانت الغرفتان مفروشتين بالأثاث الفاخر والأنيق , غرفة لوريل مغلفة جدرانها بالورق الوردي المقلّم بالفضي , الستائر وغطاء السرير كلها وردية , الأثاث الأبيض المذهّب , منثور على البساط السميك الرمادي , أما غرفة أيفون , فلونها ليلكي وأصفر.
قالت أيفون:
" لم أكن أتوقع سريرا بهذا الشكل وأثاثا من السنديان الأسود ولوحات تمثل المغامرين الأسبان الذين غزوا أميركا! آه , لو كان أبي هنا , لأعجب بذلك".
أطلقت لوريل زفرة عميقة وجلست على السرير , فسألتها أيفون قلقة:
" ماذا بك؟".
" آه , يا ألهي! كيف نسيت؟".
" نسيت ماذا؟".
" المهمة التي أوكلني والدك بها!".
" آه , لا تقولي بأنك لم تصرّحي للكونت عن سبب أقامتنا في هذه الجزيرة...".
" لا! خلال اليومين الفائتين حدثت أمور كثيرة , جعلتني أنسى كليا هذه المسألة , ماذا سأفعل الآن , يا ألهي كيف سأبوح للكونت بأنني جئت بهدف أستكشاف المكان؟".
" لكن ذلك ليس ضروريا!".
" بل هذا من واجبي , ليس لدي خيار".
قالت أيفون بحماس:
" أنا لست من رأيك , فكري بالأمر مليا , أنها فرصة رائعة لنا , وما دمنا في القصر , فسيقول لنا الكونت كل شيء ويدلنا على كل شيء, وهكذا نربح الوقت".
" كلا , لا أريد ذلك , هذا غش وتضليل".
" آه لا تبالغي , أنت ما تزالين في المرحلة الأولى من الأستكشاف وبأمكانك أن تتوقفي عند الحد , والكونت لن يعرف بالأمر".
نهضت لوريل وقالت:
" لا يمكنني أن أقنعه بأنني هنا سائحة وحسب, سأقول له الحقيقة في أسرع وقت , آه , لا أجرؤ على التفكير بردة فعله أتجاه ما سأبوح له".
" آه , أرجوك , نحن محظوظتان لوجودنا في هذا القصر الجميل , كأنه حلم لا يصدق , وأخشى التفكير في توضيب حقائبا من جديد والرحيل!".
ران صمت طويل , بعده أن أقتربت أيفون من لوريل , المتكئة على النافذة:
" لوريل..".
" نعم".
" هل يهمك رأي أنسن غريب , الى هذه الدرجة؟".
" كلا , طبعا , لكنني ممزقة , هل تفهمين ؟ لا أقدر أن أخدع رجلا يقدم لي ضيافته".
أحتجت أيفون وقالت:
" أسمعي , يا لوريل , لا تقلقي , لم يدعونا الكونت الى هنا ألا بهدف واحد , وهو أن تسلي أبنة عمته المدللة , وها نحن الآن في مستوى الأنصاف , أليس كذلك؟".
" هذا المنطق ليس مقنعا".
" ربما , لكن ماذا سيقول أبي , أذا رآنا عائدتين.......".
حدّقت لوريل بصديقتها بنظرة حارقة وفهمت ما تعنيه, أضافت أيفون بتوتر:
" ومتى أصبح رودريغو دي رينزي على علم بمهمتك , سيرمينا خارج القصر.. وخارج الفندق أيضا, ولن يعود لنا سوى الرحيل , وسيتساءل أبي عن سبب عودتنا الباكرة , فسأضطر أن أبوح له بكل شيء وسيقول أن ذلك حصل بسببي أنا".
" لكن لا , كيف يمكننا أن نفكر مسبقا بأن الأمور تحوّلت الى مأساة؟".
أغرورقت عينا أيفون بالدموع السخيّة وناحت تقول:
" بلى , أنها غلطتي , لولاي لما حصل شيء من كل هذا , وسيعرف والدي ذلك , من دون أن نضطر الى أخباره , لقد سببت له حتى الآن المشاكل العديدة .... ولا ..... ولا أنوي أن.... أنزل للعشاء".
" لا , يجب أن تنزلي الى العشاء , فقط من أجل اللياقة".
" هل.... هل ستقولين له عن هدف مجيئنا الى هذه الجزيرة ؟".
" لا أعرف , سأفكر بالأمر".
" في حال أردت أن تقولي له الحقيقة , أرجو أن تفعلي ذلك في غيابي , أن والدي هو الذي يريد تطوير السياحة في هذه الجزيرة , وأنت لا تفعلين سوى تنفيذ أوامره".
منتديات ليلاس
وعدتها لوريل بذلك , لكنها شعرت بثقل على قلبها وهي تدخل بعد قليل الصالون الواسع حيث كان ينتظرهما الكونت , هذه الخدعة تتناقض والقيم التي تتحلى بها لوريل , لكن , أذا كانت صريحة , وباحت بالحقيقة فسيكون لذلك عواقب جمة على مشاريع مديرها , وبالتالي على صحة زوجته ,لو تصرف الكونت بطريقة متعالية ومقيتة , كما فعل في الأمس , لكانت الأمور أسهل بنظر لوريل , لكن للأسف , أظهر هذا المساء لطفا كبيرا موضحا جاذبيته أتجاه ضيوفه.
كانت غرفة الطعام واسعة وأثاثها قديم العهد , الأضواء الآتية من الثريات العالية تتمايل على الآنية الفضّية الفاخرة , خادم صامت يقدم الطعام الشهي : شمام مثلج وسلطة فاكهة البحر وأرنب مطبوخ مع الخضار الناعمة والأرز.....
تهيأ للوريل بأنها تعيش القصص الخرافية , وبدا رودريغة دي رينزي أنيقا أكثر من العادة في بزته السموكينغ وقميصه البيضاء المكسرة , الضوء الخافت خلق جوا خرافيا.
وخلال الحديث قال:
" أوكلتني جدتي أن أتمنى لكما أقامة سعيدة بيننا , فهي ستفرح لرؤيتكما غدا , صحتها مرهقة ولا تخرج من شقتها ألا نادرا وخادمتها تدلّلها كولد صغير".
تساءلت لوريل أذا كان أحد آخر من أفراد عائلته يعيش في القصر , لكنها لم تجرؤ على سؤاله.
كان الليل جميلا ومنعشا , خرجوا الى الشرفة بعد العشاء , رودريغو دي رينزي يدير الحديث بأسترخاء وراحة , وأيفون تشاركه بحماس , أما لوريل فكانت متوترة , شاردة في تأملها البحر وضوء القمر , كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل عندما قال الكونت فجأة :
" آه , المعذرة , أخشى أن أكون قد أتعبتكما , لا شك أنكما ترغبان في فك حقائبكما والذهاب الى النوم".
أوصلهما الى أسفل السلم وأنحنى أمامهما محييا , صعدت لوريل وراء أيفون , عندما توقفت فجأة لدى سماعها صوتا آمرا :
" آه , لقد نسيت , يا آنسة دانواي ...... هل بأمكاني أن أحدثك لحظة.......".
أنتظرها الكونت كي تهبط , قلبها ينبض بسرعة , أدخلها الىمكتبه وأغلق الباب وراءه :
" تبدين مهمومة , يا آنسة؟".
" أنا ؟ لا , أبدا!".
" بالكاد سمعت صوتك هذا المساء".
" صحيح لقد....... لم أكن أقصد ذلك".
" هل أزعجتك خطأ؟".
" كيف ؟ لا أبدا , علي أن أشكرك للطفك الكبير , لقد أستقبلتنا كالأميرات".
" هذا أمر طبيعي جدا , أصر على أن تكون أقامتكما هنا ممتعة جدا , لذلك كنت قلقا عندما رأيتك مهمومة.....".
نظر اليها مباشرة في عينيها , منتظرا ردها , ترددت لوريل , أليس الآن الظرف المثالي لتبوح له عن سبب وجودها في الجزيرة وماذا تقول له؟ كيف تبدأ ؟ كانت تبحث عن كلماتها عندما رأت ملامحه تتغير ثمة بريق عبر في العينين السوداويت.
" هيا , يا آنسة , لا تخافي ! أين حسك الدفاعي الذي أظهرته أمس أتجاهي؟".
تحولت أبتسامته الى سخرية وأضاف:
" هل بلعت لسانك بسبب المسؤوليات الجديدة التي تنتظرك ؟".
" ربما ".
فات الآوان , المناسبة ولّت , لكن خطر جديد يهددها فهي لا تعرف هذا الرجل ألا نتذ 24 ساعة وهي هي مدركة جيدا لردات فعله ...... بعد المزاح الغضب! سيرغمها على قول شيء تندم عليه فيما بعد فمعه يجب أن تطبّق شريعة الغاب.
ما زال يبتسم حين سألها:
" أنت أنكليزية , ولست أسبانية!".
" ليس لطفا مني أن أهاجم الكونت الكريم المضياف".
" أذن , لم نعد نلعب بالنار ؟".
" كلا".
رفع نظره نحو لوحة تمثل رجلا في بزة رسمية وقال:
" يا للأسف , لقد هيأت سيفي سدى".
" هل أنت بحاجة لسلاح مع عدو خال من أي دفاع؟".
" لطفك يخفي قوة غير أعتيادية , يا آنسة".
" ربما تتكلم عن خبرة يا سيد , لكنني أؤكد لك بأنني لا أرغب في العراك معك".
أقترب منها وقال:
" لكن لا يجب تحريضي ".
" أنت من يفعل ذلك ّ! هل هذه عادتك مع جميع الضيوف ؟".
" فقط أذا كانوا يستحقون ذلك".
" آه , أنت تسخر مني!".
ران صمت قصير , بعدها أقترب الكونت منها وأمسكها بكتفيها , شعرت بأنفاسه قرب أذنيها , فقال هامسا:
" أبدا".
قشعريرة غريبة أجتازت جم لوريل وتذكرت عناقات الأمس , وبتوتر شديد أفلتت منه بقوة , متمتمة بكلمات غير مفهومة , فلبس الكونت قناع الرجل العادي وهمس قائلا:
" لقد أخّرتك , وأرجو أن تعذريني .......".
فتح لها الباب , لكن قبل أن تخطو خطوة , كان قد أمسك يدها وطبع عليها قبلة صغيرة.
تمنت له ليلة هنيئة وخرجت من الغرفة متمايلة , قلبها ينبض بسرعة مجنونة داخل صدرها , ماذا تعني هذه البهجة الغريبة التي تحتلها؟