تنفست ناتالي بقوة , كأن جسدها بكامله انتفض ممتلئاً بالحياة , بل كأن لمسة واحدة , حتى لو لم تكن لمسة ودودة , أيقظت في داخلها إحساساً قوياً سيقضي عليها في نهاية الأمر . أيقنت بقوة أنه شعر بذلك هو أيظاً . أدار وجهه نحوها . قال بصوت عميق :
(( أنت حقاً تحبين اللعب بالنار , أليس كذلك ؟ إلى أي مدى أنت مستعدة للإحتراق قبل أن تتعلمي درسك ؟ ))
سيطر عليها إحساس مؤلم بالشوق إليه , جعلها تهمس بتهور :
(( لا أعرف لم لا تعلمني ؟ ))
للحظة , اعتقدت أنه سوف يعانقها , ويلف ذراعيه حولها , و أدركت أنها لن تتردد في مبادلته العناق . إلا أن ديمتريو بدد كل ما نسجته من خيالات و أفكار حوله , حين أبعدها عنه بقوة , و قفز واقفاً على قدميه .
- سوف أخبرك لماذا . لأنني أمتلك خططاً تتعلق بحياتي , و تلك الخطط لا تشملك مطلقاً.
لو أنها تمتلك ولو جزءً صغيراً من كبرياء عائلة وايد الشهير , لرمته بنظرة تحوله إلى شخص عقيم لا جدوى منه , و سارت مبتعدة من دون التفوه بأية كلمة تحط من قدرها .
لكن يبدو أنها لم تشعر بالإهانة بشكل كاف , لأنها بدلاً من ذلك , أشارت إلى وعاء الطعام الذي أحضرته معها و قالت معترضة :
(( لكن ماذا عن هذا الطعام ؟ بالطبع أنت لا تريد أن ترميه ))
قالت ذلك و كأن ما أحضرته تحفة فنية لا تقدر بثمن , لا مجرد بقايا طعام . بدا أنها مستعدة للقيام بأية تضحية , و تحمل كل إهانة , في سبيل الإبقاء على روابط الاتصال مع هذا الرجل .
ما الذي أصابها , بحق الله ؟
أجال بصره في ما حوله , و رمى ما تبقى في فنجان قهوته فوق كومة من الأوساخ , ثم أشار برأسه نحو المطبخ القديم المتداعي , و قال :
(( إن كان الأمر يهمك إلى هذه الدرجة , ضعيه هناك قبل أن تغادري . سيأكله الكلب في وقت لاحق )).
بعدئذ , و قبل أن يتسنى لها الوقت الكافي كي تجيبه , اختفى ديمتريو خلف الفيلا , سائراً بخطى و كأنه يقفز قفزاً .
على الرغم من إنكاره لما يشعر به نحوها , إلا أن سرعته في مغادرة المكان فضحته . أما ناتالي فقد راقت لها فكرة أنه يهرب مبتعداً عنها . بعد مرور دقيقة واحدة , علا صوت المنشار الكهربائي ليملأ المكان , واضعاً حداً لأمنيتها الهزيلة بإمكانية عودته .
حملت فنجان القهوة الفارغ و وعاء الطعام , و سارت إلى المطبخ , بينما راح الكلب يتراقص عند قدميها . كانت بقايا من غداء ديمتريو ما تزال على الطاولة المؤقتة الموضوعة في وسط المطبخ : قالب من الجبنة , قطع من اللحم المجفف المدخن , نصف رغيف من الخبز و وعاء من الزيتون . بالإضافة إلى إبريق القهوة الموضوع فوق الفرن .
جالت ناتالي بنظرها على كل ما في المطبخ , و هزت رأسها باستياء . يجب إعادة الطعام إلى البراد و إزالة الأطباق الوسخة , قبل أن تصبح مسرحاً للذباب الذي يئز عند النافذة . و هكذا بدأت العمل على الفور .
باحت بما تفكر به إلى الجرو الصغير , الذي كان منشغلاً بمهاجمة قدميها عند كل خطوة تقوم بها .
-بالطبع , أنا لا أتوقع منه أن يشكرني , لكنه يستحق أن يعود إلى مكان خالٍ من الفوضى , بعد هذا المجهود المضني الذي يبذله تحت أشعة الشمس الحارقة طيلة النهار .
حرك الجرو ذيله القصير موافقاً , و سار نحو وعاء الماء . سرعان ما قفز إلى داخله , فشرب منه و هو يرش الماء في كل الإتجاهات , بعدئذ سار نحو الطاولة تاركاً وراءه بقعة من الماء , شعرت ناتالي كأنها مجبرة على مسحها . كانت قد قررت في الواقع أن الغرفة كلها بحاجة إلى تنظيف , فآثار الغبار و الأوساخ المندفعة من الحديقة تملأ المكان , فيما يجتمع الكثير منها بين شقوق البلاط المكسور و ثقوبه .منتديات ليلاس
لم تفكر مطلقاً في التجوال في المنزل , لكن عندما اختفى الكلب عبر الباب الذي يؤدي إلى بقية أنحاء المنزل , لم تجد ناتالي أمامها خياراً سوى اللحاق به لإعادته . لاحظت أن ديمتريو بنى حظيرة في زاوية المطبخ , ما يدل بوضوح على إنه لا يريد للكلب الذي أنقذه أن يهرب من المنزل .