كاتب الموضوع :
اماريج
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
زارت قصوراً ملكية و صروحاً معمارية تعتبر هندستها و دقة بنائها اسطوريتين ، لكن لا شيء يمكن مقارنته بهذا . بدت منجذبة بطريقة لا يمكن تفسيرها إلى المنظر البادي أمامها الان . لم يكن لديها اي عذر لتقطع المسافة التي تفصلها عن الباب المفتوح الواقع في الجهة الاخرى للفناء . بالطبع ، لا يحق لها مطلقاً أت تسترق النظر إلى الداخل ، لكن معرفتها بذلك لم تثنها عن عزمها ، بل على العكس من ذلك زادت من فضولها و حماسها .
اجتازت العتبة و دخلت إلى المطبخ الفسيح في وقت يقل عما يستغرقه العصفور لينتقل من غصن إلى آخر . رأت أرض المطبخ مرصوفة بحجارة التراكوتا ، وقد تكسرت عدة بلاطات منها في أماكن عدة ، وفقدت أخرى في أماكن مختلفة .
منتديات ليلاس
هناك مغسلة قديمة تحت النافذة ، و لوح من الرخام مثبت في الجدار الجانبي ، و براد قديم جداً يقعقع في إحدى الزوايا .
في وسط الغرفة وضع لوح من الخشب على حمالتين تستخدمان لنشر الحطب . لا بد أنه يستعمل كطاولة ، فهناك كوب كبير و زجاجة مياه معدنية فارغة فوقه.
شعرت ناتالي بالانزعاج لأن العرق راح يتصبب من جسمها بسبب الحرارة و العطش الشديد ، ما جعل لسانها يلتصق بسقف فمها . وضعت حقيبة الشاطئ و نظارتيها الشمسيتين على الطاولة ، وتساءلت إن كانت المياه في الفيلا صالحة للشرب . على الأرجح أنها ليست كذلك ، وخير دليل على ذلك الصدأ الذي يعلو المغسلة ، و زجاجات المياه الفارغة المتروكة في المطبخ .
ما دام الرجل يشرب من الماء المعبأ في زجاجات خاصة ، فذلك يعني أنه يحتفظ بكمية منها ، و ليس من الصعب إيجاد مكانها .
فتحت باب البراد ، فوجدت أكثر من درزينة من زجاجات المياه المعدنية ، بالإضافة إلى مجموعة من الزجاجات التي تحتوي على أنواع مختلفة من عصير الفواكه ، تكفي مجموعة من عشرة أشخاص لمدة أسبوع كامل .
لم تتردد ناتالي لحظة واحدة ، قبل أن تمسك إحدى زجاجات المياه . نشأت ناتالي على تربية صارمة علمتها أن تكون صادقة و نزيهة ، ومن الطبيعي أن تشعر بالرعب من نفسها إن قامت بعمل مشين كالسرقة .
لكنها ليست على طبيعتها مطلقاً هذا النهار , كما فكرت بانبهار . ربما يعود السبب إلى العطش القوي الذي تشعر به ، مما أدى إلى إصابتها ببعض الجنون . أي سبب أخر يمكنه أن يفسر اقتحامها لمنزل شخص غريب و كأنه منزلها ؟
لكن في تلك اللحظة , بدا إطفاء عطشها هو الأهم لديها من أي شيء آخر . و تجرعت محتوى أكثر من نصف الزجاجة قبل أن تتابع استكشاف الغرفة .
رأت قميصاً معلقة على مسمار في الحائط . إنها مصنوعة من الدنيم ، وقد أصبحت ناعمة كالحرير بسبب الغسيل المستمر ، هذا ما فكرت به ، و هي تلمس القماش بإصابعها . غير أنها لم تلمح أي أثر يدل على وجود امرأة في المنزل . أيقوم الرجل بغسل ثيابه بنفسه ؟ هل يطهو طعامه على ذلك الموقد الصغير ؟
- الفيلا لا تساوي الكثير ، لكن الأرض تستحق ثروة لا بأس بها !
هذا ما صرحت به باربرا ، و هما تتناولان العشاء في الليلة الماضية ، ثم أضافت :
(( لست افهم لماذا لا يسعى هذا الرجل للدخول في سوق بيع الأراضي هنا و يرحل ، بدلاً من تضييع جهوده في إصلاح بناء لا يستحق العناء ؟ الله وحده يعلم السبب ! إن باع ملكيته تلك , بإمكانه أن يعيش مرتاحاً لما تبقى من عمره , لكن في مكان بعيد عن هنا ، بالطبع )).
أوضحت جدتها نقطة حيوية جداً . فالأرض المحيطة بالفيلا شاسعة ، و هي مع كل هذا تتمتع بمناظر تقدر بملايين الدولارات ، و لا شك أنها ستجذب الراغبين بالشراء كما يجذب العسل النحل . إذاً ، ما الذي يدفع رجلاً وحيداً بدون زوجة و أولاد لأن يعمل بجهد متواصل لإعادة المنزل , إلى سابق عهده من الأناقة بحيث يلائم عائلة كبيرة ، بينما هو يستطيع العيش براحة في مكان آخر ؟
سارت ناتالي نحو الباب الخلفي من جديد , و حدقت إلى الخارج . الورود البرية و أزهار البوغنفلية تتوزع هنا و هناك مع أنواع كثيرة أخرى من النباتات ، و الفراشات تتنقل بسرعة بين أحواض الزهور الملونة .
|