علمت ناتالي ذلك , حتى قبل أن تتمتم امرأة قريبة منها محدثة زوجها :
(( يا إلهي ! لقد انضمت المافيا إلى الحفلة ! ما الذي أصاب عقل باربرا حتى تدعوه ؟ ))
انقبض قلب ناتالي , و شعرت بألم شديد . أرادت أن تبعده عن خط النار , و أن تتحدى أي شخص يتوجه إليه بكلمة سيئة كما أرادت أن توبخه على عدم إظهار القليل من المنطق بتصرفه . و الأهم من هذا كله , أرادت أن تعاتب جدتها و تلومها لأنها تعمدت أن تذله و تحرجها .
مهما يكن الأمر , فات الأوان الآن على القيام بأي شيء . لقد ارتكبت خطأ بتركها الأمر يجري على هذا النحو . الآن أصبح الوقت متأخراً جداً , و هي لا تستطيع القيام بأي شيء سوى البقاء ثابتة في مكانها , ترنو إليه بعينيها كي يسامحها لأنها لم تفطن من قبل إلى إنه يسير إلى فخ نصب له .
أمام دهشة الجميع تقدم ديمتريو دون أن يبدو عليه أي إرتباك أو انزعاج لأنه وجد نفسه عرضة لنظراتهم الفاحصة و انتقاداتهم القاسية .
جال بنظره عبر الغرفة الواسعة , و أحنى رأسه قليلاً لجدتها , و هي الشخص الوحيد الذي اقترب منه . بدا له بوضوح إنها مسيطرة على الوضع بإحكام . أحنت رأسها قليلاً , و شاب حركاتها الاشمئزاز و هي تقول :
(( حسناً ! سيد برتولوزي ... ها قد أتيت أخيراً ! بدأت أظن إنك لن تحضر ))
استجابته فاجأتها تماماً , و ظهر ذلك على ملامح وجهها . توقعت أن يمسك بيدها و يهزها قليلاً , إلا إن ديمتريو رفع ظاهر يدها إلى شفتيه , و طبع قبلة قصيرة عليها , ثم همس بصوته المثير كما يفعل دائماً :
(( ما كنت لأحلم بالانضمام إلى هذه الحفلة المميزة , سنيورا , و يسعدني جداً وجودي هنا ))
ثم نظر مباشرة إلى عينيها , و غمزها . كأنه أراد أن يقول لها : نحن نعلم أن كلينا نكذب , لكن إذا كانت هذه رغبتك في اللعب , فإن الأمر يناسبني .
ظهور التوتر على ملامح جدتها هو أمر يستحق التوقف عنده . لم ترَ ناتالي يوماً جدتها محبطة كما رأتها في تلك اللحظة . ردت قائلة :
(( لنقدم لك شراباً ما , بعدئذ سأعرفك على الجميع ))
أجاب ديمتريو و المرح بادٍ في صوته :
(( يبدو الشراب فكرة جيدة , لكنني أشك أن يكون هناك حاجة لتقديمي لأي كان . فأنا متأكد أن جميع ضيوفك يعرفون من أكون ))
شعرت ناتالي بالخوف من أن تختنق جدتها بسبب ما سمعته , لكن باربرا أفاقت بسرعة من ذهولها , و قالت معترضة :
(( لكنك لا تعرفهم ))
هذه المرة , منحها إحدى أجمل ابتساماته , و علق :
(( أنا أعرف حفيدتك , و هذا كاف على ما أظن ))
- هذا صحيح
رمقته ملياً بنظراتها التي تقطع كالسكين , و تابعت :
(( أصبحتما مقربين جداً , كما يبدو ))
وافق من دون أن يرمش له جفن :
(( جداً ... كما يتقرب الجيران عادة من بعضهم البعض ))
تشابكت نظراتهما كأنهما في معركة . لكن كما يحصل لناتالي تماماً حين لا تستطيع الصمود أمام تحديق عينيه الزرقاوين الثاقبتين من دون أن تفقد تماسكها , هذا ما حصل لجدتها أيظاً .
- حسناً , إذاً !
تابعت بصوت كالأزيز , و هي تبتعد عن خط النار قبل أن تتمزق كرامتها إلى أشلاء , و أشارت نحو ناتالي :
(( سأتركك بين يديها , و أتمنى أن تنجح حيث فشلت , و تتمكن من إقناعك بتوسيع دائرة معارفك ))
أخيراً و بعد أن تحررت من شرنقة الجمود التي لفت الغرفة , انضمت ناتالي إليهما , و تمتمت :
(( مرحباً ! ))
منتديات ليلاس
أدركت أن الأنظار تحولت إليها . لم تعرف إن كان عليها أن تبتسم من جديد , أم تقع بين ذراعيه و تنفجر بالدموع ببساطة ..
أنقذها ديمتريو من ارتباكها , حين ضغط بيديه على يديها , ثم تراجع إلى الوراء قليلاً و هو يقول :
(( لم أراك يوماً أكثر جمالاً , أميرتي ! ))
ما سر هذا الرجل ؟ إنه يقول الكلام المناسب في الوقت المناسب . سألت نفسها و هي تشعر بصدمة تركتها غير قادرة على التفوه بأية كلمة .
لم تكن ناتالي الوحيدة التي أصابها التعجب و التساؤل . فعندما وصل هذا الرجل , بدا كأن الطاعون نفسه قد انتشر في الغرفة , إلا أن توازن القوى تغير منذ تلك اللحظة . إذ سرعان ما ظهر للعيان إنه الرابح في معركة الارادة مع سيدة المجتمع المميزة باربرا وايد , أما أولئك الذين أداروا ظهورهم له منذ عدة دقائق , فراحوا يرمقونه الآن بإحترام يشوبه الحقد و الحسد . بربطة عنق سوداء أم بدونها , هذا الرجل يستحق نظرة ثانية !
لم تستطع ناتالي إلا أن توافق على ذلك . فقد رتب ديمتريو شعره الأشعث ليصبح أملس , كما محا كل آثار للظلال تحت عينيه , و قص أظافره التي بدت نظيفة و مرتبة تماماً . أما عطر ما بعد حلاقة الذي وضعه فبدا منعشاً و مميزاً .
و مع أن اختياره لثيابه ليس تقليدياً على الإطلاق , لكنها لا تستطيع أن تنكر أن سترته أنيقة جداً , كذلك قميصه و ربطة عنقه المصنوعتين من الحرير الصافي . لم يعد لدى ناتالي أي شك و هي تقوم بجولة بين الحضور برفقته , إنه يستطيع تدبير أمره في مجتمع أكبر من هذا .
لم يخيب ديمتريو أملها البتة . تعامل مع كل تعارف باحترام و اهتمام , مما أثار إعجابها و غضبها معاً . تساءلت من هو الشخص الذي يحاول ديمتريو أن يهزأ به , هي أم كل شخص آخر هنا ؟