بدا بوضوح أنا أصابته بالدهشة من جديد . و على الفور أشاح ديمتريو ببصره جانباً , و هز رأسه منزعجاً . بعد قليل أغمض عينيه , و زفر أنفاساً متقطعة و حادة .
أخيراً نظر إليها و قال :
(( أنت لا تعرفين عما تتحدثين . يمكنني أن أعد على يد واحدة عدد الساعات التي أمضيناها معاً . نحن لا نعرف بعضنا لأيام , أو أسابيع , أو شهر , أيتها الأميرة , لكن لساعات فقط ! كيق يمكن بحق السماء أن تغرمي برجل في ذلك الوقت القصير , لا سيما إذا كان الرجل مثلي ؟ ))
- لا تحتاج المرأة إلا إلى دقائق فقط لتنظر إلى قلبها و ترى الحقيقة في داخله .
أطلق ديمتريو شتيمة و ابتعد عنها قليلاً . توقف لفترة قصيرة ليرميها بتعليق من وراء كتفيه قبل أن يتوجه إلى المنزل :
(( ألم تسمعي كلمة واحدة مما قلته ؟ قلت لك سابقاً : أنا و أنت أشبه بالزيت و الماء , مهما حاولت أن تمزجيهما فإنهما لن يمتزجا ))
راقبته ناتالي و هو يغادر المكان و قد غمرها اليأس , و ملأ الحزن قلبها . و كأنما الكلب الصغير شعر بخيبة أملها , فوضع قائمتيه الأماميتين على ركبتيها متذمراً . انحنت و حملته بين ذراعيها , ثم دفنت وجهها في جسمه الصغير الدافئ .
همست :
(( أنا لا أصدقه , و لا أهتم لما قاله , فأنا مغرمة بكما معاً , و لا أستطيع إنكار ذلك ))
رفع الجرو رأسه , و راح يلعق وجهها بحماس . فكرت ناتالي أنه على الأقل لا يعتقد أنها مجنونة .
أطلق ديمتريو شتيمة غاضبة , و هو يدخل إلى المطبخ . شعر بأنفاسه تتسارع و بجسده يتصبب عرقاً كأنه كان يركض في الماراثون . ما الذي دهاه بحق السماء , كي يسمح للأمور بأن تتطور بينهما لتصل إلى درجة الخطر ؟ مع ذلك , فكر , مبرراً لنفسه , أن أي رجل تجري الدماء في عروقه سوف يتأثر بجمالها و سحرها .
طرف بعينيه ما إن سقطت قطرات من العرق على وجهه . كل ذرة فيها , من رأسها حتى أخمص قدميها , رائعة بما يكفي لجعل الرجل يحيد عن صوابه , حتى لو كان ناسكاً . و ديمتريو برتولوزي هو أبعد ما يكون عن الناسك .
كل ما فعلته بدا صادقاً إلى درجة جعلت مشاعره تفيض شوقاً إليها , ديمتريو ليس معتاداً على مثل ذلك الصدق و مثل تلك البراءة , لا فكرة لديه مطلقاً عن كيفية التعامل مع هذا الوضع , كل ما قام به هو إنه ركض بعيداً عنها بكل ما أوتي من قوة .
لكن المشكلة هي أن الرجل لا يستطيع الإستمرار في الهروب من نفسه . ففي نهاية السباق سيجد أن المشاكل مازلت وراءه تماماً , و إنه لا يستطيع الهروب منها , فعاجلاً أم آجلاً عليه مواجهتها .
سمع خطواتها المترددة تقترب منه عبر الحديقة , ما جعله يدرك أن المواجهة ستكون قريبة , و قريبة جداً .
بالطبع لن ترضى ناتالي بأن تختفي في الظلام و تتركه بسلام . لا بد أنه أحمق كبير إن ظن إنها ستفعل ذلك . خنق تنهيدة في صدره , قبل أن يستدير لمواجهتها .
منتديات ليلاس
قالت بصوت حزين :
(( أحضرت بيبو إلى المنزل . لا أعتقد أنك تريده أن يبقى في الخارج , لكن ... هذا هو السبب الوحيد لوجودي هنا , فأنا أعلم أنك تريدني أن أرحل ))
اعتصر قلبه ألماً و إشفاقاً عليها بسبب الحزن الذي نضح في صوتها .
نعم , هو يريدها أن ترحل , لكن ما يريده بإلحاح أكبر هو أن يبقيها هنا بقربهِ ... ليس فقط من أجل معانقتها .. يريد أن يجعلها تبتسم و أن يسمع ضحكتها , يريد أن يمتع عينيه برؤيتها عبر الطاولة , فيتحدث إليها و يعرف المزيد عنها و هما يتشاركان العشاء البسيط الذي قرر إعداده .. حتى أنه يريد أن يشاركها بذكريات من حياته , و هذا أمر لم يشعر به مطلقاً من قبل .
مع ذلك , و من أجل مصلحتهما معاً , فإن التخلص منها هو أفضل حل .
لم يعرف ديمتريو كيف انتهى به الأمر ليقول :
(( يمكنك أنت أيظاً البقاء . عليك أن تأكلي , و هنا لدي الطعام كاف لنا نحن الإثنين ))
لمست بطرف لسانها شفتها العليا بتوتر , و قالت :
(( أنت فقط تحاول أن تبدو مهذباً ))