المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
عرق النسا/قصة سميرالمنزلاوى عضو اتحاد الكتاب
آه يا ناري لو أعرف سكة ساحر يأخذ عيني ليحولني عصفورا أتنصت على همس أبى و سميحة ! لن أنقل كل ما أسمعه بالطبع لأمي المتشوقةاليه ، لكنني سأشبع فضولي و أغلق هذا الباب المهبب بالضبة و المفتاح .
قل لي يا فالح كيف يتلصص عصفورك، و أين سيقف؟ الدكان كأنه زنزانة ، أما النافذة الوحيدة المطلة على الغيطان فهل رأيتها مفتوحة يوما ؟ إذن فالعصفور الذي هو أنت لابد له أن يقف على البنك نفسه الذي تتكئ سميحة بنصفها العلوي عليه من الخارج بينما يتكئ أبوك على الجانب المقابل ، تكون المسافة بينه وبين وجهها المسمسم الحلو و جسمها المنحنى الريان ربع شبر، أما ضفيرتها الخلفية الفاحمة فإنها تهتز كذيل المهرة. إذا لم يكن بد من فكرة التحول فلتكن صابونة أو علبة سجائر لأنهما يوضعان في الرف القريب من مكان الهمس .أنت تسميني فالح على سبيل التندر و السخرية فماذا عساني أطلق عليك ، آه نفس الاسم فالح ! قل لي أنت يا فالح ماذا سيكون مصيري في حالة كوني صابونة أو علبة سجائر عندما يأتي زبون متعجل و يشتريني؟ لن أسمع همسة واحدة بل سأفقد حياتي في حمام أو تحت الأقدام .سمعت عن أجهزة تسجيل دقيقة تزرع في الحوائط أو ظهور المقاعد فلا يتنبه لوجودها أحد ، و هي بارعة في التقاط أضعف إشارة و في حجرتىأدير الشريط و أستمتع بعد أن تنام أختي الصغيرة تهاني .. لكن اليد قصيرة ! سأظل مضطرا إذن أن أتبع الطريقة القديمة و أطلع لأبى و سميحة من تحت الأرض ، لا أسمع شيئا ، لكنني أثير القلق و أرى سحابة سوداء في جبهته و في جبهتها و هما يعتدلان بسرعة و تغمغم فيسرع بلف بعض الأشياء في ورقة و يناولها .
أفرد له يدي فيضع مصروفي و يزمجر: لا شغله و لا مشغلة. أمي تسألني كل يوم : سميحة راحت الدكان ؟سمعت حاجه؟أردد كلاما عائما : عادى كانت تشترى شايا و سكرا و لم تفتح حنكها بكلمة. هي لا تصدق لأن البلد كلها تكلمت و زارتها نسوة بعدد شعر الرأس للتحذير و التضامن . كلامي يريحها و لكن لا يداويها، لو تطع عقلها المستعر لضربتها بالشبشب حتى تبعثر مخها ! لكن الزوج الطلسم لن يرحمها سيضربها أمام الناس حتى تغور في سابع أرض .في أوقات متباعدة يحجزني في الصباح أو يرسل لىغلاما الىالمقهى: اقعد في الدكان .يخطف رجله إلى مطوبس أو يذهب في عزاء أو تهنئة ،يتعين على أن أحتمل رائحة الأضرحة التي تنبعث من كل شئ بفعل البخور العالق، و لا أجرؤ على فتح النافذة التي تمتلئ حافتها بالمسامير الصدئة و الأحذية الممزقة و الأتربة و الصراصير لان ذلك يؤدى إلى دخول الفئران !أمي رجته و باست يده ليترك لي الدكان :اعتمد عليه ، أنت محتاج للراحة.
يزعق : أنا حي و بصحتي ، الشغل في كل مكان .لكي يثبت ملكيته علق الرخصة و السجل و الشهادة الصحية و صورته الشخصية.أنا فوزي عبد السلام صاحب بقالة الأمانة، كل شئ هنا ملكي أما الولد الفاشل فريد فليس له هنا خردله و لو كان بيدي ما جعلته يدخله برجله ، لكن ما باليد حيلة!أمي حزينة تريدني أن آخذ الدكان و في الليل أسمعه يزمجر كالقط الهائج فوق الأسطح و أشعربها حائرة تهرب إلى الحمام ثم تأتى لتطمئن على البنت الراقدة و تتمدد بجوارها على السرير الصغير . معنا الآن في البرنامج الحاج فوزي عبد السلام صاحب بقالة الأمانة لديه مشكلة تفضل .أنا رجل بسيط بدأت من الصفر و أصبحت صاحب أكبر دكان في البلد ، و الولد الجالس بجواري يدعى انه ابني و يريد سرقة الدكان بمساعدة أمه!
طيب يا حاج فوزي أنت ورد في كلامك كلمة ( يدعى ) أرجوك اشرح للمشاهدين.أقصد انه ابن حرام .
عيب تقول كده قدام الملايين.
لحظة واحده يا أستاذ فريد لابد من حرية الرأي.
هل أمك لا تتهرب منى ليلا و تنام عندك في الحجرة ؟
-: فريد أنت نائم ؟
-: لا
تقوم متسللة حيث نام القط و ارتفعت أنفاسه تملأ المكان.
حين أكون في الدكان لا تأتى سميحة إلا نادرا و هي تقف بعيدا عن البنك و تطلب أشياءها بصوت خفيض ثم تستدير كالطيف . أبدأ اليوم بمحاولة التكيف مع الروائح و النفايات و أكوام القذارة ثم أرقب الحمارة التي تسرح يوميا في العاشرة و خلفها جحش ملتصق الأذنين يركض في حيرة . أجلس لصناعة قراطيس اللب و السوداني و السكر في كتب توفيق الحكيم و يوسف السباعي . منذ فترة جاءت قرعة صورة يوسف السباعي في قرطاس ذهب إلى دار الحاج محمد قريش و لما بعثني أبى أطالبه بحساب متأخر فوجئت بالسباعي مثبتا بعجين فوق حائط حجرة الضيوف و قد كتب ابنه التلميذ تحته بالطباشير: عاش السيد الرئيس محمد حسنى مبارك! اتمنىأن أذهب مرة إلى مطوبس أتبضع . أخرج الكشف من جيبي و المحفظة من الجيب الآخر و أحمل البضاعة على كارو عبد الغنى. البقالة من نافع و الخردوات من كمال بلال ، الأدوية أشتريها سرا من أجزخانة الياس . لا يعطيني الفرصة أبدا .في ظلام الحجرة يحلو لي التفكير ، و في الليلة الموعودة كنت أسأل نفسي : من السبب فيما يفعله أبى ، هل هي أمي أم سميحة؟ حادي بادي واحد اثنان . لعبة مسلية حتى الصباح ثم أنام إلى المغرب .اللعبة ليست مسلية لأنك لن تتخلص من انحيازك . دع هذا السؤال و لتلعب لعبة الهمس . تخيل ماذا يقولان حين يقترب نصفاهما ؟ لم أكد أبدأ التخيل حتى سمعت من يوسوس في أذني: أنا سوف أريحك و أخبرك بكل ما يدور في اللقاءات السرية بين أبيك العلق و سميحة .
في الحقيقة لم أخف و لا اهتزت لي شعرة لأني منذ فترة طويلة أبحث عن ساحر عليم و برق في مخي أنه استجاب و جاء : هل أنت الساحر ؟
: لا يوجد سحر الآن يا فريد أناعفركوش بن برطكوش كنت نائما في حالي منذ وفاة المرحوم إسماعيل يس فحرقتني بأفكارك و رغباتك فاستيقظت و جئتك.
بدأ يوسوس لي بما يقوله أبى وبما تقوله سميحة . كلام بذئ ، قذر
-: أنت عفريت وسخ .
ارتميت على السرير.لكنني ما كدت أضع رجلي على أول درجة في سلم النوم حتى فتح الباب و دخلت أمي : أبوك تعبان.
أعطتني المفتاح . كان رأسي يدق، ابتسمت حين تذكرت كلمات العفريت قالت :تعالى كلمه وخذ بالك من سميحة .
كان مضطجعا وساقه اليمنى مفرودة أمامه : رجلي كأن فيها نار
همهمت بعدة كلمات.
- انتبه لا تبع للغرباء و حاذر من بعثرة السكر و الزيت . دقق في الوزن و لا تكشر في وجه الزبائن أنا أفعل كما يفعل قرد الحاوي حتى أعجبهم . الأدوية تحت فرشة درج الفلوس . حبوب نصار للإسهال، الانترفورم للإمساك، الأثير للمغص. دفتر البفرة لا يباع وحده لابد من سجائر أو دخان.
لم فكر كثيرا لأني أحفظ هذه النصائح و لو كانت هناك حرية لنصحته بإنزال المعلقات المتربة و فتح النافذة للتهوية و تنظيف المقبرة المفتوحة تحت البنك و نقل صفيحة الجاز التي تنسكب على الأرض إلى الخارج و مراعاة شعور البلد كلها و إنهاء مهزلة سميحة!
يومان مرا سألني بعدهما الناس عن أبى و هرعوا إليه يزورونه و يجمعون على أن ما يعانى منه هو عرق النسا . جلبت أمي الرمل الساخن وزيت الخروع وزيت الماكينات ، و بدلا من زمجرة القط الهائج سمعنا تأوهات طفل مكروب و سهرت طول الليل تدعك له الجلد بالزيت حتى يشربه العرق اللعين و يهدأ ، لكنه رفض كل ما قدم له و ظل يأكل أعصابه إلى حد اننى بكيت .في الليل قال لي العفريت : تبكى كالأطفال؟
قلت له : انك عفريت لا تعرف العواطف أليس أبى ؟
: لن تستمر في سخافاتك عندما أخبرك بما يقولانه هو و سميحة عنك؟
: قل لي من فضلك ، لطالما أردت أن أعرف ؟
- أنا لا ذنب لي فلا تؤاخذني.
عندما تضايقهما تقول له :ابنك ماسخ و قليل الذوق. فيقول لها متأففا: انه ابن حرام، ربنا يريحني منه ومن أمه في يوم واحد.
- هل هذا حقيقي أتقسم عليه؟
اسمع يا فوزي أنا تخصصىنقل الأخبار و بكل دقة
. لا أعمل شيئا سوى ذلك ، يعنى لو سألتني عن وجع ساق أبيك أو طلبت منى دواء فلن تخرج منى بطائل .
: وأنا الذي أبكى!
: لا وقت للبكاء الدكان ينتظر منك الكثير . لابد من التغيير . أبوك على حد علمي لن يعود إليه . فلتفعل ما تراه ضروريا و ها أنت عرفت ما يضمر لك وما يقوله عنك أمام امرأة غريبة.
: نعم سأغير كل شئ.
: و لتأخذ سميحة أيضا .
: كيف؟ إنها تكرهني . حتى عندما تقابلني في الشارع تهرب كأني سآكلها.
: طبعا أنت السبب . دائما تشعرها بالعار و بأنك تمسكها من اليد المعطوبة.كما أن أمك ترسل لها شتائم نابية.
: وما هوا لسبيل ا لى غزو قلبها و جعلها مثل الخاتم في اصبعى يا شيخ العفاريت ؟ هل من سحر يقلب الأوضاع؟
: سبق و أخبرتك أن السحر اختفى و من قبل كنت تتساخف و تريد أن تكون عصفورا أو صابونه ثم جاءك ما تريد و أنت نائم ، و يبدو أنك استحليت ذلك فتريدني أن آتيك بسميحة جاهزة ، لا لابد أن تبذل جهدا لكى تشعر بك و تتجه ناحيتك .
فىاليوم الرابع و بينما كنت منشغلا بصناعة قراطيس بلزاك و مارسيل بر وست و أراقب ضاحكا عدة سراويل نسائية على حبال الغسيل لأن معظمها من أكياس قماشية تحمل
علامة شركة الحوا مدية للسكر، جاءت تهاني أختي تجرى و انحنيت لها فقالت في أذني: هات فلوس ، عمى طلحه سيذهب مع أبى للدكتور في مطوبس.
ما إن غابت حتى رأيت الحمارة و الجحش، لكنها اقتربت هذه المرة و قالت بلسان فصيح :
- أنت ولد ماسخ و قليل الذوق . ربنا يريحني منك ون أمك في يوم واحد .
- ثم اندفعت تجرى و يركض وراءها ابنها ضاحكا بصوت طفل.
ظللت أغلى طول اليوم و في المساء كان البيت غاصا بالزبائن و قال عمى طلحة لأمي في السر إن الأمر خطير و أعطاها لفافة حقن وحبوب و مراهم .
لما أظلمت الحجرة جاء العفريت ، شكوت له مما فعلت الحمارة فقال : لا تهتم إنها ابنة ملك الجان و لا سلطان لى عليها !
أصبحت أستيقظ على نداء السبكى الذىيعطى الحقن و أقف مملوءا بالكسل وهو يعد الإبرة ثم يشير إلى أبى الذىيعتصم بالركن ليخفى إليته .كان اليوم الخامس هو ساعة الصفر: عالجت مقبض النافذة بالجازحتى أفاق من غشيته وفتح المصراعين فمرق الهواء الذي طال اشتياقه لمعرفة ما يدور في الداخل . النفايات التي كانت على الحافة كومتها في جوال . مزقت فرشة الرفوف من ورق الجرائد الأصفر المرصع ببراز الذباب وأنزلت البضاعة ثم قصصت أوراقا جديدة على شكل مثلثات و مربعات و نسقت كل صنف في رف مستقل بطريقة الاهرامات، نظرت إلى المعلقات ، كان مطموسة وقميئة . أنزلتها و غسلت الزجاج بالماء ثم دعكت الحواف فلمعت كالذهب. أردت أن أعيدها إلى أماكنها لكنني وجدتني اقذفها في قلب الجوال . بقيت الأشلاء المكدسة
في المقبرة تحت البنك ، سحبت الزجاجات وا لعلب و كنست بقايا السمن و السكر و الزيت فارتفعت رائحةعطانة لا تطاق مما دفعني إلى جلب دلو من الماء والرقود على الأرض لأغسل الآثار. الدكان الآن شاب في العشرين، و التوتر زال إلى حد كبير لدرجةاننى أمسكت أحد كتب القراطيس لأقرأ فيه و مضى اليوم رشيقا خفيف الدم .قال لى العفريت إن ما فعلته يثبت جدارتي و لم يبق لى لإعلان رجولتي الكاملة سوى الاستيلاء على سميحة!
: اننى لا أستطيع أن اكلمها . إنها تأتى دائما في وجود زبائن!
: - هل تظن الأمر سهلا . كلا .صدقني، أبوك تعب سنوات حتى رضيت له ، و لا تعتقد أن الحكاية وقفةاو كلمتين على البنك .
: أريد أن افهم .
: أبوك كان يأخذها إلى مطوبس ، هناك يطعمها اللحم و الفراخ المشوية و الهريسة و أحيانا يشترى لها قماشا و أدوات تجميل.اسأل أي عيل في البلد يخبرك عن ذلك و يخبرك أيضا أنه يسقط إليها من السطح ليلا و يقضى معها وقتا ممتعا .
: و بماذا تنصحني . لابد من الوصول إليها و لو كلفني ذلك حياتي .
:الأمر بسيط ، اشتر لها كريم وجه و زيت شعر يجعل الضفيرة تلمع. المرحلة التالية اعزمها إلى مطوبس و بالغ في الفنجرة ! ابدأ غدا و سوف أجعلها تأتيك و أخلى الشارع من المارة .
ستة أيام مرت ، لم يبق إلا خطوة .
خرجت إلى المصطبة . رددت على تساؤلات عن أبى . جاء على بالى وهو يختبئ في الركن حتى لا أرى إليته. الساعة تجاوزت العاشرة و لا أثر للحمارة أو الجحش . ألأسطح خالية من الغسيل و الشارع تصفر فيه رياح الخريف .
رأيتها آتية فدخلت بسرعة . وقفت بعيدا عن البنك . ابتسمت كاشفا أسناني لكنها نظرت إلى الأرض . سيطرت على دقات قلبي . أنا رجل و أستطيع الدخول في مغامرة !هل نصحني العفريت بشئ ابدأ به؟ لا اذكر.
غمغمت بطلب أشياء ، لكنني لم أتبين حرفا واحدا و وقفت لا أتحرك . عادت تغمغم . اقتربت من الأرفف . افتح سكة . قل لها أبى يسلم عليك.
لا أنت خائب، لا تذكرها به .
لا تقل شيئا . الأفضل أن تخرج لفافة الكريم و الزيت و العطر و تقدمها . هي التي ستتكلم . ربما تتدلل و تدعى الدهشة و ربما قالت كلمة أو اثنتين ترضى بهما حياءها . لا تتردد هيا اخرج اللفافة . كانت الآن تغمغم أكثر و قد تغير وجهها . و في نفس اللحظة رأيت أمي تهجم كالنمرة على المرأة من الخلف و تجذب ضفيرتها بكل قوة فتلقيها على الأرض و ترتمي فوقها!
سحبتها إلى ركن و اندفعت تكيل لها الضربات في وجهها . سميحة رقدت مستسلمة وسترت وجهها بيديها ثم بعد لحظه لم تتحملا قبضتي أمي فسقطتا بجوارها ليصير الوجه كتلة مدممة .كان الصمت مطبقا لا أمي تنطق و لا الفريسة كذلك و قد سمح العفريت الآن للجميع أن يمروا و كنت أقف كالمخدر لكنني رأيت الحمارة و الجحش يتفرجان و رأيت امى تقلب سميحة و تعجن ظهرها و تمزق ملابسها و كان الدم يتدفق من فمها و يتخثر في بركة ،ثم تقوم من فوقها عائدة إلى البيت دون أن يتدخل أحد من الواقفين في هذا الشأن الخاص .
|