كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
9- لن اعيش فى ظلك
- ستكون هذه الغرفة غرفتك أما غرفة الكولونيل فتقع فى آخر الممر. كان لاوسون يدل مينا على غرفتها وكان قد استقبلها لدى وصولها الى المنزل ، يعلمها أن غايف فى غلوتشستر يقوم بعمل لكنه سيعود قريبا.
بدا أثاث الغرفةالتى خصصت لها مريحا، مع أن الطراز القديم هو الغالب عليه .. الحمام كان من النوعية الرائعة . اعتقدت مينا أن مستأجرى هذا المنزل كانا زوجين عجوزين وقد تأكدت من هذا حين أتت السيدة ميلوكس حاملة صينية الشاى بعد عشر دقائق.
- لا آتى عادة الى المنزل الا اذا كان لدى الكولونيل ضيوفا للعشاء . ولكنه طلب منى البقاء لأنه يومك الاول هنا.
وهى بدون شك تمسكت بفرصة اكتشاف ما هى عليه الضيفة الجديدة .. ابتسمت لها مينا ، فأردفت المرأة التى كرهت الذهاب قبل أن تشبع فضولها.
- اذن .. ستساعدين الكولونيل فى كتابه . يتوق الجميع اليه وقد انتظروه منذ أن ورث الاملاك ان تحويل المنزل القديم الى مركز للاولاد المشاكسين مخطط يفشل مع بعض الناس ولكن عش ودع غيرك يعيش ! هذا ما قلته دائما.. أظن أن المكان سيعجبك هنا الكولونيل رجل بهى الطلعة .
تجاهلت مينا السؤال:- اننى بأمس الحاجة الى هذا الشاى اللذيذ انما عليك ألا تدللينى .
- طلب الكولونيل منى أن آتى يوميا الى المنزل أثناء وجودك فيه وقد قال انك ستكونين مشغولة الى حد لن تستطيعى معه تحضير الطعام . يبدو انك ستعملين صبحا وظهرا وليلا .
- تتوق المؤسسة التى اعمل فيها الى البدء بمؤلفه الجديد وبما أن رئيسى مسافر فقد جئت لأقدم المساعدة قدر المستطاع .
- أخبرنى لاوسون أنك حملت معك كمبيوتر
- اجل انه فى غرفتى.
- أشك فى أن تحتاجى اليه لان الكولونيل وضع كمبيوتر لك فى مكتبته.
وصل غايفنغ عندما كانت لا تزال تفرغ حقائبها التى ذخرت بملابس جديدة اشترتها خصيصا للعمل ، بذلات وتنانير متقنة التفصيل وقمصان مناسبه لها مع ان القتيات يفضلن ارتداء الجينز للعمل أما هى فما تزال غير قادرة على ترك العادات القديمة التى غرستها فيها العمة مارولا ولكنها رغم ذلك حملت معها سروالا رمته فى الحقيبة فى آخر لحظة على أمل ارتداؤه لدى استكشاف الاراضى التابعة للاملاك. لقد تكلم غايف عن العمل مساءا انما هو بالتاكيد لا ينوى العمل فى كل مساء .
اعترفت لنفسها أنها تتعمد التأخير فى توضيب حقائبها لأنها كانت مترددة فى مواجهته.. ولكن فى النهاية وجدت أن لا مجال للتأخير لحظة أخرى .. توقفت برهة أمام المرآة تنظر الى صورتها .. لقد خسرت وزنا كثيرا فى الفترة الاخيرة ولكن اكتسب شعرها رونقا جديدا ونعم وجهها باستدارة مناسبة وبشرتها بتلألؤ مشرق .
كانت ثيابها من بين مشترياتها الجديدة وهى عبارة عن تنورة زرقاء شاحبة ذات خصر مطاطى، مزررة من أعلاها ألى ادناها . ارتدت معها تى شيرت أبيض فيه رسم لفراشة زرقاء جميلة وقد بدا جميلا جديدا وبعيدا كل البعد عن الثياب الكئيبة التى كانت تختارها قبل لقائها بغايف.
نزلت الى الطابق الارضى وهى غير مدركة لشفافية وجهها وضعفه. كان لاوسون فى الردهة، وقد قادها الى المكتبة، فقرعت بابها ثم دخلت. ساد صمت مطبق فترة طويلة كان غايف خلالها يتأمل جسدها النحيل ثم ما هى الا خطوتان حتى كان الى جانبها. ينتزع من شعرها الدبابيس التى ثبتتها فيه فى آخر لحظة .
قال بحدة : - لا اريد ابدا رؤية شعرك معقودا الى فوق هكذا.. ربما لست خطيبك ولكننى سأكون ملعونا ان قبلت الجلوس قبالتك طوال النهار وشعرك معقود كمديرة مدرسة !
ردت تكذب :- يبدو مرتبا على تلك الحال .
- ربما.. انما لا تعودى الى تلك التسريحة مرة أخرى والا أريتك كيف يمكن أن يصبح غير مرتب .. تعالى الى هنا أريد أن أريك شيئا .
أجفلها تغيير دفة الحديث بهذه السرعة، ولكن عندما عبس خفت اليه تحدق مرعوبة الى كومبيوتر مركز على طاولة منخفضة . قال لها وهو ينحنى فوق الاله ليشغل مفتاحها:- سأعلمك كيفية استخدامه فهو أحدث جهاز فى عالم الكمبيوتر .
عندما اضطرت للالتصاق به استطاعت أن تشم رائحة عطره المنعشة فاستجابت مشاعرها لقربه منها ، هل من خطب ؟
اشاحت عينيها عن وجهه وقلبها يضرب كالمطرقة. لا.. لاشئ .
- جيد والان راقبى هذا . ثم راح يشرح بعض طرق استخدام هذا الجهاز . ولكن عندما وجدها على دراية بهذه الاله قال لها :-لديك خبرة فيه اذن.. ؟
- اجل .. لدينا جهاز سبيه به فى المكتب .
- عظيم فهذا يعنى أننا لن نضيع الوقت فى التمرن عليه أقترح أن أملى عليك ما اريد فى الصباح على أن أتركك حرة لطباعة ما أمليته عليك بعد الظهر . ثم اراجع عملك بعد ذلك وان احتجنا الى تغيير شئ ما غيرناه فى المساء .. متى يعود كارسون من نيويورك ؟
أجفلها السؤال وبما أنه لم يكن لديها فكرة عن موعد عودته قالت كاذبة: لست واثقة متى يعود فذلك وقف على سرعته فى انجاز أعماله.
- هل أخبرته كل ش عن رحلتك ؟
رفعت ذقنها :- الا ترى أنك تتدخل فى شؤونى؟ أنا أعمل عندك ولكن ذلك لا يشمل أن تسألنى عن حياتى الخاصة .
قاطعها بحزم :- ولكننى لا أريد أن تبقى حزينة طوال الوقت بسبب اشتياقك الى حبيبك.. فهذا يعيق الانتاج .
صاحت به، ناسية كل المخاطر:- ماذا تقترح اذن؟ أن تحل مكانه؟ لا تستطيع .
- انت على حق فلن يكون لك رغبة فى هذا.
منع رنين الهاتف الحاد مينا عن اعلان رغبتها فى الرحيل فورا ! التقط غايف السماعة ثم سرعان ما استرخى وجهه القاسى اذ حل محل العبوس ابتسامة تسلية. سمعته مينا :- وانا اشتقت اليك ريبيكا.
وقفت تهم بالرحيل ولكنه أشار اليها أن تجلس ثم ظلت عيناه مستقرتين على وجهها وابتسامته تزداد عمقا وهو يصغى باهتمام الى المتحدثة فى الناحية الاخرى .
- لا .. أنا آسف . لا أستطيع المجى الى لندن فى الوقت الحاضر .. اسمعى لماذا لا تأتين أنت الى هنا ؟
سمعته مينا يضحك ثم ارتد عنها فنظرت تأدبا الى خارج النافذة متعمدة سد أذنيها عن صوته متسائله عمن تكون ريبيكا هذه التى تجعله يبتسم بسهولة . اعتذر لها حين أعاد السماعة :
منتديات ليلاس
- آسف لهذا انها صديقة قديمة .. ستأتى لقضاء بضعة أيام عندى .. والان أين كنا؟ آه اجل .. حسنا ان كنت تجيدين استخدام هذا الكمبيوتر أقترح أن تستريحى قليلا قبل العشاء فأنا أرى من خلال وضعك الصحى أنك لا تقوين على العمل الكثير فى النهاية ادعت مينا التعب وارسلت رسالة مع لاوسون تعتذر عن العشاء ولكن ما أدهشها ان السيدة ميلوكس وصلت وهى تحمل صينية طعام شهية.
- قال الكولونيل انك متوعكة .. ربما السبب طول مسافة السفر من لندن .. أعددت بيضا مقليا لذيذا وابريق شاى .
شكرتها مينا ولكنها شعرت بالذنب لأنها تلقى على كاهل هذه المرأة المزيد من العمل . لم يحدد غايف لها الوقت الذى يريد بدء العمل فيه ولكن مينا نزلت الى الطابق الارضى فى الثامنة ليتسنى لها تناول الفطور قبل التوجة الى المكتبة فى التاسعة .
بدت الصدمة على السيدة ميلوكس حين أصرت مينا على تناول قطعة خبز محمصة وكوب قهوة . وتمتمت :- أنت سيئة كالكولونيل ولكنه على الاقل يتناول بعض البيض المخفوق.
- اذن لقد تناول الكولونيل فطوره؟
احست بالراحة وبخيبة الامل فهى لا تريد أن تبدأ خطوة خاطئة منذ يومها الاول انها مصممه رغم مشاعرها نحوه على الالتزام بالعمل قدر المستطاع.
أكدت لها السيدة ميلوكس : - آه ! اجل يتناول فطوره دائما فى السادسة والنصف .. لقد اكتسب هذه العادة من الجيش .. على فكرة طلب منى أن أقول لك أنه يريد منك التوجه الى المكتبة حالما تنهين فطورك ان من عادة الكولونيل الخروج بعد الفطور للسير على القدمين ولكنه عاد بدون شك .
كانت الساعة التاسعة الا عشر دقائق عندما دقت مينا على باب المكتبة كان غايف يجلس خلف مكتب ضخم يدرس بعض الاوراق فرفع رأسه عنها لدى دخول مينا التى قالت بلهجة رسمية:- صباح الخير.
مسدت تنورتها الكحلية بأصابع مرتجفة .. تحس بالارتباك منه وقف ثم استدار حول المكتب ليقف أمامها.
- السكرتيرة المثلى.. لكننى مسرور لأنك التزمت بما قلته لك عن شعرك .
ردت بهدوء متجاهلة سخريته :- أنا جاهزة الان .
بعد ساعتين كادت أصابعها تتقلص من كتابة المختصرات الاختزالية لذا تنفست الصعداء حالما ظهرت السيدة ميلوكس مع صينية قهوة . قال غايف عندما بدأت مينا تسكب القهوة:- بدون سكر .. أتريدين الاستراحة مدة نصف ساعة؟ لاأريد ارهاقك.
أشعلت كلماته الاخيرة غضبها.. انها مرهقة ولكنها ستكون ملعونة ان تركته يلاحظ تعبها.. فقالت بحزم:- لا اظن هذا ملائم فلنكمل عملنا ان واظبنا على العمل الدؤوب أنهيناه فى وقت أسرع .
بدا لسبب مجهول أن كلماتها أزعجته لذا تعمد الاسراع فى الاملاء فكان أن وجدت صعوبة فى اللحاق به كان جزء من تفكيرها يركز على ما يقوله والنصف الاخر يتعجب من قدراته على العمل بدون تردد أو تدقيق. بعد الثانية عشرة والنصف أعلن :
- أظننا سجلنا أهم نقاط الفصل الاول الغداء فى الواحدة كم من الوقت تحتاجين لصف ما أمليته عليك؟
نظرت الى عدد الصفحات فى دفترها، ثم قدرت أنها بحاجة الى فترة العصر كلها والى جزء كبير من المساء .. قالت :- لست واثقة.. ولكننى لن أتوقف حتى أنهى صفها.
وكان وعدا ندمت عليه لأن ظهرها تشنج فشعرت بالالم لأن الوهن عاد يجتاح كيانها. قالت السيدة ميلوكس بسخط فى الساعة السادسة عندما دخلت لتأخذ صينية الشاى:- أمازلت تعملين؟
استغلت مينا المقاطعة لترى كم بقى لديها من صفحات وعندما أدركت أنها ما تزال فى منتصف الطريق غار قلبها فقالت معتذرة:- سأتخلى عن العشاء الليلة سيدة ميلوكس أكثير على أن أطلب كوب حليب وبعض الفاكهة؟
- بالطبع لا ولكن لو طلبت رأيى لقلت انك تجهدين نفسك فكيف تعملين طوال النهار ونصف الليل وليس فى معدتك شئ .
كان غايف قد ذهب الى بلدة باث لمراجعة بعض الكتب التى يحتاجها وفيما كانت غارقة فى العمل شعرت بأنها تترقب بحذر عودته.
أخذت فى تمام الثامنة تحرك كتفيها المتشنجتين وتوقفت عن العمل لتحتسى الحليب متسائله عن مكان وجوده .. ربما ذهب يزور بعض الاصدقاء .. ربما ريبيكا. مزقتها الغيرة ثم شعرت بالغضب لأنه فى الخارج مستمتعا فيما هى تجهد فكرها وجسدها لتنهى كتابه .
أشارت الساعة الى ما بعد الحادية عشرة ليلا عندما سحبت أخر ورقة من الاله ولكنها بسبب الارهاق لم تستطع القاء نظرة عليها .. ثم التقطت صينية العشاء وحملتها الى المطبخ وبعد ذلك راحت ترتقى الدرج .
وجدت فى غرفة النوم صعوبة فى نزع ملابسها. ولكن بسبب توتر عضلاتها شعرت بحاجة ماسة الى حمام ساخن ليساعدها على الاسترخاء. كانت على وشك الاغفاء حينما سمعت هدير محرك البورش.. لقد تركت الاوراق المطبوعة على مكتب غايف وعددها خمس واربعون صفحة.. ابتسمت برضى قلق لأنها متأكدة أنه لم يتوقع منها انهاءها خاصة وهوقد أملى عليها ما أملى بغية معاقبتها.
استيقظت من نوم متقطع فى الصباح التالى فى السادسة فالتقطت أذناها وقع أقدام نظرت الى ساعتها قبل أن تتذكر أن السيدة ميلوكس أخبرتها أن غايف يتناول فطوره فى السادسة.
فكرت بسخط: حسن فليتناوله فى السادسة ولكمت الوسادة.. أيعنى هذا أن على الجميع الاستيقاظ فى هذه الساعة اللعينة ؟ توجهت الى المطبخ خائرة القوى. فمازال ظهرها يؤلمها ومازالت عضلاتها متشنجة. قالت السيدة ميلوكس بحدة وهى ترى وجهها الشاحب:-ان ما تحتاجين اليه هو طعام مناسب. أيها الشبان هل تظنون ان الجسم قادر على الاستمرار وأنتم لا تطعمونه جيدا؟!
فى تمام التاسعة توجهت الى المكتبة فوجدت غايف واقفا أمام النافذة عابسا وهو ينظر الى الاوراق المطبوعة. قال لها ببرود : فى الصفحات الاخيرة أخطاء عديدة وضعت علامات عليها مع التصحيح المناسب.. ان كنت جاهزة أمليت عليك مقاطع أخرى من الكتاب .
تأملت عيناه ببرود جسمها النحيل فى تنورتها الكحلية وبلوزتها الرقيقة المنقطة . شعرت مينا بألم فى أصابعها عندما أنهت عملها ولما نظرت الى ساعتها علمت أن الساعة تقارب الثانية عشرة ولكن عليها حتى تصحيح ما أشار اليه بالقلم قضاء الظهيرة وما بعدها.
قال غايف لها:- أنا مضطر للذهاب لرؤية بناء، كلفته بالعمل فى المنزل الرئيسى.. وسأمضى طيلة العصر هناك .
عندما خرج فكرت أنه ربما على أن أكون شاكرة له هذه الرحمة فبعيدا عنه ستتمكن من التركيز على عملها ولن يشغلها بذلك قربه منها، وردات فعل جسدها الخائنة كان كيانها يذوب حبا به رغم طريقته الفظة فى معاملتها ويا لقلبها الخائن!
صاحت السيدة ميلوكس عندما دخلت الى المكتبة حاملة صينية الشاى فى الساعة الثالثة:- أنت تجهدين نفسك كثيرا واعلمى أنك لن تستفيدى من ذلك شيئا!
عادت بعد نصف ساعة مضطربة لتقول لمينا ان ابنتها الكبرى توشك أن تضع مولودها قبل شهر على الموعد المحدد.
- يجب أن أذهب فلا أحد يعتنى بأبنها الاول جون ..والده فى العمل وقد وعدت ابنتى برعايته. آه غير أننى لاأحب أن أخذل الكولونيل.
- سيتفهم بدون شك وضعك فلا تقلقى اذهبى فقط.
- حضرت لكما قطعة لحم مسلوق للعشاء ولم يبق سوى البطاطا والخضروات.
ما ان خرجت حتى مددت مينا أطرافها المتعبة .. مازال أمامها عمل كثير ولكن ظهرها يؤلمها بشدة لذا عليها أن تستريح قليلا جلست فى المقعد الجلدى المريح تنشد الراحة لمدة عشر دقائق ولكن الدقائق العشر امتدت الى عشرين. عندما انفتح باب المكتبة لم تتحرك وكبت غايف صيحة استغراب بسرعة ثم اشتد ضغطه على فمه حالما شاهد ظلال الارهاق حول عينيها..
علق لاوسون بكآبه :- لقد أجهدت الفتاة نفسها بالعمل .. والسيدة ميلوكس غير موجودة انما فى الفرن بعض الطعام.
- اذهب وحضر لنا الطعام .. سأحمل الانسة هنتلى الى غرفتها فلا فائدة من ايقاظها.
عندما استيقظت كانت الدنيا مظلمة حولها مضت عدة ثوان قبل أن تدرك أنها ليست فى المكتبة بل فى سريرها. تحرك ظل قرب الباب:- اذن .. لقد استيقظت.. هل أنت جائعة ؟
هزت رأسها مرتبكة بشكل مخيف ثم أصبح قلبها فى حلقها لأنه وقف امامها يتفرس فى الظلام بحثا عن وحهها بانتظار الرد على سؤاله. قالت بفظاظة:- لا أنا متأسفة لأننى نمت أرى أننى أفتقر الى الطاقة الكافية منذ ...
تورد وجهها بشدة تحت غطاء الظلام فعضت شفتها وهى تحس بالتوتر الذى يصل اليها من جسم الرجل المشرف عليها. تمتم بفظاظة :- اللعنة عليك مينا .
ثم انحنى فجأة لتحتضن ذراعاه جسمها المسترخى فسرت حرارة عناقه فى كيانها كله وأحرقت أصابعه بشرتها واحست بخفقان قلبه السريع الملح وعرفت أن قلبها يحاكى قلبه فجأة دقت أجراس الانذار فى رأسها .. فهى لا تدرى ما الذى أشعل عوتطف غايف.. ولكنها تعلم أن عواطفه تلك خطر عليها فقد تكشف بذلك نفسها أمامه .. ولهذا السبب وحده قاومت جاذبيته الشديدة المغناطيسية وتصلبت بين ذراعيه تجبر نفسها على البرود .
- لا غايف .. أنسيت أننى مخطوبة ؟
احست بانتفاضة جسمه ثم رأت عيناه تمعنان النظر فى وجهها مخترقة كيانها وكأنه ينوى أن يقرأ ما يدور فى رأسها . وقال بعذوبة:- أريد أن أنسى ذلك ليتنى أنسى! عندما لم ترد أخفض رأسه ليريحه على كتفها وقال بصوت أجش :- هل أكمل ..
قالت لا بصوت مخنوق ولكنها تأخرت فى الرفض وبدل أن يوقفه رفضها أعطاه جواز مرور ذهبت جميع التحذيرات أدراج الرياح وأخذت بلا وعى تبادله عناقه بشغف مضاعف.
- مينا !
كان اسمها مجرد آهه مخنوقة .. احترق احتجاجها تحت ضغط ذراعيه .. ولم تعد ترغب فى أن ينتهى العناق وما أرادت أن يتدخل الواقع فى عالمها الخرافى الذى تشعر فيه بأن غايفنغ يبادلها مشاعرها.
- أتعلمين ماذا يفعله وجودك هنا بى ؟ لقد أصابنى بمرض سرى فى دمى.. والله يعلم أننى أكره نفسى من أجل ذلك.. لكن هناك أحيانا سعادة مطلقة فى استسلام المرء لضعفه وتهوره حيث يتغلب اندفاعه على كراهية النفس التى سيتحملها فيما بعد .. انها احدى تلك اللحظات مينا .. أنت تريديننى رغم خطوبتك لكارسون..
كانت مينا أبعد من أن ترد بوعى فيداها انعقدتا خلف رأسه تنعمان بملمس شعره الاسود ..قال لها متابعا بصوت مخدر :-لا يبدو لى طعمك مختلفا . على الاقل ليس من الظاهر.. ليتها تستطيع البوح بحقيقة مشاعرها تجاهه وليتها تتجرأ على اخباره بفسخ خطوبتها لكارسون ولكن كيف لها ذلك وهى تجهل حقيقة مشاعره نحوها .
سألها مرة أخرى وكأنما يتابع تعذيبها:- هل تعانقين كارسون بهذا الشغف؟ أخبرينى الحقيقة مينا!
أعادتها كلماته الوقحة الى الواقع وذكرتها برايه المنحط بها . حرقت الدموع مآقيها ولكن طرقة خافتة على باب الغرفة ارسلت الرعشة الى جسمها وجعلت غايف يرتد عنها ساخطا.
سمعت مينا صوت لاوسون ينادى :- مخابرة هاتفية كولونيل .. انها الانسة ريبيكا.
ريبيكا ..! ارتدت مينا تدفن وجهها فى غطاء السرير وقد تغلب عليها ألم تحررها من الوهم.
**********
- عرفت أن خطيبك قد عاد .
انصبت الكلمات عليها كمياه باردة. كانا يتناولان الغداء وهذه هى المرة الاولى التى يتحدث فيها عن شئ شخصى منذ تلك الليلة فى غرفتها.
- رأيته هذا الصباح، كان يتنزه على ظهر جواده.. مع سكرتيرته.
تمكنت مينا من الاستمرار فى تناول الطعام بدون الافصاح عن صدمتها، -ألم تعرفى؟ لاأراه فى توق الى الزواج بك.
- وصلت الانسة ريبيكا كولونيل.
لم تكن المرة الاولى التى تبارك فيها مينا تدخل لاوسون لقد عرفت من السيدة ميلوكس التى أنجبت ابنتها صبيا آخر، أن غايف طلب منها تحضير غرفة لصديقته وكانت الغرفة غير بعيدة عن غرفتها.. أحست مينا بالراحة لأنها لم تكن ملاصقه لغرفته حتى ان كانت فى الجناح الرئيسى الذى يشغله ولكن هل سيحول ذلك دون أن تشاركه ريبيكا أو يشاركها هو الفراش؟
منتديات ليلاس
حالما توجه ليستقبل ريبيكا قصدت مينا المكتبة.. لقد أوشكا تقريبا على اتمام الفصل الثالث .. ولكنه حرص منذ وجدها فى مكتبته نائمة على ألا يرهقها بالعمل. كانت تعيد النظر الى ما طبعته عندما دخل برفقة امرأة فاتنة حمراء الشعر، بعثت ابتسامة تلك المرأة الرعدة الى مينا.
قالت المرأة متذمرة وعيناها الزرقاوان تقدحان شررا على وجه مينا :- اذن .. هذا ما يقيدك الى الريف !
رد غايف بصراحة وقحة :- أجل .. كتابى .. لاشئ غيره يبعدنى عنك.
لف ذراعه حول خصرها وشدها اليه ..أحست مينا بالالم وحاولت التركيز على ما تفعله .. ولكنها لم تكن ترى سوى وجه غايف ، وجسد غايف وذراعى غايف حول فتاة اخرى!
عندما تركها أخيرا قالت ريبيكا بصوت كصوت هرير القطة :- حبيبى .. هذا ما أسميه ترحيبا ! ظننتك تكذب على حين قلت انك اشتقت الى. سمعته مينا يسألها وهما مغادران المكتبة:- كم ستمكثين عندى ؟
لم تسمع مينا الرد.. ولكن الايام القليلة التالية كانت بمثابة عذاب شديد لها . بدا أن قدرها أن تراهما معا متعانقين علما أنها بذلت جهدها لئلا تلتقى بهما ومع ذلك كان يحدث عكس ما ترغب فيه .
فى صباح أحد الايام قالت السيدة ميلوكس باستهجان بعدما أمرت بتحضير صينية فطور لريبيكا التى ماتزال فى الفراش مع ان الساعة تجاوزت العاشرة.
- ما هذا بعدل . انها قطعة خالية فليس فيها سوى عقل فارغ.. وسيكون الكولونيل أحمق الحمقى ان ارتبط بها.
ردت مينا بصوت قاس : - انه رجل كامل سيدة ميلوكس .. والان هلا عذرتنى سأحاول انهاء هذا الفصل من الكتاب.
فى الامسية الثالثة على وجود ريبيكا اعتذرت مينا عن العشاء.. وفى صباح اليوم التالى أعطت غايف الفصول الثلاثة كاملة قائلة بهدوء :- ان لم يكن لديك مانع عدت الى لندن بعد ظهر هذا اليوم، فلقد أنهيت العمل الذى جئت من اجله.
رد بخفة يقاطعها :- بل لدى مانع .
ما تزال ريبيكا فى الفراش ولكن غايف اعتاد لسبب ما على تأخير موعد فطوره ليتوافق مع موعد فطور مينا .. ولم تجرؤ على التفكير فى الاسباب كما لم تجرؤ على التساؤل عما اذا كان لهذا علاقة بالساعات التى يقضيها فى الليل مع ريبيكا بعدما تأوى هى الى النوم .
رفضت مينا التجاوب مع الطعم لأنها تشعر بأنه يرمى طعما لها . ولكنها لم تفهم السبب. مادام لديه ريبيكا فلماذا يستمر فى تعذيبها؟
ذكرها غايف:- وعد ميردوك أن تبقى أسبوعين أو ثلاثة.
- لكننا أنهينا الفصول الثلاثة.
- نستطيع المباشرة بفصول أخرى وما أشد ما ستكون سعادة ميردوك حين نفعل. ولم تستطع الانكار..
سألها بعذوبة :- لم العجلة؟ أنت تهينينى خاصة أننى تجشمت عناء دعوة خطيبك هذا الصباح .
كادت مينا تغص بقهوتها .. وتلاشى اللون عن وجهها.. كارسون هنا ! أغمضت عينيها يا الله .. ماذا ستفعل الان ؟ فلن تدوم حقيقة خطوبتها لحظة أمام غايف وما ان يفهم الحقيقة حتى يبدأ بتمزيق ما تبقى من كرامتها واحترامها لنفسها هذا عدا حبها له .
- اتظنين أن اليوم مناسب لتحديد موعد الزفاف أمام الجميع لتحرجيه ؟
صرخت بتهور :- أكرهك ! أكرهك !
دفعت كرسيها الى الوراء وخرجت من الغرفة وفى داخلها رغبة مجنونة تدفعها الى الرحيل، ولكن عنادها وشجاعتها لم تسمحا لها بذلك. ان قدر لها الخزى والذل فلتتحل بالشجاعة لمواجهة الامر بصلابة.
مر الصباح بطيئا بعد الحادية عشرة سمعت مينا وقع حوافر جياد.. كانت فى الردهة واقفة فى مكانها مسمرة عندما تقدم غايف قائلا :- حسنا .. ألن ترحبى به ؟
تحركت كالرجل الالى نحو الباب ولكن الشمس أعمت بصرها ... مينا .. يا الله ! ماذا تفعلين هنا ؟
رفعت مينا رأسها تحجب عينيها بيدها .. كان كارسون يمتطى جواد الصيد الذى يحتفظ به فى اسطبل والديه، والى جانبه كوليت سالنجر الانيقة المتشامخة فوق صهوة فرس أصيلة ..
تحب مينا الجياد، ولكنها تخافها قليلا .. ارتدت قليلا وعيناها متسعتان فى خوف مفاجئ بعدما تراجعت فرس كوليت التى راحت ترفس الهواء بقوائمها بسبب سوط فارستها الذى شق الهواء قبل أن يضرب الحيوان على جانبه ، ليندفع الى الامام ، وعيناه تدوران بغضب مهدد.
لاتدرى ما حدث بعد ذلك فما هى الا لحظة حتى كانت على مسافة امنة من الجوادين ولكنها فى اللحظة التاليةوقفت تحدق برعب الى فرس كوليت التى اقتربت منها وحوافرها تنخفض نحوها ببطء .. ببطء..
- كيكورد! كسر صوت غايف الغاضب شلل أفكارها ثم شعرت بذراعيه تبعدانها عن خطر الفرس الداهم .
سمعت غايفنغ يقول بغضب :- بالله عليك يا رجل .. لماذا لم تفعل شيئا ؟ كادت تقتلها !
خرقت ضحكة كوليت الحادة الساخرة جو الصياح :- لاتكن سخيفا ! لم تكن فى خطر حقيقى .. كان عليها الابتعاد عن طريقى .. انها لا تعرف الاشياء الاساسية عن الجياد .. هذا كل شئ .
انقطع الكلام حالما وصلت سيارة ما وعندما تعرفت مينا الى سيارة ميردوك أخذت تعدو نحو ميردوك الذى كان قد ترجل منها .
- مينا .. يا فتاتى العزيزة .. أنهيت أعمالى فى ايطاليا باكرا وقررت العودة لأرى كيف تسير الامور هنا .
قال غايف بهدوء :- تلقت لتوها صدمة غير سارة .
ثم التفت الى كارسون وكوليت ليقول بحقد :- أما كنتما على وشك الرحيل ؟
صاح كارسون :- أردت التحدث اليك عن الصيد .. اسمع أظن أن الوقت قد حان لتقبل المنطق. ثمة أناس فى هذه المنطقة لا يرحبون بوجود عصابة من المتشردين تدور حولهم ..
قالت كوليت بنبرة حادة :- أجل .. والدى قاضى فى المنطقة، ولا يوافق على هذا .. أنه أمر غير مناسب .
بدا صوت غايف لمينا هادئا الى درجة الخطر فارتجفت وهى بين ذراعى ميردوك :- لا! حسنا.. أؤكد لك آنسة أن فى المنطقة أناسا ينظرون الى بنى جنسى نظرة مختلفة عن نظرتك ولهؤلاء الناس وزنا يفوق وزن ابيك .
أدارت كوليت فرسها فى دائرة كاملة ، وقادتها من حيث أتت يلحق بها كارسون .التفت غايف يسأل مينا بفظاظة :- أتظنين حقا أنك ستجدين السعادة مع حياة كهذه ومع آراء ضيقة الافق كتلك التى تفوها بها ؟
لم تستطع النظر اليه واكتفت بان التفتت الى ميردوك قائلة :- أريد الرحيل .. أرجوك ميردوك .. أيمكننا الرحيل ؟
*******************************************************
|