كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
6- الغزالة الخائفة
أمطرت السماء أثناء دوران الطائرة الضخمة حول مطار هيثرو وهبطت من بين غيمة رقيقة رمادية. كام المدخل رقم ثلاثة مشغولا.. فثمة حديث عن اضراب يقوم به عمال المطار، ومن كان قادرا كان يحث الخطى للخروج قبل بدء الاضراب.
ودعت مينا فى المطعم الزوجين هولاند اللذين أصرا على دعوتها الى فنجان قهوة للمرة الاخيرة. قالت لها بينى تحثها: - عدينى بالمراسلة لأعرف كيف تسير الامور معك.. وان احتجت الى الراحة فى اى وقت فاعلمى اننا نرحب بك.. وبخطيبك. هل أخبرته عن موعد وصولك؟ ظننته سيخف الى استقبالك خاصة بعد ما عرف بخبر مرضك.
بان فى صوتها أثر للسخط فسارعت مينا تدافع عن كارسون شارحة انها لم ترد ازعاجه لذا أرسلت له برقية تقول فيها انها ستمدد اقامتها أسبوعا اخر على ان تتصل به لدى عودتها الى ربوع الوطن.
بدت لندن رمادية قاتمة كئيبة بعد الالوان الاستوائية المشرقة فى الكاريبى..ولكن ربما كان مزاجها الكئيب هو الذى صبغشوارع المدينة بالاكتئاب. وجدت نفسها منذ أن شفيت من الحمى تعيش فى عالم غريب ليس فيه ما هو مهم وكان التعب يلازمها وكأنه صديق رمادى قاتم حيث الاحساس الوحيد الذى تعرفه هو الالم الحاد كلما فكرت فى غايفنغ.
تقع شقتها فى مبنى سكنى صغير حديث.. وقد ساعدها رئيسها للحصول على رهن مناسب، كان دفع الاقساط يرهق كاهلها أحيانا ولكنها كانت تشعر بالرضى لأن الشقة ملكها.
المبنى السكنى محاط بحدائق مشذبة المروج مزروعة كيفما اتفق بالشجيرات المزهرة الصغيرة والاشجار الباسقة أشجار الكستناء العتيقة التى كان للبناء بعد النظر فى تركها كحد فاصل بين المبنى الذى تعيش فيه وبين المبنى الملاصق له كانت تضفى ألوانا رائعة على المكان.
انسحقت حبات الحصى تحت اطارات التاكسى وهو يتوقف أمام الباب الرئيسى. نقدت السائق أجرته غير أنها دهشت لأنه ترجل فى مكانه ليحمل لها حقائبها الى البهو حيث قال لها بصراحة وهى تعطيه مكافأته:- تبدين بحاجة الى عطلة ولا تبدين أبدا عائدة من رحلة.
نظرت فى مرآة المصعد الصغيرة . هذا صحيح. تبدو شاحبة فعلا فقد تلاشى اسمرارها وهى فى المستشفى وفقدت وزنا هى ليست بغنى عنه بدا على وجهها نظرة ضعف هشة وبدت عيناها مجروحتين بنظرة ألم.
تركتها رحلة الثمانى ساعات متعبة مرهقة . لذا توجهت راسا الى السرير الذى ما ان اندست بين أغطيته حتى غرقت فى نوم عميق كان الظلام قد حل عندما استيقظت مشتتة الفكر تشتتا أمضت معه عدة دقائق لتتذكر مكان وجودها.. كان النور الضئيل المنبعث من غرفة الجلوس الدليل الوحيد على انها فى شقتها. اشعلت المصباح قرب السرير، ونظرت الى ساعتها. الثالثة صباحا! وهو ليس الوقت المناسب للاتصال بكارسون وأخطاره بعودتها كما انها مضطرة للذهاب الى المكتب فى الغد. لقد اتصلت السلطات فى سانت ستيفان برب عملها لشرح سبب تأخرها فى العودة. نهضت من السرير وسارت فى الشقة ثم بدأت تفرغ ملابسها من الحقائب ترتبها فى كومات مرتبة استعدادا للغسيل.
كان معارفها يبدون الدهشة حين يرون شقتها وحتى كارسون الذى لا يحس كثيرا بما حوله أبدى عدم موافقته. لم تكن مينا نفسها تعرف ما الذى دفعها الى اختيار ألوان ناعمة واضحة طبيعية.
منتديات ليلاس
غرفة نومها مزينة بألوان خوخية فاتحة وخضراء ورق الجدران والاقمشة عائد طرازها الى العصور الوسطى أما الكرسى الهزاز الصغير فمشترى من دكان لبيع الاشياء العتيقة. كان منزل اهل كارسون مفروشا بأنتيكات فكتورية الطراز فظة المنظر رسمية مثلهما. وتعتقد مينا أنهما يتوقعان حين يتزوجان أن يفرشا منزلهما على الطراز الذى تفضله امه وابوه.
أعدت مينا لنفسها فنجان قهوة فى المطبخ الذى تطغى عليه النباتات الرائعة. حملت قهوتها الى غرفة الجلوس المزينة بالوانها المفضلة مع انها هنا طلت الجدران باللون الاخضر الفاتح عوضا عن اللون الخوخى.. أما الاريكة التى اشترتها مينا من محل لبيع الاشياء العتيقة فوضعت عليها قماشا دافئا تتراوح الوانه بين المشمشى والاخضر.
كانت خزانة ملابسها متجهمة صارمة عكس حال المنزل وكأنما كل الانقباض والكبت الذى تعلمته من عمتها انمحى تماما مع اثاث بيتها ليعود صارخا فى مظهرها الخاص.
لأول مرة أحست مينا برغبة فى تجربة ما هو أكثر من كريم الاساس كظلال العيون واحمر الشفاه. عندما جلست فى قطار الانفاق فى طريقها الى عملها وجدت نفسها تتأمل من حولهامن الفتيات تحاول المقارنة بين مظهرهن ومظهرها. لم تكن العمه مارولا توافق على الماكياج وتقول انه يشوه الوجه. ومع ان مينا الناضجة اعترفت بضيق أفق عمتها الا أنها كانت تشعر بان على الماكياج ان يكون خفيفا وهادئا لا تجميليا مع ذلك وجدت نفسها اليوم تتساءل عما اذا كانت تستطيع وضع الالوان البراقة كظلال العيون الليلكية وكاحمر الشفاه الوردى ذاك.
انصب اهتمامها وهى فى الطريق على واجهات المحلات خاصة على واجهة تعرض مجموعة رائعة من الملابس الداخلية الرائعة. فى الماضى كانت الملابس الداخلية المحتشمة حتى القبيحة منها تبدو ملائمة لها. لكنها الان تجد نفسها تحدق الى الملابس الحريرية التى تحيط بها الشرائط المطرزة. ولم تدر لماذا فكرت فى هذه اللحظة فى غايفنغ فنهرت نفسها. ماذا دهاها؟ انها تتصرف كمراهقة صغيرة.
- حسنا جدا .. أنت تحبين المخاطرة. كان المتحدث رئيس عمل مينا ميردوك بريستونز وهو رئيسها منذ ثلاث سنوات. عملا معا كفريق واحد بشكل رائع مينا هادئة مسيطرة وميردوك كثير التوتر أحيانا ولكنه يملك الحيوية وحاسة التميز اللتين تجعلانه ناجحا مميزا فى عمله الذى هو اكتشاف الكتاب الموهوبين وتشجيعهم قد تكون مؤسسة النشر هذه قديمة الطراز ولكن عملها ليس بالضرورة قديم الطراز فقد حقق ميردوك نجاحا ملحوظا فى السنوات الاخيرة.
ولعل اخر ما حققه كانت قصة سياسية (لملتزم) من هونغ كونغ وقد بيعت النسخة بكثرة منذ الاسابيع الاولى على نشرها وكان على مينا أن تسانده فى أثناء الركود المؤقت الذى يحدث ما بين اكتشافاته.
ما ان خلعت معطفها حتى لاحظت أن ميردوك فى مزاج (علوى) اخر . ها هى جميع الدلائل موجودة : انشغال البال والقلق والمسير فى المكتب الصغير جيئة وذهابا وشرب القهوة المتواصل والصمت المطبق الطويل .. حسدته مينا على قدرته على اغراق نفسه بالكامل فيما يفعل، أولا لأن هذا يبعد اهتمامه عنها ولكنه مع ذلك علق بأنها لا تبدو سمراء.لم يتوقف ميردوك للغداء وهذه عادته عندما يكون مشغولا بمشروع ما.
قال لها بحماس: اظننى اصطدته.. سيكون كتابا عظيما حقا.. ولكننى لا استطيع اخبارك المزيد عنه.
سألته مينا:- أتعارض أن أتصل بكارسون من المكتب؟ فهو لا يعرف حتى الان بعودتى.
نظر اليها بدهشة:- لا يعرف؟ ما خطب هذا الرجل؟ لماذا لمينتظرك فى المطار ليحملك الى.. قاطعته متجهمة: الى منزل والديه؟ هذا ليس أسلوب كارسون.
- أعرف .. فالرجل كالقميص المنشى . عينة تحتاج الى متحف. المسألة أن ..
نظر اليها متأملا ثم أردف:- انها المرة الاولى التى تنتقدين فيها كارسون. هل أعدت النظر؟ وهل فى الافق حب عطلة؟
ردت بحزم:- ركز على اكتشافك الجديد ميردوك!.
- آهه ! انها لا تنكر. أتساءل . ماذا يعنى هذا؟ انه يعنى أننى كسائر النساء أحب ترك الرجال فى حيرة.
تلك الليلة قال ميردوك لزوجته بأنها المرة الاولى التى يرى فيها ان مساعدته الهادئة المسيطرة على نفسها تتصرف كأمرأة وأكمل:- انها واقعة فى الحب .. سجلى كلامى! قالت ميراى بريستونز التى قابلت مينا فى أكثر من مناسبة واحست بالاسى علها:- بالطبع واقعة فى الحب .. أليست مخطوبة؟
تعرف مينا ان كارسون يكره أن تتصل به فى مكتبه لانه حريص على الشكليات، فقد قال لها مرة أن هذا سيكون مثالا سيئا لبقية الموظفين، ووافقت على ذلك ولكنها تحس بالانزعاج كلما تذكرت.
كانت مينا كفراشة خرجت للتو من شرنقتها فهى غير قادرة على التوفيق ما بين المخلوقه المتزمتة غير المتجاوبة التى كانتها يوما وما بين المخلوقة الجديدة التى تحاول الانطلاق الى الحياة بفضل حبها لغايفنغ.
قالت سكرتيرة كارسون، وهى ابنة صديق لأبويه وبصوت متكبر ان كارسون مازال فى نيويورك واضافت:- سيتصل بعد الظهر.. هل أبلغه رساله؟
طلبت منها أن يتصل بها لدى عودته ثم عادت الى عملها فى الرابعة أعلن ميردوك أنه اكتفى من العمل فقد أمضى الساعة الاخيرة وهو يرسم الدوائر على الورق ناظرا الى الهاتف بتركيز شديد جعل مينا تستنتج أن الامور لا تجرى كما يخطط لها.
قالت له: هل أبقى هنا قليلا على سبيل الاحتياط؟ أتنتظر مكالمة؟
- كنت انتظر .. لكن حدسى يقول اننى لن أتلقاها ليس اليوم على اى حال، لا..اذهبى الى البيت مينا فأنا أراك متعبة.
وهى متعبة فعلا، كان ذلك ما اعترفت به بعد عشر دقائق وهى تتأمل صورتها فى مراة غرفة الملابس. اليوم استرعى انتباهها لسبب مجهول صالون التجميل اليزابيت اردن الذى كانت تمر به يوميا فى السنوات الماضية الاخيرة بدون ان تلقى عليه نظرة.. تذكرت وجوه الفتيات المتبرجة الجميلة التى شاهدتها هذا الصباح وقارنتها بوجهها.
دخلته لا اراديا فوجدت فيه موظفة مشرقة الوجه تبتسم لها راحت الموظفة تقول لها انها محظوظة لأن احد خبراء التجميل موجود وهو قادر على اعطائها دروسا. لم تتوقع مينا ان يكون الخبير رجلا جذابا. بعدما قبلت دعوته الى الجلوس راح يتأمل وجهها بصمت مطبق قبل ان يقول:
- بنية عظام وجهك رائعة وبشرتك بشرة جيدة ولكنك اهملتها.. وهذه الظلال الزرقاء حول العينين قاسية جدا.
أزال بسرعة الماكياج الذى على وجهها، تاركا بشرتها ناعمة طرية ثم استدار الى مجموعة واسعة من ادوات الزينة:- نستخدم أولا كريم الاساس على الا يكون كذاك الذى تستخدمينه ، لانه سميك وثقيل على بشرتك أن تتنفس، وبهذا يظهر جمالها الحقيقى.
وضع لها كريم الاساس بأسفنجة مبتلة فأذهلها أن ترى أن السائل غير بشرتها واضفى عليها لمعانا لؤلؤيا ناعما . فى الساعة التالية اكتشفت مذهولة كيف يمكن لظلال العيون الليلكية التى استخدمها فرانسوا أن تظهر عينيها كبيرتين بنفسجيتى اللون..
قال فرانسوا ناصحا، محذرا:- الرقة هى المفتاح.. عيناك رائعتان كعينى ظبية خائفة .. قبل ان تخرجى سأصبغ لك أهدابها. لا أنكر أنها سوداء ولكن زيادة حدة اللون ستساعدك على تضخيم حجمها. لمع أحمر الخدود على وجنتيها ببروز أكثر مما تذكره مينا ، وانسابت لمسة رقيقة من أحمر الشفاه على شفتيها فأظهر جمالها بشكل ساحر.
بمساعدة فرانسوا استطاعت شراء أنواع جديدة من الماكياج من المحل.. وأخذت كلماته الاخيرة، ترن فى أذنيها وهى تسرع مرة أخرى الى الشوارع المزدحمة. قال لها:- اتركى شعرك منسدلا.. انه أجمل من أن تخفيه فى عقدة بشعة.. وان كنت مضطرة لدفعه فاختارى تسريحة افضل وعدت نفسها ان تجرب نصائح فرانسوا اليوم بالذات.
أثناء العودة فكرت فى أن عليها انهاء الخطوبة فى الغابة استخدمت الخطوبة وسيلة دفاع عن النفس، لمنع غايفنغ من التفكير فى انها تحاول الايقاع به لعلاقة دائمة ولكنها الان ليست فى الغابة وعلى كارسون ان يعرف الحقيقة..
كانت قد دخلت الى الفراش لتوها حين رن جرس الهاتف . للوهلة الاولى فكرت أن المتكلم غايفنغ ولكنها سرعان ما أدركت أنه حتى ولو حاول الاتصال بها لا يعرف أين تعيش. حين التقطت السماعة كان صوت بينى يأتيها سائلا عن صحتها وردت بخفة:- انا بخير الى درجة اننى انفقت ثروة على ماكياج جديد.
- هذا جيد لك!
بدت الموافقة الحقيقية على صوت بينى.. وتحدثتا لبضع دقائق ثم انهتا المكالمة. ان تجد من يهتم بها لتجربة جديدة لمينا التى كانت تضع مسافة قصيرة بينها وبين الناس ولكن بعدما دخل غايفنغ الى حياتها تغير حالها كله . ما كادت تضع السماعة فى مكانها حتى رن الهاتف مجددا وفى هذه المرة كان كارسون هو المتكلم وقد سألها غاضبا:- من كان على الهاتف حين اتصلت منذ خمس دقائق؟
لكنه هدأ حين أخبرته فأردف:- قالت كولت انك تريدين محادثتى؟
قالت لنفسها منتقدة ان كارسون لم يظهر أقل قلق عليها أو اهتمام بها فى الماضى لم تجد خطأ فى كارسون ولا يمكن لومه على اظهار شخصيته التى جذبتها اليه أصلا.. ولو سألته عن هذا فما من شك أنه سيرد بسخط متعجرف انها ما كانت لتعود لولا استردادها عافيتها.
- أجل . طلبت محادثتك متى تعود؟
- فى نهاية الاسبوع .. رتبت الامور لنذهب الى منزل اهلى وهناك ستتمكنين من اخبارهما عن عطلتك رغم عدم موافقتهما عليها.. فأمى لا تظن ان من اللائق بفتاة تمضية العطلة بمفردها.
سألت يائسة:- كارسون .أيجب ان نذهب؟ ثمة ما أريد مناقشته معك.
- سنناقشه فى نهاية الاسبوع.. اذ يمنحنا والداى دائما الوقت الكثير لنمضيه معا. وهذا لا يتجاوز النصف ساعة ليلا
- كارسون.. هذا ليس شيئا.. قاطعها:- اسمعى مينا . لاأستطيع الكلام الان .. سأصحبك فى الوقت المعتاد يوم الجمعة .. وسيكون لدينا عندئذ الوقت الكافى لمناقشة ما تريدين.. يجب أن أذهب الان.
لماذا لم تدرك من قبل مدى ضيق أفقه وغروره. كانت جاهزة قبل الثامنة والنصف نظرا لمعرفتها بدقة مواعيد كارسون. حضرت ثيابا لتمضية عطلة الاسبوع .. فاختارت فستانا حريريا للعشاء يوم السبت لان عائلة كيكورد ترتدى ملابس السهرة دائما للعشاء، والفستان جديد ليلكى فيه ظلال فضية ستفعل الاعاجيب بعينيها.
بدأت عملا بنصيحة فرانسوا تمشط شعرها لينسدل على كتفيها وقد زارت مزينا للشعر نصحتها به زميلاتها فى العمل فشذب أطراف شعرها وأزال ما هو زائد فيه تاركا اياه ناعما متجعدا على شكل جرس حول وجهها..
كانت شمس الكاريبى قد فتحت لون شعرها قليلا. وزادت ظلال العيون الليلكية عينيها عمقا رهيبا وابرز احمر الشفاه التوتى الفاتح دفء استدارة فمها.
ارتدت للسفر ما هو مختلف عما ترتديه عادة. سروالا قطنيا رائع التفصيل ليلكيا أيضا، وبلوزة ذات شرائط عند الكتفين وسترة مماثلة. وصل كارسون فى تمام الثامنة والنصف فبدا ساخطا عندما نظر اليها. قال: لايمكنك السفر بثياب كهذه!
ردت ببرود : ولم لا؟ انها مريحة وهى تعجبنى.
- تبدين كالمراهقة.
ولكنها رفضت ان يؤثر فيها كلامه، فالاكبر منها سنا يرتدين ثيابا تفوق هذه بهرجة على أى حال اليس من حقها أن تنقذ ما تستطيع من تلك السنوات الضائعة التى عاشتها مع العمة مارولا التى سرقت منها لذة الشباب؟
حمل كارسون حقيبتها بصمت الى سيارته فتبعته وهى تعرف أن لا مجال للحديث معه فى السيارة لأنه يكره التحدث أثناء القيادة وفيما كانت السيارة القوية تلتهم الاميال وجدت أن توترها يتضاعف ليتها أنهت خطوبتهما فى لندن! ليتها غير مضطرة لاخباره بقرارها عند اهله! فكرت فى الانتظار حتى عودتهما لكن الصدق المتأصل فى نفسها يدفعها الى ان تبوح له بقرارها حالما تستطيع فلا يمكنها البقاء تحت سقف والديه بأدعاء زائف.
يقع منزل آل كيكورد فى (كوستولد) بلاد الامراء الشبان كما تحب السيدة كيكورد أن تصفه بتعجرف.. وجدا أهله بانتظارهما حين وصلا.. تناولا المرطبات معهما فى غرفة الاستقبال وهناك لم يفت نظر مينا الطريقة التى كانت أمه ترمقها بها، مما جعلها تشعر بالتسلية لان السيدة تفكر أن مينا غير مناسبة زوجة لابنها.. لاشك انها تفضل كوليت الانيقة المتحدرة من نسب رفيع.
منتديات ليلاس
قال الكولونيل باستكبار أثار أعصاب مينا:-حسنا .. سنترككما أيها الصغيران معا.
ان مينا تفضل الاب على الام .. ولكن ما كان يصيبها بالاحباط هو احساسها بأن كارسون سيكون صورة طبق الاصل عنه بعد ثلاثين عاما. أردف الاب قائلا: لاشك أنك تريدين اخبار كارسون عن عطلتك.
قالت السيدة كيكورد: كانت تجربة رهيبة بالنسبة لك بدون شك! على المرء أن يكون حذرا فى تلك الاماكن. أنا شخصيا لا أحب الطقس الحار.. ولم أكن مؤمنة أن من الحكمة الذهاب بمفردك والسير فى الغابة..
قاطعها الكولونيل بسرعة:- تعالى عزيزتى .. سنراكما فى الصباح.
بدت غرفة الاستقبال خانقة قابضة للنفس. وشمت مينا رائحة عطر السوسن البرى الذى تستخدمه والده كارسون. أرادت ان تقترح عليه التنزه فى الحديقة فربما هناك تجد من السهل التحدث اليه.
قال كارسو بلهجة حزينة : أتعلمين؟ أظن ان أمى على حق، فلم أكن موافقا على فكرة سفرك ولكنك أصريت.
قالت متوترة: وكأنك تقول بكلمات أخرى ان لسعة العنكبوت كانت عقابا ملائما.
لماذا لم تدرك من قبل مدى دلاله وفساده. - حسنا.. يجب أن تعترفى أنك ما كنت ستتعرضين الى ذلك الاذى لو بقيت فى الوطن. فجأة بدت لها المهمة سهلة وشكرته فى نفسها على تسهيله الامر عليها من غير قصد..
قالت :- كأى خطيبة تعرف واجباتها ؟ .. اسمع كارسون.. هناك ما على قوله لك . خلعت الخاتم السوليتير من يدها. أظن أن علينا فسخ خطوبتنا.. فلا أظنها خطوة مناسبة لأى منا. أنت بحاجة الى زوجة تنفعك اجتماعيا ككوليت أما انا فلا أظننى أناسبك حقا.
رد كارسون بدون لباقة:- ربما ، ولكنك ستتعلمين. ستعطيك أمى دروسا فى هذا المضمار.
- كارسون .. لا أظنك تفهم .. ليست المسألة قدرتى على أن أصبح كما تريد بل الامر ببساطة أننى لا أريد ان اكون زوجتك.
بدأ يحمر بشدة : وهل قابلت شخصا آخر.. هل تورطت فى علاقة رخيصة أثناء السفر ؟ كان قريبا من الحقيقة بحيث لم تؤلمها اتهاماته:- لم تكن بذيئة أو رخيصة خاصة من جهتى..
- ستندمين كنا سنعيش حياة جيدة. لاحظت مينا أنه لا يحاول اقناعها بالتراجع.. وأضاف:- ثمة أمر واحد. هل لك أن تتركى الامور على حالها فى الوقت الراهن؟ لقد دعا والداى جارا للعشاء غدا .. انه ثقيل الظل وسيكدرهما أن ..
- وترتيبات مائدة أمك ؟
- تدينين لى بهذه على الاقل سيعرف والداى أنك من فسخ الخطبة ان أخبرتهما الان .. فلو كان الاتفاق مشتركا لما صحبتك الى منزلهما هنا .. لذلك أفضل الانتظار حتى عودتنا الى لندن. وجدت مينا أن لا مفر لها من القبول فأعادت بتردد كبير الخاتم الى أصبعها..
قال كارسون :- سوى الامر اذن.. عظيم . لا اريد غايفنغ كلينتيس أن يضحك على من وراء ظهرى .. يكفينى ما نلته منه فى أيام الدراسة.
أحست مينا وكأن أنفاسها انتزعت من رئتيها من حسن الحظ أن كارسون لم يكن ينظر اليها، والا لأدرك الحقيقة.
غايفنغ كلينتيس؟ أهذا صوتها المرتجف هكذا؟
- أجل .. انه يعيش على مسافة أميال من منزلنا.. ورث مكانا كبيرا عن عمه .. أمضى وقتا فى الجيش ولا أعرف ماذا يفعل الان . لم يدعه أهلى الا أملا فى أن يسمح لهما بالصيد فى أرضه..
نظر الى ساعته، ثم أردف :- سآوى الى فراشى . تذكرى مينا أننا مازلنا بالنسبة للجميع خطيبين. يا لسخرية القدر الظالمة!
غايفنغ كلينتيس جار آل كيكورد وعليها مواجهة غايفنغ على مائدة السيدة كيكورد الادواردية الطراز.. غايفنغ كلينتيس، الذى وعدها الا يقول شيئا لخطيبها عما حدث.. غايفنغ كلينتيس الذى لا يجب الا يعرف أنها فسخت خطوبتها لئلا يظنها تتوقع منه شيئا.
*********************************
|