كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
4- من يموت أولا
عقدت مينا ذراعيها حول ركبتيها وحدقت اليه. كانت لحية خفيفة قد كست ذقنة مع أنه أقنع أحد رجال العصابة بتزويدة بشفرة حلاقة، ولكن ذاك الرجل لم يسمح له بأصطحابها معه فكان أن نما الشعر الاسود شيئا فشيئا. والليلة كالعادة ، كان منظره يزيد احساس مينا بالاشياء الحميمة التى يتشاركانها.
- سينزل غدا بعض الرجال الى البلدة ليحملوا مؤنا. سمعتهم يتحدثون عن ذلك بلغتهم المحلية التى تشبه كثيرا لهجة ( الكريول) الفرنسية، واستطعت فهم معظم ما كانوا يقولون.. سيبقى هنا رجلان يحرساننا. لذلك يجب أن نهرب غدا مينا .. وشدد على كلمة (يجب) ثم أضاف:- ربما هى فرصتنا الوحيدة.
- لكن كيف سنتمكن من هذا؟ فهما مسلحان ونحن لا نعرف طريق الخروج من الكهوف !
- أعرف الطريق .. أما الحارسين .. الا تريدين الهرب ؟- بلى!
- عظيم اذن .. اصغى الى .. غدا حين يأتى الحارس حاملا الفطور أريد منك الهاءه حتى أحصل على بندقيته.
- الهاءه؟ تغضن جبينها بالارتباك.
- آه، هيا الان .. هل تريدين أن أفسر الامر لك أنت لست تلك الفتاة الجاهلة البريئة مينا .. وثمة طريقة نارية واحدة مؤكدة للنجاح فى الهاء الرجل .لا حاجة الى السناح له بلمسك ان كان هذا ما يقلقك .. فالطريقة التى كان ينظر اليك بها فى الايام الماضية تدل على أن غمزة واحدة من هاتين العينين الرماديتين قد توقعه فى الفخ، خاصة اذا رافق الغمزة حركة مثيرة.
اختلط الخوف بالاشمئزاز فصاحت:- لا.. لا يمكنك توقع هذا منى !
- أنها الطريقة الوحيدة .. ان بقينا هنا مدة أطول فلا أضمن بقاء يديه بعيدتين عنك سمعت ما قاله قائدهم.. مرت أسابيع طويلة لم يقتربوا فيها من أمرأة وأنت بدون شك لاحظت كيف ينظر الرجل اليك.
- قلت ان ما من احد منهم سيمسنى. نسيت مدى تأثير الحرمان فى أمثالهم .. الحياة التى يحيونها تحرمهم من تمدنهم.
- لا استطيع فعل هذا ! يجب أن تفعلى .. تظاهرى أنه خطيبك .
ظلت مينا بعد وقت طويل على نوم غايفنغ مستيقظة تحدق الى الظلام. أظافرها منغرزة فى راحتى يدها .. لقد لاحظت الطريقة التى كان الرجال ينظر فيها اليها، خاصة من كان يحمل اليهم الطعام وكثيرا ما ثارت غضبا بسبب نظرته الوقحة اليها . هل غايفنغ على حق ؟ ان بقيا هنا.. تهرب تفكيرها من تكوين صورة لمضمون ما قال .. الا يكفيها تحمل الاذلال بأجبارها على مشاركته هذه الزنزانة.. هل ستضطر الان لتشجيع رجل على الاعتداء عليها.
اقتنعت أنها لن تنام ولكن ما فوجئت به هو غايفنغ الذى كان يهزها لتستيقظ . بقيت مستلقية على ظهرها للحظات ، تحدق اليه، وقد سمرها اخضرار عينيه . الا يستولى الحيوان المفترس على فريسته بهذه الطريقة ؟ الا يستخدم قوة عينيه ليخدر الفريسة ويحرمها من الاحساس بوجوب الوقاية؟
قالت له بخشونة : لا أستطيع فعل هذا غايف. بل تستطيعين وستفعلين.
لم تكن الكلمات الهادئة تقبل أقل معارضة ولكن لم تكن ايضا آمرة مسيطرة بل مطمئنة هادئة وكأنها كلمات أب الى ابنة قلقة من قدرته على القيام بمهمة صعبة.بعد لحظات وفيما هى تفكر أترتدى القميص الفضفاض أو التى شيرت.. أعطاها غايف القميص وقال لها :- ارتدى هذا .. وساعدينى على لف أكياس النوم. سنستفيد منها ان تمكنا من الهرب .. فلا ادرى كم سيطول الوقت قبل الوصول الىبر الامان.
سمعا وقع أقدام فحاولت مينا السيطرة على الارتجاف الذى تصاعد اليها مع كل خطوة يخطوها ذاك القادم. ولكنها همست، تحس بشجاعتها تهجرها:- كيف تعرف أن الاخرين رحلوا؟
- كانوا ينوون الرحيل مع مطلع الفجر .. وهم لا يحملون الينا الفطور الا بعد وقت طويل من هذا .
نظر اليها لحظة وهما يسمعان الرجل يعبث بالاقفال وقبل ان تمنعه ، فتح لها ياقة القميص ليعرى لها كتفيها ، متجاهلا شهقة الاحتجاج الحادة.. همس لها:- أنت تمثلين دورا.. رأيت هذا يحدث الاف المرات وأنت تمثلين للحصول على أغلى الجوائز وأثمنها حياتك !
ما ان انفتح الباب حتى ابتعد عنها تاركا اياها تواجه نظرة حارسهما الشبقة . سرعان ما حطت عيناه على بشرتها المكشوفة فومضت ألسنة صغيرة فى عينيه فذعرت.
شعرت فى اللحظة التالية بأنها ستفقد الوعى ولمنها بجهد يفوق قدرة البشر. أجبرت شفتيها على أن تفترا بأبتسامة مغرية ثم لم تلبث أن مدت يدها الى ذراع الرجل .
كانت ردة فعله فورية فقد طغت حدة انفاسه عليها وهو يمسكها من خصرها ووجهه الملتحى يكاد يلتصق بوجهها.. قال متفاخرا: اتريدين رجلا حقيقيا؟ حسن جدا .. ستجدين مبتغاك مع رينغو.
منتديات ليلاس
حرقت أنفاسه وحهها واتجهت يده الجسورة من خصرها الى ما فوق، فأغمضت عينيها برعب واشمئزاز حقيقيين. وتقلصت معدتها وتقوقع جسدها اشمئزازا تحت تأثير يديه. أدارها الرجل، فلمحت وجه غايفنغ.. كان غير مألوف فى قسوته وبروز عظامه.. رأت عينيه تومضان كحجر الجاد الاخضر فى وجه خلا فجأة من كل لون ثم ما هى الا حركة قصيرة حتى رقص النور فوق نصل سكين انتزعها من جعبة الرجل، ثم غرزها فى صدره فسقط الرجل عليها وكاد يسحقها على الارض ، ولكن غايفنغ دفعه عنها ورفعها لتقف.. تفوه بكلمات لم تسمعها، لأن تفكيرها كان يضج بصرخات جسدها الصامتة وبشهقة الرجل الذى مات لتوه بسبب رغبته فيها .
- مينا!
أحست بألم فجائىشلها ثم شعرت بألم فى وجهها لأنه صفعها حتى تخرج من ذهولها. سرعان ما تلاشت الصرخات، ليحل مكانها صوته الحازم:-فلنسرع. لفى كيس نومك .. والطعام.. يجب أن نسرع .. أعطينى حقيبتك، وكيس النوم . وأحملى الاخر.. لا..لا تنظرى اليه
تقدم بهدوء نحو الباب ثم عاد وبندقية الرجل فوق كتفه.. لأول مرة تراه على حقيقته جنديا، لقد بدا لها أشبه بقناص مفترس وعرفت بلا أدنى شك أن البندقية ليست سوى لعبه بالنسبة له لقد شاهدت كيف قتل رجل العصابات بسهولة قصوى. وارتجفت أوصالها ..قال لها محذرا وهو يحثها الى الخارج:- بهدوء .. اتبعينى فقط.. أفهمت؟
ان له ذاكرة فوتوغرافية اذ قادها بدون تردد الى الكهف الرئيسى ، الذى كان فارغا.. لم يكن لدى مينا فكرة عن الطريق التى سلكوها فى دخولهم ، لكن غايف بدا غير متردد أبدا
كانا على مسافة ثلاثة ياردات من المدخل حين توقف قلب مينا لرؤية شخص يبرز الى الكهف. تحرك غايفنغ بسرعة الضباب فلم يره الرجل الذى تلقى ضربه على رأسه أوقعتة أرضا بطريقة أكدت لها أنه مات أيضا . قال لها وقد بلغا النفق :-من الغباء تركه حيا ليلحق بنا ..ان كنا محظوظين استطعنا الابتعاد قبل ان يعود الباقون الذين قد يصلون بعد يوم أو يومين على الاكثر. لن أستخدم الممر الذى سلكوه عندما صحبونا الى الكهف فعددهم يفوق عددنا .
- ولكن .. كيف سنجد طريقنا ؟ ليس لدينا خرائط أو بوصلة .. لقد قال قائد الفرقة انه لا يعرف الممرات الا بضع رجال.
- هذا صحيح .. ولكن هناك طرق كثيرة .. أمامنا الشمس والنجوم وايجاد طريق العودة هو اخر ما يهمنا لأن غايتنا الاولى والاخيرة الا يجدوننا
حين خرجا أخيرا الى ضوء النهار .. كاد النور يعمى بصرها، فوقفت ترفرف بعينيها.. ثم انهمرت فجأة دموع الراحة من عينيها. فقد كانت مع كل خطوة تتوقع مواجهة خاطفيهما هذا عدا خوفها الطبيعى من الاماكن المغلقة. فأنهمرت الدموع بلا انقطاع على وجنتيها ووقفت ترتجف غير قادرة على الاحراك.
- ميـنا!
سمعت صوت غايفنغ النافذ الصبر، فنظرت اليه بصمت فسمعته يشتم بصوت منخفض. ولكنها لم تشعر الا بدفء ذراعيه حولها وبأنفاسه فوق صدغها وبعضلات صدره الصلب فتركت نفسها تسترخى عليه .
رفعت رأسها تريد أن تقول له انها بخير .. لكن النظر الى الجاد الملتهب الاخضر كان بمثابة الغرق فى بحور خضراء ثلجية . اندفعت لا اراديا ترفع أناملها تتلمس وجهه اختنقت أنفاسها بشكل غريب وتصاعدت أحاسيس غريبة الى كيانها وأخذ قلبها يخفق بسرعة خافقة. افتر ثغرها بدعوة غير ارادية ثم راقبت هبوط رأسه نحوها ولمعان عينيه القاسيتين الخاليتين من اية رحمة
فجأة اختفى وجه غايفنغ وحل محله وجه رجل العصابات. انقلبت السعادة الى غثيان . وجف الدم فى وجهها وأرتجفت اشمئزازا.
- ماذا هناك ..؟
همست بكلمات تحمل صدى الرعب :- ذلك الرجل . الطريقة التى لامسنى بها. الطريقة التى نظر بها الى .
رد بحزم:- لقد انتهى الامر فأنسيه. سألت بجنون:- وكيف انسى؟ كلما احتوانى رجل بين ذراعيه سأتذكره . وستتقزز نفسى ..
- هذا يكفى! تتصرفين وكأنك لم تذوقى قط طعم العناق أنت امرأة مخطوبة ..
- ولذلك لا يسمح لى بأية مشاعر .. أية ..
- سنتحدث عن هذا فى وقت اخر . أمسك ذراعها يجرها الى الامام مردفا:
- أما الان فانا راغب فى وضع أوسع مسافة بين هذه الكهوف وبيننا . ماذا يقلقك؟ عدم موافقة خطيبك على ما فعلت؟ أنا واثق انه سيتفهم ما فعلت حين تقولين له انك كنت مخيرة بين هذا وبين الموت ، كما انه لم يحدث شئ فى مطلق الاحوال.
ربما لم يحدث شئ فى السياق الذى يعنيه . ولكن ما جرى لها مع ذلك الرجل كان التجربة الاولى مع رجل غريب لذا تشعر الان بانها ملوثة .
لقد ظنت مينا انهم وصلوا الى الكهوف بسرعة قصوى ولكن رحلتهم تلك لا شئ يذكر ، امام السرعة المرهقة التى مارسها غايفنغ بعدما تخلصا من الحراس.. وقد ساعدهما منجل كبير أخذه من الكهف على شق طريق لهما عبر أعشاب الغابة وجذورها النامية لحقت مينا به .. معجبه بالحزم الذى كان يقرر فيه اتخاذ الطريق الذى عليهم اجتيازه .
كانت كل عضلة فى جسدها تنتفض الما واحتجاجا على الضغط الذى مارسته ولكنها لم تجرؤ على طلب الراحة خوفا من تقاعس جسدها عن المضى. أصبح الممر الذى سلكاه موحلا ومع ذلك مشت بعناد تتبع خطوات غايفنغ.. مضت عدة دقائق قبل أن تدرك أن الهدير البطئ المكتوم الذى سمعته، هو خرير المياه.
صاح غايفنغ بلهجة انتصار:- هذا ما كنت أبحث عنه!
وصلا أخيرا أمام شلال يتساقط بغزارة فوق الصخور. سنتبع مجرى المياه فان كنا محظوظين وصلنا الى الساحل. علمت ان فى الغابة جداول جارية.
سألته مقطوعة الانفاس، محاولة عدم الانين:- لكن كيف وجدتها ؟
- من حالة الارض .. كانت اثار الحيوانات تدل على أنها تسعى وراء الماء. لولا براعته وتدريبه لما وجدا هذا الجدول ولكنها رغم معرفتها هذه شعرت برعدة خوف خفيفة تسرى فى بشرتها.ان فى هذا الرجل ما هو غريب غير مدجن، وما هو ساحق الرجولة ولعل هذا الشئ الغريب هو ما يحثها على الهرب منه سعيا الى الهدوء.
- مينا ؟
لم تحس أنه كان يراقبها.. فقالت كاذبة :-أنا بخير .
- سنتوقف قريبا. من حسن الحظ ان الجدول غير عميق مع أنه يجرى بسرعة ولا نريد أن نخاطر سنسير بمحاذاته قدر الامكان. فان اقتفوا اثارنا حتى الجدول فسيساعدنا السير فى الماء على ابعادهم عنا .
فعلت مينا ما يفعله غايفنغ.. نزعت حذاءها وربطت شرائط الفردتين ووضعتهما على كتفيها .. فقال غايفنغ بايجاز:- اخلعى الجينز لان ذلك سيبعد البلل عنه.
فعلت ما طلب منها بأنامل مرتجفة ومع ذلك شعرت بأن شيئا غريبا يتحرك حيا فيها خاصة وغايفنغ نظر اليها متأملا. لم تدرك أن مشاعرها انعكست فى عينيها حتى قال:
- استريحى. قد أكون جنديا فجا غير مهذب، ولكننى لا أشارك أمثالى فى الرغبة فى جسدك.. هذا تأثير المدينة على! هل خاب أملك؟ -أنا مخطوبة لرجل آخر ..أتذكر هذا ؟ أضف الى ذلك أننى لا أحب الرجال الذين يمارسون العنف
- وهذا يعنى أن أثار جروحى تقزز نفسك؟ تذكرى أننى اكتسبتها وانا أحاول تحرير مدنى برئ. لست مرتزقا مينا ولست بطلا فما أفعله هو مهنتى.
صاحت غاضبة: قتل الناس! الا تدرى أنه لولا وجود أمثالك لما كان هناك ارهاب؟
ارتفع حاجباه وهو يستدير وسط الماء لينظر اليها:- الا تعرفين هذا؟ انها القصة القديمة مينا .. من خلق اولا الدجاجة أم البيضة .. لا يمكنك استخدام عذوبة المنطق مع رجال مسلحين.
همست ترتجف فجأة رغم حرارة الغابة :- الا تشعر بالخوف أبدا ؟ - الخوف ؟
فى البداية ظنت أنه يسخر منها . ثم رأت تعبير عينيه..وقال لها:-بالطبع أخاف . فأنا أشعر بالخوف كلما قمت بمهمة ، أو كلما عدت من مهمة. حين أخرج يكون الاندفاع لصالحى . أما حين العودة.. استدار ووجهه متجهم , وكأنه نسى وجود مينا وهو يتمتم ببطء:
- العودة كمن يخوض فى الجحيم . هذه المرة نجوت . لكنك تترك دائما شخصا ما وراءك . شخصا عزيزا على قلبك وفى كل مرة يموت جزء منك . ثم تسأليننى ان كنت لا اخاف .. أصبت بطلق نارى أثناء فرارنا ولولا مساعدة رجلين من رجالى لبقيت ملقيا فى الادغال الافريقية مع الاخرين. هذا ما قالوه وأنا فى المستشفى فتوسلت اليهم الا يعيدونى الى الادغال ثانية الى هذا الحد كنت خائفا.
لم تستطع مينا أن تقول شيئا بسبب الغصة التى قبضت على حنجرتها وشعرت بان تهورا ما يدفعها الى مواساته وكأنه طفل صغير. وهذا احساس سخيف أمام ما تراه من قوته ورجولته.
تابع يقول : أنه أحد الاسباب التى دفعتنى الى هذا المكان.. أردت ان أثبت لنفسى أننى قادر على مواجهة الادغال مرة أخرى وأننى قادر على الكسب.
قالت بهدوء : وهذا ما فعلته؟ - لم ننج بعد .. أتشعرين بالقلق الان وقد عرفت الحقيقة؟ ردت بصدق: لا
كان المغيب قد أرسل سدوله حين قرر غايفنغ التوقف. لقد سارا عدة أميال فى مياه الجدول، لكنهما اضطرا للخروج منه عندما قوى التيار . قال لها مشيرا الى فسحه بعيدة:
- سننام هناك لئلا يخفى خرير المياه وقع أقدام من قد يقترب منا . ولن نستطيع المخاطرة بأشعال النار. ولن نحتاج اليها . ما رأيك بالافوكادو والجوز للعشاء؟ لن نقلق بهذا الشأن! واشار الى أشجار تحمل الصنفين.. تمتعت مينا بالفاكهة ، ولكنها تاقت الى جرعة ماء، ورفض غايفنغ السماح لها بلمس مياه الجدول.
-أعرف انها تبدو نظيفة ولكن هذا لايعنى أنها كذلك. لا أريد أن تعيقى طريقى بسبب المرض.
اضطرت للاعتراف بالمنطق . وسألته اذا كانت تستطيع الاستحمام على الاقل قبل النوم فالمياه كانت نادرة فى الكهف . وبسبب وجوده قريبا منها وبسبب خجلها الطبيعى اكتفت بالاغتسال بشكل سطحى.
أما الان وبعد مسيرتهما الطويلة تاقت الى الشعور بالانتعاش الذى يولده الماء النظيف على جسمها. كانا قد أعدا العدة للنوم فى مكان لا يبعد كثيرا عن بركة طبيعية لكن غايفنغ سرعان ما بدد لها احلامها فقد قال لها بعذوبة:- هيا.. اذهبى .. سأرافقك.
بدا أنه لايشاركها ترددها أو خجلها. فقد أخذ ببساطة ينزع قميصه، وظهره لها ليكشف عن عضلاته القاسية
أشاحت بوجهها عنه لأن اللون القرمزى على وجنتيها دليل واضح على خجلها .. ولم تستدر ثانية الا بعدما سمعت صوت ارتطام جسمه بالماء. تخلت على مضض عن نيتها الاولى فى الاستحمام فى المياه الرائعة، واكتفت بالسباحة باحتراس فى المكان الضحل كارهة الاقتراب من المكان العميق ومن غايفنغ
خرجت من المياه بدون أن تنتظر خروجه وجلست على الصخور التى صقلتها حركة المياه الدائمة المتدفقة. ثم عادت مسرعة الى المساحة التى وضعوا فيها أغراضهم. كانت تكافح لتدس جسمها المبلل فى كيس النوم حين عاد غايفنغ ووجهه متجهم وقميصه مربوط الى خصره وشفتاه مشدودتان بقوة . قال بدون مقدمات:
- ماذا تخالين نفسك فاعلة؟ لسنا فى نزهة أطفال تلعبين فيها ما تشائين.. علينا من الان فصاعدا البقاء معا. أتفهمين هذا؟
منتديات ليلاس
- لم أرتكب جريمة عندما عدت رأسا الى هنا.. أنا لست أحد رجالك .. ولست مضطرة لاطاعة أوامرك!
رد بلطف أثار خوفها:- هذا صحيح . لست مضطرة . ولكن ان رغبت فى الحياة أنصحك باطاعتى. ماذا كنت ستفعلين لو عدت الى هنا ووجدت أصدقاءنا بانتظارك؟
كشف ابيضاض وجهها حقيقة مشاعرها، مع أنها حاولت جاهدة الا تتذكر أحداث هذا الصباح. أكمل غايفنغ متشدقا:- بالضبط ما تفكرين فيه!
أعلمها بذلك أنه يعرف ما يدور فى خلدها:- وبناء على ذلك لن تتحركى من الان فصاعدا بدون اخطارى مفهوم؟
انها تكرهه .. هذا ما فكرت فيه على مضض وهى تحاول ايجاد الراحة فى كيس النوم الضيق. كانت الارض تحتها قاسية. قبل أن يدخل غايفنغ الى كيس نومه، شاهدته يتجول بهدوء فى المكان مركزا وسائل انذار بدائية كما قال لها مضيفا بان عليهما اذا أرادا التقدم بشكل سريع النوم جيدا فى الليل .. والاحتياطات التى يقوم بها ستوقظه فى الوقت المناسب ان تسلل أحد. قال لها حين لاحظ ذهولها:- انها خطط بسيطة للبقاء على قيد الحياة.
غطت فى نوم عميق وهذا ما لم تتوقعه ولكنه لم يكن نوما مريحا.. فقد سيطرت عليها ابتسامة رجل العصابات وهو يلمس جسدها . صاحت (لا) خرجت الكلمة من شفتيها فأقظتها بحدة ولكنها وجدت نفسها مسمرة بأصابع من فولاذ الى الارض.. طغى الذعر على تفكيرها السوى وظنت أن هذا الثقل هو لرجل العصابة..ولكن الصرخة التى كادت تطلقها قطعت بحدة بيد وضعت فوق فمها :(مينا؟)
أعادها الصوت الحازم الى الواقع.. وتلاشى التوتر من جسدها بالسرعة نفسها التى تملك بها. ارتجفت وقالت بصوت أجش من المشاعر:- أنا أسفة.. رأيت كابوسا، رأيت ذلك الرجل..
ارتجفت مجفلة لأن غايفنغ جلس فجأة ولكنه لم يتركها بل ضمها حتى توسدت رأسها كتفه: ايزعجك الى هذا الحد؟
أعطاه وجهها الرد وجعلته انتفاضتها المذعورة التى تولدت حين مد يده ليرجع خصلة شعر عن عينيها يتوقف وينظر اليها بحدة.. ثم رفع ببطء متعمد يده الى وجهها ممررا أصابعه بلطف على بشرتها.
بدا لها أن أنفاسها انحبست فى خناقها.. توتر جسدها كله واصبحت عيناها كعينى حيوان صغير ضعيف عالق فى فخ يتوق للفرار فترجعت عنه.. تنتفض وكأنها دمية، وتلاشى اللون من وجهها تاركا اياه شاحبا معذبا ثم ما لبث الارتجاف أن سرى فى أوصالها من ذكريات الصباح ، اقتراب الرجل منها وملامسته لها وطعنه غايفنغ له.. ثم الدم.تأوهت عميقا كمن يلاحقه الرعب المميت.
- مينا .. سيكون كل شئ على ما يرام.. وعندما تعودين الى الديار فستنسين كل شئ بين ذراعى خطيبك. -لا!
ارتجفت مشمئزة فلن تستطيع تحمل لمسة كارسون لها بل لن تتحمل لمسة أحدا أبدا!
قال غايفنغ وكأنه يكلم نفسه:- غريب.. قد أفهم ردة فعلك لو كنت بدون خبرة.. لكنك لست هكذا.. أنت امرأة مرغوبة جدا وفى العشرينات من عمرهامن المفترض الا يكون خطيبك هو الرجل الوحيد فى حياتك.. اذا كنتما مخطوبين منذ تركت مقاعد الدراسة لقد عرفت مؤخرا ان من الافضل مواجهه شياطيننا والتخلص منها قبل ان تصبح قوية
أمسكت أصابعه ذقنها، يرفع رأسها اليه، وعيناه تكادان تنومانها، منعتها اصابعه القاسية من الحراك واستحوذ عليها رعب بدائى واشمئزاز عنيف فتحرك رأسها من جهة الى أخرى حاولت بيأس التخلص من ضغط اصابعة الدافئة ، ثم اشتبكت اصلبعة فى شعرها ليرجع رأسها الى الوراء، يلحق به جسمها، شهقت شهقة دهشة ثم أرسلت الاحاسيس اليها موجة من المشاعر.
اصطدمت اليدان اللتان رفعتهما لتدفعه عنها بكتفيه ولكن سرعان ما هوتا بعيدا. تمتم غايفنغ بعذوبة، ويده تمسك باصابعها المرتجفة لتعيدها الى صدره
- المسينى وانسى ما حصل هذا الصباح.. انسى كل شئ الا هذا .. وهذا. كانت اصابع رشيقة تلمس بعذوبة كتفيها وعنقها.. سرعان ما انطلق فى داخلها تيار من المشاعر لم يكن لديها القدرة على التحكم فيه.
- الم تنسى شئا؟
صدمها صوته فارتفع رأسها الى فوق ، ثم اتسعت عيناها بعدما اخرجتها كلماته من احلامها..
- خطيبك.. كدت للحظات تخدعينى .. ولكن تجاوبك لم يكن يدل على الخوف الذى ادعيته وارفض أن أكون بديلا عن أى رجل آخر.
صاحت تكذب بجنون:- لن تسد أبدا فراغ كارسون..
وارتدت عنه ترعبها المشاعر التى تعرفت اليها ثم كافحت لتخفى شحوبها الذى ولده تفرس عينيه العديمتى الرحمة أو الاشفاق. ماذا دهاها بحق الله ؟ لقد تصرفت وكأنها .. وكأنها .. أمرأة واقعة فى الحب!
تسللت الفكرة الى راسها كتسلل الافعى الى جنة عدن فكادت تزهق أنفاسها أتحبه؟ كيف لها ذلك ؟ وهى لم تتعرف اليه الا منذ بضعة أيام ! هذا مستحيل.. المدة غير طويلة للوقوع فى الحب.
ولكنها مدة كافية لتعرف أنه يملك شجاعة لم تشهدها فى رجل اخر وعزما واخلاصا لمبادئ عظيمة، مدة كافية لتعرف شيئا من مخاوفه الخفية، وافكاره الحميمة.. أذن لماذا المدة غير كافية للوقوع فى حبه؟
**********************************************
|