2- غابة الرعب
كانت الساعة تشير الى الحادية عشرة الا ربعا حين نزلت مينا الى بهو الفندق لتنضم الى المجموعة الصغيرة التى تنتظر الدليل الذى سيرافقهم الى الغابة . سرعان ما رأت غايفنغ كلينتيس ولكنها تجاهلته عمدا ثم انضمت الى بينى وستافرو هولاند اللذين يتبادلان الحديث مع الازواج الاربعة:
سألتها بينى: أتتوقين للقيام بالرحلة؟ . عندما أجابتها مينا أيجابا أضافت : - على فكرة .. ماذا أصابك ليلة أمس؟ فتشت عنك وقت العشاء فلم أجدك.
-أكلت فى غرفتى.. شعرت بصداع ربما بسبب حرارة الشمس. انها تكذب لأنها تعرف جيدا سبب عدم تناولها العشاء فى المطعم ، فقد أرادت تجنب أى أحتكاك آخر مع غايفنغ كلينتيس لأن حظها العاثر قد يدفعها الى مقابلته فى قاعة الطعام فيتهمها بأنها تعمدت هذا اللقاء أيضا. قالت بينى وهى تبدى اعجابها بالسروال الزيتونى التى ترتديه مينا وبالقميص الأبيض:- تبدين جذابة على أى حال.
كانت مينا تمسك حقيبة من القماش فيها قميص قطنى طويل الأكمام وقبعة وأشياء أخرى . كان لون الحقيبة يماثل لون سروالها وقد اشترت هذه الثياب خصيصا للعطلة.. فكارسون لا يحب أن ترتدى المرأة الجينز ولهذا اضطرت مينا الى شراء سروال عادى لزيارة والديه
أصر كارسون على أن تتعلم مينا ركوب الخيل.. فمن المتوقع أن تتعلم، ولكنها قررت ألا تشارك بالصيد فمع أنها تستمتع بمنظر الصيادين مع كلابهم . ألا أنها لم ترغب قط فى مجاراتهم بهذه الهواية .
قدمتها بينى الى الرباعى المرح الذى كانت تتحدث اليهم كان أرنولد، مصمم الأزياء، نحيلا أشقر الشعر، زوجته سالى ترتدى سروالا أنيقا وقميصا مربوطا بحزام مزين بقماش ذهبى .. وكان صديقاهما، كولين ونويل بردفورد شريكى أرنولد. سألت سالى مينا: - ألا تشعرين بالوحشة لأنك بمفردك هنا؟ - ليس كثيرا ، لأننى جئت لطلب الراحة. كانت بينى قد استدارت للتحدث الى غايفنغ كلينتيس أما مينا فوعت بشكل لا يطاق نظرته الحادة الساخرة على بشرتها المتوردة .
أجابت كولين بأشفاق: أجل .. فالاستعداد للزفاف قد يكون مرهقا.. متى الحدث الكبير ؟ - لم نقرر نهائيا.. فكارسون خطيبى يجب أن يسافر الى نيويورك قريبا .. وليس متأكدا كم سيطول مكوثه هناك ولكن حالما يعود نحدد الموعد.
قال غايفنغ بتشدق بعدما ضم نفسه الى الحديث: - ليس عريسا متشوقا اذن؟ ألم تحذريه مما قد يصيب المتقاعس فى الحب؟ عرفت مينا أنه يلمح الى أنها هى التى تلح على كارسون للزواج وأرادت أن تخبره بأنه مخطى، وبأن كارسون ليس ممن يستعجل الامور . ضحكت سالى :أووه .. كلنا نواجه المصاعب فى جر رجالنا فى هذه الايام الى مذبح الكنيسة.. هذا ما جنيناه من المساواة بين الجنسين.. لم يعد هناك حاجة للاستعجال على الزواج كما كان فى السابق .. هذه الحال هى الفضلى تصورى أن تتزوجى رجلا لا تعرفين عنه شيئا. انه أسلوب قديم يشبه الزواج المدبر بين غريبين.
منتديات ليلاس
ردت مينا بدون اهتمام، متمنية ألا تفضحها لهجتها :- أجل..
كيف لا توافق وغايفنغ كلينتيس وافق أمامها. لو صرحت بالحقيقة لعرف أن خبرتها مع الرجال معدومة. خجلها الطبيعى، وتعليمات العمة مارولا المتزمتة أثرا فى رغباتها الطبيعية فى المعرفة ومع مرور السنين أصبحت أكثر خجلا من الاعتراف بالحقيقة.. فلم يكن حتى كارسون نفسه يعرف أنها عديمة الخبرة .. فالموضوع لم يذكر قط بينهما وتساءلت لأول مرة عما ستكون عليه ردة فعله.. مرت بها أوقات شعرت بأن حقيقتها مكتوبة على وجهها وهذا ما جعلها عرضة للخجل حينما يقترب منها الشبان، لكنها فى النهاية تغلبت على هذا الخجل .
من الواضح أن غايفنغ كلينتيس ، لم يدرك حقيقة خجلها وتزمتها مع الجنس الاخر ، واضطرت لمحاربة غضبها المتصاعد، وهى تتذكر مواجهتهما بعد ظهر اليوم السابق . حين شغلت بينى اهتمام سالى وجدت مينا أن (البعبع) الذى تفكر فيه أصبح قرب مرفقها. قالت له بصعوبة: - أرجو أن لا تتهمنى بالانضمام الى الرحلة لأجبرك على التعرف الى.. ازدادت غمازتا وجهه عمقا وهو يبتسم: - يصعب ذلك.. يجب أن أكون مصابا بجنون العظمة حتى أفكر بهذه الطريقة. خاصة وأننى سجلت اسمى أولا.. أتستمتعين بالسير على الاقدام؟
لم يبد مهتما بما اذا كانت تستمتع به أم لا . لكن مينا أجبرت نفسها على الرد بأدب: - أجل.. لقد نشأت فى الريف .. - عظيم.. ولكن رحلة اليوم لا تشبه نزهة ريفية . هذه جبال شديدة الانحدار، وأعتقد أن الغابة كثيفة جدا..
قال ستافرو مازحا: أتحاول احباط عزيمتنا؟ - أبدا .. يبدو أننى أعطيت انطباعا خاطئا.. فى الواقع، لو ظننت أن الرحلة سيكون مشقة لى لما قبلت بها. لامس ساقه اليسرى وهو يتكلم، فتذكرت مينا قول ستافرو أنه شاهده يعرج.. وأضاف بحدة: - لقد تورطت فى .. حادثة.. وأنا هنا لأسترد عافيتى، ولأمارس تمارين تعيدنى معافى الى عملى.
سأله ستافرو: أنت فى الجيش على ما أعتقد؟ -أجل .
كانت الكلمة خالية من أى تعبير. ولكن مينا نظرت الى وجهه وهو يتكلم، وحبست أنفاسها لأن مظهره تغير كليا اذ قست ملامحه ومر بعينيه وميض أسود .. ما الذى فى السؤال البرىء حتى يثير ردة فعله هذه؟ أهو مطرود من عمله، أو ما شابه ذلك فلقد سمعت من والد كارسون أن أمورا كهذه قد تقع . ولكن لماذا تهتم بردة فعله؟
قال ستافرو مقاطعا أفكارها: وصلت وسيلة النقل . كان خارج الفندق سيارتا لاندروفر مزودتان بمقاعد اضافية ، مشرعة للهواء الطلق .
- هل الجميع جاهز؟
صعد الازواج الاربعة أولا تبعهم العروسان. وكانت مينا على وشك الجلوس قربهما حين منعها الدليل.. أجلسى فى السيارة الثانية .. أنا أجلس هنا. وهكذا، أضطرت للانضمام الى بينى وستافرو فى مؤخرة السيارة، وخفق قلبها بشدة حين اندس غايفنغ كلينتيس بطوله الفارع الى جانبها .
لم يكن فى السيارة مساحة كبيرة بسبب بينى وستافرو الضخمى الجثة أحست مينا بحرارة جسد غايفنغ كلينتيس تحرق بشرتها فحاولت الابتعاد، لكن صعب عليها ذلك بدون أن تدس نفسها بستافرو
كان الطريق من المجمع الفندقى ممهدا . ولكن حالما انعطفت بهم السيارتان، وجدوا أنفسهم على طريق مهجورة منذ سنوات . وعندما وثب اللاندروفر فوق نتوء كبير ارتمت مينا على غايفنغ كلينتيس.. فأحست وكأنها اصطدمت بجدار صلب، وارتفعت ذراعه لتنقذها، وتمسك بها على ذلك الجدار الصلب المسمى صدره.. مرت بها مينا. لقد حرقت حرارته قماش ملابسها الرقيقة، فتصاعد اللون القرمزى تحت بشرتها وقد أدركت أنه قد أحس بها كما أحست هى بقسوته ورجولته .
- مينا .. هل أنت على ما يرام؟ قطع سؤال بينى عليها أفكارها ،فأجابت: - أنا بخير.. شكرا لك سيد كلينتيس.. كدت أقع على غفلة منى .
كان فى النظرة التى رمقها بها ما هو مهم: - يحدث هذا للجميع.. أرجوك .. نادنى غايف يا مينا. صاحت بينى تجذب الاهتمام عن وجنتى مينا المتوردتين: - آه ! انظروا الى هذا المشهد ! هل جئت الى الكاريبى من قبل غايف؟ - لا
نظر الجميع يمينا، حيث تنحدرالأرض حتى البحر الأزرق المنتعش الذى تذوب زرقته لتصبح ليلكية ضبابية عند الافق. تنهدت بينى: انه جميل جدا!
قال ستافرو: لكنه فقير.. لا يبرح تفكيرى فقر أهل الجزيرة .. حين يكون المرء هنا يفهم سبب انجذاب هؤلاء الناس الى الشيوعية.
رد غايف: أنت على حق.
منتديات ليلاس
- ثمة جناح يسارى قوى وضخم فى الجزر الكاريبية، وهم يتلقون تعليمهم وتدريبهم فى كوبا، وان لم ينتبه الغرب ويهتم استيقظ يوما ليجد أننا خسرنا منطقة الكاريبى .
احتجت بينى: - أوه.. بلا سياسة أرجوكما ! مينا.انظرى الى ذاك البناء الذى يوشك أن يقع.
كانت المسافة طويلة للوصول الى الغابة الاستوائية. وازدادت الامور سوءا بسبب الطريق الوعرة. ومع أن سانت ستيفان هى من أكبر جزر الكاريبى، فهى مهملة بشكل كبير.. كان مدير الفندق قد قال لمينا انهم يأملون بأن تساعدهم عائدات السياحة فى تحسين أوضاع الجزيرة.
كان السهل المنبسط من الساحل ختى الغابة غنيا بأشجار الموز، مصدر الرزق الرئيسى فى الجزيرة، بعد قليل بدأت تتلاشى ثمار الموزالمحمية فى أكياس بلاستيكية زرقاء.. وكلما اقتربت المجموعة من وجهتها، ازداد احساس مينا بتوتر يبعثه هذا الرجل الجالس الى يسارها ولكن لم يكن فى طريقة جلوسه ما يكشف أحاسيسه، فقد كان وجهه منحرفا قليلا عنها وكأنه يتفرج على المناظر الريفية، وكل ما كانت تراه مينا هو خط فكه المتشدد ولكن لا مجال للشك فى التوتر المنطلق منه، وأحست بأطراف أعصابها ترتجف برد فعل غريزى ، وتساءلت عما دهاها.
قالت بينى حين ظهر مبنى منعزل على طرف السهل حيث يتصاعد الجبل البركانى الى السماء مباشرة :- آه ! لاشك أنه المطعم!
كان على جانبى السهل اخضرار استوائى كثيف ولكن السهل نفسه بدا خاليا من المساكن. مع أن بضع طرق وعرة بدت وكأنها تقود اما الى قرى