كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
1- حورية بلا بحر
قعدت مينا ببطء، تدفع شعرها الاشقر القمحى عن وجهها.. لم تكن عادة تتركه مسترسلا وبدأت حرارة شمس الكاريبى تحول الخصلات القصيرة على جبينها الى خصلات فضية. أما العينان الرماديتان القابعتان فوق عظمتى الوجنتين المرتفعتين فكانتا غارقتين فى تفكير عميق ملؤه الانطواء على النفس .
كان هذا هو تعبير مينا المعتاد وهو تعبير طالما اجتذب اهتمام الرجال المنتهزين الفرص ولكنهم كانوا يدركون أخيرا أن وجهتها الباردة أعمق من بشرتها .
تناهت اليها من الشاطىء الضحكات والقهقهات ومن المسبح خرير المياه وأصوات الأطفال المرتفعة ..ولكن ،هنا وفى حدائق المجمع السياحى الفخم فى سانت ستيفان لم يكن هناك ما قاطعها، فأصبح هذا المكان الجميل لها وحدها
وضعت كتابها من يدها، لتنظر الى ساعتها فاذا موعد الغداء قريب . كان الكتاب حارسا لها من المتطفلين غير المرغوب فيهم، أكثر منه وسيله للتسلية وفى الواقع هذه احدى مشكلات قضاء العطل على انفراد ولكن لم يكن لديها خيار آخر اذ لم يستطع كارسون مرافقتها .
كارسون! برقت الشمس فوق الالماسة الوحيدة فى الخاتم القابع فى يدها. كشف الحجر الكبير قيمته، ولكن لا يمكن وصف الخاتم بالفخم الملفت للنظر . وهذا نموذجى من كارسون .. انعقد حاجباها القاتمان بعبوس : ما بالها؟ كانت حتى الآن قانعة بكارسون وبخطوبتهما.. تنهدت مفكرة .. ربما السبب جو هذه الجزيرة الاستوائية أو ربما للأمر علاقة بواقع أن معظم الضيوف من الازواج الشبان ، أو الأزواج القديمى العهد بالزواج المتحررين من عائلاتهم الكبيرة المنكبين على استعادة سحر الأيام الخوالى.. كان هناك بكل تأكيد عائلات من بين ضيوف الفندق ، لكن الجو السائد فى المجمع، جو تكاسل ممتعا أساسا، الامر الذى بدأ يؤثر فى مينا وأفكارها
ان أحد الأسباب الرئيسة لموافقتها على الزواج هو شخصيته التى يعتمد عليها فهو لا يعيش فى الخيال بل يفتقر الى الجاذبية المفرطة .. ولكن هذا ما لم تكن تريده فى الزواج.. ففى عالم النشر، حيث تعمل مساعدة خاصة لرئيس تحرير قسم القصص فى مؤسسة للنشر ذائعة الصيت كانت ترى نتائج العجلة وسوء الاختيار فى الزيجات. فكثيرا ما سمعت عن زوجين تبادلا حب مجنون لم يدم الا سنة أوأشهر .. وهذا ما لن يجرى لها، فهى تريد زواجا كزواج والديها.. والديها.. تنهدت ثانية متذكرة الحب والضحك الذى دام حتى الخامسة عشرة من عمرها ..ولكن ، ذلك الحب والضحك تلاشيا فى الليلة التى فقدا فيها حياتهما فى حادث سير جماعى على طريق عام ..
بعد وفاة والديها وضعت تحت رعاية عمة أبيها مارولا اندرسلى . وكانت العمة مارولا طيبة ولكن ليس من السهل تحمل مسؤولية فتاة عاطفية فى الخامسة عشر من عمرها ، فقد كانت العمة مارولا امرأة لاتلين ، ولأنها لم تكن معتادة على الاولاد وجدت صعوبة فى اظهار التعاطف العفوى الذى أغدقة عليها والداها .. فكان أن تعلمت تدريجيا الانطواء على الذات مختبئة خلف أبتسامة باردة ، نتيجة الاحساس بأنها مرفوضة غير محبوبة . فى النهاية اتخذت أسلوب عمتها وعمدت الى عدم أظهار العاطفة والحب فكان ذلك سبب ابتعاد الفتيان عنها لأنهم وجدوها باردة متحفظة واتجهوا الى فتيات عاطفيات، منطلقات وهذا ما زادها اقتناعا بأنها تفتقر الى الجاذبية التى يتحلى بها غيرها .
وحتى تعوض عن هذا اتخذت لنفسها مهنة بينما فتيات قريتها الصغيرة اتخذن الزواج هدفا ، والآن وبعدما أصبحت فى العشرين باتت تعتبر نفسها منيعة ضد أية عاطفة قد تسيطر على الاخريات. وكانت سعيدة بعرض كارسون الزواج بها .
اصطحبها كارسون الى منزل عائلته لملاقاة ذويه مرتين وقد اعتبرت هذه الزيارة (فحصا بيطريا ) فالكولونيل والسيدة كيكورد رغم لطفهما ودماثتهما كانا يفضلان رؤية ابنهما متزوجا بفتاة من مركزهما .. ويمكنها أن تفهم السبب .. فعلى الرغم من وظيفتها التى توفر لها مدخولا جيدا يخولها العيش فى مستوى جيد الا أنها لا تملك الصلة الاقليمية، والمناطقية ، لتنال حظوة فى عينى عائلة كيكورد، المتعجرفة .. فلوالد كارسون عزبة محلية قال لها كارسون انها ستؤول اليه بطبيعة الحال ، لكنه فى الوقت الحاضر قانع بأن يكون شريكا فى مكتب محاسبة وهى وظيفة تؤمن له شقة فخمة فى لندن ، وسيارة فخمة اشتراها قبل خطوبتهما مباشرة .
ستكون الحياة مع كارسون هادئة ، عادية، تسير بهدوء كماء يصب فى قناة.. ولكنها فجأة أخذت تتساءل عما اذا كانت ترغب فعلا فى هذا الأفق الضيق .أحست بالقلق فجأة ، فهبت من مكانها طلبا للسير على الشاطىء .. بدت فتاة طويلة نحيلة حولها جو من البرودة يقول للجميع ممنوع اللمس..
شاهدت مينا من خلال مجموعة النخيل المتشابكة التى تحيط بالهلال الرملى الفضى سائحين شابين كانا معها على الرحلة نفسها، وكانا فى أوائل العشرين من عمرهما ، يقضيان شهر عسلهما. بدت سعادتهما كقطعة رمل خشنة صغيرة تفسد سطح حياتها الأملس وتثيرها الى درجة الاعتراف بأن كارسون والزواج سيرتبطان به ، ولكنه ليس زواجا قد يرحب فيه والداها لو قدر لهم البقاء على قيد الحياة .
كان الزوجان الشابان يركضان بمرح فى الماء . للاسف أن كارسون يكره أن يظهر عاطفته علنا ، فكيف سيكون شهر عسلهما؟ لقد اقترح عليها أن يقضياه فى الغاراف لان لوالديه صديقين يملكان فيلا هناك ، وملعب غولف رائعا. أهذا حقا ما تريده ؟ .. زوج يكرس نفسه للغولف بينما تلعب هى البريدج مع زوجات أصدقائه ؟
وبخت نفسها لأنها عاطفية حمقاء .. وجمعت حاجياتها استعدادا لتغيير ملابسها من أجل وجبة الغداء.. كثير من الناس لا يهتمون فهم يتناولون الغداء ببساطة مرتدين الملابس غير الرسمية .. أما مينا وبعد يوم من حرارة الشمس الاستوائية فتشعر بأنها بحاجة الى حمام والى تناول الطعام فى مكان هادىء
وبارد .. أنها تكتسب عادة اللون البرونزى من الشمس سريعا رغم بياض بشرتها. ولكن من قبيل الاحتياط تعمدت اخذ الحيطة والحذر لحماية بشرتها من الاحتراق .
كان المجتمع الفندقى جذابا.. وهو عبارة عن طابق واحد مؤلف من بيوت صغيرة ، يطلق عليها اسم (بانغلو) وهو معد لسكن عائلة واحدة. تحيط بالفندق (الجاكراندا) وتعريشات ( البوغونفيلا) وشتلات الخبازى والازهار على مختلف أنواعها. أما هى فكانت تسكن غرفة مزدوجة فى الفندق نفسه أذ كان من المفروض أن ترافقها فتاة أخرى من مؤسسة النشر، ولكن الفتاة انتقلت الى مكتب نيويورك وبدون سابق انذار، وهكذا اضطرت مينا الى المجى بمفردها.
شجعها كارسون على المجىء بمفردها.. فهو مشغول جدا ويحس أنه لن يقدر على أخذ فرصة للسفر حتى موعد شهر عسلهما، وبما أنها لم تحصل منذ سنتين على أجازة لائقة، بسبب عمتها التى كانت مريضة جدا والتى اضطرت مينا الى رعايتها فى أيامها الأخيرة، مستخدمة أيام عطلتها فقد أحست بأنها فعلا بحاجة الى هذه الفرصة.
كان عليها حتى تصل الى غرفتها المرور ببهو الفندق وهو بهو بارد أرضة رخامية، أثاثة من الخيزران، فيه الكثير من النباتات الخضراء. ابتسم موظف الاستقبال لها وهى تطلب المفتاح.. ان الموظفين لطيفون جميعهم وعلى أهبة الاستعداد للمساعدة .. ردت مينا الابتسامة ، ثم أسرعت ترتقى الدرجات وصولا الى غرف النوم .. يقضى قانون الجزيرة ألا يتألف البناء من أكثر من طابقين ، وكان من الرائع أن تطل من نافذة غرفتها لتجد أن الشىء الوحيد الذى يعيق نظرها، هو أشجار النخيل التى تلوح أمام نسيم الشاطىء.
فيما كانت تخلع ثوب سباحتها، سرها أن تجد بأن بشرتها قد أصبحت عسلية. تعرف أن المياه المتدفقة قد تكون أحيانا غريبة التأثير.. ولكنها اليوم كانت مؤثرة جدا، فالرذاذ البارد كان لذيذا على بشرتها الساخنة
وفيما كانت تهم بالخروج من تحت الماء ، لمحت صورتها فى المرآة .. فحاولت أن تتصور كارسون زوجا لها يتشاركان معا ما فى غرفة النوم من أشياء حميمة.. لكن مخيلتها رفضت أن تكون صورة . تناولت فستانا قطنيا ضيقا من الخزانة بغضب ثم مشطت شعرها بقوة ، وعقدته على مؤخرة رأسها ثم انتعلت حذاءها.
كانت غرفة الطعام أكثر ازدحاما مما توقعت .. لقد حملت معها كتابا احتياطا، وأملت أن تؤمن لنفسها طاولة صغيرة بعيدة عن النوافذ الفخمة المطلة على البحر لتستطيع تناول طعامها دون أن يلاحظها سائر النزلاء.
ولكن أملها خاب حالما وطئت قدماها أرض المطعم.. فقد نادتها امراة سمينة سوداء الشعر ، لطيفة الابتسامة: - مينا ..! تعالى واجلسى معنا. أشارت المرأة الى أحد الكراسى العديدة المتحلقة حول المائدة التى تجلس هى وزوجها اليها ووجدت مينا أن لا خيار لديها سوى الانضمام اليهما.
كان الفندق حديثا نسبيا، ولم يكن يستخدم من قبل شركات السياحة لأقامة الأفواج السياحية فيه.. ولهذا لم يكن فيه سوى عشرة نزلاء أتوا معا من المطار وهم: الأزواج الأربعة الذين يقضون عطلة ممتعة والعروسان الشابان وستافرو وبينى ومينا ورجل بدا وحيدا،كانت قد لمحته فترة وجيزة فى المطار.. ..
منتديات ليلاس
قالت بينى تشجعها :- جربى القريدس وسلطة الأفوكادو..انه لذيذ.. نظرت الى خاتم خطوبة مينا وأردفت تسأل باستغراب: أنت هنا بمفردك؟ - أجـــل
تكره مينا الرد على أسئلة شخصية لذا سرها أن يتحول اهتمام بينى الى الرجل الذى دخل الى المطعم. كان يرتدى سروالآ أسود من الجينز وقميصا قطنيا أسود ضيقا.. بدا فى غير محله فى غرفة مكتظة برجال يرتدون قمصانا وسراويل ملونة براقة ، وهو الى ذلك مختلف فى أشياء أخرى. لكن مينا لم تدرك سبب اعتقادها بأن الرجل الواقف فى الباب مختلف عن سائر السواح. كانت خصلات من شعره الأسود تلامس ياقة قميصه، ورموش كثيفة سوداء تخفى عينيه عن أنظار الفضوليين..
تمتمت بينى لزوجها ستافرو: ها هو غايفنغ كلينتيس، اسأله أن كان يود الانضمام الينا.,. ثم ألتفتت الى مينا تسألها: - أليس خارق الجاذبية؟ كنا نتحدث اليه فى المقهى ليلة أمس ..آه ! لم يرنا !
صاحت خائبة الأمل عندما ابتعد الرجل الى مائدة صغيرة بعيدة فى الزاوية رغم جهود ستافرو للفت انتباهه كانت طريقة سيره مختلفة.. وأحست مينا بشىء من الحذر يشوب حركاته. انه يتحرك بسرعه كبيرة وبهدوء لا يصدق بالنسبة لرجل طويل مفتول العضلات وعندما يتحرك تحت قميصه الاسود الرقيق. ووجدت مينا نفسها تحبس أنفاسها، تتأمل قسمات وجهه الخشنة الواضحة المعالم التى لاتفصح شيئا عن شخصيته.. أنه وجه قاس، ساخر بالنسبة لرجل فى أواسط الثلاثين.
|