8- المواجهة
بقيت رينا مذهولة , صامتة , مذهولة.
نهض لوجان بصعوبة مستندا على طرف الطاولة .
" سأذهب لأنام.......".
قالها بوهن , وأثناء خروجه كاد يصدم داني الذي جاء مهرولا:
" عم لوجان....".
قاطعته والدته فورا:
" تعال يا داني , عم لوجان متعب جدا".
حاولت أن تشغله طوال اليوم باللعب لكي لا يزعج لوجان في نومه , وبعد الظهر توقف المطر مما سمح لهما بالخروج والتنزه تحت أشعة شمس خجولة.
ولدى عودتهما وجدا كلمة من لوجان يخبرهما بأنه سيعود متأخرا." أحببتك....".
قالها بألم عميق , هل ماتت الآن عواطفه أتجاهها؟".
وعادت اليها صورة المشهد ووجه لوجان المعذّب اليائس , فأرتعشت خوفا , حاولت طويلا أن تخفي الحقيقة , ولكن الآن لم يعد ذلك ممكنا , صحيح أن لوجان كان يتحدث تحت تأثير التعب , ولم يحسب حسابا لكلماته لكن صدقه لا يشك فيه , تبقظت الذكريات البعيدة في ذهنها وصعدت الى سطح ذاكرتها ..... الأثنان أخفيا بعناد عن تيري الكراهية المستمرة والتنافر المتبادل , هي تحت ستار من البرود واللامبالاة , وهو خلف قناع من السلوك الهادىء والساخر , لكن في الحقيقة أن نزاعهما المستتر هو الذي يدفعهما الواحد نحو الآخر , وكأنه يخضع لأنجذاب مغناطيسي , حضور لوجان يكفي ليثيرها , وتحاول أن تجد تفسيرات مغلوطة وخاطئة لهذه الظاهرة , ولوجان يتابعها بعيونه ويغرقها بنظراته وتتظاهر بأنها لا تراه لكي لا تطرح على نفسها بعض التساؤلات , كما أنها لا تجرؤ أن تعترف لنفسها بالمتعة والغرور اللذين يثيرهما فيها بأهتماماته هذه.
لوجان ورينا أجبرا أنفسهما على تجاهل هذا الوعي الحسي , ولعبا لعبة السذاجة , وعندما أثارها مرة بدعاباته , التي كانت سلاحه الدفاعي المفضل , رمته بنظرة طويلة ومفهومة , كانت تشعر بالرضى وهي تفحمه على هذا الشكل , كانت متعالية عليه , ولكن هذا التعالي تحطم يوم وقعت على سلم المطار , وأرتمت على صدره ( أنت في مأمن , لن يحدث لك شيء ) , فهمت جيدا مغزى هذه الكلمات ذات المعنيين , لقد عرفت الخطر الذي أصابها.....
منتديات ليلاس
نفت فورا هذه الحادثة من أفكارها لكي لا تعطيها أهمية , لكن علاقتهما تغيرت منذ ذلك اليوم , بدت رينا أكثر بعدا وأكثر عدوانية , وأصبح لوجان أقل سخرية وأكثر نعومة وكآبة.
أكد تيري بعد فترة:
" لم يعد هو نفسه , لقد روضته يا رينا".
" الكل ينتهي بأن يروّض نفسه مع تقدم العمر , حتى لوجان".
" توحين أليّ وكأنني أصبحت عجوزا ( تدخل لوجان قائلا) تيري وأنا لنا نفس العمر يا رينا".
ورغم كل شيء كان يبدو أنه يكبره بعدة سنوات , كان تيري من نوعية الفتى الذي يحتفظ بجانب طفولي, وسيظل كذلك , وهذا يعجب زوجته كثيرا.
أحببتك ) ما زالت الكلمة ترن في أذنيها , هل توقف الآن عن حبها؟ وهل هي دفعته الى أحضان أنجيلا , ببرودها وصدّها العنيد؟
ومن ناحية أخرى فهو متمسك بهذه العلاقة ... لربما يفكر أن يقطع علاقته بأنجيلا؟ أو أنه يتخذ الآن قرارات أكثر أهمية ؟
وعند منتصف الليل نامت مرهقة من الأنتظار والتفكير , وعندما أستيقظت في الصباح كان لوجان في الصباح كان لوجان في الحمام , وكان قد نام في الغرفة الأخرى , دخل المطبخ بينما كانت تحضر الفطور , وقد أستعاد حيويته المعتادة , لكن نظراته ما زالت قاسية وبعيدة.
أنفطر قلب رينا وتمتمت بصوت شبه متوسل:
" صباح الخير يا لوجان ".
لكنه لم يعرها أي أهتمام وظلت عيونه ثابتة على الطاولة.
سأل :
" هل أستطيع مساعدتك؟".
" لا , كل شيء جاهز".
" أنك نشيطة ومنظمة ( قال بحياد) أن تيري أرشدك بشكل جيد".
جرحها , فغرزت يديها المرتعشتين في جيوبها وقالت:
" سأذهب لأبدل ثيابي".
أقفلت الباب بالمفتاح وغسلت دموعها وعندما عادت كان لوجان قد رحل , في الأيام التالية جربت كل المحاولات للتقارب , كان أحيانا مشغولا وأحيانا يلعب مع داني , وفي مرات أخرى عليه أن يخرج , وفي الفترات القليلة التي يلتقيان منفردين يظل محافظا على سلوكه القاسي والساخر.
هذا الموقف وضعها في حالة هياج جنوني , وبدلا من أن تحافظ على هدوئها لترغمه أن يناقشها بتعقل دخلت في اللعبة , مما جعل لوجان يضحك مسرورا لأنه يكاد يجعلها تخرج عن طورها.
وفكرت عدة مرات أن تحشره في زاوية , وتطالبه بتفسير صريح , ولكنها كانت تخاف من هاجس واحد , وهو أن يفضل أنجيلا أذا ما وضعته في موقف الخيار.... أشترى لوجان حوّامة صغيرة لداني , محددة المسافة , تقلع كآلة حقيقية , وتسير مسافات قصيرة على عدة أمتار من الأرتفاع , لكن كل هذا لم يرض داني , وأصر أن يركب في حوامة حقيقية , قبل لوجان شرط أن ترافقهما رينا.