1- الزائر
سمعت لورا صوت محرك سيارة تتوقف قرب المنزل , فأستمرت بتقطيع الخبز وتحضير الزبدة لشاي الساعة الخامسة كما هي العادة عند الأنكليز , وهذه المرة لا يقتصر تناول الشاي عليها وعلى أبيها وشقيقتها جويس , بل هم ينتظرون زائرين , ولورا معها الوقت الكافي لأنجاز عملها بينما يستقبل والدها الضيفين وتتم شكليات التحية والترحيب.
بدأت بوضع قطع الخبز على طبق وهي مسرورة لرؤية جدها لأمها بعد غياب غير مألوف , أذ أعتاد المجيء من بلده هولندا الى أنكلترا مرتين في السنة على الأقل لكنه تخلف عن ذلك بعد تقاعده من مهنته الطبية وضعف صحته , ولحسن الحظ أن صديقا له كان آتيا الى أنكلترا وتبرع بأصطحابه بسيارته لأن العجوز لم يعد يقوى على القيادة.
أنهت لورا عملها ونزلت من المطبخ الى غرفة الجلوس , وهناك جلس جدها الدكتور فان دوبيت في أحدى الكنبات الواسعة وشبه المهترئة , هرعت اليه لورا وعانقته بحرارة قائلة بصوتها الناعم:
" كم أنا مسرورة برؤيتك يا جدي! لقد أحضرت لك الشاي فلا بد أنك تعب".
أبتسم العجوز قائلا:
" عزيزتي لورا , أراك لم تتبدلي أبدا وأنا سعيد لرؤيتك بأحس حال , تعالي لأعرفك بصديقي الدكتور رالف فان ميروم".
منتديات ليلاس
نظرت لورا الى صديق جدها الذي يتحدث الى جويس بأهتمام ملحوظ في الطرف الثاني من الغرفة , أقتربت منه بخطى غير واثقة وحيته بعبارات متلعثمة لأنها صعقت بالمشهد , فرالف هو الرجل الذي نسجت مخيلتها صورته كفارس الأحلام المنشود , وها هو الآن يقف أمامها بقامته الفارعة , وعضلاته المفتولة , بشعره الأسود يخالطه شيب خفيف يعكس نضجه وأعوامه الفائقة الثلاثين بوضوح , بعينيه السوداوين يظللهما حاجبان كثيفان يزيدان محياه جدية ووقارا , أنه الرجل الذي تحتاج اليه لا سيما أنها أصبحت في التاسعة والعشرين من العمر ولم تعد تهتم للشبان العاديين الباحثين عن علاقات عابرة.
بذلت لورا مجهودا كبيرا لتحافظ على هدوئها وتتبادل عبارات المجاملة المعهودة مع رالف , الذي بادلها الكلام بكل تهذيب ثم أنصرف الى أكمال محادثته الهامة مع جويس التي لم تتوان عن التدخل بسرعة لتعيد أهتمامه اليها , وأهتمام الرجل بجويس لم يفاجىء لورا كون الشقيقة الصغرى فاتنة الجمال بوجهها الملائكي وعينيها الزرقاوين بصفاء السماء وأبعوامها العشرين التي تجعلها هدف أي رجل ذواق للجمال.
عادت لورا الى المطبخ لتحضر الشاي وهي تستعيد صور الطفولة في ذاكرتها , فجويس كانت محور أهتمام العائلة منذ ولدت , فكانت الطفلة اللعوب المدللة والتي لا يرد لها طلب , وعندما كبرت صارت محط أنظار معارف العائلة والأصدقاء , كل هذا لم يولد في نفس لورا شعورا بالغيرة والحسد , فهي فتاة رزينة وتكن لأختها كل محبة , لكن الطبيعة لم تنصفها , فهي لا تتمتع بجمال جويس , ومظهرها عادي جدا بشعرها البنب الفاتح ,وملامحها الخالية من الجاذبية , اللهم ألا أذا سجل لها حسن عينيها العسليتين المحاطتين برموش طويلة , ومع ذلك هي تعلم أنهما خاسرتان سلفا أية مقارنة محتملة بزرقة عيني جويس.
كان من الطبيعي جدا أن يسعد ربّا العائلة لكون الله منّ عليهما بأبنة كجويس , ولورا طالما شاركت والديها الشعور عينيه , وهي حاولت , بعد موت الوالدة , أن تكون لجويس أما وشقيقة , ولكن جويس , منذ بلوغها الثانية عشرة , أفهمت لورا أنها ليست بحاجة لحمايتها أو لرفقتها , وبعث رحيل لورا الى لندن لتتخصص في التمريض أرتياحا في نفس الأختين معا , والآن غدت لقاءاتهما مقتصرة على أيام العطلة التي تجيء فيها لورا من لندن , وجل ما تفعله في المنزل أراحة جويس من عبء القيام بالوظائف المنزلية لتتمكن من الذهاب حيث ومتى تشاء مع أصدقائها الكثيرين.
عادت لورا بصينية الشاي الى غرفة الجلوس وفوجئت لتبرع الدكتور رالف بحملها , كما لاحظت أنزعاج جويس من أفلات الرجل من شركها , وهو أنزعاج في غير محله أذ أن الرجل يحاول أظهار اللطف واللياقة بدون أن يجول في خاطره أكثر من ذلك...
والدليل على ذلك الأبتسامة الفاترة التي قابل بها لورا.
منتديات ليلاس
جلس الجميع يحتسون الشاي ويتبادلون الأحاديث في مواضيع مختلفة , وهذا لم يمنع لورا من الملاحظة أن جويس أسرت الدكتور رالف بفتنتها , والفتاة خبيرة حقا بفن أدارة الرؤوس... ولم تستطع لورا كتم شعور الغيرة لعدم قدرتها على جذب الرجال كما تفعل شقيقتها الآن.
لم تشارك لورا كثيرا في الأحاديث بل أهتمت بصب الشاي وتقديم قطع الحلوى والخبز والزبدة , ثم جلست الى جانب والدها تنصت اليه بهدوء يناقش تفاصيل مقال نشره مؤخرا في أحدى الصحف الأنكليزية , ومن وقت الى آخر , رمت الطبيب الهولندي وشقيقتها الجالسين في زاوية على أنفراد والغارقين في حديث طويل وحميم على ما يبدو , بنظرات فضولية .... وتساءلت الى أي مدى وصل الأنسجام بين الزاءر الوسيم والشقيقة الطروب , والحق أنهما يشكلان ثنائيا رائعا , جويس , التي علت وجنتيها حمرة وردية من الأثارة نجحت حتى الآن في أيقاع الطبيب في حبائلها , أزاء هذا الأعجاب المتبادل , سلمت لورا بالأمر وأدركت أن لا أمل لها برالف, لا شك في أنه الرجل الذي يجسد أحلامها , لكنه لا يعقل أن يكترث لها , وبوجود جويس يصبح هذا الأحتمال ضئيلا الى حد الأستحالة.