مشت السيدة فان ميروم الى جانب الزوجين الهولنديين , وهي تشعر بأستغراب كونهما يقومان بمهمة تخص الزوج أصلا , وقد يكون تخلّى عنها لبديليه لأن لورا بدورها بديلة لجويس , وتخيلتها متأبطة ذراع رالف تنتقل من غرفة الى أخرى لتتفقد أثاثها , ومستعملة دلالها وغنجها لتقنعه بتغيير هذا المقعد ونزع تلك اللوحة ........ولكن لماذا تسمح لورا لصورة شقيقتها بأن تصبح هاجسا يفسد حياتها ويلاحقها أينما ذهبت ومهما فعلت؟ لماذا تقضي بذلك على قبس أمل بالسعادة مع رجل قلبها وحلم عمرها؟
تعرّفت لورا أولا الى غرف الطابق الأرضي : قاعة أستقبال الضيوف , غرفة الجلوس , غرفة الطعام الواسعة بطاولتها الكبيرة وكراسيها الكثيرة , وأوضح هانز بفخر أن المائدة تتسع لعشرين شخصا وأن تقاليد الطعام ما زالت متبعة حرفيا منذ مئة وخمسين سنة ونيف , بعد ذلك دخل الثلاثة مكتبة الطبيب حيث مكتبة ورفوف المجلات الضخمة تضم في طياتها العلم والمعرفة الطبية الواسعة , وفي المكتبة مدفأة صغيرة وبعض المقاعد الجلدية , ومن المكتبة بلغوا صالونا مستديرا يستعمل كثيرا كما يبدو من المجلات الموضوعة على الطاولة في وسطه الى جانب مزهرية مليئة بالورود الحمراء.
أوضح هانز وجهة أستعمال هذه الغرفة:
" هذا الصالون يستعمل للأستراحة , ووالدة الدكتور رالف, رحمها اللو , كانت تمضي معظم أوقات فراغها هنا".
أنها مشكلة جديدة بالنسبة للورا , فهل يرغب رالف بأن تستعمل غرفة والدته المفضلة أم يفضل بقاءها بعيدة عنها؟ أقترح الهولندي وهو في طريقه الى الطابق العلوي:
" فلنترك المطبخ لنهاية الجولة".
المحطة التالية كانت غرفة رالف البسيطة , التي يغلب عليها الون البني , وشعرت لورا في هذه اللحظة أنها متطفلة تتدخل بما لا يعنيها , لذلك أختصرت زيارتها سريعا , ثم زارت أربع غرف نوم , أحداها واسعة كغرفتها , وجميعها مفروشة بذوق رفيع , وبعد أن أنتهوا من هذه الجهة أنتقلوا الى الجهة الخلفية حيث الصميم عشوائي قليلا , أذ أنتشرت الغرف الكثيرة بفوضى يمينا وشمالا حتى نسيت لورا عددها , ونظرا لوفرة الغرف سألت:
" كيف تستطيعان القيام بكل الأعباء؟".
فهمت هانا ملاحظة لورا وهزّت رأسها بينما أجاب هانز:
" هذه الغرف تبقى مقفلة فلا تستعمل ألا في المناسبات الخاصة عندما تجتمع العائلة كلها , كما أننا لا نعدم وسيلة عند تكاثر العمل فنستأجر مثلا خدّاما أضافيين للمساعدة".
لا ريب في أن رالف يملك أموالا طائلة ليعيش في قصر كهذا , ومن الطبيعي أن يطلعها على هذه التفاصيل عندما يهدأ باله وتزول آثار صدمته , فهي بالنتيجة زوجته ولها الحق بمعرفة كل شيء , لكن المقلق أنها بدأت ترى مشاكل جديدة لم تحسب لها حسابا تتجمع في أفق حياتها الزوجية.
عرّفها هانز وزوجته الى جناح مخصص للأطفال وفيه ثلاث غرف نوم وأخرى للمربية , وهذه الأخيرة ما هي ألا مربية رالف العجوز التي لا عمل لها بأنتظار مجيء أطفال جدد الى المنزل , وهي غائبة الآن في زيارة الى أسكوتلندا , فهمت لورا من خلال أبتسامة الهولنديين أن وجودها أيذان بقرب تأمين نزلاء لغرف الأطفال الشاغرة , والمنزل يحتاج لنفحة حياة لا يشغلها ألا الأطفال بحركتهم وضجيجهم , أحمرت لورا خجلا لهذه الفكرة وخوفا من ألا تكون الأم التي طالما أنتظرها آل فان ميروم.
في الطابق الأخير مزيد من غرف النوم وغرفة جلوس مريحة ,وأوضح هانز أن الخادمتين آني وألسا تنامان في هذا الطابق , كما قال:
" هناك عدة مخازن للمؤن والأغراض هنا , أذا لم تكوني تعبة بأستطاعتنا الأنتقال لرؤية الغرفة الزجاجية في الطابق الأرضي".
غرفة فسيحة مقفلة بألواح من الزجاج تسمح لأشعة الشمس بأختراقها من الجهات الثلاث , وضعت فيها أنواع مختلفة من الشتل والزهور , وتوسطتها طاولة وكراسي بيضاء تضيف بلونها بهجة الى بهجة , وفي خارجها مساحات من الأخضر عشبا والألوان الزاهية زهورا وشجيرات , وأحست لورا بالأنزعاج لأن رالف لم يكلف نفسه مشقة التلميح الى هذا الأطار الرائع الذي لم يكن ليتوانى عن وصفه بالتفصيل لجويس , والذي يكره فكرة حصول لورا عليه وهي لا تستأهله.
أكمل الدليل هانز شرحه:
" هناك حوض للسباحة في تلك الجهة , وكذلك مرآب للسيارات , وفي طرف الحديقة منزل صيفي صغير للذي ينشد الراحة والأنفراد , هل أعجبك المكان يا سيدتي؟".
أجابت العروس بحماس:
" لا أرى الكلمات المناسبة للتعبير عن الأعجاب!".
" أقترح تأجيل زيارة المطبخ , فما رأيك بالجلوس خارجا قرب ساقية الماء لأحضر لك الشاي الأنكليزي؟".
قبلت لورا بالفكرة وجلست تحتسي الشاي لما أتى هانز بزائر شاب , متوسط القامة أشقر الشعر أزرق العينين.
أنحنى الزائر أحتراما في حين قدّمه هانز :
" الدكتور فان نيهوف شريك الدكتور رالف , سأحضر فنجانا آخر للضيف".
وقفت لورا وصافحت الشاب قائلة:
" لي الشرف بالتعرف الى من حدّثني عنه رالف خيرا , ولكني لم أتوقع مقابلتك بهذه السرعة".
" كنت في طريقي من أمستردام الى البيت يا سيدتي فخطر لي المرور لألقي التحية عليكما , وأذا بي أجد رالف قد خرج الى العمل , ولا أعلم ماذا طرأ حتى أضطره الى معاودة العمل اليوم".
" لا أظن أن طارئا حصل , فهو قال أن لديه الكثير من المشاغل للأنجاز , ولكن شكرا على الزيارة فهذا يتيح لي تقاسم الشاي مع جليس صديق لزوجي".