أما رالف فأنصرف أولا الى توضيب أغراضه وأغراض عروسه في غرفة كل منهما , وبعدها خاض مع الرجلين نقاشا طبيا شائكا , والمؤسف أن السيدة ويتاكر , كانت في بيتها تعتني بأولادها المصابين بداء الجدري , وبالتالي لم يبق للورا سوى الهر سوكي يؤنس وحدتها أثناء أعداد الطعام , وهكذا أخذت تناقش الحيوان المسكين , الذي ينتظر عشاءه بفارغ الصب , بأمر زواجها , ثم وعدته بأنها ستضاعف حصّته من الحليب لأنها ستتركه قريبا وتترك الأعتناء يه لوالدها.
في هذه اللحظة دخل رالف مقترحا:
" والدك يود الأحتفال بالمناسبة السعيدة , فهلا أنضممت الينا , أم تريدين أن أساعدك بشيء ثبل ذلك؟".
" لا , فالعشاء أصبح جاهزا , سآتي معك".
أنضمت لورا الى الرجال الثلاثة وجارتهم في مزاحهم , وبعد قليل أنسحبت الى المطبخ من جديد لتضع اللمسات الأخيرة على عملها , وفي تلك الليلة أحست لورا بأنها فقدت وعيها وأنها لا تعرف كيف تستقبل الغد , في العاشرة أعتذرت من الرجال وصعدت الى غرفتها حيث غسلت شعرها , حضّرت ثياب العرس , قلّمت أظافرها بعناية كبيرة , وأوت الى الفراش , وسرعان ما تسلل النوم الى عينيها مغرقا أياها في غفوة منعشة لم يقطعها سوى رنين الساعة في السابعة صباحا من اليوم التالي.
أنتهى كل شيء في غضون خمس ساعات , ووجدت لورا نفسها من جديد في غرفتها تعد العدّة لترحل مع رالف , وخلافا لمخاوفها تمت مراسم الزواج وسط جو بهيج أذ حضر معظم أهل القرية وأنتشروا على طول الطريق يحيّون العروس ويرشقونها بالزهور والتمنيات المخلصة.
الوحيد الذي بدا قليل الأكتراث فاتر الحماس لما يجري هو رالف ,وقالت العروس في نفسها أنه كان عليه التظاهر قليلا بالفرح لئلا يثير شكوك الحاضرين ويدير ألسنتهم في أقاويل خبيثة.
المهم أن العملية تمت بسلام وبقدر معقول من البهجة , مما طمأن قلب لورا الخائفة من مستقبل مجهول.
خلعت العروس ملابس العرس ووضعتها في الحقيبة , لتستبدلها بملابس صيفية نيّرة , وبعد ذلك زيّنت وجهها وسرّحت شعرها , وقبل أن تخرج من الغرفة وقفت تتأمل باقة الورود العطرة التي أهداها أياها رالف بدون أي عاطفة , بل أتماما لتقليد كما قال , ومع ذلك قررت لورا أخذ الباقة , فحملت حقيبتها ونزلت لتبلغ اللرجال الثلاثة أنها مستعدة للأنطلاق , جلس الثلاثة في المكتبة يتحادثون وكأنهم في أي يوم عادي , لا يبدو عليهم ما يدل على خروجهم من حفل زفاف , ولاحظت لورا أن رالف بدّل ملابسه وأرتدى بدلة كحلية أنيقة , كما نظرت الى المحبس الذي قدّمته له وتحسست لاشعوريا محبسها الموضوع الى جانب خاتم الياقوت.
ألتفت رالف ناحيتها ونهض قائلا:
" ها هي العروس جاهزة , سأذهب لأحضر السيارة بينما تودّعين والدك وجدك".
نهبت سيارة العروسين الفخمة الأرض نهبا في ذلك اليوم المشمس , وأمضت لورا الأميال الأولى صامتة , ولم تتكلم ألا بعد أن أحست أن الصمت ثقل.
" أتعتقد أن بأستطاعة جدّي البقاء مع والدي أسبوعا آخر؟".
أجاب رالف , الذي لم يسلك طريق شلمزفورد بل طريقا أخرى الى لندن:
" ولم لا ؟ أنا متأكد من أنه سيجد عذرا جديدا ليمكث هنا أكثر عندما نعود لأصطحابه الى هولندا بعد أسبوع ".
وأضاف الرجل مفاجئا عروسه :
بدوت جميلة اليوم في العرس ,وفستانك هذا رائع يا عزيزتي".
أكتفت العروس بتمتمة كلمات شكر لأن أطراء رالف فاجأها تماما , ولتهرب من الأحراج أستوضحت:
" الى أين نحن ذاهبان؟".
" ألم أقل لك الى أين ؟ يبدو أنني مصاب بفقدان الذاكرة هذه الأيام! سنسلك طريق كادنام بأتجاه قصر كورف فقد حجزت غرفتين هناك , هل زرت هذا القصر يوما؟".
" مرتين ولكنني لم أمكث فيه الليل , أنه مكان رائع".
" أخشى ألا يكون القصر هادئا في مثل هذا الوقت من السنة ولكننا سنخرج في النهار الى حيث تقودنا الصدفة , وفي أي حال بأمكاننا الذهاب الى مكان آخر أذا لم ترق لك الفكر , فكل شيء قابل للنقاش".
" الفكرة رائعة خصوصا أنني أحب النزهات العفوية غير المبرمجة , فهكذا يتاح لي فرح الأكتشاف".
كانت بقية الرحلة ممتعة الى حد كبير ولورا أمضت القسم الكبير منها تحاول أستيعاب حقيقة زواجها من فارس أحلامها , أما رالف فبدا كأنه يخرج مع صديقة لا زوجة مضيفا على الجو مسحة من البساطة , ولم تدرك لورا حقيقة الزواج ألا عندما وصلا الى قصر كورف الحجري القديم , المزروع وسط المروج كلوحة في أساطير الأطفال وكلمة مسكوبة في أخيلة الشعراء , ولم تصدق العروس أذنيها عندما توجه اليها موظف الأستقبال بالسيدة فان ميروم , وعندما أبلغه رالف أن السيدة ترغب بالصعود الى غرفتها فورا , تبعت لورا الحمال الى الغرفة ووجدت أن زوجها حجز غرفتين متلاصقتين في الجهة الخلفية للقصر , يفصل بنهما باب صغير , وأعجبت كثيرا بفخامة الأثاث المحافظ على أجواء القرون الغابرة بدون أهمال وسائل الراحة العصرية , بدأت تفك حقيبتها وتعليق ثيابها في الخزانة ورالف لم يظهر بعد, ثم أغتسلت وخرجت الى الشرفة تتأمل المشهد الطبيعي الفتّان , وفي هذه اللحظة أنضم اليها زوجها , كانت الشرفة الأطار المناسب لتناجي الحبيبين , لكن أين رالف من الرومنطيقية في هذه اللحظات؟ فهو قصّر كلامه على سؤالها ما أذا كانت جائعة , وأنه يفضل تناول العشاء باكرا والذهاب بعده في نزهة الى المدينة الصغيرة المجاورة , قال قبل أن ينسحب الى غرفته:
" سأعود بعد ربع ساعة".