لم تجد لورا الكلمات المناسبة للتعليق فتمنت له ليلة طيبة وأنسحبت الى غرفتها , حيث جلست أمام تحدق في وجهها , ولما تأهبت للذهاب الى النوم قالت في نفسها : لا بد أن الضوء كان خافتا عندما أبدى ملاحظته الأخيرة , في اليوم التالي فوجئت لورا برالف يصل الى مكتبها بينما هي غارقة في خضم من الأوراق , وعاجلها بسؤال شكلي ما دام قد حصل على الجواب بطريقة ما:
" هل أنت حرّة بعد الخامسة؟".
" نعم , لماذا؟".
" بأمكاننا الذهاب الى قريتك لأتمام بعض معاملات الزواج لدى السلطات المحلية أذا وجدت نفسك مرتاحة".
لم يخن صوتها الهادىء الأثارة في داخلها عندما قالت:
" فكرة جيدة ,لكنني قد أتأخر الى ما بعد الخامسة بقليل".
منتديات ليلاس
مكث الرجل عندها بضع دقائق ثم ذهب وتركها مع أوراقها وتكهناتها , وأخذت تفكر بالعرس البسيط الذي يريده رالف , وبالعطلة القصيرة التي سيمضيانها قبل السفر الى المنزل الزوجي في هولندا , أتستطيع لورا أعتبار هذه العطلة شهر عسل أم أن الزواج المعقود ( بالتراضي) لا يعترف بهذه التفاهات الرومنطيقية , لم يطرد األأفكار السوداء من رأسها سوى تفكيرها بما سترتديه في يوم العرس , وساهم هذا الأمر بعودة النشاط اليها وأستطاعت أنهاء التقرير اليومي وتسليمه لبديلتها آن , أرتدت لورا ملابس البارحة نفسها , وهو أمر لا تفعله جويس, وبذلت كل ما في وسعها حتى لا تتأخر كثيرا , ومع ذلك كانت عقارب الساعة تشير الى السادسة لما فتحت باب الغرفة لتنزل الى المدخل , وبينما هي تقفز السلالم تذكرت أن رالف ليس لديه سيارة , وأنهما سيضطران الى ركوب القطار المزدحم في مثل هذه الساعة أزدحاما خانقا , ولكنها مخطئة أذ عندما وصلت الى بوابة المستشفى رأت رالف متكئا على مقدم سيارة قديمة من طراز موريس تخص جورج وايت , بادرت الفتاة الى القول:
" مرحبا , قل لي بحق السماء كيف أستطعت أقناع جورج بأعارتك سيارته , فهو لا..".
قاطعا رالف:
" لكل قاعدة أستثناؤها , لقد أقسم لي أنها تمشي كالغزال , والمهم أن توصلنا , أما أذا تعطلت فسيكون ذلك درسا قاسيا لأنني لم أحضر سيارتي".
" لماذا لم تحضرها؟".
أجاب رالف والسيارة تتغلغل في زحمة شوارع لندن:
" لم يكن لدي المتسع من الوقت وأردت رؤيتك بسرعة يا لورا , لذا جئت بالطائرة".
لم تجد لورا تعليقا سوى أيماءة برأسها وظلت ساكتة حتى خرجا من المدينة وبلغا ضواحيها وهناك أستوضحت:
" ما سبب رغبتك برؤيتي؟".
" أردت التأكد من نهائية قرارك فأنا من جهتي عاقد العزم على المضي بالخطة حتى النهاية".
زاد رالف من سرعة السيارة القديمة والتي فوجىء بقوتها ومتانتها , ولورا جالسة بقربه تحلل كلماته معتبرة أنه يبذل وسعه لينسى جويس والخيبة التي هزّته أثر رحيلها , ثم أمعنت النظر في وجهه متسائلة عن صحة عزمه على تنفيذ الأتفاق الذي يريد عقده معها , هل من المعقول أن يمضي رجل حياته مع أمرأة بدون أن يلوّن علاقتهما بالعاطفة , أم أن رالف سيلين ويمنحها بعضا من حنانه؟ المهم ألا تظل ذكرى جويس هاجسا ملازما لهما تقضّ مضجعهما وتفسد حياتهما , قطعت لورا تساؤلاتها قائلة:
" أسلك المنعطف التالي الى اليمين فالطريق من هنا أقصر".
شرع رالف يتحدث عن أشياء متنوعة وغير مهمة , لكن لورا سرّت بها أذ أكتشفت من خلالها أنهما يملكان آراء ومواقف مشتركة من كثير من الأمور , وشيئا فشيئا شعرت بالأنسجام التام معه وزوال أي حاجز أو تحفظ بينهما , ولما وصلا الى البيت كانت لورا في قمة أرتياحها الى الرجل الذي سيشاطرها حياتها , مرت الأمسية بشكل مرض , أذ وافق الوالد بسهولة على الزواج في حين أن العجوز تصرّف كأن الثنائي مصمم على الزواج من زمان أو كأن لا وجود لعلاقة سابقة بين رالف وجويس , ثم جلس الأربعة يتحادثون لنصف ساعة وبعدها أنسحب الثنائي الشاب لمقابلة مختار القرية, أستقبلهما الرجل الفضولي الللجوج وأغرقهما بأسئلة لا تنتهي , حتى أنه قال لرالف:
" أعتقدت خطأ أن صغيرتنا جويس هي التي كانت ستصبح عروسا لك , لقد أرتني يوما خاتما ثمينا رفضت أن تقول لي من قدّمه لها ,والآن عرفت أنه ذلك الشاب الأميركي الثري , من المؤسف أنهما لم يتمكنا من عقد قرانهما هنا في القرية , ويبقى المهم أن يسعدا في حياتهما ويبنيا عشا زوجيا متينا , نظر ارجل الى لورا مستوضحا , هل وصلتكم أخبار جديدة عن شقيقتك؟".
تولى رالف الأجابة بأيجاز معيدا ذاكرة المختار الى أمر زواجه , ثم سأله:
" أتعتقد أن العاشرة صباحا وقت مناسب للزواج , أم أنه موعد مبكر؟".
أجاب المختار:
" بالطبع لا , خاصة أنكما تريدان زواجا بسيطا هادئا , لا شك أن أهل القرية يتمنون حضور الزفاف نظرا لشعبية اورا ومحبة الجميع لها".
أبتسم الرجل بخبث قائلا:
" ترى ماذا سترتدين للمناسبة يا عزيزتي؟ وما أزال أذكر ملابسك الجميلة عندما أقام والدك حفلا لذكرى ميلادك من ثلاثين سنة بقليل".
لم تتمالك لورا من الأرتجاف لهذه الملاحظة القاسية التي أراد فيها الرجل تسجيل نقطة أو تنبيه رالف الى عمر عروسه , ومع ذلك قالت بكل ثقة:
" لم يتح لي الوقت للتفكير بما سأرتدي يا سيد كارتر , أعذرنا لأضطرارنا الى الأنصراف أذ لدي عمل في الغد , فهل أتفقنا أذا على الساعة العاشرة؟".\
عاد رالف ولورا الى البيت , كما ذهبا , سيرا على الأقدام , وفي الطريق قال الرجل:
" أعتقد أن أهل القرية سيفرحون لو أقمنا عرسا بهيا وسارت خلفك عشر وصيفات يحملن الطرحة البيضاء الطويلة".
لم تعلق لورا على هذا الكلام بل أستسلمت لنظراته تتفحصها جيدا ليخرج بنتيجة جديدة:
" أنت تبدين أصغر من عمرك الحقيقي يا لورا".
شكرته الفتاة متظاهرة بالغباء ومعتبرة كلامه مديحا , مصممة على الأنتقام منه في المستقبل والرد على كل ملاحظة جارحة يبديها بحقها , مرت بقية الأمسية بسلام أذ أستطاع رالف الأنسجام في أحاديث والد لورا وجدّها المحنك , بدون أن يبدي ما يكشف الألم الذي يعتصر قلبه , ولم تلاحظ لورا عليه شيئا ألا عندما ذكر العجوز عمدا أسم جويس فتوتّر الطبيب الشاب قليلا وفي عينيه ما يشبه الحنين , ومع ذلك أستمتعت لورا برحلة العودة , ولو أظهر رالف المزيد من الأهتمام بحفل الزفاف وبأحاديثها عامة لأستمتعت أكثر , في المستشفى أوصلها الى جناح سكنى الممرضات متمنيا لها ليلة هادئة وواعدا بلقاء قريب ومضيفا قبل أن ينسحب:
" أنا مدين لك بخاتم أرجو ألا أنسى أحضاره في المرة المقبلة ".
تعجبت لورا لهذه الطريقة الغريبة لأتمام خطوبة , وكأن الأمر بسيط للغاية يتعلق بشراء علبة سجائر.
أوت الممرضة الى فراشها وهي تقول في نفسها أنها ما كانت تقبل بالزواج من رجل محطم ومجرد من الشعور كرالف , لولا أنها واثقة من صلاحها زوجة له وقدرتها على أن تنسيه جويس المشاكسة رغم غيابها.
" أتفقنا".