أنهت لورا طعامها بسرعة وخرجت من القاعة على تمنيات زميلاتها بأن تكون العقبى لها قريبا.
شغلت الممرضة المتفانية طوال النهار بأربعة مرضى يحتاجون جميعهم الى عمليات خطيرة , وما أدرى الناس بالجهد الكبير الذي تبذله الممرضة لتحضير المريض جسديا ونفسيا لأدخاله الى غرفة العمليات , وبعد ذلك يبدأ التحضير لأستقباله من جديد وتأمين برنامج المراقبة الذي يسيء مجيء الطبيب مجري العملية للفحص وأعلان النتائج , أضف الى ذلك هجوم زوجات المرضى الآتيات من منازلهن , المسلوخات عن أولادهن , ينتظرن رحمة الرب فيما رأس العائلة مستسلم لمبضغ الطبيب يقص ما يمكن أن يكون خلاص العائلة أو شقاءها.
وهذه المرة كان عليها مواجهة أسوأ ما في الأمر , فقد توفي أحد المرضى فور خروجه من غرفة العمليات متأثرا بهبوط مفاجىء في ضغط الدم لم يستطع الأطباء المهرة تداركه , وأضطرت لورا الى البقاء مع الأرملة المفجوعة حتى جاء بعض الأقارب وأصطحبوها الى البيت.
بعد هذا النهار الطويل المرهق صعدت الى ملاذها الوحيد.... غرفتها , وبالكاد أستطاعت أخذ حمام سريع وأرتشاف بعض الشاي الذي أحضرته آن ,حتى غطّت في نوم عميق.
منتديات ليلاس
مرّت بقية الأسبوع بسلام أذ تحسنت حالة المرضى الثلاثة الآخرين بشكل مشجع , كما ذهب الشبان , الذين خضعوا لعمليات نزع الزائدة الدودية , الى بيوتهم بعد أن قدموا الى لورا باقة كبيرة من الورد , والمفاجىء أن السيد بلايك الدائم التذمر عاد يوما الى المستشفى ليقدم للورا شكره وأمتننانه على العناية التي خصّته بها, لم تصدّق لورا عينيها عندما رأته ووقفت تحدق فيه لا تدري ما تقول معجبة بالمجهود الذي بذله ليرغم نفسه على القيام بهذه الزيارة , بعد ذلك أصطحبته الى قاعة المرضى ليلقي التحية على أثنين من زملائه السابقين.
تلقت لورا مكالمة من جويس في وسط الأسبوع تبلغها فيها أن رالف آت ليمضي السبت والأحد عندهم , وأفهمتها بما لا يقبل الجدل ـن وجودها سيفسد الجو عليها وعلى رالف ويعيقهما في مشاريعهما , أذ سيضطر الخطيب تهذيبا الى دعوتها للخروج معهما , ولورا لا تريد بالطبع أفساد سعادة أختها , فقررت التخلي عن يومي العطلة والبقاء في المستشفى , لهذا أتصلت بشقيقتها في أواخر الأسبوع وأختلقت عذرا لتبرر عدم ذهابها الى البيت...... وجويس لم تكت تنتظر أحسن من ذلك.
" ما سبب عدم مجيئك؟".
" طلبت مني أحدى الممرضات العاملات في قسم المعالجة الفيزيائية الحلول مكانها لأنها ذاهبة لحضور حفلة زفاف صديقة لها".
" قد يكون غيابك يا لورا أفضل لنا , فأنا لا أرى رالف كثيرا كما تعلمين وأود أن يكون متفرغا لي عندما يأتي , وعلى فكرة , هو آت في الأسبوع المقبل أيضا , وأنت ستكونين مرتبطة بدوام العمل على ما أعتقد".
ولأرضاء جويس جاء كلام لورا موافقا:
" تماما , فأنا لن أحضر ألا بعد أسبوعين كوني بحاجة لجلب بعض الملابس الصيفية من خزانتي ".
قررت لورا بذل ما في وسعها من الآن وصاعدا حتى ترتب عطلها بشكل لا يتعارض مع لقاءات رالف وجويس , وتمنت لو أنهما يتزوجان بسرعة ويستقران في هولندا ليعود بأستطاعتها الذهاب الى بيتها بحرية , فأذا ظل هاجس وجود رالف في منزلها يلاحقها , لن تتمكن من التوجه الى هناك ومواجهته لئلا تنهار معترفة بحبها ومفسدة سعادة شقيقتها الصغرى.
تنهدت وأعادت تركيزها على الملفات والأوراق المتجمعة على طاولتها , والتي تشكل ملاذها الوحيد للفرار من التفكير برالف .
لمّا حل يوم السبت بدأت لورا تفكر بوسيلة لتمضية الوقت , فالبقاء في لندن الكئيبة ليس واردا , ولم تجد بعد غربلة الأحتمالات المتوافرة أفضل من الذهاب لمشاهدة معرض للصور الفوتوغرافية , ثم الى السوق للتبضّع , وفي المساء دعاها جورج وايت الى مشاهدة فيلم سينمائي أكتشفت أنه ممل أكثر من جورج نفسه , فقد كان فيلما يعالج موضوعا نفسيا عميقا بسوداوية مرعبة , وزادها أرهاقا للأعصاب أصرار جورج على التعليق الهامس على مشهد وعناد في تحليل كل لقطة , وبعد أن جاء الفرج وأنتهى الفيلم أصطحبها جورج الى عشاء عادي جدا توجه بمحاضرة مطّاطة عن آخر أكتشاف في مجال المضادات الحيوية .... ولكن يمكن القول أن الشاب أنتشلها من وحدتها المطبقة على الأقل , ولا ريب أن جورج سيكون زوجا مثاليا لمن تحظى به , لكنه يخلو من روح المرح ونعمة المبادرة , فمجالسته روتين ممل ورتابة قاتلة , ولربما كان رالف فان ميروم يخلو أيضا من روح المرح , فلورا لم تتعرف اليه كفاية حتى تحكم عليه , وأن يكن من الأكيد أن جورج ما كان توقف في وسط الطريق ليلتقط كلبا جريحا ويغامر بأدخاله الى مستشفى محترم كمستشفى المحبة ليعتني به , فجل ما كان فعله جورج هو أخذ الكلب الى طبيب بيطري ونفض يديه من القضية.