2- الحب المستحيل
ألتقت لورا برالف من جديد بينما كان يرافق الدكتور برنيت في جولته الأسبوعية التي يتفقد خلالها مرضاه , حياها بشيء من البرود ولم ينس أن يطمئنها الى تحسن حالة الكلب.
أبدت لورا سرورها لذلك بدون أن تخرج عن حدود الجدية اللازمة في ممرضة مسؤولة تقوم بأرشاد الطبيب الى المرضى وأعطائه لمحة عن حالة كل منهم , وزادها رصانة الثوب الأزرق والقبعة الصغيرة الموضوعة على رأسها بترتيب مخبئة شعرها المعقود داخلها.
سلمت الى بيرنيت قسيمة المريض الأول معلقة بصوتها الناعم والواضح:
" آرثر ترو, أدخل الى المستشفى في العاشرة من ليل أمس , مصاب بحروق في الوجه , أرتجاج في الدماغ , وكسر مزدوج في ساعده الأيمن".
تحدث بيرنيت كعادته الى نفسه قبل أن ينهي تفحص الملف ويقول بصوت عال:
" هل كل شيء يسير حسنا بالنسبة الى حالة المريض ترو يا جورج؟".
جورج وايت جراح شاب , يتمتع بقدر كبير من الجدية والتفاني في العمل , يمكن الأعتماد عليه في أشد الملمات ويكاد لا يهدأ لكثرة ما يعمل , لكن شخصيته تخلو مع الأسف من الجاذبية والأثارة , فهو بليد وممل ولا يملك ذرة من روح المرح , تجلى بطؤه في تلاوة التقرير مع أن الدكتور بيرنيت بدا على عجلة من أمره للبدء بمعاينة المريض , ولورا فطنت لذلك وبدأت بتحضير المريض بشيء من الصعوبة كونه ما يزال فاقد الوعي غير قادر على الحراك , وأستطاعت بعد جهد وبمساعدة ممرضة ممرضة متدرجة أعداد العدة ليلقي بيرنيت نظرة سريعة على الرجل , قبل أن ينتقل الجميع الى حافة سرير آخر.
من جديد أعطت لورا المعلومات للأطباء الثلاثة:
" ألفريد تريم , نزعت القطب البارحة بعد أبلاله من القرحة ".
نزعت لورا الأغطية ووقف الجميع يتأملون ما صنعته يدا الدكتور بيرنيت الماهرتان , وقال الجراح بشيء من الأعجاب بنفسه:
" أظن أن علينا أرساله الى بيته في وقت قريب".
في السرير التالي تمدد شاب بدا عليه التعب وأشتداد المرض , وبثقة المحترف ألنت لورا:
" جرح عميق سببته طعنة من آلة حادة في الصدر , غيرت الضمادات منذ ساعة تقريبا".
وقف بيرنيت بفكر عميقا ثم أقترح:
" سنلقي نظرة على هذا الجرح".
أقترب الأطباء الثلاثة من الجريح وعاينوه بدقة متبادلين الآراء الطبية , والتي كان دور جورج وايت فيها الموافقة على كل ما قاله بيرنيت ورالف , وأخيرا كانت الكلمة الفصل لبيرنيت:
" سندخله الى غرفة العمليات في الخامسة بعد الظهر".
وبالطبع , وافق الجميع أذ لا أحد يعارض قرارات رئيس قسم الجراحة في المستشفى , مع الأشارة الى أن الخامسة موعد غير مناسب جدا من الناحية الأدارية لأجراء العمليات , وسبب ذلك أن لورا تنهي دوامها في الخامسة وزميلاها بات لا تعود قبل السادسة , ولا أحد غيرهما يستطيع المساعدة في العمليات , وبالتالي أصبح لزاما عليها البقاء في الخدمة ساعة أضافية , كتمت لورا تنهيدة تعبة في اللحظة ذاتها التي ألتقت عيني رالف فان ميروم , فغمرها شعور بالذنب دون أن تدري سببه , ولما أبتسم لها رالف زاد أضطرابها وتجهم وجهها كأنه يعلم ما يدور في خلدها , وكأنها خانت مبادىء مهنتها السامية.
منتديات ليلاس
رالف رجل مقلق ومزعج دخل حياتها من حيث لا تدري وقلب مسارها رأسا على عقب , ومجنون من قال أنه من الأفضل أن نحب ونفشل من أن لا نعرف طعم الحب أبدا , فلورا كانت تعيش مقتنعة بواقعها , معترفة بعدم حصولها على السعادة , ولكنها في الوقت نفسه ناجية من الشقاء , والآن ها هي كمن أجتاحها أعصار يحملها الى حيث قد لا تنجح في حط الرحال بأمان.
السرير التالي كان فارغا بأنتظار نزيل جديد فأنتقل الجميع الى السرير الذي بعده , أزاحت الممرضة المساعدة الستائر عن رجل عجوز خضع لعملية جراحية في الأمعاء منذ يوميت وحالته لم تسجل أي تحسن , والدكتور برينيت ألمح الى أن العجوز تايلر لن يعيش طويلا , نظرت لورا الى الرجل الهرم بتعاطف ورجاء بأن يموت الرجل بهدوء وبدون أن يتعرض لكثير من الألم , لم يسع الدكتور برينيت سوى تبادل حديث قصير كاذب مع تايلر طمأنه فيه بأن حالته ستتحسن قريبا وأنه سيتعافى ويعود الى سابق عهده , وأشرك برينيت رالف في الحديث ليدعمه في أكاذيبه الضرورية لتهدئة روع المرض.
وأستمعت لورا بأعجاب الى كلام الطبيب الهولندي بأنكليزيته الممتازة ويحسن أنتقائه الكلمات المناسبة للحالة اليائسة التي يوجد فيها المريض , وهنا أدركت لورا أنها لأحبت رالف مهما كان ومهما فعل , وكونه طبيبا متمتعا بهذا الهدوء وهذه الرزانة ما هو ألا سبب فوق سبب يجعلها تغرق في حبه أعمق فأعمق.
أنهى الدكتور برينيت معاينة المرضى الثلاثة التاليين بسرعة , فهم شبان خضعوا لعمليات نزع الزائدة الدودية , وها هم الآن شبه متعافين على وشك العودة الى بيوتهم , وفي أنتظار ذلك يمضون أيامهم بلعب الورق ومعاكسة الممرضات , لكن الخبرة الطويلة في هذا الحقل علمت لورا كيفية التعامل مع هذه الأمور , فخير وسيلة لدفع أزعاج مثل هؤلاء الشبان هو مصادقتهم وبذلك يخجلون من القيام بأي عمل مسيء لهذه الصداقة , وبالفعل تمكنت من ترويض الشبان الثلاثة وجعلهم يطيعون أوامرها دون مناقشة.